
شركات النقل الجوي التجاري الدولي وتعويض المسافرين بعد انتشار فيروس كورونا
(نظرية الجوائح في مونتريال 1999)
The Companies of the International Air-Carrier and Compensating Passengers After the COVID-19 Pandemic (Pandemic Theory in Montreal 1999)
أ. هشام العبيدان، ماجستير في قانون الشركات، (KILAW) من كلية القانون الكويتية العالمية
Hesham Al-Obaidan The Kuwait International College of Law (KILAW)
مقال نشر في مجلة جيل الأبحاث القانونية المعمقة العدد 42 الصفحة 11.
Abstract
The research can be summarized in the group of the major legal effects caused by the spread of the COVID-19 virus on the rules of the Montreal 1999 Convention. Montreal have been ratified by the Kuwaiti legislator since 2002.
The spread of COVID-19 not only had economic impacts on the air transport sector, but also showed the extent of the unfairness of the Montreal rules 1999 in the case of emergency health conditions (Pandemics). This idea should be studied after knowing that the Air-Carrier companies are considered has a commercial identity under the Kuwaiti commercial law. On the other hand, the passengers may cost some damages because the pandemic, as delaying the flight or inflecting of the virus.
I focused on two main axes: first, the carrier’s liability for delaying or canceling the flight, secondly, the carrier’s liability for passengers’ safety from pandemic infection during flight operations upon embarking & disembarking or onboard.
After analyzing, criticizing, and extrapolation, it emerged to me that the Montreal rules 1999 need a modified protocol that regulates the liability of the air carrier during the spread of health pandemics as COVID-19.
Key words: Air-Carrier Commercial Companies, International Air-Carrier, Carrier, Passenger, Embarking & Disembarking, Plane, Liability, Delay, Health Safety, Infection, Corona Virus, COVID-19, Pandemic 2020.
الملخصيمكن اختصار موضوع البحث في مجموعة الآثار القانونية الكبيرة التي سبَّبها انتشار فيروس كورونا COVID-19 على قواعد اتفاقية مونتريال 1999 الخاصَّة بتوحيد أحكام النقل الجوي الدولي، والتي صادق عليها المشرع الكويتي منذ 2002.
لقد سبَّب انتشار جائحة كورونا آثاراً اقتصاديةً على قطاع النقل الجوي الدولي التجاري، حيث يُعتبَر نشاط النقل الجوي نشاطاً تجارياً بقطع النظر عن نية القائم بهذا النشاط وفق قانون التجارة الكويتي، وبالمقابل فإنَّ انتشار هذه الجائحة قد أظهر مدى عدم عدالة قواعد مونتريال في حالة الظروف الصحية الطارئة (الجوائح)؛ ذلك بصدد تأخير المسافرين من جهة أو إصابتهم بعدوى الجائحة من جهة أخرى.
تتركَّز معالجة البحث لمحورين أساسيين، وهما: أولاً مسؤولية شركات النقل الجوي (الناقل) عن التأخير بحجَّة الإجراءات الصحية الوقائية والتي تصل إلى حدِّ إلغاء الرحلة الجوية، وثانياً مسؤولية الناقل عن سلامة المرضى من حصول العدوى بالجائحة خلال عمليات الطيران لدى الصعود إليها أو على متنها أو عند النزول منها.
ظهر لنا بعد التعمق في أفكار البحث وجزئياته تحليلاً ونقداً واستقراءً أنَّ اتفاقية مونتريال بحاجة إلى بروتوكول مُعدِّل لها يقوم على تنظيم مسؤولية شركات النقل الجوي خلال انتشار الجوائح الصحية.
الكلمات المفتاحية: شركات النقل الجوي التجارية، النقل الجوي الدولي، الناقل، المسافر، الصعود والنزول، متن الطائرة، المسؤولية، التأخير، السلامة الصحية، العدوى، فيروس كورونا، كوفيد-19، جائحة 2020.
المقدمة:
يُعتبر النقل الجوي -وفقاً لقانون التجارة الكويتي- عملاً تجارياً بغضِّ النظر عمَّا إذا كان الناقل تاجراً أو إذا كان ينوي المتاجرة عبر هذا النشاط أم لا[1]، وذلك لأنَّ نشاط النقل يتطلَّب تجهيزاتٍ ومعداتٍ ثقيلةٍ ويُدوِّرُ رأسمالاً كبيراً قد يطرح ربحاً كبيراً، حيث تتنافى هذه الظروف في الواقع مع الصفة المدنية للقائم بها، ممَّا يؤكِّد انتماء الناقل لمجتمع التجارة والأعمال[2].
وتضطلع عقود النقل الجوي الدولي دوراً حيوياً وفعَّالاً في إطار نقل المسافرين؛ وذلك لاختصار الزمن بين المسافات والاقاليم، بما يتجاوز سرعة النقل البري والبحري.
في أكتوبر 1932 أبصرت سماء دولة الكويت رحلاتٍ جويةٍ للمرة الأولى حطَّت رحالها على أرض دولة الكويت على المستوى التجاري في عهد المغفور له الشيخ أحمد الجابر الصباح مع أعيان الكويت، وكانت رحلةً جويةً قادمةً من لندن في طريقها إلى كراتشي[3].
إلى أن أتى ذلك اليوم الذي تأسَّست فيه شركة الخطوط الجوية الكويتية في فبراير 1953، وقد مرَّت هذه الشركة بعدة تغييراتٍ في شكلها وهيكلها على المستوى الاقتصادي، حيث تمَّت خصخصتها في أكتوبر 2007 وتحويلها من مؤسَّسةٍ إلى شركةٍ مساهمةٍ عامةٍ[4].
وفي الواقع الكويتي، يلعب قطاع النقل الجوي دوراً محورياً في بناء اقتصاد دولة الكويت من حيث جذب المستثمرين المحليين والاجانب، وذلك تحت مظلَّة شركاتٍ مساهمةٍ ذات رؤوس أموالٍ ضخمةٍ، التي بدورها تضخُّ الاموال في شرايين الاقتصاد الكويتي، حتى يكون لها دوراً تنافسياً على الصعيد الدولي.
أمَّا على الصعيد النقل الجوي الدولي، فقد ظهرت مشكلة تعارض القوانين الوطنية[5]؛ وبغرض إيجاد حلٍّ لمشكلة تنازع القوانين الوطنية في النقل الجوي الدولي، فقد ظهرت الاتفاقيات الدولية حتى تقوم على توحيد القواعد الدولية على بغضِّ النظر عن جنسيات الناقل أو المسافر أو الطائرة[6]، حيث تمَّ إبرام اتفاقية وارسو 1929[7]، ثم استكمل المشرع الدولي مسيرة التطوير الدولية[8]؛ حيث صدرت اتفاقية مونتريال 1999 والتي صادقت عليها الكويت بموجب القانون رقم 30 لعام 2002.
وفي حالة غموض نص اتفاقية مونتريال، فلا يجوز الرجوع إلى القانون الوطني فوراً، بل يجب أن ينظر القاضي إلى غايات اتفاقية مونتريال حتى يعرف مقاصد المشرع الدولي[9]، وبهذه الطريقة يُحدِّد المعنى الذي كان قد قصده هذا المشرع من النص الغامض، حيث إنَّ الغموض لا يُبرِّر الرجوع للقانون الوطني، بل إنَّ ما يُبرِّر ذلك الرجوع هو فراغ التشريع الدولي فقط؛ ففي حالة الفراغ بإمكان المشرع الوطني التدخُّل لملء القصور التشريعي.
وفي يومنا هذا، بعد انتشار جائحة فيروس كورونا كوفيد-19 Covid-19، فقد أصدرت المنظمة العربية للطيران المدني والاتحاد العربي للنقل الجوي بياناً مشتركاً مع المنظمة العربية للسياحة، مفاده أنَّ قطاع النقل الجوي يواجه أزمةً لم يسبقْ لها مثيل في تاريخ هذا القطاع، حيث أدَّت الجائحة التي تسبَّب فيها الفيروس إلى توقف حوالي 800 طائرة عربية، وخسارة شركات النقل الجوي العربية ما قيمته 8 مليارات دولار أمريكي، وخسارة 25 مليار دولار أمريكي من إيرادات السياحة في الدول العربية حتى أواخر مارس عام 2020[10].
ولا يبدو أنَّ السبب في هذه الخسائر يرجع فقط إلى وقف حركة النقل الجوي، بل أيضاً إلى ضعف الطلب عليه[11]، ذلك حتى بعد إعادة تسييره وفق إجراءات السلامة؛ والسبب يرجع إلى تخوُّف المسافرين من انتقال عدوى فيروس كورونا بفعل التقارب على متن الطائرة ذات الأجواء المغلقة، حيث لم يعد المسافرون يثقون بفلاتر الهواء التقليدية.
بالتالي، فقد فتحت جائحة كورونا النقاش واسعاً حول مسؤولية الناقل الجوي الدولي عن الضرر الذي سبَّبه وباء كورونا على المسافرين نتيجة تأخر الرحلة أو إلغائها من جهة، وعن الضرر البدني الذي يسببه انتشار عدوى مرض كورونا من جهة أخرى.
أهداف البحث:
نهدف من هذا البحث بشكلٍ أساسيٍّ إلى:
- شرح فكرة قيام ونفي مسؤولية الناقل الجوي عن تأخير المسافرين بسبب انتشار جائحة كورونا في ضوء اتفاقية مونتريال 1999.
- إسقاط قواعد مونتريال على جائحة كورونا من حيث واجب حفظ سلامة المسافرين التي تقع على عاتق الناقل الجوي.
- استنتاج نقاط الفراغ أو عدم العدالة في قواعد مونتريال إزاء حالة الجوائح الصحية.
- اقتراح الحلول القانونية المناسبة لهذه الظروف، والكفيلة بإعادة العدالة إلى قواعد مونتريال.
أهمية البحث:
ترتكز أهمية البحث في وضع رؤية قانونية غايتها ضمان حقوق المسافرين مادياً بعد الإضرار بهم على مستوى التأخير أو السلامة الصحية في ظلِّ جائحة كورونا من جهة، ذلك بما لا يتعارض مع العدالة في ظلِّ المخاطر المالية الهائلة التي تتعرَّض لها شركات الطيران بعد انتشار فيروس كورونا على المستوى الدولي من جهة ثانية.
منهج البحث:
- المنهج الوصفي التحليلي النقدي؛ حيث سنقوم بشرح قواعد اتفاقية مونتريال 1999 من حيث قواعد قيام ونفي المسؤولية التي يتحمُّلها الناقل الجوي الدولي في حالة تأخير المسافرين أو التأثير على سلامتهم، وتحليل التفاصيل بغرض نقد هذه القواعد وفق ظروف جائحة كورونا.
- المنهج الاستقرائي؛ حيث نقوم باستقراء الثغرات والعيوب (الجزئيات) في قواعد اتفاقية مونتريال 1999 من حيث قيام ونفي مسؤولية الناقل الجوي في ظلِّ جائحة كورونا، بهدف الخروج بمقترح جديد (بروتوكول مُعدِّل) يجعل من قواعد هذه الاتفاقية أكثر عدالةً إزاء الجوائح الصحية.
مصطلحات البحث:
“الشركة التجارية للنقل الجوي الدولي “: والتي سيُعبَّر عنها اختصاراً بـ: “الناقل” الذي يقوم بتنفيذ رحلةٍ جويةٍ دوليةٍ خاضعةٍ لنطاق تطبيق اتفاقية مونتريال 1999 كما صادقت عليها دولة الكويت.
“الرحلة الجوية”: هي الرحلة التي تتضمَّن محطَّاتٍ دوليةٍ بما يَجعلُ منها خاضعةً لقواعد مونتريال وفق نطاق تطبيقها.
“المسافر”: هو الشخص الذي ينوي السفر في الرحلة الجوية المذكورة، ويخضع لسيطرة الناقل خلال عمليات النقل الجوي ابتداءً من مراحل الصعود، ثم على متن الطائرة، وانتهاءً بمراحل النزول.
“ضرر التأخير”: هو الضرر الناجم عن تأخير الرحلة لساعاتٍ أو الضرر الناجم عن تأخير السفر بسبب إلغاء الرحلة واضطرار المسافر إلى حجز تذكرةٍ أخرى.
“سلامة المسافرين”: هي السلامة التي تتضمَّن السلامة من حوادث النقل الجوي البدنية، وكذلك السلامة من الأمراض المُعْدِيَة المُنَشِرَة على متن الطائرة.
“الحد القيمي الأعلى للتعويض”: هو حدٌّ أعلى فرضته اتفاقية مونتريال بما قيمته 100 ألف وحدة حقوق سحب خاصَّة، والذي يتحدَّد بموجبه الأساس القانون لمسؤولية الناقل عن سلامة المسافرين، فيما إذا كانت مسؤوليةً شخصيةً أم موضوعيةً.
“المسؤولية الشخصية على الناقل”: هي تلك المسؤولية التي تتضمَّن أركان المسؤولية التقليدية من خطأٍ وضررٍ وعلاقةٍ سببيةٍ، إلاَّ أنَّ الخطأ يكون فيها مُفترضاً على الناقل في حالة المسؤولية عن التأخير أو عن سلامة المسافرين بما يتجاوز الحد القيمي الأعلى للتعويض، فيكون على المسافر إثبات حدوث الضرر خلال الصعود أو النزول من الطائرة أو على متنها، فيما يُفترض بقرينةٍ قانونيةٍ أنَّ النقل الجوي هو السبب في حدوث هذا الضرر، ويمكن للناقل دحض هذه القرينة عبر إثبات عكسها بنفي الخطأ أو نفي العلاقة السببية عبر إثبات خطأ الغير أو خطأ المسافر.
“المسؤولية الموضوعية على الناقل”: هي المسؤولية عن سلامة المسافرين بما يقلُّ عن الحد القيمي الأعلى للتعويض، والتي تقوم بمجرَّد إثبات حدوث الضرر خلال الصعود أو النزول من الطائرة أو على متنها، دون وجود ركن الخطأ من طرف الناقل، حيث تتأسَّس هذه المسؤولية على تحمُّل التبعة. إلاَّ أنَّ الناقل بإمكانه دحض هذه المسؤولية عبر إثبات خطأ المسافر فقط.
“قيام مسؤولية الناقل (جائحة كورونا)”: تعني إثبات المسافر لجميع شروط قيام المسؤولية على الناقل بخصوص واقعة التأخير أو العدوى، تلك التي أدَّت إلى قيام الضرر بفعل فيروس كورونا خلال الصعود أو النزول من الطائرة أو على متنها.
“نفي مسؤولية الناقل (جائحة كورونا)”: تعني إثبات الناقل لمجموعةٍ من الوقائع والظروف بعد قيام المسؤولية عليه بخصوص واقعة التأخير أو العدوى، ويكون لهذه الوقائع والظروف مفعول دحض المسؤولية؛ كأن يثبت القوة القاهرة أو خطأ الغير أو المسافر.
إشكالية البحث:
“كيف تبدو الصورة الأكثر عدالة لمسؤولية الناقل الجوي الدولي في حالة تأخُّره عن موعد الرحلة أو في حالة عدم التزامه بإجراءات السلامة التي يترتَّب عليها إصابة المسافرين بعدوى جائحة دولية مثل فيروس كورونا؟”
مُخطَّط البحث:
المبحث الأول: جائحة كورونا ومسؤولية الناقل الجوي الدولي عن تأخير المسافرين
المطلب الأول: كيف تقوم المسؤولية عن استغلال جائحة كورونا بغرض تأخير المسافرين؟
المطلب الثاني: ما هي طرق نفي المسؤولية عن تأخير المسافرين بسبب جائحة كورونا؟
المبحث الثاني: جائحة كورونا ومسؤولية الناقل الجوي عن سلامة المسافرين
المطلب الأول: كيف تقوم المسؤولية عن إصابة المسافرين بالفيروس خلال عمليات النقل الجوي؟
المطلب الثاني: ما هي طرق نفي مسؤولية الناقل الجوي عن قيام الإصابة بالفيروس؟
المبحث الأول
جائحة كورونا ومسؤولية الناقل الجوي الدولي عن تأخير المسافرين
يعدُّ عنصر الوقت من العناصر الأساسية التي يرتكز عليها عقد النقل الجوي، فمن دون الالتزام بهذا العنصر سوف يترتَّب على التأخير ضررٌ مُحقَّقٌ للمسافرين نتيجة عدم التزام الناقل الجوي بالمواعيد المحدَّدة سلفاً[12]، والتي رتَّب المسافرون على أساسها أمورهم وتعاقداتهم ومواعيدهم، الأمر الذي يوجب إقامة مسؤولية الناقل الجوي عن التأخير[13].
ونتيجةً لانتشار جائحة كورونا حول العالم، فقد انتشر تأخير الرحلات الجوية، وقد مثَّل ذلك فرصةً لشركات النقل الجوي للتلاعب في مواعيد الرحلات الجوية بغرض استغلال الجائحة، ذلك عن طريق ظهور التأخير بمظهرٍ قاهرٍ لإرادة الناقل.
بناءً عليه، سندرس قواعد قيام مسؤولية الناقل الجوي الدولي عن تأخير المسافرين بسبب جائحة كورونا (المطلب الأول)، ثم نُبيِّن كيفيَّة نفي مسؤولية الناقل الجوي الدولي عن هذا التأخير بسبب جائحة كورونا (المطلب الثاني).
المطلب الأول: كيف تقوم المسؤولية عن استغلال جائحة كورونا بغرض تأخير المسافرين؟
يجب علينا في البداية أن نُشيرَ إلى أنَّ المشرع الدولي قد فرض المسؤولية الشخصية على الناقل الجوي بخصوص التأخير مهما كانت قيمة التعويض، حيث ترتكز هذه المسؤولية الشخصية أساساً على الخطأ المُفترض بقرينة قانونية[14] وليس على أساس تحمُّل التبعة، ولكن قيمة التعويض تلعب دوراً في تحديد طرق نفي المسؤولية كما سنرى في المطلب الثاني[15].
لم يُحدِّد المشرع الدولي معياراً واضحاً للتأخير، ذلك في الوقت الذي تضغط الهيئات المُمثِّلة للناقلين الجويين لإتاحة المجال لبعض التأخير[16] بالنظر إلى ظروف النقل الجوي المُزدحم والمُرتبط بظروف الطقس، الأمر الذي أدَّى في الواقع إلى تمادي الناقلين بتأخير المسافرين.
أمَّا الآن، فعلينا أن نُبيِّن الضرر المُبرِّر لقيام المسؤولية الناقل الجوي عن تأخير المسافرين بسبب فيروس كورونا أولاً، ومن ثم الصور الخاصَّة بقيام هذه المسؤولية ثانياً.
أولاً: الضرر المُبرِّر لقيام المسؤولية الناقل الجوي عن التأخير المسافرين بسبب فيروس كورونا
لم يُعرِّفْ المشرع الدولي معنى “التأخير” “Delay”، وإن كان جانب من الفقه قد اعتبر أنَّ التأخير الذي يقيم مسؤولية الناقل، هو التأخير: “غير المقبول” “Untimely”؛ أي الذي يتجاوز “الوقت المعقول” “Reasonable Time”[17].
تتمحور فكرة قيام المسؤولية نتيجة تأخير الرحلة الجوية في الضرر الذي أصاب المسافرين؛ حيث ارتكزت المادة 19 من اتفاقية مونتريال على فكرة مسؤولية الناقل الجوي التي تقوم بمجرَّد أن تتأخَّر الرحلة الجوية بشرط حلول ضرر بالمسافرين[18]؛ أي إذا وصلت الطائرة في وقتٍ مُغايرٍ عمَّا بيَّنه خط سير الرحلة في العقد “العنصر الزمني”[19]، ذلك بما يتجاوز المدة المعقولة للتأخير وفق الظروف التي يُقدرها قاضي الموضوع.
على سبيل المثال، لنفترض أنَّ الناقل الجوي قد تأخَّر عن موعد الرحلة المُحدَّد لرحلةٍ جويةٍ متجهةٍ من اسطنبول إلى برلين، وكان سبب هذا التأخير اكتشاف وجود إمكانية إصابة بفيروس كورونا لأحد المسافرين نتيجة ارتفاع حرارته وسعاله المُتكرِّر، ممَّا ترتَّب عليه تغيُّر موعد انطلاق الرحلة لمدَّةٍ زمنيةٍ تقارب الـ 3 ساعات تقريباً، وهذا ما قد رتَّب على باقي المسافرين ضرراً.
حيث إنَّ الناقل يستطيع عزل المريض وتحويله إلى السلطات الصحية الموجودة في مطار الإقلاع خلال مدة لا تتجاوز نصف ساعة من اكتشاف الحرارة المرتفعة، ولذلك فإنَّ مسؤوليَّته عن التأخير لأكثر من ساعتين ونصف فوق المدة المعقولة تبقى قائمة، لأنَّ هذا الشق من مدة التأخير تبقى غير مبرَّرة بالظرف الاستثنائي.
ونتساءل هنا: هل يمكن تعويض المسافرين عن الضرر المعنوي للتأخير؟
الواقع يقول بأنَّ اتفاقية مونتريال لم تنصْ على طبيعة الضرر المبرِّر لقيام مسؤولية الناقل الجوي عن التأخير، الأمر الذي يفتح المجال لإقامة مسؤولية الناقل عن التأخير بسبب قلق المسافر والشدة النفسية التي تعرَّض لها، ذلك كما ذهبت محكمة النقض الكويتية[20]، وكما ذهب جانب من الفقه الأمريكي أيضاً في دراسة عام 2019[21].
وفي ظلِّ ظروف انتشار كورونا، فإنَّنا نرى أنَّ الضرر المعنوي الناتج عن تأخير الرحلة يكون أكثر وضوحاً وتأثيراً في وجدان المسافرين؛ فالكثير منهم سيخشى على نفسه وأطفاله من العدوى في مناطق الانتظار بالمطار، ومن الاختلاط بالمسافرين المشكوك بإصابتهم، وغيرها من الظروف التي فرضها فيروس كورونا.
بناءً عليه، نرى ضرورة إقامة مسؤولية الناقل الجوي عن التأخير في حالة الضرر المعنوي طالما كان التأخير غير المُبرَّر ناتجاً عن حالات انتشار فيروس كورونا.
ثانيا: الصور المُبرِّرة لقيام المسؤولية الناقل الجوي عن تأخير المسافرين بسبب فيروس كورونا
نتساءل هنا: ما هي صور قيام مسؤولية الناقل الجوي عن التأخير في ظلِّ انتشار جائحة فيروس كورونا؟
لابد هنا أن نبحث في تأخير الرحلة الجوية أو إلغائها بسبب هذه الجائحة.
الحالة الأولى: تأخير المسافرين نتيجة تأخُّر انطلاق الرحلة الجوية بسبب التعليمات الصحية
مثلاً، لو تأخرت الرحلة الجوية التي سوف تأخذ المسافرين من ميلان إلى باريس، في الوقت الذي كانت فيه مدينة ميلان تمرُّ بمرحلة حرجة من حيث انتشار الوباء في أبريل 2020، وترتَّب على ذلك تأخُّر انطلاق الرحلة الجوية بقرار من الناقل الجوي بموجب التعليمات المطلوبة من جهة السلطات في مطار باريس التي اشترطت مثلاً القيام بفحوص أنفية للمسافرين وانتظار نتائجها السلبية قبل الإقلاع باتجاهها.
وفي حال تأخُّر انطلاق الرحلة نتيجة إجراء هذه التعليمات الصحية، فتكون الاحتمالات كالتالي:
- تأخُّر الإقلاع بسبب تغيُّر موعد الرحلة الجوية بعد العلم بالتعليمات الصحية، ممَّا يجعل الرحلة تتأخَّر ليومين؛ فهنا تقوم مسؤولية الناقل الجوي عن التأخير، لأنَّ المدة المطلوبة لظهور نتيجة المسحة الأنفية لفيروس كورونا هي يوم واحد، بينما كان التأخير ليومين بسبب ازدحام الجدول الخاص بالناقل.
- تأخُّر الإقلاع لمدة يومين بسبب وجود حالات إصابة مؤكدة بفيروس كورونا ظهرت من الفحوص الأنفية جعلت الأطباء في المطار يطلبون المزيد من الفحوصات التي تستغرق يوماً آخر؛ فهنا لا تقوم مسؤولية الناقل عن التأخير لأنَّ ظروف انتشار الفيروس هي السبب الحقيقي وراء التأخير بكامل مدته.
- تأخُّر الإقلاع لمدة يوم بعد ظهور نتيجة الفحوص الأنفية، ومن ثم فرز المسافرين وفق الحالات الإيجابية والسلبية، والسماح للحالات السلبية فقط بالسفر وفق تعليمات السلطات في مطار النزول؛ فهنا لا تقوم مسؤولية الناقل عن التأخير أيضاً.
الحالة الثانية: تأخير المسافرين نتيجة إلغاء الرحلة الجوية بسبب التعليمات الصحية
اعتبرتْ محكمة النقض الفرنسية في حكمها لعام 2019 بأنَّ حالة: “إلغاء الرحلة” “L’Annulation du Vol” تُعتبرُ من ضمن الحالات التي تُبرِّر الحكم على الناقل الجوي بالتعويض عن أضرار التأخير للمسافرين[22].
نلاحظ مع بداية عام 2020، الكثير من الرحلات الجوية قد تمَّ إلغاؤها بسبب انتشار جائحة كورونا حول العالم، ثم تُماطِل شركات الطيران بإعادة قيمة تذاكر السفر بغرض تحقيق ربح غير أخلاقي على حساب مصالح المسافرين.
لقد عبر جانب من الفقه الأمريكي منذ عام 1996 عن تعارض المصالح هذا، في أنَّ نظام المسؤولية بحدِّ ذاته يحمل معه أبعاداً اقتصاديةً تتضمَّن المخاطرة بتحمُّل التعويض أو الخسائر[23]، هكذا تماماً تُفكِّر شركات الطيران؛ فهي تَعتبرُ أنَّ التعويض عن التأخير هو خسارةٌ بحتةٌ لها، ولذلك تحاول بشتَّى الوسائل التخلُّص من المسؤولية عن التأخير[24].
نجد أنَّ فكرة إلغاء الرحلة تقوم على عدم تنفيذ عقد النقل الجوي، الأمر الذي سيُجبر المسافرين على حجز تذاكر جديدة بعقد جديد لدى ناقل آخر ما يزال يقوم برحلات إلى الجهة المقصودة.
هذه الصورة الخاصَّة بإلغاء الرحلة الجوية قد ينتج عنها ضررٌ جسيمٌ بخصوص تأخُّر المسافر عن وجهته بالنظر إلى تاريخ الوصول المذكور في تذكرة الطيران الملغاة، الأمر الذي دفع محكمة النقض الفرنسية عام 2018 إلى مناقشة فكرة منح المسافرين مبالغاً مقطوعةً عبر مُعدَّلٍ ثابتٍ للتعويضات في حال إلغاء الرحلة الجوية[25]، مثل هذه الوقائع تُشيرُ بشكلٍ واضحٍ إلى وجودِ قصورٍ في تنظيم النقل الجوي على المستوى الدولي[26].
ولكنَّنا نرى ضرورة مراعاة الأمرَيْن التاليَيْن، وهي:
- أن يكون التأخير غير مُبرَّرٍ من الناقل، بدليل وجود ناقلٍ آخرٍ منافسٍ له يقوم بتنفيذ رحلات إلى ذات الجهة المقصودة خلال إلغاء الناقل الأول لرحلاته بحجَّة انتشار فيروس كورونا.
- أن يتحقَّق ضرر للمسافر جرَّاء تأخُّر وصوله إلى جهة المقصد بسبب إلغاء رحلته الأولى، وهذا الأمر يشمل –وفق رأينا- الضرر المادي والمعنوي الناتج عن الخوف من الإصابة بعدوى فيروس كورونا.
وتجدر الإشارة هنا إلى أنَّ ما يكون مُستحقَّاً للمسافر في ذمة الناقل هو:
- التعويض عن قيمة الأضرار التي نتجت عن التأخير بين تاريخ الوصول في الرحلة الأولى الملغاة بحجَّة انتشار فيروس كورونا، وبين تاريخ الوصول الفعلي في الرحلة الثانية التي قام بها ناقلٍ آخرٍ منافسٍ مثلاً.
- قيمة التذكرة التي تمَّ إلغاؤها بحجَّة انتشار فيروس كورونا، وأيُّ تأخير في إرجاع قيمة التذكرة يجب أن يكون بحدِّ ذاته سنداً للتعويض عن التأخير في الإرجاع.
بدون شكٍّ، ظهر لنا أن المشرع الدولي كان غامضاً إزاء تعامله مع إلغاء الرحلات الجوية، رغم أنَّها الصورة الأقسى للتأخير في النقل، كما أنَّ هذا المشرع قد أغفل تماماً مسألة التعويض عن الأضرار المعنوية للمسافرين، وهذه المسائل لها أهميةٌ خاصَّةٌ في ظلِّ انتشار الجوائح الصحية مثل كوروناـ، الأمر الذي يُوجبُ التدخل التشريعي لإعادة عدالة إلى قواعد المسؤولية عن النقل الجوي الدولي.
المطلب الثاني
ما هي طرق نفي المسؤولية عن تأخير المسافرين بسبب جائحة كورونا؟
لقد منحت اتفاقية مونتريال الجوي الحقَّ للناقل بنفي مسؤوليَّته بعد قيام الضرر عن تأخير المسافر، وذلك عبر طرقٍ عديدةٍ ومنها القوة القاهرة، الأمر الذي يؤكِّد على أنَّ مسؤولية الناقل الجوي عن التأخير هي ذاتُ طبيعةٍ شخصيةٍ وليست موضوعيةً، فلا يوجد فيها مفهوم تحمُّل التبعة.
تُعتبرُ فكرة نفي المسؤولية المقترنة بالتعويض عن كامل قيمة الضرر فكرةً طبيعيةً في إطار القانون والعدالة، إلاَّ أنَّ اتفاقية مونتريال تجاوزت هذه المبادئ عندما فرضت فكرة تحديد التعويض قيميَّاً على المسافر[27]، ذلك حتى وإن كانت أضراره تتجاوز هذه القيمة، ثم فرَّقت الاتفاقية في وسائل نفي المسؤولية فيما إذا كان المسافر يُطالِب بالتعويض بناءً على الحد القيمي الأعلى، فهنا يكون نفي المسؤولية صعباً، أو إذا طالبَ المسافر بأعلى من ذلك الحد القيمي، فهنا يُصبح نفي المسؤولية أسهل على الناقل.
بناءً عليه، سنرى الطريق العام لنفي المسؤولية عبر إثبات خطأ المسافر أولاً، ثم الطرق الخاصَّة لنفي هذه المسؤولية ضمن نطاق الحد القيمي الأعلى ثانياً، ثم كيفيَّة نفي هذه المسؤولية إن كان التعويض يتجاوز هذه القيمة ثالثاً.
أولاً: نفي مسؤولية الناقل عن التأخير عبر إثبات خطأ المسافر (الطريق العام لنفي المسؤولية)
نصَّت اتفاقية مونتريال 1999 على طريق عام لنفي مسؤولية الناقل كما يلي:
“إذا أثبت الناقل أن الضرر قد نجم عن، أو أسهم في حدوثه، إهمال أو خطأ أو امتناع الشخص المطالب التعويض، أو الشخص الذي يستمد منه حقوقه، يُعفَى الناقل كلياً أو جزئياً من مسؤوليَّته تجاه المطالب بقدر ما يكون هذا الاهمال أو الخطأ أو الامتناع قد سبب الضرر أو أسهم في حدوثه”[28].
فإذاً، يستطيع الناقل نفي مسؤوليَّته عن تأخير المسافرين بالاستناد على خطأ المسافر في جميع حالات المسؤولية ضمن نطاق الحد الأعلى للتعويض أو خارج هذا النطاق، كالتالي:
- نفي المسؤولية التام، وذلك عبر إثبات أنَّ العلاقة السببية تربط بين الضرر وبين خطأ المسافر دون أن يكون للناقل أيُّ دورٍ في حدوث الضرر؛ وهكذا تنتفي مسؤولية الناقل عن تأخير المسافر التي تأخذ طبيعة الخطأ المُفتَرَض، كأنْ يتأخَّر الناقل بسبب عدم تحضيره لأوراقه المطلوبة أمام إدارة الجوازات[29]، مثل هذه الحالات من نفي المسؤولية هي التي دفعت جانباً من الفقه إلى اعتبار المسافرين في حاجةٍ ماسَّةٍ للحماية من التأخير غير المُبرَّر للناقل[30].
- نفي المسؤولية الجزئي، وذلك عبر إثبات أنَّ جزءً من الضرر ينشأ بسبب خطأ المسافر، ويمكن للناقل حينئذٍ أن يتحلَّل من جزءٍ من مسؤوليَّته[31].
وبخصوص وضعية الجائحة التي فرضها فيروس كورونا، فمثلاً إذا تأخَّرت الرحلة الجوية التي كانت ستأخذ المسافرين من مدينة برشلونة إلى الكويت نظراً لدرجة انتشار الفيروس التي تمرُّ بها مدينة برشلونة وزيادة الاصابات، فإنَّ الرحلة الجوية قد تتأخَّر نظراً للوقت الذي قد تأخذه الاجراءات الصحية والتدابير المطلوبة من الجهات الصحية في دولة الكويت، ومن ضمنها طلب الجهات الصحية من المسافرين برسالة نصية: “يستوجب على المسافرين عمل فحوص أنفية قبل موعد الرحلة بيومين”؛ وهذه من الاجراءات الاحترازية التي يلتزم بها الناقل الجوي.
ووفق هذا المثال، إذا تأخَّرت الرحلة في حالة امتناع بعض المسافرين عن الالتزام بالتدابير الصحية المطلوبة من الناقل الجوي بموجب تعليمات صحية؛ كما لو لم يقمْ بعض المسافرين بعمل الفحوص الإلزامية قبل الرحلة بيومَيْن، ثم جاء في موعد الرحلة الجوية المحددة، وتمَّ عمل مسحة في المطار، وكان الناقل مضطرَّاً لانتظار النتيجة، ممَّا أدى إلى تأخُّر الرحلة الجوية نتيجة إهمال بعض المسافرين.
فهنا تنتفي مسؤولية الناقل عن الجزء الزمني من التأخير الذي تسبَّب فيه المسافر المُهمل؛ لأنَّه لم يقمْ بإجراء الفحوص في وقتها؛ أي قبل يومين من انطلاق الرحلة الجوية.
فإذا كانت مدة التأخير مساويةً لمدة انتظار نتيجة المسحة للمسافر المهمل، انتفت مسؤولية الناقل بشكل كلي، أمَّا إذا كانت مدة التأخير أطول من مدة الانتظار المذكورة انتفت مسؤولية الناقل بشكل جزئي.
ثانياً: نفي مسؤولية الناقل عن تأخير المسافرين ضمن نطاق الحد القيمي الأعلى (إثبات القوة القاهرة)
نصَّت اتفاقية مونتريال 1999 على فكرة نفي مسؤولية الضرر عن تأخير المسافرين، وذلك كما يلي:
“يكون الناقل مسؤولاً عن الضرر الذي ينشأ عن التأخير في نقل المسافرين أو الأمتعة أو البضائع بطريق الجو .غير أنَّ الناقل لا يكون مسؤولاً عن الضرر الذي ينشأ عن التأخير إذا أثبت أنه اتَّخذ هو وتابعوه ووكلاؤه كافة التدابير المعقولة اللاَّزمة لتفادي الضرر أو أنه استحال عليه أو عليهم اتخاذ مثل هذه التدابير“[32].
إنَّ عبء إثبات هذه الظروف التي تنفي مسؤولية الناقل تقع على عاتق الناقل قولاً واحداً؛ ذلك نتيجة أنَّ الخطأ مُفترضٌ في الناقل بمجرَّد التأخير وقيام ضررٍ لدى المسافر كما أكَّدت محكمة التمييز الكويتية[33].
وسنرى كيف يمكن للناقل نفي مسؤوليَّته عن التأخير عبر إثبات اتِّخاذه التدابير المعقولة اللاَّزمة أولاً، أو أنَّها كانت مستحيلة ثانياً.
أ- اتخاذ التدابير المعقولة اللاَّزمة
يستوجب على الناقل إثبات اتِّخاذه للتدابير الاحترازية والوقائية حتى ينفي مسؤوليَّته القائمة بشكلٍ مفترضٍ عن التأخير الثابت وفق التاريخ المُحدَّد لانطلاق الرحلة، فعلى الناقل إثبات أنَّ التأخير قد نتج عن قوةٍ قاهرةٍ.
وفي الكويت، نفتْ محكمة التمييز الكويتية في حكمها لعام 2018 مسؤولية الناقل الجوي عن التأخير في حالة تعطُّل محرك الطائرة فجأةً[34]، رغم أنَّ ذلك قد يكون لعدم الصيانة أو لوجود إهمال من الطيار مثلاً.
وكذلك، فقد ذهب جانب من الفقه العربي إلى أنَّ استخراج الناقل لشهادة صلاحية الطائرة للملاحة الجوية يُعتبر تدبيراً معقولاً ينفي بعده أيَّ عيبٍ خفيٍّ يظهر في الطائرة، ويسبِّب ضرراً للمسافرين بسبب تأخير الرحلة[35]، كما أنَّ التأكد من سلامة صحة طاقم الطائرة وعدم إجهادهم يصبُّ في خانة التدابير المعقولة المفروض على الناقل اتخاذها[36].
وفي ظل جائحة كورونا، فإنَّ المطلوب من الناقل هو تنفيذ حزمةٍ استثنائيةٍ من الإجراءات والتدابير التي قد ينتج عنها تأخر الرحلة الجوية، ذلك التزاماً بالتعليمات الصحية؛ مثل تنظيم مسألة التباعد الاجتماعي فيما بين المسافرين في مرحلة الصعود والنزول، على أن يكون عدد الصاعدين والنازلين من الطائرة مُحدَّداً، وأن يكون فيما بينهم مسافة أمانٍ كافيةٍ، وهذا ما قد يؤدِّي إلى تأخير الصعود والنزول، وبالتالي إلى تأخير الرحلة الجوية.
وحيث إنَّ انتفاء المسؤولية عن الناقل الجوي يكون عبر إثبات القوة القاهرة؛ فإنَّ الناقل عليه إثبات استحالة تطبيق التباعد بين المسافرين ضمن نطاقٍ زمنيٍّ أقصر، ويجب أن يكون هذا الإثبات مستنداً على حقائقٍ ملموسةٍ من حيثيات الدعوى، وليس مجرد استنتاجات كما أكَّد القضاء الأمريكي[37].
فعلى سبيل المثال، إذا تأخَّر الناقل الجوي عن الموعد المُحدَّد للرحلة الجوية المتَّجهة من مطار ليتشي في إيطاليا إلى مطار الكويت، وكان سبب هذا التأخير اتِّخاذ والتزام الناقل الجوي بإجراءات السلامة والوقاية الصحية، ومن ضمنها تباعد المسافرين؛ فهنا يستطيع الناقل الجوي نفي مسؤوليَّته عن أضرار التأخير لأنَّ التأخير يكون قد نتج هنا عن إجراءاتٍ ضروريةٍ (قوة قاهرة).
ولكنَّنا نرى هنا أنَّ على قاضي الموضوع أن يقوم بتقدير المدة اللاَّزمة الإضافية للقيام بإجراءات التباعد الاجتماعي الاستثنائية التي فرضتها جائحة كورونا خلال الصعود والنزول من الطائرة.
فإذا كان الناقل قد نفَّذ إجراءات التباعد تلك ضمن مدةٍ معقولةٍ، فيمكن نفي المسؤولية عن الناقل في هذه الحدود فقط، أمَّا إذا بالغ الناقل في وقت تنفيذ إجراءات التباعد بين المسافرين فأخذت عملية الصعود والنزول وقتاً كبيراً جداً، فهنا نرى أنَّ مسؤولية الناقل تقوم عن أضرار التأخير ولا يمكن له نفيها بحجَّة إجراءات الوقاية الصحية.
ب- استحالة اتخاذ التدابير المعقولة اللاَّزمة
في ظل الظروف الاستثنائية كالتي فرضتها جائحة كورونا، فإنَّ إثبات استحالة اتخاذ التدابير المعقولة اللاَّزمة لتفادي التأخير هو أمر أسهل[38]، ولذلك انتشر تأخير وإلغاء الرحلات الجوية بشكل واسع بين شركات الطيران؛ نتيجة استحالة اتخاذ إجراءات الوقاية من اختلاط المسافرين واكتشاف مدى انتقال العدوى، هذا بشكلٍ خاصٍّ خلال الفترة الأولى من انتشار الفيروس.
فمثلاً، إذا لم يحصلْ الناقل الجوي على التعليمات الصحية الواجب تنفيذها من طرف الجهات الصحية لدى إدارة المطار[39] رقم مطالبته بالحصول على هذه التعليمات لأكثر من 3 مرَّات، ومن ثم طلبت تلك الجهات فجأةً تأخير الرحلة حتى يقوم المسافرين بعمل فحوص أنفيه، ممَّا ترتَّب عليها إلغاء الرحلة الجوية بسبب ازدحام الجدول المُحدَّد الذي يجب على الناقل الالتزام به، فهنا لا يمكن إقامة مسؤولية الناقل عن التأخير لكونه قد قام بالإجراءات اللاَّزمة في مطالبة الجهات المسؤولة بمعرفة إجراءاتها الصحية ولكنها امتنعت عن الإعلان عنها.
نرى هنا انتفاء المسؤولية بسبب الالغاء وفق ما يلي:
- إثبات الناقل أنَّ الضرر الناتج عن التأخير بسبب إلغاء الرحلة الجوية خارج عن إرادته.
- إثبات الناقل أنَّه لم يتراخَ في طلب تعليمات الوقاية الصحية قبل انطلاق الرحلة الجوية.
أمَّا إذا أثبت المسافر المُتضرِّر من إلغاء رحلته أنَّ الناقل قد علم بإجراءات الوقاية المطلوبة من الجهات الصحية ولكنَّه تأخر في تطبيقها، أو أنَّ الناقل قد تأخَّر في طلب هذه الإجراءات من الأساس؛ فهنا تنتفي حالة القوة القاهرة، ويكون تأخير المسافرين بسبب إلغاء الرحلة الجوية ناتجاً عن خطأ الناقل.
ثانياً: نفي مسؤولية الناقل عن تأخير المسافرين خارج نطاق الحد القيمي الأعلى (نفي الخطأ أو العلاقة السببية)
بخصوص التعويض عن التأخير فإنَّ المشرع يُفكِّر في الضرر المتحصِّل من التأخير، وليس في الخطر القائم على المسافرين من الطائرة[40]، كما هو عليه الحال في المسؤولية عن سلامة المسافرين، ينتج عن هذا أنَّ حدود نفي المسؤولية تتوسَّع في المسؤولية عن التأخير أكثر منه في المسؤولية عن السلامة كما سنرى، ولذلك فقد أتاح المشرع الدولي للناقل نفي الخطأ أو نفي العلاقة السببية بخصوص المسؤولية الشخصية خارج نطاق الحد القيمي الأعلى للتعويض.
وهناك طريقَيْن يمكن للناقل القيام بهِمَا حتى ينفي عنه الخطأ الذي أدَّى إلى تأخير النقل الجوي إذا كان التعويض المطلوب من المسافر خارجاً عن نطاق الحد القيمي الأعلى، وهما: نفي خطأ الناقل أولاً، وإثبات خطأ الغير بغرض نفي العلاقة السببية ثانياً.
1- نفي خطأ الناقل بخصوص تأخير المسافرين (نفي الخطأ)
فيما يخصُّ أضرار المسافرين عن التأخير إذا تجاوز التعويض المطلوب ما قيمته 100 ألف وحدة حقوق سحب خاصَّة، فإنَّ للناقل أن ينفي مسؤوليَّته إذا أثبت:
“أنَّ هذا الضرر لم ينشأ عن الاهمال أو الخطأ أو الامتناع من جانب الناقل أو تابعيه أو وكلائه“[41].
بالتالي، بإمكان الناقل أن يتخلَّص من مسؤولية التأخير عبر إثبات أمر في غاية البساطة، وهو عدم وجود خطأ منه، وهي واقعة سهلة الإثبات لأنَّها واقعةٌ سلبيةٌ، على عكس واقعة إثبات اتِّخاذ الناقل للإجراءات اللاَّزمة لتجاوز الضرر، والتي كانت الواقعة الإيجابية المطلوبة لنفي المسؤولية ضمن نطاق الحد الأعلى القيمي للتعويض.
بناءً عليه، فإنَّ المشرع الدولي قد سهَّل لأبعد حدٍّ نفي مسؤولية الناقل في حالة طلب المسافر لتعويضٍ بقيمة تتجاوز نطاق الحد الأعلى القيمي للتعويض.
حيث إنَّ فكرة نفي الخطأ تعني أنَّ قرينة الخطأ المُفترض هي قرينة قابلة لإثبات العكس، ونرى أنَّ هذه القاعدة لنفي المسؤولية هي قاعدةٌ غير موفَّقةٍ من المشرع الدولي، لأنَّها ستسهِّل إفلات الناقل من المسؤولية.
وبصدد أزمة فيروس كورونا فحدِّث ولا حرج عن الحالات التي سيستطيع الناقل الجوي نفي مسؤوليَّته عبر نفي الخطأ أساساً، رغم وقوع أضرارٍ ماديةٍ كبيرةٍ بالمسافرين بسبب تباطؤ الناقل في إجراء الإجراءات الصحية الاحترازية التي تسبق صعود المسافرين أو التي تتلو نزولهم، الأمر الذي يجعل هذه القاعدة غير مناسبةٍ للأضرار الناتجة عن تأخير النقل الجوي بفعل انتشار الجوائح.
2- إثبات خطأ الغير بخصوص تأخير المسافرين (نفي السببيَّة)
فيما يتعلَّق بأضرار التأخير القائمة لدى المسافرين، فإذا تجاوز التعويض المطلوب ما قيمته 100 ألف وحدة حقوق سحب خاصَّة، فإنَّ للناقل أن ينفي مسؤوليَّته إذا أثبت:
“أنَّ هذا الضرر نشأ فقط عن الاهمال أو الخطأ أو الامتناع من جانب الغير”[42].
في هذه الحالة يكون نفي مسؤولية الناقل عن التأخير مُستنداً على وقوع خطأٍ من الغير، أي استناداً على نفي أية علاقة سببية بين أفعال الناقل وتابعيه وبين الضرر؛ فإذا كان هذا الغير هو من المسافرين فإنَّ الناقل يكون مسؤول عن رقابته، ولذلك إذا تسبَّب مسافرٌ بتأخير باقي المسافرين، فإنَّ ذلك لا يندرج ضمن القوة القاهرة بل نفي العلاقة السببية؛ لأنَّ خطأ هذا المسافر هو سبب الإصابة وليس أفعال الناقل أو تابعيه.
وبخصوص وقائع التأخير الناتجة عن انتشار جائحة كورونا، فلا يبدو أنَّه من العدالة أن يتخلَّص الناقل من المسؤولية بشكلٍ كاملٍ إذا أثبت خطأ الغير من المسافرين، لأنَّ المسافر المصاب إذا لم يستطعْ تحصيل التعويض من الغير فإنَّه سيخسر حقَّه بالتعويض تماماً رغم إصابته.
حيث نرى أن يحق للمسافر الرجوع على الغير الذي سبب أضرار التأخير عن النقل، ولكن إذا كان هذا الغير غير قادرٍ على دفع التعويض، فنرى هنا أن يُسمح للمسافر المُتضرِّر بالرجوع على الناقل بكامل التعويض.
بهذه الطريقة، ستنشأ قاعدةٌ جديدةٌ لترتيب الرجوع على المتسبِّبين بأضرار تأخير النقل الجوي، كما أنَّ الناقل في هذه الحالة سيُسأل عن أخطاء الغير على أساس المسؤولية الموضوعية وليس الشخصية رغم مطالبة المسافر بتعويض يتجاوز الحد القيمي الأعلى، حيث ستكون هذه القاعدة استثناءً يخصُّ ظروف الجوائح الصحية.
وهكذا، يَظهرُ لنا بشكلٍ واضحٍ أن المشرع الدولي قد مالَ إلى طرف الناقل الجوي فيما يخصُّ قواعد نفي المسؤولية عن تأخير المسافرين، حيث إنَّ إثبات قرائن نفي المسؤولية تبدو أسهل بكثيرٍ من إثبات المسؤولية ذاتها، وهذا الأمر لا يُناسب ظروف انتشار الجوائح الدولية التي تمادت فيها شركات النقل بالتأخير.
المبحث الثاني
جائحة كورونا ومسؤولية الناقل الجوي عن سلامة المسافرين
قال جانب من الفقه الأمريكي أنَّ الموت غيرُ مستغربٍ في بيئة الطيران[43]، فهل إنَّ اتفاقية مونتريال قد فرضت مسؤولية الناقل الجوي بشكلٍ صارمٍ بما يراعي هذه المخاطر الجسيمة على حياة المسافرين؟ بالتأكيد هناك الكثير من الثغرات التي تهدر حقوق المسافرين في السلامة خلال النقل الجوي.
وقد ضاعفت جائحة كورونا ضغط المسؤولية عن سلامة المسافرين من العدوى على الناقل الجوي، ولذلك فلابدَّ أن نبيِّن كيفيَّة قيام ونفي مسؤولية الناقل الجوي عن سلامة المرضى من الإصابة بالفيروس وفق ما تفرضه اتفاقية مونتريال 1999.
بالتالي، سندرس في مبحثنا الثاني هذا، قيام مسؤولية الناقل الجوي الدولي عن سلامة المسافرين بسبب جائحة كورونا (المطلب الأول)، ومن ثم نفي مسؤولية الناقل الجوي الدولي عن سلامة المسافرين بسبب جائحة كورونا (المطلب الثاني).
المطلب الأول
كيف تقوم المسؤولية عن إصابة المسافرين بالفيروس خلال عمليات النقل الجوي؟
يلتزم الناقل بتوفير السلامة “Obligation de Sécurité“ للمسافر حتى يصل إلى جهة الوصول [44]، حيث تعدُّ سلامة المسافرين من مسؤوليات الناقل الجوي الدولي خلال المراحل المختلفة للرحلة الجوية.
بناءً عليه، فقد نص المشرع الدولي في اتفاقية مونتريال على أن: “يكون الناقل مسؤولاً عن الضرر الذي ينشأ في حالة وفاة الراكب أو تعرضه لإصابة جسدية…”[45].
ولكن نتساءل مبدئياً: هل تُعتبر الإصابة بعدوى فيروس كورونا مشمولة ضمن مفهوم الإصابة الجسدية؟
لم يُعرِّفْ المشرع الدولي معنى الحادث الذي يُسألُ عنه الناقل[46]، وقد أشارت محكمة التمييز الكويتية بشكل عام إلى أنَّ الحادث الذي يُقيمُ مسؤولية الناقل هو الذي يحصل خلال تنفيذ عقد النقل الجوي[47].
إلاَّ أنَّ مفهوم الإصابة الجسدية التقليدي يدلُّ على الإصابة بحادث تصادم جوي أو حادث بدني فيزيائي مؤلم، ذلك الذي يندرج تحت معنى الكارثة[48]، في الوقت الذي لا تندرج العدوى ضمن هذا المفهوم الضيق، الأمر الذي جعل مسؤولية الناقل الجوي عن عدوى الأمراض غامضةً لعدم تعريف المشرع الدولي للمعنى المقصود بالسلامة في اتفاقية مونتريال 1999، وهي إحدى عيوب هذه الاتفاقية[49].
بناءً عليه، فقد اقترح جانب من الفقه الأمريكي أربعة أركانٍ للحادث حتى يكون مشمولاً بمسؤولية الناقل الجوي، وهي[50]:
- حادث “غير عادي” ““Unusual أو “غير متوقَّع” ““Unexpected،
- حادث “خارجي” “External” عن المسافر،
- حادث “يرتبط” “Causally Connected” بعمليات الطيران المرتبطة بالطائرة،
- حادث تقوم فيه “العلاقة السببية” “Causality”، وتنحصر العلاقة السببية هنا في أنَّ سبب الحادث المباشر هو عملية الطيران؛ فالحادث يجب أن ينشأ بسبب وجود المسافر في بيئة النقل الجوي، بغضِّ النظر عمَّا إذا كان يوجد علاقة سببية بين الحادث وخطأ الناقل أو تابعيه، ذلك الخطأ غير المطلوب في المسؤولية الموضوعية[51].
يبدو من هذه الأركان أنَّ العدوى مشمولةٌ بمفهوم الحادث، ولذلك فقد بات جانباً من الفقه مُستقرَّاً على أنَّ الإصابة بالأمراض المُعْدِيَة -ومنها الأمراض التنفسية- هو ضمن مفهوم الإصابة الجسدية التي نصَّت عليها اتفاقية مونتريال كشرط لقيام مسؤولية الناقل الجوي عن سلامة المرضى[52]، في حين ينتقل الحق بالتعويض للورثة في حال وفاة المسافر[53].
ومن هنا، نتساءل: كيف ستقوم المسؤولية على الناقل عن انتشار عدوى فيروس كورونا خلال كل مرحلة من المراحل المختلفة للرحلة الجوية على حدة؟
للإجابة عن هذا التساؤل، لابدَّ من البحث في قيام مسؤولية الناقل عن سلامة المرضى في حالة حدوث الإصابة خلال الصعود أو النزول من الطائرة أولاً، ومن ثم حالة حدوث الإصابة على متن الطائرة ثانياً.
أولاً: حالة حدوث الإصابة خلال الصعود أو النزول من الطائرة
تُعتبرُ هذه المرحلة من أخطر المراحل التي يمرُّ بها المسافرين من حيث السلامة البدنية؛ حيث إنَّ فيروس كورونا سريع العدوى، خاصة في ظروف الازدحام، مثل تلك التي ترافق الصعود إلى الطائرة والنزول منها.
بناءً عليه، فقد نصَّت اتفاقية مونتريال في المادة 17 على فكرة قيام مسؤولية الناقل الجوي الدولي إذا وقع الحادث: ” أثناء أي عملية من عمليات صعود الركاب أو نزولهم”[54].
ومن هنا، وضعت الاتفاقية مفهوم مرحلة الصعود والنزول المسافرين بشكلٍ سطحيٍّ، ولم تُحدِّد الحدود المكانية والزمانية التي تبدأ وتنتهي فيها المسؤولية تجاه الناقل الجوي، وهذا إحدى صور القصور في التنظيم القانوني للنقل الجوي الدولي[55].
يرى جانب من الفقه العربي أن مرحلة الصعود والنزول تشترط توافر معيار مخاطر الطيران مع وجود سيطرة للناقل على المسافر[56]، ذلك من اللحظة التي يطلب فيها الناقل من المسافرين ترك مناطق الجمهور والقدوم إلى تابعيه[57]؛ حيث تبدأ هذه المرحلة وفق هذا الفقه من مرحلة الانتظار في القاعة للمغادرة أو مرحلة التنقل عن طريق الحافلة[58].
وحيث إنَّ اتفاقية مونتريال قد فرضت مسؤولية الناقل الجوي عن سلامة المسافرين على أساس موضوعي أو شخصي وفق قيمة التعويض، فلابدَّ أن نبحث في طبيعة مسؤولية الناقل خلال مرحلة الصعود والنزول، من حيث أساسها الموضوعي أو الشخصي.
1- قيام مسؤولية الناقل الموضوعية خلال مرحلة الصعود أو النزول
تقوم المسؤولية الموضوعية على الناقل الجوي عن سلامة المرضى إذا كان نطاق التعويض هو ضمن 100 ألف وحدة حقوق سحب خاصَّة[59]، على أساس فكرة تحمُّل التبعة؛ أي بمجرَّد وضوع الضرر على سلامة المسافرين دون النظر لخطأ الناقل، أو بمعنى آخر “الخطر الجوي” كما اقترح جانب من الفقه العربي[60].
فعلى سبيل المثال، إذا استدعى الطاقم الاداري للناقل الجوي المسافرين دون أن يُحدِّد عدد المسافرين، وطلب منهم الانتظار دون تطبيق نظام التباعد الجسدي، ففي هذه المرحلة يسهل انتشار الفيروس فيما بينهم في قاعة الانتظار بسبب الاختلاط.
وبعدها، في مرحلة صعود الركاب للحافلة بغرض التوجه إلى الطائرة أو بغرض مغادرة مُدرَّج الطائرة، فإنَّ عدم إلزام المسافرين بالجلوس في مقاعد متباعدة قد يترتَّب عليه إصابة بعض المسافرين بعدوى الفيروس بسبب عدم حرص تابعي الناقل على سلامتهم.
ونأتي بعد ذلك، لمرحلة صعود المسافرين على سلم الطائرة أو نزولهم منه، فهنا إذا نزل المسافرين من الحافلة بشكل عشوائي لصعود السلم، سيتمُّ اختلاط المسافرين.
ولكن تبقى مسألة إثبات لحظة حدوث العدوى هي النقطة الإشكالية في إقامة مسؤولية الناقل عن عدوى كورونا، حيث قد يدفع الناقل بأنَّ المسافر مصابٌ بالعدوى قبل الحضور إلى المطار من الأساس، ذلك في الوقت الذي اشترطت اتفاقية مونتريال حدوث الحادث خلال الصعود أو النزول.
ستلعب هنا عدة أدلة وقرائن دور البطولة في تحديد لحظة انتقال العدوى، ومنها إذا كانت درجة حرارة المسافر طبيعية قبل الصعود إلى الطائرة ثم ارتفعت فجأةً بعد النزول منها، وإذا كانت عدوى كورونا في دولة مطار الإقلاع ضعيفةً.
ولكن كل ما سبق يبقى مُجرَّد قرائنٍ خاضعةٍ لتقدير قاضي الموضوع الذي قد لا يقتنع بحدوث العدوى خلال الصعود أو النزول طالما أنَّ عدوى كورونا لا تظهر أعراضها فور انتقال الفيروس؛ فقد يكون الشخص مصاباً بكورونا قبل الحضور للمطار ويصعد الطائرة بدرجة حرارةٍ طبيعيةٍ ثم يبدأ الفيروس بمهاجمة جهاز المناعة فترتفع درجة الحرارة بعد البدء بالصعود على الطائرة.
ويزيد من صعوبة الإثبات غموض مفهوم مراحل الصعود والنزول من الناحية الزمانية والمكانية.
لذلك، يبدو ظاهراً أنَّ قواعد إقامة مسؤولية الناقل عن سلامة المرضى ضمن الحد الأدنى القيمي تصبُّ في مصلحة المسافرين بغرض الحصول على حد أدنى من التعويض في الأحوال الطبيعية، ولكن بخصوص الإصابة بفيروس كورونا لا تبدو هذه القاعدة مجديةً في ظلِّ صعوبة إقامة الدليل على انتقال العدوى خلال هذه المراحل.
ولكن ماذا لو كانت أضرار المسافر أكبر من القيمة الدنيا للتعويض، وأراد المسافر المطالبة بتعويض بتجاوز قيمة 100 ألف وحدة حساب المشار إليها، عندها سيصطدم المسافر بقواعد المسؤولية الشخصية أيضاً كما سنرى.
2- قيام مسؤولية الناقل الشخصية خلال مرحلة الصعود أو النزول
تستند “المسؤولية الشخصية” على فكرة الخطأ المُفترض، وتقوم هذه المسؤولية على الناقل الجوي نظراً لوجود أضرارٍ تمسُّ سلامة المسافرين إذا كانت قيمة التعويض المدعى بها من المسافر تفوق 100 ألف وحدة حقوق سحب خاصَّة[61].
فمثلاً، في حال امتناع أو اهمال الناقل بوضع آلية صعود آمنة من الطائرة، الأمر الذي ترتب عليه اختلاط الجميع مع اتباع الناقل لقياس الحرارة قبيل الصعود على سلم الطائرة، فهنا ستقوم مسؤولية الناقل الشخصية القائمة على الخطأ المفترض إذا طالب المسافر بتعويض يتجاوز الحد الأعلى القيمي.
بناءً عليه، فإنَّ المسافر يتعرَّض لخطرٍ مزدوجٍ بخصوص فقدان حقِّه بالتعويض إذا تجاوز الحد الأعلى المذكور، الأول في حال عدم اقتناع القاضي بوقوع الحادث خلال الصعود أو النزول من جهة، والثاني هو عجز المسافر عن إثبات إهمال الناقل في حال استطاع الناقل دفع المسؤولية عنه بعد نفي خطأه أو نفي العلاقة السببية لوقوع خطأ من الغير من جهة أخرى.
وبعد أن عرضنا حالة الاصابة نتيجة الصعود والنزول، لابدَّ أن نبيِّن كيفيَّة قيام مسؤولية الناقل عن سلامة المسافرين من عدوى كورونا على متن الطائرة.
ثانياً: حالة حدوث الإصابة على متن الطائرة
تضيق دائرة المسؤولية على متن الطائرة، حيث إنَّ المسافرين تحت السيطرة الكاملة للناقل، وذلك وفق ما بيَّنته الاتفاقية في نص المادة 17 “1- يكون الناقل مسؤولاَ عن الضرر الذي ينشأ في حالة وفاة الراكب أو تعرضه لأصابه جسدية، بشرط أن تكون الحادثة التي سببت الوفاة أو الإصابة قد وقعت فقط على متن الطائرة”.
وسنرى كيف تقوم مسؤولية الناقل عن سلامة المسافرين على متن الطائرة، سواءً وفق الطبيعة الموضوعية أم الشخصية.
1- قيام مسؤولية الناقل الموضوعية على متن الطائرة
يمكن للمسافر أن يضمن قيام مسؤولية الناقل على الأساس الموضوعي دون وجود عنصر الخطأ، بل بمجرد إثبات الضرر؛ أي إثبات حدوث عدوى كورونا على متن الطائرة، مع المطالبة بالتعويض في حدود 100 وحدة حقوق سحب خاصَّة[62].
فعلى سبيل المثال، في حالة إصابة أغلب المسافرين على متن الطائرة بسبب عدم تعقيمها بعد أن انطلقت من مدينة ووهان الصينية إبَّان انتشار جائحة كورونا، وعدم قيام تابعي الناقل بالإجراءات الوقائية التي طالبت بها منظمة الصحة العالمية، فهنا تقوم مسؤولية الناقل بسبب الضرر الذي وقع جرَّاء عدم تعقيم الطائرة ممَّا ترتَّب عليه اصابة المسافرين بالفيروس.
ولكن تبقى المهمَّة الأصعب على المسافر هي إثبات وقوع الإصابة على متن الطائرة وليس حدوثها قبل دخول المطار مثلاً، خاصَّة أنَّ مدينة ووهان -وفق المثال- كانت المركز العالمي لانتشار جائحة كوروناً.
بناءً عليه، تبدو عناصر المسؤولية الموضوعية غير قادرةٍ على تعويض المسافرين جرَّاء انتقال العدوى على متن الطائرة في ظلِّ صعوبة إثبات لحظة انتقال عدوى كورونا بالنظر إلى أنَّ الفيروس لا تبدأ أعراضه بالظهور فور انتقال العدوى، الأمر الذي سيزرع الشكَّ في قاضي الموضوع بخصوص واقعة انتقال العدوى على متن الطائرة من عدمها.
2- قيام مسؤولية الناقل الشخصية على متن الطائرة
قد يجد المسافر أنَّ أضراره تفوق القيمة العليا للتعويض وفق قواعد المسؤولية الموضوعية -100 ألف وحدة حقوق سحب خاصَّة-، كأن يكون المسافر لاعب كرة قدم أدَّت إصابته بالفيروس إلى خسارة عقدٍ احترافيٍّ بقيمة ملايين الدولارات.
فهنا بإمكان هذا المسافر أن يُؤسِّس دعوى التعويض ضد الناقل على أساس المسؤولية الشخصية ذات الخطأ المُفترض، ولكن المسافر سيكون عليه إثبات حدوث واقعة العدوى على متن الطائرة أولاً، فإذا استطاع الناقل دحض المسؤولية عنه عبر نفي خطأه أو نفي العلاقة السببية لوجود خطأ الغير، فإنَّ هذا المسافر سيخسر حقه بالتعويض.
ولذلك، تبدو إمكانية تحصيل المسافر لتعويض يتجاوز الحد القيمي الأعلى -اللاعب المحترف وفق المثال- ضعيفةً جداً نظراً لصعوبة إثبات لحظة انتقال العدوى ولصعوبة إثبات إهمال الناقل لإجراءات السلامة الخاصَّة بالفيروس بعد إثبات الناقل لقيامه بإجراءات السلامة، ذلك بالنظر إلى أنَّ الإجراءات الوقائية من فيروس كورونا المستجد ما تزال محلَّ بحثٍ وتطويرٍ.
بناءً عليه نرى أنَّ المقترح الحل لإثبات مدى إصابة المسافر بالفيروس قبل بدء عمليات الصعود أو خلال وجوده على متن الطائرة أو قبل انتهاء عمليات النزول هو: فرض قواعدٍ دوليةٍ جديدةٍ يلتزم فيها جميع المسافرين بتقديم وثائقٍ تُثبت خضوعهم لفحوص طبيةٍ سلبيةٍ بما يُفيدُ عدم حملهم لهذا الفيروس قبل تسليم المسافرين أنفسهم لإدارة تابعي الناقل في مطار الإقلاع، ثم إلزام المسافرين بالقيام بفحوص طبيةٍ سلبيةٍ تُثبت عدم حملهم لهذا الفيروس بعد نزول الطائرة وقبل ذهاب سيطرة الناقل على المسافرين.
فهنا في حال إصابة أحد المسافرين بالفيروس وارتفاع درجة حرارته ثم صدور الفحص الطبي الثاني إيجابي، في الوقت الذي كان الفحص الأول قبل بدء عمليات الصعود سلبياً، سيقوم الدليل أمام قاضي الموضوع على حدوث العدوى إمَّا على متن الطائرة أو حتى خلال مرحلة الصعود والنزول، وستقوم معه مسؤولية الناقل عن سلامة المسافرين.
وبرؤيةٍ شخصيةٍ، تبدو قواعد قيام المسؤولية عن سلامة المسافرين عادلةً في الأحوال الطبيعية، أمَّا في ظروف انتشار الجوائح الصحية فإنَّ مسألة إثبات وقوع العدوى بحاجة إلى تَدخُّلٍ تشريعيٍّ يفرض إجراءً صحياً احترازياً يقطع بتاريخ حدوث الإصابة.
المطلب الثاني
ما هي طرق نفي مسؤولية الناقل الجوي عن قيام الإصابة بالفيروس؟
قال جانب من الفقه الأمريكي أنَّه لا يجوز مساءلة الناقل الجوي بشكلٍ دائمٍ وتامٍّ على أساس المسؤولية الصارمة عن الإصابات التي تحدث على متن الطائرة[63]، تلك هي الرؤية التي تُراعي المخاطر المالية الكبيرة التي تتعرَّض لها شركات الطيران.
بناءً عليه، لا تنشأ مسؤولية الناقل الجوي عن سلامة المسافرين وفق اتفاقية مونتريال 1999 بمجرد موت أو إصابة المسافر على متن الطائرة أو لأيِّ حادث كان، بل يجب أن تكون الوفاة أو الإصابة هي نتيجةٌ مباشرةٌ لحادثٍ قد حصل على متن الطائرة أو خلال مراحل الصعود أو النزول منها[64].
وعليه فقد منحت مونتريال 1999 الناقل حق دحض المسؤولية القائمة عليه بعد حصول الضرر في صِحَّة المسافر خلال الصعود أو النزول من الطائرة أو على متنها، لكن وسائل نفي المسؤولية عن أضرار السلامة الصحية تتنافى مع المفهوم الواسع لحقوق الإنسان في الجو التي أشار إليها جانب من الفقه التايلندي[65].
لهذا، فقد حرص المشرع الدولي على أحقية الناقل بتقديم دليلٍ يدحض المسؤولية الموضوعية القائمة عليه ضمن النطاق القيمي لها، أو تقديم الناقل لدليلٍ يُثبتُ عكس القرينة القائمة عليه ويدحض المسؤولية الشخصية خارج النطاق القيمي للتعويض.
وبخصوص الظروف المنتشرة بفعل جائحة كورونا، نتساءل في هذا المطلب: كيف يمكن للناقل الجوي أنْ يَنفيَ مسؤوليَّته تبعاً لطبيعتها بعد قيامها بموجب تحقُّق ضرر المسافر الصحي وفق شروط اتفاقية مونتريال 1999؟
للإجابة عن التساؤل، سنبين: نفي مسؤولية الإصابة خلال الصعود أو النزول من الطائرة أولاً، ومن ثم نفي المسؤولية حال الإصابة على متن الطائرة ثانياً.
أولاً: نفي مسؤولية الناقل بعد حدوث الإصابة وقيام الضرر خلال الصعود أو النزول من الطائرة
لابد لنا أن نوضح كيف تختلف تلك دفوع نفي المسؤولية من الناقل وفقاً لطبيعة المسؤولية المُقامة عليه، ذلك في حالة المسؤولية الموضوعية أو الشخصية:
1- نفي مسؤولية الناقل الموضوعية خلال مرحلة الصعود أو النزول
بعد أن يتحقَّق الضرر وتقوم مسؤولية الناقل عن سلامة المسافر خلال الصعود أو النزول من الطائرة، تقوم مسؤولية الناقل الموضوعية على أساس تحمُّل التبعة دون وجود ركن للخطأ إذا طالب المسافر بالحد الأدنى للتعويض وفق اتفاقية مونتريال 1999، وهكذا يَضِيقُ نطاق قدرة الناقل على “إعتاق” “Exonerating” نفسه من المسؤولية كما أشار جانب من الفقه الروماني[66].
إلاَّ أنَّ اتفاقية مونتريال قد نصَّت في المادة 20 على الطريقة العامة في لنفي مسؤولية الناقل حتى إزاء الموضوعية منها، وذلك:
“إذا أثبت الناقل أنَّ الضرر قد نجم عن أو أسهم في حدوثه إهمال أو خطأ أو امتناع الشخص طالب التعويض أو الشخص الذي يستمدُّ منه حقوقه، يُعفَى الناقل كلياً أو جزئياً من مسؤوليَّته تجاه طالب التعويض بقدر ما يكون هذا الإهمال أو الخطأ أو الامتناع قد سبَّب الضرر أو أسهم في حدوثه”.
نرى من هذا النص، أنَّ الناقل الجوي يستطيع نفي مسؤوليَّته عن سلامة المسافرين الذين تحدث إصابتهم بفيروس كورونا خلال الصعود أو النزول من الطائرة أو على متنها.
فإذاً يمكن للناقل نفي المسؤولية القائمة عليه عن سلامة المسافرين خلال الصعود أو النزول من الطائرة أو على متنها إذا أثبت ما يلي:
- اهمال المسافر لإجراءات الوقاية الصحية التي يُبيِّنها الناقل وتابعوه؛ كما لو قام بعض المسافرين بالمخالطة بعدما طلب منهم سائق الباص المتوجِّه للطائرة بالالتزام بالتباعد الاجتماعي لحظة النزول للانتقال إلى مرحلة صعود سلم الطائرة، ويدخل في إطار معنى المخالطة خلال مراحل الصعود والنزول أيضاً المصافحة والعناق وغيرها من الوقائع التي يحدث فيها التلامس المباشر أو الاقتراب دون ترك مسافةٍ كافيةٍ على درج الطائرة.
- امتناع أحد المسافرين عن التصريح الضروري للناقل حتى يأخذ احتياطاته؛ فقد يُعاني أحد المسافرين من مرض تنفسيٍّ -مثل الربو-، ورغم ذلك يمتنع عن التصريح بذلك للناقل، فيُصاب هذا المسافر المريض بفيروس كورونا وتكون إصابته بليغةً، فيما كان يمكن للناقل عزل هذا المسافر عن باقي المسافرين تماماً خلال مراحل الصعود والنزول، حتى أكثر من المسافة الآمنة الاعتيادية.
- خطأ المسافر مهما كانت صوره الأخرى؛ فقد يلتزم المسافر بالتباعد خلال مراحل الصعود والنزول، لكن يقوم المسافر بالصعود على درج الطائرة بشكل سريع، ممَّا يؤدِّي إلى انزلاق قدمه وسقوطه على أرضية الدرج، ثم يسقط عدد كبير من المسافرين الذين كانوا خلف المسافر المذكور، ويقتربُ بعضهم من بعض ويختلطون، الأمر الذي أدَّى إلى حدوث عدوى بين الفئة التي سقطت من المسافرين.
وبتحليلنا شخصي، إذا قام المسافر بفحصٍ سلبيٍّ قبل بدء مراحل الصعود ثم مسحة إيجابية عند انتهاء مرحلة النزول، ذلك وفقاً لاقتراحنا في المبحث الأول إزاء قيام المسؤولية، فيمكننا اعتبار أنَّ مسؤولية الناقل الموضوعية خلال الصعود أو النزول صعبة النفي.
وذلك ليس لصعوبة إثبات أخطاء المسافرين المذكورة أعلاه، ولكن لصعوبة -أو حتى استحالة- إثبات أنَّ العلاقة السببية بين خطأ المسافر وانتقال عدوى فيروس كورونا إليه؛ فيمكن أن يكون الفيروس قد انتقل قبل قيامه بالخطأ أو بعدها، ولا يوجد ما يمكن للناقل أن يستند عليه حتى يُثبتَ لحظة انتقال العدوى خلال الصعود أو النزول.
بينما يمكن للمسافر إثبات لحظة وقوع العدوى خلال الرحلة الجوية بأكملها إذا قام بالفحص السلبي الذي اقترحناه.
ويُزاد إلى صعوبة نفي مسؤولية الناقل في هذه الظروف، أنَّ مرحلة الصعود أو النزول من الطائرة ليست محدودة بمراحل مكانية وزمانية مُعيَّنة، ذلك نتيجة عدم تعريف اتفاقية مونتريال 1999 لماهية هذه المراحل.
بالتالي، تبقى مدى واقعية دفوع الناقل بنفي المسؤولية الموضوعية عن سلامة المسافرين خلال الصعود أو النزول، تبقى هذه الواقعية رهناً باكتشاف وسائل تسمح بتحديد الوقت الدقيق للإصابة بفيروس كورونا.
إلى ذلك الحين ستقوم المسؤولية على الناقل بمجرَّد إصابة أيِّ مسافر بالفيروس خلال الرحلة إذا كان لدى المسافر دليلٍ ماديٍّ على أنَّه قد كان سليماً قبل بدء الصعود للطائرة، وهو الفحص السلبي الذي اقترحناه، فحتى الكاميرات الحرارية عالية التقنية خلال الصعود أو النزول تُثبِتُ ارتفاع الحرارة لكنها لا تُثبِتُ التاريخ الدقيق لانتقال العدوى، حيث إنَّ أعراض فيروس كورونا لا تظهرُ مباشرةً.
2- نفي مسؤولية الناقل الشخصية خلال مرحلة الصعود والنزول
تستند فكرة المسؤولية الشخصية على فكرة الخطأ المُفترض، ذلك إذا طالب المسافر بتعويض يتجاوز قيمة 100 ألف وحدة حقوق سحب خاصَّة.
وبالنظر إلى ارتفاع قيمة التعويض الذي يُطالب به المسافر، فقد وجد المشرع الدولي أنَّ حمايته لسلامة المسافرين يجب أن تكون متوازنةً مع مصالح الناقل الذي يتعرَّض لمخاطرٍ ماليةٍ كبيرةٍ.
ولهذا فقد غيَّر المشرع الدولي من طبيعة المسؤولية عن سلامة المرضى بخصوص التعويض الذي يتجاوز الحد القيمي الأعلى، غيَّر من طبيعة هذه المسؤولية الموضوعية التي تستند على تحمُّل التبعة وجعلها مسؤوليةً شخصيةً قائمةً على أساس الخطأ المُفترض.
بناءً عليه، فبالإضافة إلى طرق نفي المسؤولية الموضوعية من إثبات أخطاء المسافر، يمكن للناقل أن ينفي مسؤوليَّته الشخصية المستندة على الخطأ المفترض عبر نفي الخطأ أو نفي العلاقة السببية.
حيث نصَّت اتفاقية مونتريال على أنَّه:
“فيما يتعلَّق بالأضرار المنصوص عليها في الفقرة 1 من المادة 17 (أضرار سلامة المرضى) والتي تتجاوز قيمتها 100.000 وحدة حقوق سحب خاصَّة عن كل مسافر، لا يكون الناقل مسؤولاً إذا أثبت ما يلي:
أ (ان هذا الضرر لم ينشأ عن الإهمال أو الخطأ أو الامتناع من جانب الناقل أو تابعيه أو وكلائه.
ب (أو أنَّ هذا الضرر نشأ فقط عن الإهمال أو الخطأ أو الامتناع من جانب الغير.“
بناءً عليه، يمكن للناقل نفي المسؤولية الشخصية خلال الصعود والنزول من الطائرة، بعد إثبات ما يلي:
- نفي الخطأ؛ أي ببساطة إثبات أنَّ إصابة المسافر بالفيروس لم تكنْ لارتكابه أي خطأ، بالتالي تنتفي هنا القرينة القانونية القائمة على الخطأ المفترض ويتحوَّل هذا الخطأ إلى واجب الإثبات.
- نفي العلاقة السببية؛ فهنا إذا ثَبت أنَّ الناقل مثلاً لم يلتزم بفرض التباعد الاجتماعي على درج الطائرة، فيمكن للناقل أن يثبت قيام العدوى على أحد المسافرين بسبب وجود مسافر آخر مصاب بفيروس كورونا قام بنقل العدوى إلى المسافر الآخر بشكلٍ مقصودٍ عبر السعال في الوجه مثلاً.
على عكس أساليب نفي المسؤولية الموضوعية، تبدو الوقائع المطلوب من الناقل إثباتها حتى ينفي المسؤولية الشخصية عنه سهلة الإثبات.
وبالتالي، يبدو أنَّ الباب الذي فتحه المشرع الدولي للناقل حتى يتملَّص من مسؤوليَّته قد تجاوز مفهوم إعادة التوازن بين الناقل والمسافر، وأدَّى إلى الإخلال بهذا التوازن.
حيث إنَّ المسافر يبدو مُجبراً على طلب التعويض ضمن الحد القيمي الأعلى استناداً على المسؤولية الموضوعية؛ لأنَّ نفيها أمر صعب، في الوقت الذي يظهر فيه نفي المسؤولية الشخصية أمراً سهلاً للناقل إذا لم يقمْ بأخطاءٍ جسيمةٍ تمسُّ سلامة المسافرين.
مثل هذه البيئة القانونية لا تساهم في تعويض الأضرار الناشئة عن الإصابة بمرض يُمثِّل جائحة لا علاجاً لها، ومن هنا يبدو أنَّ فكرة نفي المسؤولية عبر إثبات القيام بالإجراءات الضرورية، تبدو هذه الفكرة غير مناسبةٍ لحجم الأضرار الجسيم الذي سيُصيب المسافر جرَّاء الإصابة بالفيروس الجائحة.
ولذلك، نرى ضرورة إلغاء إمكانية نفي مسؤولية الناقل عبر نفي الخطأ، لأنَّه لا يمكن منطقياً أن يُصاب مسافر بعدوى دون وجود خطأ من الناقل أو المسافر أو الغير، فإذا كان الخطأ من المسافر أو الغير انتفت العلاقة السببية أمَّا إذا لم يثبت هذا الأمر فلا يجوز برأينا للناقل نفي خطأه.
ثانياً: نفي مسؤولية الناقل بعد حدوث الإصابة وقيام الضرر على متن الطائرة
يمكن للناقل نفي المسؤولية عن عدوى فيروس كورونا الذي يُصيب المسافرين على متن الطائرة، ذلك على أساس المسؤولية الموضوعية المستندة على فكرة تحمُّل النقال للتبعة، أو على أساس المسؤولية الشخصية المستندة على خطأ الناقل المفترض.
1- نفي مسؤولية الناقل الموضوعية بعد حدوث الإصابة وقيام الضرر على متن الطائرة
جاءت وسائل نفي مسؤولية الناقل عن إصابات السلامة الجوية بغرض التضييق من نطاق المسؤولية الموضوعية القاسية على الناقل؛ ذلك حتى ينشأ نوع من العدالة في المنهج القانوني على متن الطائرة كما أشار جانب من الفقه اليوناني[67].
وفي الواقع، تتشابه حالة نفي المسؤولية بخصوص المسؤولية الموضوعية للناقل ضمن الحد القيمي الأعلى خلال مراحل الصعود والنزول من الطائرة، مع حالة نفي هذه المسؤولية القائمة على متن الطائرة.
إلاَّ أنَّ احتمال وقوع الناقل وتابعيه بالخطأ خلال مراحل الصعود والنزول من الطائرة هو احتمالٌ أكبر من الأخطاء القليلة التي تحدث نادراً على متن الطائرة؛ فالصعود والنزول هي مراحلٌ يتحرَّك فيها المسافرون، وغالباً ما تحدث الإصابات بفيروس كورونا نتيجة سوء إدارة الناقل لهذه المراحل مع صعوبة إثبات مساهمة المسافر بحدوث الإصابة إلاَّ إذا قام بانتهاك التعليمات بشكلٍ صريحٍ.
بناءً عليه، يكون الناقل مسؤولاً بشكلٍ كاملٍ في معظم حالات العدوى التي تحدث خلال مراحل الصعود أو النزول، إلاَّ في حالات استثنائية يجب أن يُثبتَ فيها أنَّ المسافر قد انتهك قواعد التباعد الاجتماعي.
أمَّا على متن الطائرة فالأمور تختلف تماماً، حيث يكونُ المسافرون جالسين على مقاعد الطائرة، وتكون الأمورُ هادئةً نسبياً أمام الناقل، فيكون مُسيطراً على متن الطائرة بشكلٍ شبه كاملٍ؛ لذلك، يُستبعدُ أن يقوم الناقل بما يؤدِّي إلى انتقال العدوى بين المسافرين إلاَّ إذا انتهك هؤلاء المسافرون قواعد السلامة وساهموا بانتشار العدوى[68].
واستناداً على ذلك، يكون الناقل مسؤولاً بشكلٍ جزئيٍّ في معظم حالات العدوى التي تحدث على متن الطائرة؛ لأنَّ خطأ المسافر يكون على الأغلب هو الذي أدَّى لانتقال العدوى، إلاَّ في حالاتٍ استثنائيةٍ يجب أن يُثبتَ فيها أنَّ الناقل لم يقمْ بتعقيم أو تنظيم مقاعد الطائرة بما يكفل التباعد الاجتماعي.
وتستند حالة النفي الجزئي لمسؤولية الناقل على الجزء الذي قد ساهم فيه المسافر في حدوث العدوى بموجب إهماله أو خطأه أو امتناعه وفق المادة 20 من اتفاقية مونتريال 1999، ولهذا فقد أشار جانب من الفقه البريطاني إلى أنَّ مسؤولية الناقل الجوي تحتوي على لعبة شدِّ الحبل بين الناقل والمسافر[69]؛ حيث إنَّ كلاًّ منهما يريد إثبات أنَّ الآخر هو السبب في حدوث الإصابة.
فعلى سبيل المثال، لنفترض أنَّه لحظة تواجد الركاب على متن الطائرة وجلوسهم وفق التعليمات التي فرضها الناقل عليهم، وأثناء الرحلة الجوية تَوَهَّمَ أحد المسافرين أنَّ أعراض الوباء بدأت تظهر عليه، فأخذ بالسعال بطريقةٍ تجذب الانتباه، ونزع الكمامة، وقرَّر أن يذهب لدورة المياه في الطائرة دون أن يطلب من الطاقم الاداري الإذن؛ مُخالفاً تعليمات عدم التجول على متن الطائرة.
بناءً عليه، يستطيع الناقل الجوي أن ينفي مسؤوليَّته بشكلٍ جزئيٍّ إذا انتقلت عدوى الفيروس لهذا المسافر الذي أجرى فحوصاً سلبية قبل صعوده على الطائرة، حيث سيثور الشك بأنَّه قد تلقى العدوى بعد نزعه للكمامة ومخالفته لتعليمات منع التجول.
فهنا يكون المسافر قد ساهم بموجب مخالفته لتعليمات الناقل بحدوث العدوى، تماماً مثلما أنَّ تابعي الناقل قد ساهموا بحدوث هذه العدوى لأسبابٍ عديدةٍ؛ منها عدم التأكيد على المسافر بضرورة التزام مكانه، ومنها أيضاً أنَّ أحد المسافرين قد كان حاملاً للفيروس أو أنَّ الطائرة لم يتمَّ تعقيمها جيداً، وإلاَّ كيف انتقلت العدوى للمسافر وهو قد أجرى مسحةً سلبيةً قبل صعوده على متن الطائرة.
إلاَّ أنَّ حالة نفي المسؤولية بشكلٍ جزئيٍّ على متن الطائرة لا تتنافى مع إمكانية نفي الناقل لمسؤوليَّته الموضوعية بشكلٍ كاملٍ، حيث قد يكون المسافر هو المُتسبِّب الوحيد بانتقال العدوى إليه، فقد يتجوَّل هذا المسافر على متن الطائرة مُخالفاً تعليمات تابعي الناقل، ثم يدخل عنوةً إلى حجرة عزلٍ صحيٍّ تحتوي مرضى بفيروس كورونا يتمُّ إجلاؤهم على حساب دولتهم.
ففي هذه الحالة، يظهر -بما لا يدع مجال للشك- أنَّ خطأ المسافر وحده هو الذي جعله يلتقط عدوى فيروس كورونا، فلولا أنَّه قد خالف التعليمات ودخل حجرةً موبوءةً، لما أُصيب بهذا الفيروس، وهنا لا توجد مساهمةٌ من تابعي الناقل في انتقال العدوى، إلاَّ إذا لم يقوموا بتنبيه المسافرين لضرورة عدم الاقتراب من حجرة العزل الصحي، أو إذا كان المسافر طفلاً أو فاقداً للأهلية وكان الناقل يعلم بذلك، ولم يوفرْ الحراسة الكافية على حجرة العزل.
ونظراً لأهمية قواعد تجزئة الضرر على متن الطائرة، وفي ظلِّ الأهمية الخاصَّة لهذه القواعد بعد انتشار عدوى فيروس كورونا في الأماكن المغلقة مثل متن الطائرة، يبدو أنَّ على المشرع الدولي النص على قواعدٍ أكثر تفصيلاً للحالات التي يُساهمُ فيها المسافر في حدوث الضرر بشكلٍ جزئيٍّ.
ونقترح في هذا الخصوص إمكانية تطبيق أحكام المسؤولية الموضوعية مع رفع الحد القيمي الأعلى للتعويض.
2- نفي مسؤولية الناقل الشخصية بعد حدوث الإصابة وقيام الضرر على متن الطائرة
تتطابق حالات نفي المسؤولية الشخصية خلال مراحل الصعود والنزول من الطائرة مع حالات نفي هذه المسؤولية على متن الطائرة، إلاَّ أنَّ الفرق يكمن في ظروف “متن الطائرة”.
فالناقل يمكن له أن ينفي المسؤولية الشخصية عن انتقال العدوى على متن الطائرة فيما يتجاوز حدود التعويض القيمي إذا استطاع إثبات عدم وقوعه بالخطأ من جهة، أو أنَّ نشوء الضرر قد سبَّبه فعل الغير فقط، ولهذا يمكن القول بأنَّ مسؤولية الناقل ليست بسيطةً من حيث القيام بل مُعقَّدة ومُحدَّدة ضمن حدودٍ ضيقةٍ كما أشار جانب من الفقه اليوناني[70].
وفي ظلِّ الظروف شبه الهادئة على متن الطائرة -بخلاف مراحل الصعود والنزول- يكون إثبات الناقل لقيامه بإجراءات التباعد الاجتماعي أمراً في غاية السهولة، كما إثبات تعقيم الطائرة وفق المتعارف عليه هو أمرٌ يَسيرٌ أيضاً؛ ويكون بالتالي إثباته أنَّ العدوى انتقلت دون أي خطأ أو إهمال من الناقل أمراً سهلاً (نفي الخطأ).
يُضاف إلى ذلك، أنَّ الناقل -في إطار المسؤولية الشخصية حصراً- يستطيع نفي مسؤوليَّته عن عدوى انتشرت على متن الطائرة إذا قام أحد المسافرين الذين ارتفعت درجة حرارتهم فجأةً مثلاً بنزع الكمامة؛ ففي هذه الحالة يكون سبب انتشار العدوى هو خطأ هذا المسافر (نفي العلاقة السببية).
وفي الحقيقة، هذه المرونة والسهولة في إجراءات نفي المسؤولية لا تتناسب البتَّة مع خطورة انتشار فيروس كورونا على متن الطائرات، الأمر الذي سيدفع شركات الطيران التجارية إلى التساهل في القيام بإجراءات السلامة إلاَّ في حدِّها الأدنى، لأنَّها تعلم أنَّ التعويض لن يتجاوز مبلغ الحد القيمي في إطار المسؤولية الموضوعية، أمَّا المسؤولية الشخصية فوق هذا الحد القيمي فهي سهلة النفي، وهذا ما قد يدفع المسافرين لإبرام عقود تأمينٍ على حياتهم[71].
ولهذا فقد قال جانب من الفقه الأمريكي أنَّ الدول إذا أرادت أن تفرض قواعداً في مصلحة المسافرين، فعلى هذه الدول الاجتماع لإقرار اتفاقية جديدة[72]، ذلك بعد أن تصلَّبت اتفاقية مونتريال حالياً وفق ما يرى جانب من الفقه الفرنسي[73]، بدون هذا التحديث الضروري فإنَّ نظام المسؤولية سيُعتبر ميتاً فعلياً[74]، فالمسافرين لا يمكنهم إقامة دعوى المسؤولية على أساس القانون الوطني بعد خسارة دعواهم على أساس قواعد اتفاقية مونتريال الواجبة التطبيق على النقل الجوي الدولي[75].
بناءً عليه، نرى أنَّ على المشرع الدولي فرض تشديد في المسؤولية بخصوص انتقال عدوى الجوائح على متن الطائرة، فلا يجوز هنا للناقل نفي مسؤوليَّته لعدم ارتكابه أي خطأ، لأنَّه ليس من المنطق أن ينتشر الوباء على متن الطائرة دون خطأ الناقل أو تابعيه.
أمَّا بخصوص حالة نفي المسؤولية لخطأ الغير، فنقرح هنا النص على أنَّ للمسافر المُصاب الرجوع الناقل بكامل المسؤولية وفق ترتيب الرجوع إن لم يكنْ الشخص المخطئ (الغير) المتسبب بانتقال العدوى قادراً مادياً على تغطية مبلغ التعويض.
يبدو لنا أنَّ المشرع الدولي قد أفسد قواعد المسؤولية الموضوعية عبر فرضه قاعدة الحد الأعلى القيمي للتعويض، خاصةً أنَّ انتشار الجوائح الصحية سيُضاعفُ الأضرار الصحية، الأمر الذي سيؤدِّي إلى تعويض الناقل عن جزءٍ فقط من أضرار انتقال العدوى للمسافر بسبب إهمال الناقل، هذا الواقع يدفعنا للقول بضرورة رفع الحد القيمي هذا إذا كان إلغاؤه فيه إجحافٌ بحقِّ الناقل.
الخاتمة
بعد حلول فيروس كورونا كضيفٍ ثقيلٍ على قطاع النقل الجوي الدولي، ظهرت قدرة الناقل على استغلال المسافرين عن طريق تأخير أو إلغاء الرحلة الجوية رغم ما يمرُّون به من حالةٍ نفسيةٍ صعبةٍ بفعل الجائحة، ذلك جنباً إلى جنب مع ازدياد الخطر على حياة المسافرين نتيجة استهتار الناقل بإجراءات الوقاية الصحية.
وبالنتيجة، فقد بدأت تظهر ثغراتٌ جديدةٌ وقواعدٌ غير عادلةٍ في اتفاقية مونتريال 1999 بسبب حلول ظروفٍ قاسيةٍ على النقل الجوي، تلك الظروف التي وضعت المسافرين حقيقةً تحت رحمة الناقل الجوي.
فعلى الرغم من المخاطر المالية الكبيرة والخسائر الهائلة التي يتعرَّض لها قطاع النقل الجوي الدولي والتي عانت منها الشركات التجارية للنقل الجوي، إلاَّ أنَّ هذه الشركات تمارس عملاً تجارياً يخضع لعوامل الربح والخسارة، بينما أصبح المسافر اليوم يتعرَّض لخطر الإصابة بمرضٍ معدٍ يُمثِّلُ جائحةً عالميةً لا علاجاً منها.
بناءً عليه، تبيَّن لنا أنَّ العديد من قواعد اتفاقية مونتريال 1999 لا تصلح في الواقع لتنظيم وقائع النقل الجوي في ظروف الطوارئ الصحية؛ الأمر الذي يوجب وضع بيئة عمل خاصَّة بهذه الظروف عبر بروتوكول جديد مُعدِّل للاتفاقية.
النتائج
- يُضاعِفُ تأخير الرحلة الجوية في زمن فيروس كورونا من أضرار المسافر المادية والمعنوية؛ لأنَّه يتعرَّض في مناطق انتظار المسافرين للإصابة بالعدوى إضافة إلى أضرار التأخير التقليدية.
- إتاحة المجال للناقل الجوي حتى ينفي مسؤوليَّته عن أضرار التأخير عبر إثبات القوة القاهرة حتى ضمن الحد القيمي للتعويض، يُساعدُ على استغلال المسافرين عبر تأخير الرحلات الجوية أو إلغائها بحجَّة الظروف الصحية.
- المشكلة الواقعية لإثبات مسؤولية الناقل الجوي عن عدوى كورونا على متن الطائرة أو خلال مراحل الصعود أو النزول هو صعوبة إثبات وقت حدوث الإصابة، ذلك لأنَّ فيروس كورونا قد لا تظهر أعراضه عند الإصابة به مباشرةً.
- بالنسبة للمسؤولية عن سلامة المسافرين الصحية من فيروس كورونا، فإنَّ الفرق شاسعٌ بين صعوبة نفي المسؤولية الموضوعية ضمن الحد القيمي الأعلى للتعويض عبر خطأ المسافر، وبين سهولة نفي المسؤولية الشخصية خارج هذا الحد عبر نفي الخطأ أو نفي العلاقة السببية عبر إثبات خطأ الغير إضافة إلى خطأ المسافر.
التوصيات
إصدار بروتوكول إضافي لاتفاقية مونتريال فيما يخصُّ مسؤولية الناقل خلال فترة انتشار الجوائح الدولية، أو إصدار قانون كويتي يقوم على تنظيم المسائل الخاصة بهذه المسؤولية في ظروف الجوائح التي سكتَ عنها المشرع الدولي، وذلك وفق القواعد التالية:
- بخصوص المسؤولية عن التأخير في ظلِّ الجوائح الصحية:
- في حالة إلغاء الرحلات الجوية، فرض قاعدة تُلزمُ الناقل بإعادة قيمة التذكرة للمسافرين.
- في حالة تأخير الرحلة الجوية، فرض قاعدة تعويض المسافرين على أساس المسؤولية الموضوعية ضمن نطاق الحد القيمي الأعلى، دون إمكانية نفي المسؤولية حتى إن قام الناقل بالإجراءات اللازمة أو استحال عليه القيام بها.
- وضع قرينة كاستثناء للقاعدة السابقة يُعفَى الناقل فيها من المسؤولية في حالة تأخير 3 ناقلين آخرين في رحلاتهم إلى نفس الوجهة، فهذا يدلُّ على وجود ظروفٍ واقعيةٍ مُعيقةٍ للنقل، وأنَّ الناقل لم يستغل الجائحة حتى يؤخِّر الرحلة، ذلك ما لم يثبت العكس.
- في حالة التعويض خارج نطاق الحد القيمي الأعلى، فيمكن اللُّجوء لأحكام المسؤولية الشخصية ذات الخطأ المُفترض، لكن دون إمكانية نفيها عبر نفي الخطأ، أي عبر إثبات الناقل أنَّ الإصابة لم تحدثْ بسبب خطأه أو إهماله هو أو تابعيه.
- بخصوص المسؤولية عن سلامة المسافرين في ظلِّ الجوائح الصحية:
- فرض قاعدة إجراء الفحوص قبل البدء بمراحل الصعود إلى الطائرة، وقبل الانتهاء من مراحل النزول منها؛ بغرض تحديد مدى سلامة المسافر قبل بدء عمليات النقل الجوي وقبل انتهائها.
- رفع الحد القيمي الأعلى للتعويض بخصوص حالات العدوى بالجوائح العالمية.
- فرض قاعدة ترتيب الرجوع على المتسبب بالضرر في حالة المسؤولية عن جزءٍ من الضرر، ثم على الناقل نفسه حتى عن الجزء الذي لم يتسبَّب به على أساس المسؤولية الموضوعية إذا لم يكن ذلك المتسبِّب قادراً على دفع مبلغ التعويض.
- إنشاء صندوق تعويضات دولي للمُتضرِّرين من الجوائح خلال عمليات النقل الجوي، على أن يُساهِمُ في هذا الصندوق الجهات الدولية للنقل الجوي؛ بحيث تستطيع شركة الطيران الرجوع على هذا الصندوق بقيمة التعويضات التي سدَّدتها للمسافر.
قائمة المراجع
أولاً: المراجع باللغة العربية
1- الكتب
– أحمد، عبد الفضيل محمد، القانون الخاص الجوي، مكتبة الجلاء الجديدة، المنصورة، 1999.
– البارودي، علي، د. العريني، محمد فريد، د. الفقي، محمد السيد، القانون البحري والجوي، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت، 2001.
– رضوان، أبو زيد، القانون الجوي قانون الطيران التجاري، دار الفكر العربي، القاهرة، 1982.
العريني، محمد فريد، د. محمدين، جلال وفاء، القانون الجوي الملاحة الجوية والنقل الجوي، دار المطبوعات الجامعية، الإسكندرية، 1998.
– المصري، حسني، القانون التجاري الكويتي -دراسة مقارنة-، مؤسسة دار الكتب، 1996.
2- الأبحاث العلمية المحكمة
– الأحمد، محمد، ويونس، هادي، الخطــــر الجـــــوي أساســاً لمسؤوليــة ناقــل الأشخاص جــــوَّاً، مجلة المفكر، جامعة بسكرة، الجزائر، العدد 15، عام 2018.
– عبده، علاء التميمي، مدى مسؤولية الناقل الجوي عن أضرار الإرهاب طبقاً لأحداث الاتفاقيات الدولية الخاصة بنقل الأشخاص، مجلة الحقوق – جامعة الكويت، العدد 1، السنة 39، مارس 2015.
– عجيل، طارق، مسؤولية الناقل الجوي عن التأخير وفقاً لاتفاقية مونتريال 1999 -دراسة مقارنة-، مجلة جامعة النهرين، المجلد 16، العدد 2، مارس 2014.
– عدس، عمر حسن، المسؤولية القانونية في التعويض عن كوارث الملاحة الجوية الدولية (بحث بالإنكليزية)، مجلة الحقوق والشريعة – جامعة الكويت، العدد 2، السنة 3، يوليو 1979.
– القوصي، همام، تأثير مفهوم عمليات صعود ونزول المسافرين من الطائرة على مسؤولية الناقل الجوي عن الإصابات البدنية الجوية (دراسة فقهية قضائية في تفسير اتفاقيتي وارسو 1929 ومونتريال 1999)، سلسلة الأبحاث الجامعية والأكاديمية المحكمة، مختبر البحث: قانون الأعمال، جامعة الحسن الأول، المغرب، العدد 10، يناير 2018.
– الكندري، محمود، جوانب القصور في التنظيم القانوني لسوق النقل الجوي في الكويت -دراسة مقارنة-، مجلة الحقوق – جامعة الكويت، العدد 3، السنة 25، سبتمبر 2001.
– محمد، عمر، وهاشم، زينب، آثار الإخلال بالالتزام بضمان سلامة الراكب في عقد النقل الجوي – دراسة مقارنة، مجلة دراسات البصرة، ملحق العدد 32، عام 2019.
3- الرسائل العلمية
– دلال، يزيد، مسؤولية الناقل الجوي للأشخاص في النقل الجوي الداخلي والدولي، رسالة مُقدَّمة لنيل درجة الدكتوراه في الحقوق، جامعة تلمسان، الجزائر، نوقشت عام 2013.
– العازمي، حنان، الآثار القانونية لتحويل مؤسسة الخطوط الجوية الكويتية إلى شركة مساهمة عامة، رسالة ماجستير في الحقوق (باللغة الإنكليزية)، كلية القانون الكويتية العالمية KILAW، نوقشت عام 2018.
– عاشور، سعيد، دراسة العرض والطلب على خدمات النقل الجوي للمسافرين، رسالة مقدَّمة لنيل درجة الماجستير، كلية العلوم الاقتصادية والعلوم التجارية وعلوم التسيير، جامعة الجزائر 3، نوقشت عام 2016.
– محمودي، سماح، مسؤولية الناقل الجوي الدولي دراسة في ظل اتفاقيتي وارسو 1929 ومونتريال 1999، رسالة مقدمة لنيل درجة الدكتوراه في الحقوق، تخصص قانون الأعمال، جامعة باتنة، الجزائر، نوقشت عام 2015.
– معافا، محمود، المسؤولية المدنية للناقل الجوي عن الأضرار الجسدية للركاب دراسة تأصيلية مقارنة بالاتفاقيات الدولية، جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، رسالة مقدمة لنيل درجة الماجستير في الشريعة والقانون، الرياض، نوقشت في 2017.
4- البيانات
بيان مشترك للمنظمة العربية للطيران المدني، مجلة الطيران العربي، الرباط، المغرب، العدد 38، مارس 2020.
ثانياً: المراجع باللغة الإنجليزية
– BADR, Yehya, A Cure from Rome for Montreal’s Illness: Article 5 of the Rome I Regulation and Filling the Void in the 1999 Montreal Convention’s Regulation of Carrier’s Liability for Personal Injury, Journal of Air Law and Commerce, Vol. 83, No. 1, 2018.
– DE GAMA, Rafia, The Exclusion of Liability for Emotional Harm to Passengers in the Warsaw and Montréal Convention: Moving Away from Floyd, Siddhu and Pienaar to the Stott Case? Pioneer in peer-reviewed PER / PELJ, 20 (2017).
– DEVIATNIKOVAITE, Ieva, The Montreal Convention of 1999 and regulation no 261/2004 in the EUCJ and national case law, Baltic Journal of Law & Politics, Vol. 11, No. 1, 2018.
– KOVUDHIKULRUNGSRI, Lalin, Human Rights in The Sky, European Journal of Legal Studies, Vol. 11, No. 1, 2018.
– LIAKOPOULOS, Dimitris, Jurisprudential Approach of the Aircraft Liability, Relations Internationales, Vol. 12, No. 1, 2019.
– LoPucki, Lynn M., The Death of Liability, The Yale Law Journal, Vol. 106, 1996.
– MAZAHERI, Samira and BASIRI, Zeinab, Civil Liability of Air carrier in Delays, Journal of Humanities Insights, Vol. 2, No. 2, 2018.
– MODIGA, Georgeta and et. al., Regulation in Unimodal International Conventions on Land and Air Transport of Exonerating Cases of Carrier Liability, Miscellaneous Journal, 2019.
– OGOLLA, Christopher, Death Be Not Strange. The Montreal Convention’s Mislabeling of Human Remains as Cargo and Its Near Unbreakable Liability Limits, Dickinson Law Review, Vol. 124, 2019.
– SPRING, J. Collin, Pilots Out of Uniform: How the Sixth Circuit’s Etihad Decision Undermines the Purpose of the Montreal Convention, Journal of Air Law and Commerce, Vol. 84, No. 1, 2019.
– TRUXAL, Steven, Air carrier liability and air passenger rights: a game of tug of war?. Journal of International and Comparative Law, Vol. 4, No. 1, 2017.
ثالثاً: المراجع باللغة الفرنسية
– DIARRA, Souleymane, La Responsabilité Contractuelle de Transporteur Aérien en Droit Malien: Originalité ou Application des Sources Internationales? PhD Thèse, University of Luxembourg, 2018.
– SCHAER, Killian, L’indemnisation des passagers aériens, LLM Thèse, Faculté de Droit, Université de Lausanne, Suisse, 2017.
– CHONG, Jed, La réforme de la gouvernance des aéroports au Canada et à l’étranger, Bibliothèque du Parlement de Canada, No. 2017-17-F, Ottawa, Canada, 2017.
رابعاً: الأحكام القضائية
1- أحكام محكمة التمييز الكويتية (الأحكام المدنية والتجارية https://www.eastlaws.com/):
- طعن رقم 297، لعام 2002، تاريخ 11-1-2003.
- الطعن رقم 612، لعام 2004، جلسة 10-1-2005.
- الطعن رقم 508، لعام 2004، جلسة 24-1-2006.
- الطعن رقم 238، لعام 2007، جلسة 11-2-2008.
- الطعن رقم 1692، لعام 2010، بتاريخ 7-6-2011.
- الطعن رقم 609، لعام 2018، جلسة 9-4-2018.
2- الأحكام الأمريكية (https://scholar.google.com/)
-
Doe v. Etihad Airways, PJSC, United States Court of Appeals, Sixth Circuit, October 6, 2017.
- ERWIN-SIMPSON v. BERHAD, United States District Court, District of Columbia, March 22, 2019.
- MOTLAGH v. QATAR AIRWAYS, QCSC, United States District Court, S.D. California, April 3, 2020.
3- محكمة النقض الفرنسية (https://juricaf.org/)
-
Cour de cassation de France, Chambre civile 1, No. 17-15378, 14 mars 2018.
- Cour de cassation de France, Chambre civile 1, No. 18-20491, 10 octobre 2019.
[1] المادة 5-12، قانون التجارة الكويتي، رقم 68، لعام 1980.
[2] المصري، حسني، القانون التجاري الكويتي -دراسة مقارنة-، مؤسسة دار الكتب، 1996، الصفحة 160.
[3] https://www.alanba.com.kw/ar/kuwait-news/883897/08-02-2019 (21-7-2020).
[4] https://m.marefa.org/.D9.86.D8.A8.D8.B0.D8.A9_.D8.AA.D8.A7.D8.B1.D9.8A.D8.AE.D9.8A.D8.A9 (21-7-2020).
[5] ينظر في هذا الموضوع لدى:
DIARRA, Souleymane, La Responsabilité Contractuelle de Transporteur Aérien en Droit Malien: Originalité ou Application des Sources Internationales? , PhD Thèse, University of Luxembourg, 2018, page 17.
[6] العريني، محمد فريد، د. محمدين، جلال وفاء، القانون الجوي الملاحة الجوية والنقل الجوي، دار المطبوعات الجامعية، الإسكندرية، 1998، الصفحة 279.
[7] د. البارودي، علي، د. العريني، محمد فريد، د. الفقي، محمد السيد، القانون البحري والجوي، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت، 2001، الصفحة 512.
[8] حول موضوع تطوير قواعد المسؤولية في النقل الجوي، راجع: دلال، يزيد، مسؤولية الناقل الجوي للأشخاص في النقل الجوي الداخلي والدولي، رسالة مُقدَّمة لنيل درجة الدكتوراه في الحقوق، جامعة تلمسان، الجزائر، نوقشت عام 2013.
[9] قالت إحدى محاكم الولايات المتحدة عام 2017: “يجب أن نتعامل مع نص اتفاقية مونتريال نفسها، وبعد ذلك، إلى الحد الذي نجد فيه أي غموض، نتطلع إلى … الغرض من اتفاقية مونتريال”. ينظر:
“… we should grapple with the text of the Montreal Convention itself, and then, to the extent that we find any ambiguity therein, look to … the purpose of the Montreal Convention”. See: Doe v. Etihad Airways, PJSC, United States Court of Appeals, Sixth Circuit, October 6, 2017.
[10] بيان مشترك للمنظمة العربية للطيران المدني، مجلة الطيران العربي، الرباط، المغرب، العدد 38، مارس 2020، الصفحة 12.
[11] للاطِّلاع على موضوع العرض والطلب بخصوص النقل الجوي، راجع: عاشور، سعيد، دراسة العرض والطلب على خدمات النقل الجوي للمسافرين، رسالة مقدَّمة لنيل درجة الماجستير، كلية العلوم الاقتصادية والعلوم التجارية وعلوم التسيير، جامعة الجزائر 3، نوقشت عام 2016.
[12] MAZAHERI, Samira and BASIRI, Zeinab, Civil Liability of Air carrier in Delays, Journal of Humanities Insights, Vol. 2, No. 2, 2018, page 67.
[13] NASE, Vernon, Reflections On Liability of Air Carriers for Delay, University Notre Dame Australia Law Review, Vol. 19, 2017.
[14] “ان مسؤولية الناقل الجوي عن التأخير في نقل الركاب هي مسؤولية مبنية على الخطأ المفترض في جانبه…”. ينظر:
محكمة التمييز الكويتية:
الطعن رقم 612، لعام 2004، جلسة 10-1-2005. وكذلك:
الطعن رقم 508، لعام 2004، جلسة 24-1-2006.
ينظر: الأحكام المدنية والتجارية، https://www.eastlaws.com/.
[15] للتعمق في وجهة النظر الأوروبية بخصوص تعويض المسافرين جواً، راجع في الفقه السويسري:
SCHAER, Killian, L’indemnisation des passagers aériens, LLM these, Faculté de Droit, Université e Lausanne, Suisse, 2017.
[16] المطيري، وضحة، مسؤولية الناقل الجوي الدولي في عقد نقل الركاب وفقاً للقانونين الكويتي والأردني والاتفاقيات الدولية، رسالة مقدمة للحصول على درجة الماجستير في القانون، قسم القانون الخاص، جامعة الشرق الأوسط، الأردن، نوقشت عام 2011، الصفحة 62.
[17] NASE, Vernon, op. cit., page 4.
[18] نصت المادة 19 من اتفاقية مونتريال على أنَّه: “يكون الناقل مسؤولاً عن الضرر الذي ينشأ عن التأخير في نقل الركاب أو الأمتعة أو البضائع بطريق الجو…”.
فيما نصَّت المادة 210 من قانون التجارة الكويتي رقم 68 لعام 1980، على أنَّه: “يُسألُ الناقل الجوي عن الضرر الذي يترتب على التأخير في وصول الراكب أو الأمتعة أو البضائع”.
[19] المطيري، وضحة، مرجع سابق، الصفحة 56.
[20] محكمة التمييز الكويتية، طعن رقم 297، لعام 2002، تاريخ 11-1-2003. ينظر في هذا الموضوع لدى: د. عجيل، طارق، مسؤولية الناقل الجوي عن التأخير وفقاً لاتفاقية مونتريال 1999 -دراسة مقارنة-، مجلة جامعة النهرين، المجلد 16، العدد 2، مارس 2014، الصفحة 64.
[21] OGOLLA, Christopher, Death Be Not Strange. The Montreal Convention’s Mislabeling of Human Remains as Cargo and Its Near Unbreakable Liability Limits, Dickinson Law Review, Vol. 124, 2019, page 85.
ينظر في هذا الموضوع لدى:
DE GAMA, Rafia, The Exclusion of Liability for Emotional Harm to Passengers in the Warsaw and Montréal Convention: Moving Away from Floyd, Siddhu and Pienaar to the Stott Case? Pioneer in peer-reviewed PER / PELJ, 20 (2017).
[22] Cour de cassation de France, Chambre civile 1, No. 18-20491, 10 octobre 2019.
[23] “Think of the liability system as a poker game. Each person, corporation, or other entity in the economy is a player. Players risk their chips, that is, their wealth, by tossing them into the pot, that is, investing them in liability generating economic activity Chips contributed to the pot are at risk of loss; the system can take them to satisfy liability. Chips withheld are not at risk”. See: LoPucki, Lynn M., The Death of Liability, The Yale Law Journal, Vol. 106, 1996, page 3.
[24] MAZAHERI, Samira and BASIRI, Zeinab, op. cit., page 75.
[25] “… notamment pour ce qui avait trait aux dispositions instaurant un régime d’indemnisation automatique et forfaitaire des passagers en cas de refus d’embarquement, de retard ou d’annulation de vol“. Voir: Cour de cassation de France, Chambre civile 1, No. 17-15378, 14 mars 2018.
[26] الكندري، محمود، جوانب القصور في التنظيم القانوني لسوق النقل الجوي في الكويت -دراسة مقارنة-، مجلة الحقوق – جامعة الكويت، العدد 3، السنة 25، سبتمبر 2001، الصفحة 13.
[27] “Le principe de la limitation de la reparation”. Voir: DIARRA, Souleymane, op. cit., page 213.
[28] المادة 20، اتفاقية مونتريال 1999.
فيما نصَّت المادة 212 من قانون التجارة الكويتي على أنَّه: “يُعفى الناقل الجوي من المسؤولية إذا أثبت أن الضرر كله قد نشا بخطأ المضرور”.
[29] د. رضوان، أبو زيد، القانون الجوي قانون الطيران التجاري، دار الفكر العربي، القاهرة، 1982، الصفحة 329.
[30] NASE, Vernon, op. cit., page 7.
[31] نصَّت المادة 212 من قانون التجارة الكويتي على أنَّه: “ويجوز للمحكمة أن تخفض مسؤولية الناقل إذا أثبت أن خطأ المضرور قد اشترك في إحداث الضرر”.
[32] المادة 19، اتفاقية مونتريال 1999.
فيما نصَّت المادة 211 من قانون التجارة الكويتي على أنَّه: “يُعفى الناقل الجوي من المسؤولية إذا أثبت أنه وتابعيه قد اتخذوا كل التدابير اللازمة لتفادي الضرر أو أنه كان من المستحيل عليهم اتخاذها”.
[33] محكمة التمييز الكويتية، الطعن رقم 508، لعام 2004، جلسة 24-1-2006. ينظر: الأحكام المدنية والتجارية، https://www.eastlaws.com/.
[34] محكمة التمييز الكويتية، الطعن رقم 609، لعام 2018، جلسة 9-4-2018. ينظر: الأحكام المدنية والتجارية، https://www.eastlaws.com/.
[35] محمودي، سماح، مسؤولية الناقل الجوي الدولي دراسة في ظل اتفاقيتي وارسو 1929 ومونتريال 1999، رسالة مقدمة لنيل درجة الدكتوراه في الحقوق، تخصص قانون الأعمال، جامعة باتنة، الجزائر، نوقشت عام 2015، الصفحة 214.
[36] د. رضوان، أبو زيد، مرجع سابق، الصفحة 321.
[37] “But a court need not accept inferences unsupported by facts alleged in the complaint, nor must it accept plaintiffs’ legal conclusions”. See: ERWIN-SIMPSON v. BERHAD, United States District Court, District of Columbia, March 22, 2019.
[38] ولهذا يتجه المشرع الأوروبي إلى عدم إعفاء الناقل الجوي من واجب حماية المسافرين خلال الظروف الاستثنائية. ينظر في الفقه الليتواني:
“… even in the absence of extraordinary circumstances a carrier must always provide care to the passengers regardless the reasons of its failure to provide care to air passengers”. See: DEVIATNIKOVAITE, Ieva, The Montreal Convention of 1999 and regulation no 261/2004 in the EUCJ and national case law, Baltic Journal of Law & Politics, Vol. 11, No. 1, 2018, page 34.
[39] ينظر في فكرة تحول مطار الكويت إلى شركة لدى: العازمي، حنان، الآثار القانونية لتحويل مؤسسة الخطوط الجوية الكويتية إلى شركة مساهمة عامة، رسالة ماجستير في الحقوق (باللغة الإنكليزية)، كلية القانون الكويتية العالمية KILAW، نوقشت عام 2018.
[40] MODIGA, Georgeta and et. al., Regulation in Unimodal International Conventions on Land and Air Transport of Exonerating Cases of Carrier Liability, Miscellaneous Journal, 2019, page 448.
[41] المادة 21-2-أ، اتفاقية مونتريال 1999.
[42] المادة 21-2-ب، اتفاقية مونتريال 1999.
[43] OGOLLA, Christopher, op. cit., page 53.
[44] “le transporteur aérien devra acheminer son passager sain et sauf à destination”. Voir: DIARRA, Souleymane, op. cit., page 49.
[45] المادة 17، اتفاقية مونتريال 1999.
[46] WEST, Alexa, Defining “Accidents” in the Air: Why Tort Law Principles Are Essential to Interpret the Montreal Convention’s “Accident” Requirement, Fordham Law Review, Vol. 85, No. 3, 2016,
[47] محكمة التمييز الكويتية، الطعن رقم 1692، لعام 2010، بتاريخ 7-6-2011. ينظر: الأحكام المدنية والتجارية https://www.eastlaws.com/.
[48] عدس، عمر حسن، المسؤولية القانونية في التعويض عن كوارث الملاحة الجوية الدولية (بحث بالإنكليزية)، مجلة الحقوق والشريعة – جامعة الكويت، العدد 2، السنة 3، يوليو 1979، الصفحة 3.
نصَّت المادة 208 من قانون التجارة الكويتي رقم 68 لعام 1980، على أنَّه: “يُسألُ الناقل الجوي عن الضرر الذي يحدث في حالة وفاة الراكب أو إصابته بجروح أو بأي ضرر بدني آخر…”.
[49] BADR, Yehya, A Cure from Rome for Montreal’s Illness: Article 5 of the Rome I Regulation and Filling the Void in the 1999 Montreal Convention’s Regulation of Carrier’s Liability for Personal Injury, Journal of Air Law and Commerce, Vol. 83, No. 1, 2018, page 85
[50] WEST, Alexa, op. cit., page 1496.
[51] أكَّدت محكمة ولاية نيويورك على أنَّ المحكمة لا تتطلَّب وجود علاقة سببية بين الحادث في النقل الجوي وبين عمليات الطائرة بذاتها أو خطأ طاقم الطيارة مثلاً وفق المادة 17 من اتفاقية مونتريال 1999. ينظر:
“This Court is not persuaded that the Montreal Convention, Saks, or the case law of the Second Circuit requires that there be a causal connection between the injury-causing event and the operation of the aircraft or behavior of the flight crew in order to establish that an Article 17”. See: Lee v. Air Canada, United States District Court, S.D. New York, January 10, 2017.
[52] محمد، عمر، وهاشم، زينب، آثار الإخلال بالالتزام بضمان سلامة الراكب في عقد النقل الجوي – دراسة مقارنة، مجلة دراسات البصرة، ملحق العدد 32، عام 2019، الصفحة 215.
[53] محكمة التمييز الكويتية، الطعن رقم 238، لعام 2007، جلسة 11-2-2008. ينظر: الأحكام المدنية والتجارية، https://www.eastlaws.com/.
راجع حول الحوادث الجوية، لدى: عبده، علاء التميمي، مدى مسؤولية الناقل الجوي عن أضرار الإرهاب طبقاً لأحداث الاتفاقيات الدولية الخاصة بنقل الأشخاص، مجلة الحقوق – جامعة الكويت، العدد 1، السنة 39، مارس 2015، الصفحة 511.
[54] نص المادة 17-1 من اتفاقية مونتريال: “يكون الناقل مسؤولاَ عن الضرر الذي ينشأ في حالة وفاة الراكب أو تعرضه لإصابة جسدية، بشرط أن تكون الحادثة التي سببت الوفاة أو الإصابة قد وقعت فقط على متن الطائرة أو أثناء أي عملية من عمليات صعود الركاب او نزولهم”.
[55] الكندري، محمود، مرجع سابق، الصفحة 13.
[56] القوصي، همام، تأثير مفهوم عمليات صعود ونزول المسافرين من الطائرة على مسؤولية الناقل الجوي عن الإصابات البدنية الجوية (دراسة فقهية قضائية في تفسير اتفاقيتي وارسو 1929 ومونتريال 1999)، سلسلة الأبحاث الجامعية والأكاديمية المحكمة، مختبر البحث: قانون الأعمال، جامعة الحسن الأول، المغرب، العدد 10، يناير 2018، ص 35.
[57] أحمد، عبد الفضيل محمد، القانون الخاص الجوي، مكتبة الجلاء الجديدة، المنصورة، 1999، الصفحة 326.
[58] المرجع السابق.
[59] نص المادة21 من اتفاقية مونتريال: 1″- (فيما يتعلق بالأضرار المنصوص عليها في الفقرة 1) من المادة 17 والتي لا تتجاوز قيمتها 100000 وحدة حقوق سحب خاصة عن كل راكب، لا يجوز للناقل أن ينفي مسؤوليه أو أن يحد منها.”
[60] الأحمد، محمد، ويونس، هادي، الخطــــر الجـــــوي أساســاً لمسؤوليــة ناقــل الأشخاص جــــوَّاً، مجلة المفكر، جامعة بسكرة، الجزائر، العدد 15، عام 2018.
[61] الفقرة الثانية من نص المادة 21 من اتفاقية مونتريال: ” ( فيما يتعلق بالأضرار المنصوص عليها في الفقرة1) من المادة 17 والتي تتجاوز قيمتها 100000 وحدة حقوق سحب خاصة عن كل راكب…”.
نصَّت المادة 214 من قانون التجارة الكويتي رقم 68 لعام 1980، على أنَّه: “لا يجوز في حالة نقل الأشخاص أن يجاوز التعويض الذي يحكم به على الناقل الجوي ستة ألاف دينار بالنسبة لكل راكب إلا إذا اتفق صراحة على تجاوز هذا المقدار”.
لكن أكملت المادة 215 هذه القاعدة، حينما قالت: “لا يجوز للناقل الجوي أن يتمسك بتحديد المسؤولية المنصوص عليها في المادة السابقة إذا ثبت أن الضرر قد نشأ من فعل أو امتناع من جانب الناقل أو تابعيه وذلك إما بقصد إحداث ضرر وإما برعونة مقرونة بإدراك أن ضررا قد يترتب على ذلك. فإذا وقع الفعل أو الامتناع من جانب التابعين فيجب أن يثبت أيضا أنهم كانوا عندئذ في أثناء تأدية وظائفهم”.
كما أكَّدت المادة 217-1 من هذا القانون على أنَّ: “يقع باطلاً كل شرط يقضي بإعفاء الناقل الجوي من المسؤولية أو بتحديدها بأقل من الحدود المنصوص عليها…”.
[62] بخصوص رؤية الفقه الإسلامي لهذا الموضوع، راجع: معافا، محمود، المسؤولية المدنية للناقل الجوي عن الأضرار الجسدية للركاب – دراسة تأصيلية مقارنة بالاتفاقيات الدولية، جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، رسالة مقدمة لنيل درجة الماجستير في الشريعة والقانون، الرياض، نوقشت في 2017، الصفحة 80.
[63] “Airlines should not be strictly liable for injuries that occur onboard”. See: WEST, Alexa, op. cit., page 1495.
[64] BADR, Yehya, op. cit., page 88.
[65] KOVUDHIKULRUNGSRI, Lalin, Human Rights in The Sky, European Journal of Legal Studies, Vol. 11, No. 1, 2018, page 39.
[66] MODIGA, Georgeta and et. al., op. cit., page 442.
[67] LIAKOPOULOS, Dimitris, Jurisprudential Approach of the Aircraft Liability, Relations Internationales, Vol. 12, No. 1, 2019, page 137.
[68] من الأمثلة التقليدية على خطأ المسافر الذي يدفع المسؤولية عن الناقل، قيامه بفتح باب الطائرة ثم إلقاء نفسه من على متنها بقصد الانتحار. ينظر: محمودي، سماح، مرجع سابق، الصفحة 212.
[69] TRUXAL, Steven, Air carrier liability and air passenger rights: a game of tug of war? Journal of International and Comparative Law, Vol. 4, No. 1, 2017, page 103.
[70] LIAKOPOULOS, Dimitris, op. cit., page 198.
[71] البارودي، علي، د. العريني، محمد فريد، د. الفقي، محمد السيد، مرجع سابق، الصفحة 544.
[72] “If the nations party to the treaty wish to create a more pro-passenger rule, they may do so by reconvening and creating a new Convention”. See: SPRING, J. Collin, Pilots Out of Uniform: How the Sixth Circuit’s Etihad Decision Undermines the Purpose of the Montreal Convention, Journal of Air Law and Commerce, Vol. 84, No. 1, 2019, page 161.
[73] “Au durcissement du système Montréalais”. Voir: DIARRA, Souleymane, op. cit., page 133.
[74] LoPucki, Lynn M., op. cit., page 1.
[75] ينظر في جانب من القضاء الأمريكي:
“The treaty precludes passengers from bringing actions under local law when they cannot establish air carrier liability under the treaty”. See: MOTLAGH v. QATAR AIRWAYS, QCSC, United States District Court, S.D. California, April 3, 2020.