
الارتقاء بمكانة المرأة في الإسلام
Raising the status of women in Islam
د. منصور محمد أحمد يوسف/جامعة المدينة العالمية، ماليزيا
Assoc. Prof. Dr.Mansour Mohamed Ahmed Yousef, Al-Madinah International University/Malaysia
مقال نشر مجلة جيل العلوم الانسانية والاجتماعية العدد 68 الصفحة 33.
ملخص:
لم تنل المرأة مكانتها اللائقة بها في الحضارات والأديان السَّابقة للإسلام، ولما جاء الإسلام صان كرامتها، ورفع منزلتها، وأعلى مكانتها؛ أمًّا، وزوجةً، وبنتًا، وأعطاها حقوقها، وسوَّى الإسلام بينها وبين الرَّجل في جوانب كثيرة أساسية، وأعلن إكرامها ومساواتها بالرَّجل بنصوص صريحة واضحة، لا لَبْسَ فيها ولا غموض.
وفي هذا البحث تعريف بما كانت عليه أحوال المرأة في الحضارات والأديان السابقة للإسلام، مع إبراز المكانة التي بوأها الإسلام لها.
الكلمات المفتاحية: ارتقاء- مكانة – المرأة –الإسلام.
Abstract:
Women did not attain their rightful place in the civilizations and religions that preceded Islam, and when Islam came, it preserved her dignity, raised her status, and raised her position. A mother, a wife, and a girl, he gave her her rights, and Islam reconciled her with the man in many basic aspects, and declared her honor and equality with men in clear and clear texts, without ambiguity or ambiguity.
In this research, a definition of what was the condition of women in pre-Islamic civilizations and religions, highlighting the position that Islam placed for them.
key words: Raising, status, women, Islam.
مقدمة:
لم تنل المرأة مكانتها اللائقة بها في الحضارات السابقة؛ اليونانية، الرُّومانية، والبابلية، والفارسية، والهندية، ولم تبوأها الدِّيات السَّابقة؛ اليهودية والمسيحية المـــَنْزِلة التي تستحقها، وقد امتهنت المرأة عند العرب قبل الإسلام.
فلما جاء الإسلام صان كرامتها، ورفع منزلتها، وأعلى مكانتها؛ أمًّا، وزوجةً، وبنتًا، وأعطاها حقوقها بعد أن كانت كمًّا مُهملًا، ومتاعًا يُوَّرث.
وقد سوَّى الإسلام بين المرأة والرَّجل في جوانب كثيرة أساسية، وأعلن إكرامها ومساواتها بالرَّجل بنصوص صريحة واضحة، لا لَبْسَ فيها ولا غموض؛ وإنْ ميَّز الإسلام بين الرَّجل والمرأة في أمور أخرى عديدة، جعل فيها هذا التَّميُّز للرجل مناط تكريم حقيقي للمرأة؛ ولم يجعله -مُطلقًا-سببًا لتحقيرها، أو وضعها موضع الدُّونية، والصَّغار، والازداء، كما يزعم الطَّاعنون في مكانة المرأة في الإسلام.
وفي هذا البحث استعراضٌ لأوضاع المرأة في المجتمعات القديمة حتى ظهور الاسلام، مع إبراز مكانتها في الإسلام.
مشكلة البحث: في بعض الفترات تظهر بعض الدَّعوات التي يدعي أصحابها أنَّ الإسلام أهان المرأة وهضمها حقَّها، لكن النَّاظر في الأديان والحضارات الأخرى يجد أنَّ المرأة لم تنل حظَّها، ولا مكانتها المرموقة إلا في ظل الإسلام، وفي هذا البحث محاولة لإبراز تلك المكانة.
أسئلة البحث:
1-هل كانت المرأة في مكانة لائقة بها في الحضارات السَّابقة للإسلام؟
2-هل أنزلت الدِّيانات السَّابقة للإسلام المرأة مكانتها اللائقة بها؟
3-ما وجوه تكريم الإسلام للمرأة؟
أهداف البحث: يهدف هذا البحث إلى:
1-التَّعريف بما كانت عليه مكانة في الحضارات السَّابقة للإسلام.
3-إظهار مكانة المرأة في الديانات السَّابقة للإسلام.
2-إبراز المكانة التي بوأها الإسلام للمرأة.
أهمية البحث: يكشف هذا البحث النِّقاب عن مكانة المرأة في الحضارات السَّابقة والأديان الأخرى، ويُظهر كيف أَعْلَى الإسلام مكانتها، ورفع منزلتها.
الدِّراسات السَّابقة: مكانة المرأة في القرآن الكريم والسُّنَّة النَّبوية للدكتور/ محمد بلتاجي حسن، المرأة بين الفقه والقانون للدكتور/ مصطفى السِّباعي، وقد استفدت منها وعزوت لمواضع ذلك في البحث.
أمَّا ما تميز به هذا البحث: حاول البحث استعرض البحث أوضاع المرأة في المجتمعات القديمة حتى ظهور الاسلام-بشيئ من الإيجاز- مع إبراز المكانة التي بوأها الإسلام للمرأة.
منهج البحث: اعتمد البحث على المنهج الاستقرائي، والوصفي التَّحليلي، وِفْقَ ما جاء في القرآن الكريم والسُّنَّة النَّبوية الصَّحيحة، وكانت دلالته صريحة وواضحة على موضع الاستشهاد، وما جاء من الأقوال بالأدلة الشَّرعية: نقلية كانت أو عقلية. مع الحرص على عدم الحشو مثل إثقال البحث بتراجم العلماء.
أولًا: مكانة المرأة قبل الإسلام:
قبل أن أَدْلِف لمكانة المرأة في الإسلام، فمن الإنصاف أن أستعرض أوضاع المرأة في المجتمعات القديمة حتى ظهور الاسلام-بشيئ من الإيجاز- وليس هذا من قبيل الموازنة أو المقارنة، بل من باب وضع الأمور في نصابها الصَّحيح.
فمن الواضح لكلِّ مُنْصِفٍ أن المرأة برغم التَّباين في موقف الأمم والشَّرائع من القسوة عليها أو الرَّحمة بها، أنها لم تنل-قبل الاسلام- مكانتها التي تستحقها، بما يتفق مع رسالتها العظيمة التي اختصها الله تعالى بها، ولا مع مكانتها التي ينبغي أن نعترف بها.
(1) مكانة المرأة في الحضارة اليونانية:
كانت المرأة في المجتمع اليوناني أول عهده بالحضارة محصنة وعفيفة لا تُغادر البيت، وتقوم فيه بكل ما يحتاج إليه من رعاية، وكانت محرومة من الثقافة لا تُسهم في الحياة العامة بقليل ولا كثير، وكانت محتقرة حتى سموها رجسًا من عمل الشَّيطان، وكانوا يَعُدُّونها من سقط المتاع؛ تُباع وتُشرى في الأسواق، ولم يعطوها حقًّا في الميراث، وأبقوها طيلة حياتها خاضعة لسلطة رجل وكلوا اليه أمر زواجها، فهو يستطيع أن يفرض عليها من يشاء زوجًا، وعهدوا إليه بالإشراف عليها في إدارة أموالها، فلا تستطيع أن تُبْرِمَ تصرفًا دون موافقته، وجعلوا للرجل الحقَّ المطلق في فَصْم عُرَى الزَّوجية بينما لم يمنحوا المرأة حق طلب الطلاق إلا في حالات استثنائية، بل وضعوا العراقيل في سبيل الوصول إلى هذا الحق.
أما في اسبارطة فقد كانوا يتساهلون مع نساء عشيرتهم، ويمنحوهن من حقوقهن الوراثة، والبائنة، وحقوق الحرية والظهور ما يفوق أقدارهن، وما كان ذلك عن سماحة منهم واعتراف بأهلية المرأة، وإنما كان لبيئة اسبرطة العسكرية، فقد كان أهلها في حرب وقتال، فكان الرجال يشتغلون بالحرب دائمًا، ويتركون التَّصرف في حال غيبتهم للنساء، ومع هذا فقد كان أرسطو يعيب على أهل اسبارطة هذه الحرية والحقوق التي أعطوها للمرأة، ويعزو سقوط اسبارطة وانحلالها الى هذه الحرية والحقوق([1]).
(2) مكانة المرأة في الحضارة الرُّومانية:
لم تكن المرأة عند الرُّومان بأحسن حالًا من أختها عند اليونان، فقد كان الأمر عندهم في العصر القديم أن الأب ليس مُلزمًا بقبول ضمِّ ولده منه إلى أسرته ذكرًا كان أو أنثى، بل كان يُوضع الطفل بعد ولادته عند قدميه، فإذا رفعه وأخذه بين يديه كان دليلًا على أنَّه قبل ضمَّه إلى أسرته، وإلا فإنَّه يعني رفضه لذلك، فيؤخذ الوليد إلى السَّاحات العامة أو باحات هياكل العبادة فيُطرح هناك، فمن شاء أخذه إذا كان ذكرًا، وإلا فإنَّ الوليد يموت جوعًا وعطشًا وتأثرًا بحرارة الشمس أو برودة الشتاء.
وكان لرب الأسرة أن يُدخل في أسرته من الأجانب من يشاء، ويُخرج منها من أبنائه من يشاء عن طريق البيع، ثم قيَّد قانون الانثى عشر لوحًا حق البيع بثلاث مرات، فإذا باع الأب ابنه ثلاث مرات متوالية كان له الحق في التَّحرر من سلطة رئيس الأسرة، أمَّا البنت فكانت تظل خاضعةً لرب الأسرة ما دام حيًّا.
وكانت سلطة رب الأسرة على أبنائه وبناته تمتد حتى وفاته مهما بلغ سنهم، كما كانت له سلطة على زوجته وزوجات أبنائه وأبناء أبنائه، وكانت هذه السلطة تشمل: البيع، والنَّفي، والتَّعذيب، والقتل، فكانت سلطته سلطة ملك لا حماية، ولم يلغ ذلك إلا في قانون جوستنيان (ت565م) فإنَّ سلطة الأب فيه لم تعد تتجاوز التَّأديب.
وكان رب الأسرة هو مالك كل أموالها، فليس لفرد فيها حق التملك، وإنَّما هم أدوات يستخدمها رب الأسرة في زيادة أموالها، وكان رب الأسرة هو الذي يقوم بتزويج الأبناء والبنات دون إرادتهم.
أمَّا الأهلية المالية فلم يكن للبنت حق التملك، وإذا اكتسبت مالًا أُضيف إلى أموال رب الأسرة، ولا يؤثر في ذلك بلوغها ولا زواجها، وفي العصور المتأخرة في عصر قسطنطين (ت337 م) تقرر أن الأموال التي تحوزها البنت عن طريق ميراث أمها تتميز عن أموال أبيها. ولكن له الحق في استعمالها واستغلالها، وعند تحرير البنت من سلطة رب الأسرة يحتفظ الأب بثلث أموالها كملك له ويعطيها الثلثين.
وفي عهد جوستنيان قرَّر أن كل ما تكتسبه البنت بسبب عملها أو عن طريق شخص آخر غير رب أسرتها يعتبر ملكاً لها، أما الأموال التي يعطيها رب الأسرة فتظل ملكًا له، على أنها وإن أُعطيت حق تملك تلك الأموال فإنها لم تكن تستطيع التَّصرف فيها دون موافقة رب الأسرة.
واذا مات رب الأسرة يتحرر الابن اذا كان بالغًا، أما الفتاة فتنقل الولاية عليها إلى الوصي ما دامت على قيد الحياة، ثم عُدِّل ذلك أخيرًا بحيلة للتَّخلص من ولاية الوصي الشَّرعي بأن تبيع المرأة نفسها لولي تختاره، ويكون متفقًا فيما بينهما أن هذا البيع لتحررها من قيود الولاية فلا يعارضها الولي الذي اشتراها في أي تصرف تقوم به.
وإذا تزوجت الفتاة أبرمت مع زوجها عقداً يسمى “اتفاق السِّيادة” أي بسيادة الزَّوج عليها، وذلك بإحدى ثلاث طرق:1 – في حفلة دينية على يد الكاهن.2 – بالشراء الرَّمزي أي يشتري الزوج زوجته.
3 – بالمعاشرة الممتدة بعد الزواج إلى سنة كاملة.
وبذلك يفقد رب الأسرة سلطته الأبوية على ابنته وتنتقل هذه السُّلطة الى الزوج. وعلى الجملة: فقد تحولت السُّلطة على المرأة – في عهد الازدهار العلمي للقانون الرُّوماني – من سلطة ملك إلى سلطة حماية، ولكنها مع ذلك ظلت قاصرة الأهلية.
وقد كان تعدد الزَّوجات تقليدًا من تقاليد الشَّرف والامتياز، ولم يزل أمر الانتصارات المصحوبة بألوان التَّرف والفخامة، أن جعلت من قدسية الزَّواج مجرد كلمة لا معنى لها عند الرُّومان، وأصبح تعدد الزَّوجات أمرًا قانونيًّا، ولم يقف الأمر عند هذا الحدِّ، بل تطور في المجتمع إلى أن أصبح التَّسري واتخاذ العشيقات الكثيرات العدد شيئًا تعترف به الدولة رسميًّا، والنتيجة الحتمية لذلك كانت ضياع المرأة، ثم انزلاقها إلى مهاوي البيع والشراء. هذا، وقد كان شعارهم فيما يتعلق بالمرأة، هو أنَّ ” قيدها لا يُنزع، ونيرها لا يُخلع”.
ولم تتحرَّر المرأة الرُّومانيَّة من تلك القيود إلا يوم أن تحرَّر منها الأرقاء، على إثر التَّمرد ثورةً بعد ثورةٍ، وعصيانًا بعد عصيان، فتعذَّر استرقاق المرأة كما تعذَّر استرقاق الجارية والغلام([2]).
(3) مكانة المرأة في الحضارة البابلية:
أمَّا بابل التي يعتبر بعض مؤرخي الحضارات، أنها ضربت في أسباب التَّقدم بسهم وافر منذ القدم، في ظلِّ شريعة حمورابي، التي اعتُبرت شريعةً متقدمةً بالقياس إلى غيرها من شرائع الأمم المعاصرة لها، أو السَّابقة عليها؛ فإنَّ المرأة لم يكن لها نصيب من الحرية أو الكيان في ظلها، وإنما كانت تُحسب في عداد الماشية المملوكة، ويدلُّ على غاية مداها في تقدير مكانة الأنثى، أنها كانت تفرض على مَنْ قتل بنتًا لرجل آخر أن يُسلِّمه بنته ليقتلها أو يملكها إذا شاء أن يعفو عنها، وقد يُضطر إلى قتلها لينفذ حكم الشريعة المنصوص عليها([3]).
(4)مكانة المرأة في الحضارة الفارسية:
كانت مكانة المرأة في الحضارة الفارسية أكثر سوءًا، وأشد امتهانًا؛ ذلك أنَّها لم تكن تتميز عن الأمة المملوكة في شيء، فتظل طيلة حياتها سجينةً بين جدران منزلها، أو منزل زوجها؛ فلا يحقُّ لها أن تخرج منه، كما كانت تُباع وتُشترى في كثير من الأحيان، هذا فضلًا عن الخروج في التَّعامل معها عن حدود المألوف في عالم الإنسان، بل في عوالم الحيوان؛ فقد أُبيح الزَّواج بالأمهات، والأخوات، والعمات، والخالات، وبنات الأخ، وبنات الأخت، ويزداد امتهان المرأة في المجتمع الفارسي القديم بُعدًا عن الإنسانية؛ وذلك بأن تُنفى المرأة في فترة الطَّمث إلى مكان بعيد خارج المدينة، ويظلُّ مقضيًّا عليها بأن تُقيم في خيمة تُعرف باسم “داخمي”، ولا يجوز لأحد مُخالطتها إلا الخدم الذين يُقدِّمون لها الطَّعام، وحتى هؤلاء كانوا يضعون لفائف من القماش حول أُنوفهم، وآذانهم، وأيديهم خشية النَّجاسة إذا مسُّوا المرأة أو لمسوا خيمتها، والمرأة الفارسية فضلًا عن ذلك كلِّه، كانت تحت سلطة الرَّجل المُطلقة، يحقُّ له أن يحكم عليها بالموت، ويُنعم عليها بالحياة([4]).
(5) مكانة المرأة في الحضارة الهندية:
كان علماء الهنود الأقدمون يرون أن الانسان لا يستطيع تحصيل العلوم والمعارف ما لم يتخل عن جميع الروابط العائلية.
ولم تكن شريعة مانو(القرن الثالث عشر قبل الميلاد)تعرف للمرأة حقًّا مستقلًّا عن أبيها، أو زوجها، أو ولدها، إذا مات هؤلاء جميعًا وجب أن تنتمي إلى رجل من أقارب زوجها في النَّسب، ولم تستقل بأمر نفسها طيلة حياتها، وأشد من نكران حقِّها في المعيشة نكران حقِّها في الحياة المستقلة عن حياة زوجها، فإنَّها مقضيٌّ عليها أن تموت يوم موت زوجها، وأن تُحرق معه وهي حية على موقد واحد، وقد استمرت هذه العادة العتيقة حتى القرن السابع عشر حيث أبطلت على كرهٍ من رجال الدين الهنود.
وكانت تُقدم قربانًا للآلهة لترضى، أو تأمر بالمطر أو الرزق.
وفي بعض مناطق الهند القديمة شجرة يجب أن يُقدِّم لها أهل المنطقة فتاة تأكلها كل سنة.
وجاء في شرائع الهندوس: ليس الصَّبر المقدر، والرِّيح، والموت، والجحيم، والسُّم، والأفاعي، والنار، أسوأ من المرأة([5]).
(6) مكانة المرأة في الدِّيانة اليهودية:
كانت بعض طوائف اليهود تعتبر البنت في مرتبة الخادم، وكان لأبيها الحقُّ في أن يبيعها قاصرةً، وما كانت ترث إلا إذا لم يكن لأبيها ذريةً من البنين، وإلا ما كان يتبرَّع به لها أبوها في حياته.
ففي الأصحاح الثاني والأربعين من سفر أيوب: “ولم توجد نساء جميلات كنساء أيوب في كلِّ الأرض، وأعطاهنَّ أبوهن ميراثًا بين إخوتهنَّ، وعاش أيوب بعد هذا مائة وأربعين سنةً”.
وحين تُحرم البنت من الميراث لوجود أخٍ لها ذكر يثبت لها على أخيها النَّفقة والمهر عند الزَّواج، إذا كان الأب قد ترك عقارًا فيعطيها من العقار، أما اذا ترك مالًا منقولًا فلا شيء لها من النفقة والمهر ولو ترك القناطير المقنطرة.
وإذا آل الميراث إلى البنت لعدم وجود أخ لها ذكر، لم يجز لها أن تتزوج من سبط آخر، ولا يحقُّ لها أن تنقل ميراثها إلى غير سبطها.
ويعتبر اليهودُ المرأةَ لعنةً؛ لأنها أغوت آدم، وقد جاء في التَّوراة: “المرأة أمرُّ من الموت، وإن الصَّالح أمام الله ينجو منها، رجلًا واحدًا بين ألف وجدت، أمَّا المرأة فبين كل أولئك لم أجد”([6]).
(7) مكانة المرأة في الدِّيانة المسيحية:
لقد هال رجال المسيحية الأوائل ما رأوا في المجتمع الرُّوماني من انتشار الفواحش والمنكرات، وما آل اليه المجتمع من انحلالٍ أخلاقٍ شنيعٍ، فاعتبروا المرأة مسؤولة عن هذا كله؛ لأنها كانت تخرج إلى المجتمعات، وتتمتع بما تشاء من اللهو، وتختلط بمن تشاء من الرِّجال كما تشاء، وباءت المرأة بلعنة الخطيئة، فكان الابتعاد منها حسنةٌ مأثورةٌ لمن لا تغلبه الضَّرورة، فقرروا أنَّ الزَّواج دَنَسٌ يجب الابتعاد عنه، وأنَّ العَزَبَ عند الله أكرم من المتزوج، وأعلنوا أنَّ المرأة باب الشَّيطان، وأنها يجب أن تستحيي من جمالها؛ لأنه سلاح ابليس للفتنة والإغراء.
قال القديس ترتوليان (ت225م): “إنَّها مدخل الشيطان إلى نفس الانسان. ناقضة لنواميس الله، مُشوِّهة لصورة الله؛ أي الرجل.
ومن بقايا هذه الغاشية في القرون الوسطى، أنَّها شغلت بعض اللاهوتيين إلى أن عقدوا مجمع “ماكون” (586م) فبحثوا بحثًا جدِّيًّا في جِبِلَّة المرأة، وتساءلوا: هل هي جثمان بحث؟ أو هي جسد ذو روح يُناط بها الخلاص والهلاك؟ وغلب على آرائهم: أنها خُلُوٌّ من الرُّوح النَّاجية، أي: من عذاب جهنم، ولا استثناء لإحدى بنات حواء من هذه الوصمة غير السِّيدة العذراء أمِّ المسيح عليه السَّلام([7]).
(8) مكانة المرأة عند العرب قبل الإسلام:
إذا عدنا الى البيئة العربية قبل الاسلام، وجدنا المرأة العربية مهضومة في كثير من حقوقها، فليس لها حقُّ الإرث، وليس لها على زوجها أيُّحقٍّ، وليس للطلاق عدد محدود، ولا لتعدد الزوجات حدٌّ معينٌ، ولم يكن عندهم نظام يمنع تمكين الزوج من النِّكاية بها، كما لم يكن لها حقٌّ في اختيار زوجها، ولقد كان رؤساء العرب وأشرافهم فحسب يستشيرون بناتهم في أمر الزَّوج، كما نستنتج ذلك من بعض القصص التاريخية.
وكان الرَّجل إذا مات وله زوجة وأولاد من غيرها، كان الولد الاكبر أحقُّ بزوجة أبيه من غيره، ويعتبرها إرثًاكبقية أموال أبيه، فإن أراد أنْ يُعلن عن رغبته في الزَّواج منها طرح عليها ثوبًا، وإلا كان لها أن تتزوج بمن تشاء.
وكانوا يتشاءمون من ولادة الأنثى، وكانت بعض قبائلهم تئدها خشية العار، وبعضهم كان يئدها ويئد أولاده عامة خشية الفقر، ولم تكن هذه عادة فاشية في العرب، وإنما كانت في بعض قبائلهم، ولم تكن قريش منها.
وكل ما كانت تعتز به المرأة العربية في تلك العصور على أخواتها في العالم كله، حماية الرجل لها، والدفاع عن شرفها، والثار لامتهان كرامتها([8]).
ثانيًا: مكانة المرأة في الإسلام:
اعتنى الإسلام بالمرأة فأكرمها إذ أهانتها الأديان والحضارات الأخرى، ورفع منزلتها، وصان كرامتها، وأعطاها حقوقها، وقد تحقق ذلك في أمور كثيرة، سأبرزها في المبحث الذي قسمته إلى عشرة مطالب: المطلب الأول: مساواة المرأة بالرَّجل في أصل الخِلْقة. المطلب الثاني: تبرئة المرأة من اختصاصها بالمسؤولية الأصلية عن المعصية. المطلب الثالث: المرأة أَهْلٌ للتَّكليف والثواب والعقاب. المطلب الرَّابع: رغَّب في تربية البنات وحُسن الصُّحبة لهن. المطلب الخامس: حقُّ البرِّ للأم. المطلب السادس: حقُّ الإرث. المطلب السابع: نظَّم الإسلام حقوق الزَّوجين، وجعل للمرأة حقوقًا كحقوق الرَّجل. المطلب الثامن: نظَّم الإسلام الطَّلاق بما يمنع من تعسُّف الرَّجل. المطلب التاسع: نظَّم الإسلام تعدد الزوجات. المطلب العاشر: أعطى الإسلام المرأة الأهلية الكاملة في الالتزامات المالية.
(1) مساواة المرأة بالرَّجل في أصل الخِلْقة:
يقرر القرآن الكريم أنَّ المرأة خُلقت من نفس الرَّجل، قال تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}[النساء: 1]،
وقال تعالى:{خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا}[الزُّمَر: 6].
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” إنَّما النساء شقائق الرِّجال”([9]). “أي: نظائرهم وأمثالهم في الخلق والطباع فكأنهن شققن من الرَّجال”([10]).
(2) تبرئة المرأة من اختصاصها بالمسؤولية الأصلية عن المعصية:
لقد برَّأ الإسلام المرأة من اللَّعنة التي كان يصقلها بها رجال الديانات السَّابقة، من كونها المسئولة عن عصيان آدم-عليه السِّلام- لأمر الله تعالى، بل جعل عقوبة الخروج من الجنة ناشئةً عنهما معًا؛ قال تعالى:{فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِين}[البقرة: 36]،
وقال تعالى: {فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَـذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِين [20] وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِين [21] فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ الشَّيْطَآنَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِين [22]قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِين[23]}[الأعراف: 20-23].
بل إنَّ القرآن الكريم في بعض آياته قد نسب الذَّنب إلى آدم-عليه السِّلام- وحد هقال تعالى: {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى}[طه: 121].
ثم قرَّر القرآن الكريم مبدأ آخر يُعفي المرأة من مسؤولية أمها حواء، وهو يشمل الرجل والمرأة على السَّواء([11])؛قال تعالى: {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُون}[البقرة: 134].
(3) المرأة أَهْلٌ للتَّكليف والثواب والعقاب:
يقرِّر الإسلام مبدأ تساوي الرِّجال والنِّساء أمام التَّكليف الشَّرعي، والجزاء الأُخروي، دونما أي فارق بينهما في ذلك([12])،قال تعالى:{فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُواْ وَقُتِلُواْ لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَابًا مِّن عِندِ اللّهِ وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَاب}[آل عمران: 195]،
وقال تعالى:{وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتَ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَـئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيرًا}[النساء: 124]، {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُون}[النحل: 97]،
وقال تعالى:{إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا}[الأحزاب: 35]،
وقال تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً مُّبِينًا}[الأحزاب: 36].
(4) رغَّب في تربية البنات وحُسن الصُّحبة لهن:
من مظاهر تكريم المرأة في الإسلام رغَّب الإسلام في تربية البنات، وحسن الصحبة لهن، ورتَّب على ذلك أجرًا عظيما، فمن ذلك: حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من عال جاريتين حتى تبلغا، جاء يوم القيامة أنا وهو» وضم أصابعه ([13]).
وحديث جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” مَنْ كن له ثلاث بنات يؤويهن، ويرحمهن، ويكفلهن، وجبت له الجنة البتة “، قال: قيل: يا رسول الله: فإن كانت اثنتين؟ قال: ” وإن كانت اثنتين”، قال: فرأى بعض القوم، أن لو قالوا له واحدة، لقال: ” واحدة “([14]).
(5) حقُّ البرِّ للأم:
قَرَنَ الإسلام قرن طاعة الاُمِّ وبرَّها بأصل الدِّين، وعمود الملة، وهو التوحيد، قال تعالى: {وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا}[النساء: 36]،
وقال تعالى:{قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُون}[الأنعام: 151].
وفي السُّنَّة النَّبوية من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قَالَ: «أُمُّكَ» قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «ثُمَّ أُمُّكَ» قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «ثُمَّ أُمُّكَ» قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «ثُمَّ أَبُوكَ»([15]). بل أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بصلة الأمِّ، وإن اختلف الدِّين لما لها من المكانة العظيمة، ففي حديث أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَتْ: قَدِمَتْ عَلَيَّ أُمِّي وَهِيَ مُشْرِكَةٌ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاسْتَفْتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قُلْتُ: وَهِيَ رَاغِبَةٌ، أَفَأَصِلُ أُمِّي؟ قَالَ: «نَعَمْ صِلِي أُمَّكِ»([16]).
(6)حقُّ الإرث:
لقد كانت المرأة قبل الإسلام كمًّا مُهملًا كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه:” كُنَّا فِي الجَاهِلِيَّةِ لاَ نَعُدُّ النِّسَاءَ شَيْئًا، فَلَمَّا جَاءَ الإِسْلاَمُ وَذَكَرَهُنَّ اللَّهُ، رَأَيْنَا لَهُنَّ بِذَلِكَ عَلَيْنَا حَقًّا”([17]). وقد قرَّر الإسلام أنَّ للمرأة حقًّا في الميراث أمًّا، وزوجةً، وبنتًا؛ كبيرةً كانت أو صغيرةً، أو حملًا في بطن أمها.
(7)نَظَّم الإسلام حقوق الزوجين، وجعل للمرأة حقوقًا كحقوق الرَّجل:
لقد سوَّى الإسلام بين المرأة والرجل في الحقوق والواجبات، فنظَّم الحقوق بين الزَّوجين، وجعل للمرأة حقوقاً كحقوق الرَّجل،قال تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ}[البقرة: 228]،
مع رئاسة الرَّجل لشؤون البيت، وهي رئاسة غير مستبدة ولا ظالمة. “وهي الرئاسة التي يتصرَّف فيها المرؤوس بإرادته واختياره، وليس معناها أن يكون المرؤوس مَقْهورًا، مَسْلوبَ الإرادة، لا يعمل عملًا إلا ما يُوجِّهه إليه رئيسه؛ فإنَّ كون الشَّخص قَيِّمًا على آخر، هو عبارة عن إرشاده والمراقبة عليه في تنفيذ ما يُرشده إليه، أي: ملاحظته في أعماله وتربيته؛ ومنها: حفظ المنزل، وعدم مفارقته ولو لزيارة أُولي القُرْبى إلا في الأوقات والأحوال التي يأذن فيها الزَّوج ويرضاها، ومنها مسألة النَّفقة، فإنَّ الأمر فيها للرَّجل، فهو يُقَدِّرُ للمرأة تقديرًا إجماليًّا؛ يومًا يومًا، أو شهرًا شهرًا، أو سنةً سنةً، وهي تُنفِّذُ ما يُقَدِّرُه على الوجه الذي ترى أنَّه يُرضيه ويُناسبُه حالُه من السَّعة والضِّيق”([18]).
(8)نظَّم الإسلام الطَّلاق بما يمنع من تعسُّف الرَّجل:
عندما تستحيل العِشْرة بين الزَّوجين، وتصعب الحياة بينهما، فقد شرع الإسلام الطَّلاق ليكون علاجًا للخلافات الزَّوجية؛ كأمر لا مفرَّ منه، وقد نَفَّر الإسلام منه رأه مكروهًا؛ وذلك في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:” أبغضُ الحلال إلى الله تعالى الطَّلاق”([19]).
وقد نظَّم الإسلام الطَّلاق بما يمنع من تعسف الرَّجل فيه، واستبداده في أمره؛ فجعل له حدًّا لا يتجاوزه، وهو الثَّلاث، وقد كان عند العرب ليس له حدٌّ يقف عنده، وجعل لإيقاع الطَّلاق وقتًا، ولأثره عِدَّةً تُتيح للزَّوجين العودة إلى الصَّفاء والوئام([20]).
(9) نظَّم الإسلام تعدد الزوجات:
لقد حدَّ الإسلام من تعدد الزَّوجات الذي كان شائعًا؛ فجعله أربعًا، وقد كان عند العرب، وعند غيرهم من الأمم التي تُبيح التَّعدد غير مُقَيَّدٍ بعددٍ معينٍ. فقد جاء الاسلام وفي ثقيف على سبيل المثال: رجال عند كل واحد منهم عشر نسوة أسلم بعضهم مثل: غيلان بن سلمة، وسفيان بن عبد الله، أبوعقيل مسعود بن عامر بن معتب، فنزل كلٌّ منهم عن ستِّ زوجات، وأمسك أربعًا([21]).
وأسلم قيس بن الحارث رضي الله عنه وكان عنده ثمان نسوة، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «اختر منهن أربعًا»([22]).وأسلم نوفل بن معاوية رضي الله عنه وكان تحته خمس نسوة، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: «فارق واحدة، وأمسك أربعًا»([23]).وحكى المــُغِيرة بن شُعْبَة رضي الله عنه أنه تزوَّج “سبعين امرأة”([24])، ووردت روايات عنه أنه قال: “نكحت أكثر من ثمانين امرأة، أو: تسعًا وثمانين امرأة، أو: ثلاثا وتسعين امرأة”([25]).ولذلك وجد أبو الحسن المدائني مادة علمية مكَّنته من أن يؤلف كتابًا في” مَنْ جمع أكثر من أربع”([26]).
(10) أعطى الإسلام المرأة الأهلية الكاملة في الالتزامات المالية:
جعل الإسلام المرأة قبل بلوغها تحت وصاية أوليائها، وجعل ولايتهم عليها ولايةَ رعايةٍ، وتأديبٍ، وعنايةٍ بشؤونها، وتنميةٍ لأموالها، لا ولايةَ تملُّكٍ واستبدادٍ. وبعد بلوغ المرأة جعلها الإسلام كاملةَ الأهلية للالتزامات المالية كالرَّجل سواء بسواء.
والمتتبع لأحكام الفقه الاسلامي لم يجد فرقًا بين أهلية الرَّجل والمرأة في شتى أنواع التَّصرفات المالية: كالبيع، والإقالة، والخيارات، والسَّلَم، والصَّرف، والشُّفعة، والإجارة، والرَّهن، والقِسْمة، والبيِّنات، والإقرار، والوكالة، والكفالة، والحوالة، والصُّلح، والشَّركة، والمُضاربة، والوديعة، والهبة، والوقف، والعتق، وغيرها([27]).
الخاتمة: وبها أهم النتائج والتَّوصيات.
أهم النتائج:
(1)ظهر لكلَّ مُنْصِفٍ أن المرأة قبل الإسلام لم تنلمكانتها التيتستحقها، بما يتفق مع رسالتها العظيمة التي اختصها الله تعالى بها.
(2)اعتنى الإسلام بالمرأة فأكرمها إذ أهانتها الأديان والحضارات الأخرى، ورفع منزلتها، وصان كرامتها، وأعطاها حقوقها، وقد تحقق ذلك في أمور كثيرة منها: (أ)مساواة المرأة بالرجل في أصل الخِلْقة. (ب)تبرئة المرأة من اختصاصها بالمسؤولية الأصلية عن المعصية. (ج)المرأة أَهْلٌ للتَّكليف والثواب والعقاب. (د)رغَّب في تربية البنات وحُسن الصُّحبة لهن.(ه) حقُّ البرِّ للأم. (و)حقُّ الإرث. (ز)نظَّم الإسلام حقوق الزَّوجين، وجعل للمرأة حقوقًا كحقوق الرَّجل. (ح)نظَّم الإسلام الطَّلاق بما يمنع من تعسُّف الرَّجل.(ط) نظَّم الإسلام تعدد الزوجات. (ي)أعطى الإسلام المرأة الأهلية الكاملة في الالتزامات المالية.
أهم التَّوصيات: أوصي الباحثين بجمع كافة الأمور التي اعتنى الإسلام فيها بالمرأة وإبرازها، وعمل موسوعة للشُّبهات التي وُجِّهت لتلك المكانة والرَّد عليها.
قائمة المصادر والمراجع :
- القرآن الكريم.
- ابن النَّديم، محمد بن إسحاق، الفهرست، تحقيق إبراهيم رمضان، دار المعرفة بيروت – لبنان، الطبعة الثانية، 1417هـ – 1997م.
- ابن ماجه، محمد بن يزيد، القزويني، السُّنن، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء الكتب العربية – فيصل عيسى البابي الحلبي.
- أبو الفرج الأصبهاني، علي بن الحسين، الأغاني، تحقيق سمير جابر، دار الفكر – بيروت- الطبعة الثانية.
- أبو داود، سليمان بن داود، السُّنن، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، المكتبة العصرية، صيدا – بيروت.
- أحمد بن حنبل، المسند، تحقيق شعيب الأرنؤوط وآخرين، إشراف د/ عبد الله بن عبد المحسن التركي، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى،1421هـ – 2001.
- البخاري، محمد بن إسماعيل، الصَّحيح، تحقيق محمد زهير بن ناصر الناصر، دار طوق النَّجاة، مصورة عن السُّلطانية بإضافة ترقيم محمد فؤاد عبد الباقي، الطبعة الأولى،1422هـ.
- البغوي، الحسين بن مسعود، شرح السُّنَّة، تحقيق شعيب الأرناؤوط، وزهير الشاويش، المكتب الإسلامي، 1403ه – 1983م.
- البغوي، الحسين بن مسعود، شرح السُّنَّة، تحقيق شعيب الأرناؤوط، وزهير الشاويش، المكتب الإسلامي، 1403ه – 1983م.
- بلتاجي، محمد بلتاجي حسن، الدكتور، مكانة المرأة في القرآن الكريم والسُّنَّة النَّبوية، دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، 1420ه-2000م.
- الحاكم، محمد بن عبد الله، النَّيسابوري، المستدرك على الصَّحيحين، تحقيق مصطفى عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية – بيروت، الطبعة الأولى، 1411ه – 1990م.
- الخطابي، معالم السُّنن= شرح سنن أبي داود، المطبعة العلمية – حلب، الطبعة الأولى، 1351هـ – 1932م.
- رضا، محمد رشيد، الشيخ، تفسير القرآن الحكيم = تفسير المنار، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1990م.السِّباعي، مصطفى بن حسني، الدكتور، المرأة بين الفقه والقانون، دار الورَّاق للنشر والتوزيع، بيروت، الطبعة السَّابعة،1420هـ – 1999م.
- الشَّكعة، مصطفى، الدكتور، إسلام بلا مذاهب، الدار المصرية اللبنانية، الطبعة الحادية عشرة، 1416ه-1996م.
- العقاد، عباس محمود، المرأة في القرآن، نهضة مصر، الطبعة الثانية، 2003م.
- المتقي الهندي، علاء الدين علي المتقي بن حسام الدين، كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال، تحقيق بكري حياني – وصفوة السقا، مؤسسة الرسالة، الطبعة الخامسة، 1401هـ-1981م.
- محمد بن حبيب، المُحَبَّر، تحقيق إيلزة ليختن شتيتر، دار الآفاق الجديدة، بيروت.
- مسلم، بن الحجاج، الصَّحيح، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي- بيروت، الطبعة الثانية، 1406ه- 1986م.
- ياقوت الحموي، معجم الأدباء = إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب، تحقيق إحسان عباس، دار الغرب الإسلامي، بيروت، الطبعة الأولى، 1414هـ – 1993م.
([1]) لمزيد من التَّفصيل ينظر: السِّباعي، مصطفى بن حسني، الدكتور، المرأة بين الفقه والقانون ص 14 دار الورَّاق للنشر والتوزيع، بيروت، الطبعةالسَّابعة،1420هـ – 1999م، والعقاد، عباس محمود، المرأة في القرآن ص59 نهضة مصر، الطبعة الثانية، 2003م، والشَّكعة، مصطفى، الدكتور، إسلام بلا مذاهب ص 85-86 الدار المصرية اللبنانية، الطبعة الحادية عشرة، 1416ه-1996م.
([2]) لمزيد من التَّفصيل ينظر: السِّباعي، مصطفى بن حسني، الدكتور، المرأة بين الفقه والقانون ص 14-15، والعقاد، عباس محمود، المرأة في القرآن ص50، والشَّكعة، مصطفى، الدكتور، إسلام بلا مذاهب ص 86.
([3]) لمزيد من التَّفصيل ينظر: السِّباعي، المرأة بين الفقه والقانون ص 17، والعقاد، المرأة في القرآن ص48، والشَّكعة، إسلام بلا مذاهب ص 87.
([4]) الشَّكعة، مصطفى، الدكتور، إسلام بلا مذاهب ص 87-88. بتصرف.
([5]) ينظر: السِّباعي، مصطفى بن حسني، الدكتور، المرأة بين الفقه والقانون ص 17، والعقاد، عباس محمود، المرأة في القرآن ص48.
([6]) لمزيد من التَّفصيل ينظر: السِّباعي، مصطفى بن حسني، الدكتور، المرأة بين الفقه والقانون ص 17-18، والعقاد، عباس محمود، المرأة في القرآن ص51، والشَّكعة، مصطفى، الدكتور، إسلام بلا مذاهب ص 88.
([7]) لمزيد من التَّفصيل ينظر: السِّباعي، مصطفى بن حسني، الدكتور، المرأة بين الفقه والقانون ص 18، والعقاد، عباس محمود، المرأة في القرآن ص50، والشَّكعة، مصطفى، الدكتور، إسلام بلا مذاهب ص 88-89.
([8]) لمزيد من التَّفصيل ينظر: السِّباعي، مصطفى بن حسني، الدكتور، المرأة بين الفقه والقانون ص 19-20، والعقاد، عباس محمود، المرأة في القرآن ص52-53، والشَّكعة، مصطفى، الدكتور، إسلام بلا مذاهب ص 89.
([9]) أحمد بن حنبل، المسند 43/265 حديث (26195) تحقيق شعيب الأرنؤوطوآخرين، إشراف د/ عبد الله بن عبد المحسن التركي، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى،1421هـ – 2001م، وأبو داود، سليمان بن داود، السنن1/61 حديث (236) كتاب الطهارة باب في الرجل يجد البلة في منامه، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، المكتبة العصرية، صيدا – بيروت، من حديث عائشة رضي الله عنها، وقال محققو المسند:” حديث حسن لغيره “.
([10]) ينظر: الخطابي، معالم السنن= شرح سنن أبي داود 1/79، والعيني، بدر الدين، شرح سنن أبي داود1/ 527 تحقيق أبي المنذر خالد بن إبراهيم المصري، مكتبة الرشد – الرياض، الطبعة الأولى،1420هـ -1999م.
([11]) لمزيد من التَّفصيل ينظر: السِّباعي، مصطفى بن حسني، الدكتور، المرأة بين الفقه والقانون ص 24.
([12]) ينظر: بلتاجي، محمد بلتاجي حسن، الدكتور، مكانة المرأة في القرآن الكريم والسنة النبوية ص85-86 دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، 1420ه-2000م.
([13]) مسلم، بن الحجاج، الصحيح 4/ 2027 حديث (2631) كتاب البر والصلة، باب فضل الإحسان إلى البنات.
([14]) أحمد بن حنبل، المسند 22/ 150 حديث (14247)، وقال محققو المسند:” حديث صحيح “.
([15]) البخاري، محمد بن إسماعيل، الصحيح 8/2 حديث (5971) كتاب الأدب، باب من أحق الناس بحسن الصحبة، ومسلم، بن الحجاج، الصحيح 4/1974حديث (2548) كتاب البر والصلة والآداب، باب بر الوالدين وأنهما أحق به. واللفظ للبخاري.
([16]) البخاري، الصحيح 3/ 164حديث (2620) كتاب كِتَابُ الهِبَةِ وَفَضْلِهَا وَالتَّحْرِيضِ عَلَيْهَا، باب الهدية للمشركين، ومسلم، بن الحجاج، الصحيح 2/ 696 حديث (1003) كتاب الزكاة، باب فضل النفقة والصدقة على الأقربين والزوج والأولاد والوالدين ولو كانوا مشركين. واللفظ للبخاري.
([17]) البخاري، الصحيح 7/ 152 حديث (5843) كِتَابُ اللِّبَاسِ، بَابُ مَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَجَوَّزُ مِنَ اللِّبَاسِ وَالبُسْطِ.
([18]) رضا، محمد رشيد، الشيخ، تفسير القرآن الحكيم = تفسير المنار 5/ 56الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1990م.
([19]) أبو داود، سليمان بن الأشعث، السنن2/255 حديث (2178) كتاب الطلاق، باب في كراهية الطلاق، وابن ماجه، محمد بن يزيد، القزويني، السنن 1/650 حديث (2018) كتاب الطلاق، باب حدثنا سويد بن سعيد، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء الكتب العربية – فيصل عيسى البابي الحلبي، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، واللفظ لهما. والحاكم، محمد بن عبد الله، النيسابوري، المستدرك على الصحيحين2/214 حديث (2794) تحقيق مصطفى عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية – بيروت، الطبعة الأولى، 1411ه – 1990م، بلفظ: “ما أحل الله شيئا أبغض إليه من الطَّلاق”، وقال:” هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه”، وقال الذَّهبي في تلخيصه، بعد تصحيح الحاكم للحديث: “على شرط مسلم”.
([20]) لمزيد من التفصيل ينظر: السباعي، مصطفي حسني، الدكتور، المرأة بين الفقه والقانون ص26، 99-102.
([21]) محمد بن حبيب، المُحبَّر ص 357 تحقيق إيلزة ليختن شتيتر، دار الآفاق الجديدة، بيروت.
([22]) أبو داود، سليمان بن الأشعث، السنن 2/272 حديث (2241) كتاب الطلاق، باب في من أسلم وعنده نساء أكثر من أربع أو أختان.
([23])البغوي، الحسين بن مسعود، شرح السنة 9/90 حديث (2289) تحقيق شعيب الأرناؤوط، وزهير الشاويش، المكتب الإسلامي، 1403ه – 1983م.
([24]) ينظر: المتقي الهندي، علاء الدين علي المتقي بن حسام الدين، كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال 16/ 496 حديث (45619) تحقيق بكري حياني – وصفوة السقا، مؤسسة الرسالة، الطبعة الخامسة، 1401هـ-1981م.
([25])أبو الفرج الأصبهاني، علي بن الحسين، الأغاني16/ 96-97 تحقيق سمير جابر، دار الفكر – بيروت- الطبعة الثانية.
([26]) ينظر: ابن النَّديم، محمد بن إسحاق، الفهرست ص 131 تحقيق إبراهيم رمضان، دار المعرفة بيروت – لبنان، الطبعة الثانية، 1417هـ – 1997م، وياقوت الحموي، معجم الأدباء = إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب 4/1855 تحقيق إحسان عباس، دار الغرب الإسلامي، بيروت، الطبعة الأولى، 1414هـ – 1993م.
([27]) ينظر: السباعي، مصطفى بن حسني، الدكتور، المرأة بين الفقه والقانون ص26. بتصرف يسير.