أقام قسم الدراسات الأدبية والفكرية بمركز جيل البحث العلمي أمسية يوم الخميس 14 يناير الماضي ندوة علمية تناولت بالبحث والمساءلة والتنقيب رواية “ربيع الكورونا” لعضو هيئة تحرير مجلة جيل الدراسات الأدبية والفكرية الأستاذ الدكتور أحمد رشراش من ليبيا ، بإدارة رئيسة تحريرها الدكتورة غزلان هاشمي من الجزائر ، وذلك تحت إشراف رئيسة المركز الأستاذة الدكتورة سرور طالبي.
وقد شاركت في هذه الندوة أسماء أكاديمية عربية وإسلامية، من خلال مداخلات علمية كانت الأولى موسومة بـ “ربيع الكورونا :رواية الآلام والآمال “للأستاذ الدكتور محمد البدوي من تونس، حاول من خلالها تقصي مواجع الرواية ومظاهر الأمل التي رافقتها عبر المسافات البوحية ، إذ وضح أن الرواية لا تتقصد رصد مظاهر الوباء وتداعياته فقط ، وإنما هي تقدم أوجاع الوطن ـ ليبيا ، وتصور الأحداث المؤلمة التي مرت بها .
أما المداخلة الثانية فكانت تحت عنوان “الحب زمن الكورونا:قراءة في رواية ربيع الكورونا لأحمد هادي الرشراش”، والتي بينت فيها الدكتورة سلوى السعداوي من تونس أن هذه الرواية قد ركزت على التيمات التقليدية ومنها تيمة الحب، هذا ووجدت أنها تنتمي الى المعاينة الصحفية والسرد المباشر التسجيلي،كما تنهض على بنية كلاسيكية تقليدية، إذ تحمل رسالة تتمثل في الانجذاب الوجداني والتقارب التاريخي والوجداني والسياسي والاجتماعي بين البلدين الشقيقين : تونس وليبيا ..، ولأن الرواية حسب رأيها ترتكز على هذه العاطفة فإنها لا تعد رواية ألم كما ذكر الدكتور بدوي في مداخلته.
فحين قدم عضو لجنة التحكيم د. مصطفى عطية من الكويت المداخلة الثالثة الموسومة بـ”رومانسية الذات والمكان وأزمة الزمان والإنسان: رواية ربيع الكورونا نموذجا”، والذي ذكر فيها أننا أمام رواية تحضر فيها تقاطعات كثيرة، التقاطع الأول تتحدث عن زمن كورونا ـ التقاطع الثاني هو أن الرواية تسجيلية وبرر ذلك أن رشراش كتب رواية الأزمة وكتبت في زمنها ـ هذا ووجد فيها حضور السياسة وتداعيات الربيع العربي ..، فكرة الشخصيات والتي تنتمي كلها إلى قطاع الإعلام، هذا وأوضح أن الرواية تشتغل على تيمة الحب لكن المقصود منها هو توضيح العلاقة الوجدانية بين البلدين ..،كما وجد أن الروائي رشراش يركز على التفاصيل وجماليات المكان .. ليتبين لنا أنها تتقاطع مع رواية السيرة الذاتية في كثير من محطاتها البوحية.
أما المداخلة الرابعة فلقد قدمتها الدكتورة زهرة الثابت من تونس، و التي كانت تحت عنوان “الخطاب الروائي في زمن الكورونا: قراءة في العتبات النصية لرواية ربيع الكورونا”، إذ وجدت أن الرواية خطاب يحتمل التأويل والقراءة المتعددة، ركزت على عنصرين: العنصر الأول العتبات، في عتبات الخطاب تجد أنها صنفان، عتبات المناص النشري التي تخص الناشر مثلا ، طريقة كتابة العناوين وكذا الصورة على اعتبار أنها لغة بصرية، إذ قدمت قراءة في الغلاف، وعتبات تخص المؤلف والتأليف ..كالإهداء من خلال وظائفه وكذا عتبة العرفان ..الخ ، العنصر الثاني مرجعيات الخطاب كالواقع من خلال تخير الأماكن والأحداث وغيرها… والشعر من خلال استثمار بعض أقوال الشعراء، وكذا الفلسفة والرواية و الإعلام وغيرها.
أما المداخلة الخامسة فقدمتها الأستاذة ابتسام صفر من ليبيا ووسمتها بـ «قراءة نقدية في رواية ربيع الكورونا”، ركزت فيها على تقديم تمظهرات البطل كالبطل العطوف وغيره، دلالة المكان، وكذا أصدقاء البطل من خلال المكان والتنقل عبر الأمكنة والتي تدل على التنوع الثقافي، والمطار … هناك إذن تداخل مكاني ـ هذا وبينت أن الحوار كان دليلا كذلك على التنوع المكاني فهي حسب رأيها رواية مكان بامتياز .
وكانت المداخلة الأخيرة من تقديم الأستاذة جيهان علي الدمرداش من مصر، وعنونتها بـ” الابداع والوباء والحب قراءة في زمن رواية ربيع الكورونا”، إذ وضحت أن الرواية تبلور أزمات الانسان المعاصر وتقدم رؤية معينة، هذا ووجدت أن الكاتب يؤسس من خلالها لوعي جمالي جديد، كما ركزت الباحثة على جماليات العنوان، ثم السرد ولغته التي وجدتها ذات طاقة إيحائية خاصة مع حضور الشعر والعناية بالتصوير الفني، والاستغراق في رصد التفاصيل الدقيقة .. والاقتباس من القرآن الكريم …، وبينت استعماله لتقنية الحلم التي تثري البنية الفنية للنص الروائي.
بعد تقديم المداخلات فتحت مديرة الندوة د. غزلان هاشمي باب النقاش للمتدخلين والحضور الذي ضم أسماء من لبنان والجزائر والهند ومصر وليبيا وتونس والكويت ….، حيث قدمت الدكتورة سلوى ملاحظات بينت من خلاها أن الواقع أشد فظاعة وقتامة من الواقع السردي، وتساءلت :هل نعيش أزمة التخييل في هذه النصوص السردية ..، كما أنزلت هذه الرواية في الخاطرة حسب رأيها ، لتسائل الدكتورة زهرة الثابت استحضار نصوص متعددة والتشابك النصي ..ترد على جيهان وتقول لها أن الرواية لم تبين الحياة الباطنية للشخصيات ..، مقارنة بينها وبين رواية الحب في زمن الكوليرا من خلال الحبكة السردية ، هذا وتوقف الدكتور مصطفى عند مداخلة زهرة التي وقفت عند فكرة العتبات وأثنى على ذلك ، وتحفظ على أسلوب أحمد النمطي، بين أن الساحة النقدية تغيب عنها النقد الموضوعي، خاصة مع انتشار نقاد الميديا الذين في مضمون خطابهم نجد تزييفا واضحا، بينما الندوة كانت حسب رأيه أكاديمية من خلال الوقوف على إيجابيات الرواية وكذا سلبياتها .
اما الدكتور محمد قطب من الهند فلقد أثنى على الرواية التي وجد لغتها سهلة مفهومة للهنود، فحسب رأيه باقي الروائيين العرب كتبوا بالعامية وذلك ما يصعب فهمها، هذا وبين أن حتى في حال استعمال الدكتور رشراش للعامية رافقها بشرح في الهوامش، وهذا حسب وجهة نظره ما يجب أن يكون عليه الحال، كما رأى أن الرواية سجل اجتماعي وثقافي وتاريخي للصين وتونس وليبيا ..، يدرس من خلاها سيكولوجية الناس خلال فترة كورونا، هذا وتعتبر رسالة عالمية للأخوة الإنسانية والابتعاد عن النزاعات ..، إذ وجد أن العالم مثلما سيخرج من مصيبة كورونا سيخرج من الصراعات الداخلية والخارجية قريبا ..، وقد اتفق مع رشراش على ترجمة الرواية إلى اللغة الهندية.
ثم تدخل الدكتور بدوي فأثنى على الندوة والمداخلين ، ودعانا إلى تجميع المواد النقاش في كتاب، هذا وآخذت الدكتورة سلوى دكتور بدوي على تقديمه للرواية الذي كان يمارس سلطة على القارئ ووافقتها الدكتورة زهرة فيها ، إذ لم تكن القراءة بريئة حسب رأيهما.
فحين بينت الدكتورة غزلان أن كل ناقد يتملص بلغة تسويغية والقول أنه متطفل على حقل النقد، لكن تبقى للقراءة سلطتها التي تموضعه في إطار النقد شاء أم أبى والتي تخضعه للمساءلة كمساءلة المبدع …، إذ وافقت الدكتورة سلوى على أن رتابة القراءات النقدية وبالتعويل على الأدوات ذاتها تجعل النقود المقدمة مجرد قراءات مكرورة ، وهنا يستوجب تقديم وعي نقدي جديد وتجديد أدوات القراءة والتأويل.
وفي الأخير قدم الدكتور رشراش في نهاية الندوة ردوده على تساؤلات السادة، واستفاض في توضيح بعض ما استغلق.
كان النقاش فاعلا ومحتدما وقد ختمت الدكتورة غزلان الندوة شاكرة للمحاضرين قراءاتهم الفاعلة وللدكتور أحمد إتاحته فرصة الاطلاع على الرواية ومحاورتها، وللحضور جميل التفاعل والنقاش ثم أحالت الكلمة إلى رئيسة المركز الدكتورة سرور التي شكرت هي الأخرى الحضور على حسن التفاعل، ودعتهم إلى الإسهام في الندوات القادمة.