
التداعيات السياسية الأمريكية لتغيير قواعد اللعبة نحو القضية الفلسطينية دراسة حالة: “قانون سفارة القدس”
Changing the Rules of the Game on the Palestinian Issue and its Repercussions on the American politics. A Case Study: “The Jerusalem Embassy Act”
تغريد وليم سعد عودة / أريج علي خليل جبر جامعة مؤتة، جامعة مؤتة، تونس.
Areej Ali Jaber /Taghreed Wiliam Odeh
مقال منشور في مجلة جيل الدراسات السياسية والعلاقات الدولية العدد 28 الصفحة 75 .
Abstract
The decision of the US courts to move the American embassy to Jerusalem as opposed to keeping it in Tel Aviv was not an ordinary or arbitrary decision, nor did it come within electoral promises for popular goals. Rather, it was a rounded decision taken from the postponed draft from two-and-a-half decades ago – it was originally decided by Congress in 1995, but at the time there were not mechanisms to force the draft nor earnest American desires for demanding the location be changed as those that have arisen in the age of the Republican President Trump, who set a length of time for the required procedures and arrangements as a prelude to the adoption of Jerusalem as the permanent, undivided capital of Israel. These procedures and arrangements have also been in accordance with the specified timeframe and place in the agenda of the political change and the unique treatment of the Palestinian case. The content of the “deal of the century” amounted to the first political blow to the region for the gradual acceptance of the Palestinian cause, the drafting of American peace, and the full response for willingness of lobbies and power of the political pressures . within American society
In this study, light has been shed on the influential factors in the American political decision-making process regarding both the Palestinian case overall as well as Jerusalem in particular, as usually that which is discussed holds some level of religious and cultural proximity between all of the United States of America and Israel, and that Israel appears to be a strategic ally to the States in the Middle East. However, reality indicates the diminishing importance and role of this factor, which was not crucial in what, relates to the American politics towards Jerusalem and Israel, and that there are many of those who doubt the importance of the strategy and vitality to Israel according to the United States of America.
Finally, this study ends by highlighting the main factors and impacts on the power of American support for Israeli politics and situations in cases like the case of Jerusalem. One of the central influences is the domestic factors connected by the polarized condition occurring in American society, which relates primarily to the American Jewish community and the role they play in political finances and determining the political prospect and their requirements on the course of the functioning of the state institutions according to what serves financial sponsors and the interests of their goals. This is in addition to the organized work of the Israeli lobby, which played a fundamental role in implementing the 1995 decision, which is known by the name “The Jerusalem Embassy Act ” .
Key Words: “The Jerusalem Embassy Act”, American Peace, Jerusalem, The Zionist Lobby – The Republican Party – Deal of Century – The Palestinian Issue – American Society.
الملخص
لم يكن القرار الأمريكي القاضي بنقل السفارة الأمريكية للقدس عوضا عن تل آبيب قرارا عاديا أو اعتباطيا، أو جاء ضمن وعود انتخابية لغايات شعبوية ، بل هو قرار مدور أخذ الصيغة التأجيلية نحو عقدين ونصف ، فقد أقره الكونغرس الأمريكي في العام 1995 ، ولم يجد في حينها صيغة وآلية للنفاذ أو رغبة أمريكية جادة لتغيير الأمر الواقع كما حدث في عهد الرئيس الأمريكي الجمهوري ترامب، الذي حدد مدة زمنية للإجراءات والترتيبات اللازمة لذلك ، تمهيدا لإقرار القدس عاصمة أبدية وغير مقسمة لإسرائيل كما تم وفقا للإطار الزماني و المكاني المحددين في أجندة التغيير السياسي والطرح الخاص بالقضية الفلسطينية والتي جاءت بمثابة الصفعة السياسية الأولى للمنطقة للقبول التدريجي بمضامين صفقة القرن وصيغة السلام الأمريكي، والاستجابة الكاملة لإرادة اللوبيات و قوى الضغط السياسي داخل المجتمع الأمريكي.
في هذه الدراسة تم تسليط الضوء على العوامل المؤثرة في عملية صناعة السياسة الأمريكية إزاء القضية الفلسطينية عموما والقدس على وجه التحديد ،فعادة ما يتم الحديث عن وجود نوع من التقارب الديني والثقافي بين كل من الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، وبأنّ إسرائيل تشكل حليفا استراتيجيا للولايات المتحدة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط، إلا أن الواقع يشير الى التقليل من أهمية ودور هذا العامل والذي لم يكن حاسماً فيما يتعلق بالسياسات الأمريكية إزاء القدس وإسرائيل، وبأن هناك العديد ممن يشككون بالأهمية الاستراتيجية والحيوية لإسرائيل بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية.
وقد خلصت هذه الدراسة إلى أن إن أبرز العوامل وأكثرها تأثيرا في قوة الدعم الأمريكي للسياسات والمواقف الإسرائيلية في قضايا مثل قضية القدس، إنما هي عوامل أمريكية داخلية ترتبط بحالة الاستقطاب الحاصلة في المجتمع الأميركي، تتعلق بالدرجة الأولى بالمجتمع اليهودي الأميركي ، وبالدور الذي يلعبه المال السياسي في تحديد الأفق السياسية واشتراطاته على مسيرة أداء مؤسسات الدولة بما يخدم رعاة هذا المال وأهدافهم المصلحية، فضلا عن العمل المنظم للوبي الإسرائيلي، الذي لعب دورا أساسيا في تنفيذ قرار عام 1995 والذي عُرف بإسم ” قانون سفارة القدس”.
الكلمات الدالة:
قانون نقل السفارة – السلام الأمريكي – القدس – اللوبي الصهيوني – الحزب الجمهوري – صفقة القرن- القضية الفلسطينية – المجتمع الأمريكي.
المقدمة:
إن المتتبع لمشهد افتتاح السفارة الأمريكية في القدس في 15 آيار (مايو) 2018، يمكن له أن يحدد بمنتهى الدقة معالم العلاقة التي تجمع كل من الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، والأهم من ذلك أنه يزيح الستار عن التحولات التي لحقت بهذه العلاقة ففي هذا المشهد يلتقي الدين، مع علاقات المصاهرة (الدوافع الاجتماعية والمصالح العائلية المشتركة)، مع المال والسياسة، ضمن معادلة حدد أطرافها بوضوح النتائج التي يسعون للوصول اليها.
كما وأن هذا المشهد يجسد الأسباب الدافعة لــِ تبني الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لقرار الاعتراف بالقدس عاصمة أبدية لإسرائيل، وذلك وفقا ” لقانون سفارة القدس”للعام 1995، بالرغم من أن هذا القرار يحمل في طياته أسباب للتباطؤ في نفاذه وتتيح للإدارة الأمريكية تأجيل تنفيذه كل ستة أشهر بشكل لا يسجل تهديدا على مصالح الجانبين الإسرائيلي و الأمريكي على حد سواء ، إلا أن الرئيس الأمريكي ترامب قرر إتباع سياسة مغايرة لتلك التي إعتاد سابقوه إتباعها وتفرد في قوة الطرح المرتبط بالتطبيق على أرض الواقع مستندا لعدة متغيرات و حوافز في الداخل الأمريكي والذي عجز عن هذه الجرأة السياسية بمرور إدارات أمريكية متباينة ما بين ديمقراطية وجمهورية.
مشكلة الدراسة:
مع تولي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سدة العمل السياسي وقيادة البيت الأبيض الأمريكي ، بدأت تتكشف ملامح التغيير في السياسة الأميركية إزاء الصراع الفلسطيني–الإسرائيل، وخصوصا تجاه قضية القدس، ويتأتى هذا التغير في الأساس من تغيرات داخلية لم يتم التعرض لها بالدراسة والتحليل الكافي، ومن الجدير بالذكر أن هذه التغيرات لعبت دورا أساسيا في دفع الرئيس ترامب لتبني قرار الاعتراف بالقدس عاصمة أبدية لإسرائيل والمضي قدما بإجراءات نقل سفارة واشنطن من تل أبيب إلى القدس، ويشكل هذا القرار خرقًا صريحا لقواعد القانون الدولي ولمبادئ الشرعية الدولية والقرارات الأممية التي يتعامل وفقا لها العالم أجمع لحل القضية الفلسطينية و إجراء تسوية سياسية شاملة مثلتها قرارات هيئة الأمم ، كما وأنه يعكس تطورا خطيرا يمس بمكانة القدس وبمفاوضات الحل النهائي ، ويعزز النقد الدائم بأن الحليفان (الأمريكي والاسرائيلي) لا رغبة جادة لديهما نحو سلام في المنطقة وإنما مساعي تأزيمية و تصعيدية لإنهاء أية طروحات سابقة أو أية حظوظ للتسوية لا تتفق مع رغبتهما ، واعتبار التصعيد المبطن والعلني اللهجة المتعارف عليها حيال القضية الفلسطينية وقضايا الحل النهائي.
فرضية الدراسة:
الفرضية الأولى :هناك علاقة تشير الى أن تنامي العلاقات المصلحية للوبيات اليهودية دفعت باتجاه تغيير مساعي الحل للقضية الفلسطينية و الاقتراب نحو التصعيد السياسي المتعمد.
الفرضية الثانية : ان التغيرات السياسية التي رافقت الانتخابات الأمريكية وتصاعد دور الجمهوريين فرض قوة سياسية للتغيير و إنهاء القضية الفلسطينية ضم صيغة أمريكية بحتة .
الفرضية الثالثة : قرار نقل السفارة لم يكن مرتبطا بأية توجهات أو عوامل دينية ، وإنما مرتبط ببرامج و إطار زمني يحكمه المصالح الأمريكية – الإسرائيلية.
أهداف الدراسة:
تسعى هذه الدراسة إلى تسليط الضوء على أهم التحولات التي طالت القوى الفاعلة في صناعة القرار الأمريكي إزاء القدس وتحديدا الحزبين الرئيسيين في الولايات المتحدة الأمريكية الديمقراطي والجمهوري، والأدوار الأخرى المؤثرة وتشمل التوجهات الخاصة باليهود الأمريكيين، والبروتستانت الإنجيليين ومن ثم دراسة التغيرات داخل جماعات الضغط الإسرائيلي (اللوبي).
أهمية الدراسة:
تأتي أهمية هذه الدراسة من المكانة العالمية التي تحتلها قضية القدس فهي جوهر القضية الفلسطينية وعصب المفاوضات السياسية، كما وأنها تأتي في وقت بدأت تتضح فيه ملامح التغيير فيالسياسة الأميركية تجاه قضية القدس، فجاءت لتستعرض أهم التحولات التي أصابت عملية صناعة القرار في الولايات المتحدة الأمريكية والتي دفعت باتجاه تنفيذ ” قانون سفارة القدس”، الصادر عن الكونجرس الأمريكي عام 1995.
نطاق الدراسة :
– زمانيا : تمتد هذه الدراسة من تاريخ إقرار قانون نقل السفارة 1995 و حتى نفاذه أمرا واقع 2017.
تقف هذه الدراسة عند بيان أسباب وملابسات تنفيذ ترامب عام 2017 للقرار الصادر عام 1995 والذي عُرف باسم ” قانون سفارة القدس” ودراسة التحولات التي أصابت القوى الداخلية الفاعلة في رسم وصياغة السياسة الأمريكية والتي دفعت باتجاه تنفيذ القرار.
– مكانيا : تسلط الضوء على المجتمع الأمريكي بكافة تياراته وأطيافه السياسية والقوى الحزبية المؤثرة فيها ، بالرغم من أن القرار يتعلق في نقل السفارة للقدس ، ولكن الدراسة تبحث جانب أخر نحو المحفزات التي دفعت لنفاذ القرار.
منهج الدراسة:
من أجل تحقيق الهدف المنشود من الدراسة فإنه سيتم استخدام منهج صنع القرار للبحث في أهم المتغيرات الأمريكية الداخلية المؤثرة في صناعة السياسة الأميركية إزاء قضية القدس، بالإضافة إلى دراسة أهم الحوافز والدوافع التي تقف وراء تبني الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لقرار الاعتراف بالقدس عاصمة أبدية لإسرائيل، والمضي قدما بنقل سفارة واشنطن من تل أبيب إلى القدس، بعدما جرى العرف أن يتم التوقيع على الإعفاء من النفاذ كل ستة أشهر من قبل الإدارات الأمريكية المتعاقبة وذلك حماية لمصالح الولايات المتحدة الأمريكية القومية والأمنية.
تقسيم الدراسة
تم تقسيم هذه الدراسة على النحو التالي؛ المبحث الأول ، يعرض لتاريخ القدس في السياسة الأميركية وأهم المراحل التي مر بها كاستعراض للوقائع التاريخية . في حين أن المبحث الثاني يركز على أهم التحولات التي أصابت الفواعل الرئيسية التي تسهم عادة في عملية رسم السياسة الخارجية الأميركية وخاصة فيما يتعلق بشأن الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي عموما و القدس على وجه الخصوص.
- القدس في السياسة الأميركية:
تعتبر بعثة “كنغ كرين” من أقدم التفاعلات والتحولات الأميركية مع قضية القدس، حيث تم تكليف كل من هنري تشيرشل كنغ، وتشارلز كرين، بزيارة فلسطين وتقييم الوضع القائم فيها من أجل تقديم توصيات لمؤتمر السلام المنعقد في باريس والمتعلق بفلسطين ،وجولتهم أسفرت عن التأكيد على الحياد الأميركي حينها، وعدم تدخل العامل اليهودي كمؤثر فاعل في السياسة الأمريكية([1]).
ولعل استعراض الحملات الانتخابية الرئاسية وتتبع المساحة المعطاة لكل من قضية القدس والمسألة اليهودية فيها بالإضافة إلى تسليط الضوء على دور الكونغرس الأميركي، يعطي مؤشرا مهماً على التطور الذي لحق بمسالة القدس في السياسة الأميركية. إذ لم تذكر القدس في الحملات الانتخابية الأميركية حتى عام 1944، حيث أدت ظروف المحرقة النازية ضد اليهود وتزايد الهجرة اليهودية باتجاه الولايات المتحدة الأميركية إلى لفت الأنظار نحو اليهود، وقد استمر التعبير عن التعاطف والتأييد لليهود في الحملات الانتخابية الأميركية حتى ستينيات القرن الماضي ولكن دون التعرض لقضية القدس واعتبارها نقطة الحل الأساسي([2]).
واستمر هذا الحال حتى عام 1967 حيث شكلت الحرب نقطة تحول رئيسية بالنسبة للتحالف الأمريكي الإسرائيلي
إذ بدأت تنكشف أوراق اللعبة وتتضح صور الرعاية والانحياز الأمريكي لإسرائيل وعلى مستويات مختلفة.
وفيما يتعلق بموضوع القدس، فإنّ التحدي الإسرائيلي لقواعد الشرعية الدولية وللعالم بضم الجزء الشرقي، تبعه السعي لحشد التأييد لها خصوصا في أوساط الكونغرس الأميركي، و من هنا بدأت الأصوات الداعية لنقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس بالظهور.
مع الوقت تعمّق الانحياز الأمريكي لإسرائيل وأصبح يعبر عن خارطة العمل السياسي لمؤسسات الولايات المتحدة و على وجه الخصوص الكونجرس و الرئيس الامريكي بما يقدمه في معرض الحديث عن بيانه الانتخابي دون الاكتراث بقواعد القانون الدولي وردود الفعل السياسية والدبلوماسية لهذا الانحياز، إلا أنه لا بد من الإشارة إلى أن المستوى التنفيذي الأميركي كان أقل اندفاعاً بشكل عام بشأن القدس. فعلى سبيل المثال رفض الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون ووزير خارجيته وليام روجرز (1969- 1974)، فكرة فورد بخصوص نقل السفارة من تل أبيب إلى القدس، حتى فورد نفسه عندما أصبح رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية (1974- 1977)، تراجع عن فكرة نقل السفارة وقرر بأن هذه القضية يجب أن تطرح جانبا حتى لا يتم تقويض مساعي السلام ، وكذلك لإن خطوة كهذه تنفي الصورة التي تقدم بها الولايات المتحدة نفسها للعالم بأنها الدولة الراعية لمساعي السلام في العالم.
أما خلال فترة السبعينيات والثمانينات والتي بدأ ميزان القوى العالمي يختل تدريجيا لصالح الولايات المتحدة، فقد بدأ الانشغال في الداخل الأمريكي ومواقفه من قضايا الصراع واضحة ، فقد برز موقف الحزب الديمقراطي أكثر وضوحا وسلمية من موقف الحزب الجمهوري بشأن القدس فقد تم الإعلان صراحة في البرنامج الانتخابي للحزب الديمقراطي في العامين 1972 و 1976 وكشف عن التأييد لمكانة القدس كعاصمة لإسرائيل وبأنه لابد من نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، ولكن دون ترجمة عملية وبقي على المستوى التنفيذي محصورا ولم يتعدى الطموح، وعليه لم يتم ترجمة السياسات الخارجية للرئيس الديمقراطي جيمي كارتر الوعود المتعلقة بشأن القدس وقضية نقل السفارة الى خطوات عملية نافذة .
وقد استمر التباين ما بين المواقف التنفيذية ،السياسية والتشريعية الى أن جاء القرار في تشرين أول (أكتوبر) 1995والذي أقره الكونغرس الأمريكي وعرف حينها باسم ” قانون سفارة القدس”، إلا أن الرئيس الأمريكي بيل كلينتون اعترض على تفعيل القرار وارتأى من الأفضل الاستفادة من الحق المعطى له وفقا للقانون والذي يتيح للرئيس تأجيل تنفيذ القرار لأسباب تتعلق بالأمن القومي، وقد مضى الرؤساء الأميركيون في ذات النهج و السياق واعتماد سياسة تأجيل تنفيذ القرار كل ستة شهور على مدى عقدين من الزمان حتى قرر الرئيس الخامس والأربعين للولايات المتحدة الأمريكية دونالد ترامب تنفيذه نهاية العام 2017([3])
الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي والفواعل المؤثرة في صناعة السياسة الخارجية الأميركية
عندما يتعلق الأمر بالصراع الإسرائيلي- الفلسطيني ، عادة ما يكثر الحديث والتكهن بوجود دور رئيس للدين وخصوصا الطائفة الإنجيلية، واليهود الأمريكيين، وأيضا التداعيات المؤثرة لسياسات الحزبين الرئيسيين في الولايات المتحدة الأمريكية الديمقراطي والجمهوري، ومن ثم دور اللوبي الإسرائيلي، بالتالي فإن هذه الدراسة ستعمد إلى تسليط الضوء على حقيقية دور كل من هذه العناصر الأربعة في عملية رسم وصناعة السياسة الأمريكية.
– البروتستانت الإنجيليين في الولايات المتحدة الأمريكية : عادة ما يتم الربط بين المكون الديني للولايات المتحدة الأمريكية وموقفها من مدينة القدس، ويعتقد بأنّ البروتستانت الإنجيليين هم الداعمين الرئيسيين لإسرائيل شأنهم في ذلك شأن اليهود، ومن الجدير بالذكر بأن لهم دور كبير في أن مضي الولايات المتحدة الأمريكية بالإعلان عن القدس العاصمة الأبدية والموحدة لإسرائيل، انطلاقا من الاعتقاد القائل بأن قيام دولة إسرائيل يأتي وفقا لتعاليم الإنجيل وبأن عودة المسيح للحياة مرتبطة بتجمع اليهود على كامل تراب فلسطين التاريخية، وهذا ربما البعد الديني المؤثر الناجم عن جملة من الاعتقادات([4]).
وحتى نكون قادرين على ادراك الدور الحاسم للبروتستانت الانجيليين في صناعة السياسة الأمريكية بشأن القدس فلا بد من معرفة قيمة حضور وتواجد البروتستانت الانجيلين مقارنة بالتركيبة الديمغرافية الأميركية بالإضافة الى قوتهم التصويتية والتأثيرية في رسم السياسات الأمريكية ، ففي عام 2015 انتهت استطلاعات الرأي لمركز Pew للدراسات إلى أنه (70.6)بالمئة فقط من الشعب الأمريكي يصف نفسه بأنه مسيحي وبأن البروتستانت يشكلون ما نسبته 46.5 بالمئة، نصفهم يسمون أنفسهم بالإنجيليين، وبالتالي يشكلون ما نسبته نحو 25.4 بالمئة من التركيبة الديمغرافية للشعب الأمريكي، ويعتقد الأستاذ السابق في جامعة هارفارد جيمس ولسون، بأنّ القوة التصويتية للإنجيليين الذين يجدون في دعم اسرائيل واجب ديني لا تزيد نسبتهم عن 16 بالمئة من القوة التصويتية للشعب الأمريكي ولا تبدو قوة الانجيليين التصويتية تأتي من عدد أصواتهم أو من أسباب دينية بل يمكن ردها إلى فعالية لتنظيم صفوفهم السياسية وهذا يؤكد بأن عملية ربط التغيرات الحادثة في الموقف الأمريكي بشأن القدس بالمتغير الديني ليس دقيقاً و يقود لضرورة الالتفات لعوامل أخرى ويمكن أن تعزا لأهمية وتنظيم دور اللوبي الإسرائيلي.
– توجهات اليهود الأميركيين : وقد نشطت توجهاتها المتحكمة في المزاج العام السياسي الأمريكي في فترة السبعينيات والثمانينيات وهناك شبه إجماع نحو تأييد مواقف اسرائيل وأعمالها، إلا أن القرن الواحد والعشرين شهد اختلافا وتغيرا في اتجاهات الطلاب اليهود فلم يعد التأييد المطلق لإسرائيل وسياساتها شرطا لكونك يهوديا، وقد ظهر في الولايات المتحدة الأمريكية منظمة يهودية جديدة وصفت بأنها أقل حماسة للدعم غير المشروط لإسرائيل أطلق عليها اسم جي ستريت لتكون بمثابة لوبي جديد يدعم حل الدولتين ويؤيد السلام دون التطرف او اتخاذ صيغة منحازة أو البحث عن مكتسبات متعلقة بالقدس ومكانتها، ولكن لا بد من الإشارة إلى أن المشهد له وجه آخر فمع وجود ميل أقل لدى العلمانيين والليبراليين والأصغر سنا من الطلبة اليهود من غير الأصوليين للتأييد المطلق لإسرائيل فإن ذلك قابله تشدد بين الأصوليين الذين هم أكثر ارتباطاً ودفاعاً عن إسرائيل فيما يتعلق بتأييد السياسات الإسرائيلية، وفي مقابل تأسيس جي ستريت، اللوبي المؤيد للسلام تم تأسس لوبي أكثر يميني أو تطرفا يشترط لتقديم الدعم لإسرائيل إنكار حقوق الفلسطينيين الوطنية ، أي انحياز تام لإسرائيل كدولة وسياسات وأهداف مستقبلية .
وضمن التحولات الدارجة في أجندة أعمال اللوبيات وخارطة الطريقة برزت التحولات الحاصلة في الحزب الديمقراطي كعامل مؤثر وفاعل فقد برزت الأصوات الرافضة والمنددة بالسياسات الإسرائيلية، وقابل ذلك مزيدا من التطرف داخل الحزب الجمهوري لجهة الانحياز المطلق للسياسات الإسرائيلية وتأييد التحولات الجارية في مسار التسوية السياسية أو الإرادة الأمريكية التي نفذت في القدس على أرض الواقع .
– تغيرات في الحياة الحزبية الأميركية : في القرن الواحد والعشرين بدأنا نلاحظ وجود تغيرات في سياسات الأحزاب الرئيسية في الولايات المتحدة الأمريكية فقد بات الحزب الديمقراطي أقل حماسة في تأييد السياسات الصادرة عن إسرائيل ففي الورقة التي نشرها المركز اليميني الإسرائيلي المتطرف والرافض للسياسات الوسطية “مركز بيغن- السادات للدراسات الاستراتيجية”، ورد فيها ان هناك ما يثير القلق بشأن ارتباط اليهود الأمريكيين بشكل مستمر بالحزب الديمقراطي الذي أصبح حزباً ناقداً بشكل لافت لإسرائيل، وان هناك تخوفا من أن تنتخب الولايات المتحدة الأمريكية رئيسا ديمقراطيا مرة أخرى([5])،وهذا يعكس حجم التخوف اليهودي من الوصول الديمقراطي للبيت الأبيض فقد تضاربت المواقف تماما وربما في نهاية المطاف لن تكن ظاهريا للصالخ الإسرائيلي.
إن أبرز ما يمكن ملاحظته في التحليل الصادر عن المركز أنّ ما يثير قلقه ليس فقط التغير الحاصل في سياسات الحزب الديمقراطي وابتعاده عن المكون اليهودي في قاعدته الانتخابية، بل فكرة وجود تحول وتغيير بين اليهود أنفسهم، إذ يرمي التحليل إلى القول بأنه إذا ما تم انتخاب رئيس ديمقراطي جديد فإنّ ذلك سيؤدي إلى زيادة الفجوة بين إسرائيل واليهود الأميركيين وهذا يعني برمته انقلاب على الذات وإضعاف للسياسات([6]).
يأتي هذا التحليل من قبل مركز “بيغن- السادات”، في ضوء عدة حوادث كان أبرزها ظهور اسم برني ساندرز كمرشح قوي للحزب الديمقراطي في انتخابات عام 2016،ساندرز وعلى الرغم من تأكيده بأنه مؤيد لإسرائيل بشكل تام وأعلن ولائه السياسية المطلق غير القابل للانحياز لغيرها، إلا أن ذلك لم يمنعه من توجيه النقد الحاد للسياسات الصادرة عن الحكومية الإسرائيلية ،وفي سياق استعداداته للانتخابات الرئاسية المقبلة أصر ساندرز على التأكيد على مواقفه فمثلا في شهر نيسان 2019، قال صراحة بأنه ليس ضد إسرائيل وبأنه يعي بأن لها الحق في العيش بسلام، ولكنه يجد في نتنياهو شخصية يمينية متطرفة تعامل الفلسطينيين بشكل غير عادل.
في الواقع إن فكرة حدوث تغير شامل وكلي لمواقف الحزب الديمقراطي تجاه السياسات الإسرائيلية يعتبر أمرا مستبعد الحدوث في القريب العاجل إلا أنه لا بد من الإشارة إلى وجود تحول ولو تدريجي في مواقف الحزب وفي أوساط الناخبين اليهود والشباب الأميركي، مواقف يمكن وصفها بأنها أقل انحيازاً للسياسات الإسرائيلية يقابلها انحياز أكبر في الحزب الجمهوري، وبناء على ذلك فإنه لا بد لنا من التوقف عند حقيقة أن طبيعة النظام السياسي في الولايات المتحدة الأمريكية وتقاليد العملية الانتخابية تعزز من دور جماعات الضغط ومصالحها .
– اللوبي الإسرائيلي وتحولاته : انعكس التحول الذي أصاب القاعدة الشعبية المكونة للجماعات المؤيدة للسياسات الإسرائيلية بشكل سافر على اللوبي الإسرائيلي في مقال تم نشره في مجلة “ذا نيويوركر” تساءلت الكاتبة كوني بروك حول إمكانية تخلي الأمريكيون ولا سيما اليهود الأمريكيون عن اللجنة الأميركية الإسرائيلية للشؤون العامة (AIPAC)، وعن تراجع نفوذ اللجنة التي طالما قادت الحركات الداعمة للسياسات الإسرائيلية، وما أورده المقال إقرار بالتغييرات السياسية على أرض الواقع([7]).
وفي الإجابة عن السؤال ذكرت المقالة بأنه جاء على لسان الشاب حسام زملط احد قيادي حركة فتح بأن آيباك لم تعد تحظى بنفس الفعالية التي كانت تحظى بها سابقا، وبأن الاهتمام بدأ يتركز على جماعة ضغط جديدة تدعى جي ستريت أسسها “جيرمي بن عامي”، وتجدر الإشارة إلى أن هذه الجماعة تؤيد إسرائيل ولكنها في الوقت ذاته تؤيد السلام([8]).وفي الواقع يمكن القول أنّ نشأة جي ستريت في عهد الرئيس باراك أوباما جاءت كتعبير عن حالة الاستقطاب الحاصل بين اليهود الأمريكيين أنفسهم، وأنّه بمقابل هذه الجماعة، ظهرت جماعة أخرى تعبر عن اليمين المتشدد وترفض حل الدولتين وبالتالي رفض أي حل سلمي ودبلوماسي سياسي بشأن قضية القدس ،أطلق عليها اسم “المجلس الاسرائيلي الأميركي- إياك”، (Israeli American Council- IAC) وقد جاء في صحيفة هآريتس الإسرائيلية أن الملياردير الأمريكي من أصول يهودية “شيلدون أديلسون رعى صعود (إياك) وساهم في تعميق وجوده وتعزيز قاعدته الجماهيرية بعد أن أغدق عليه بالتمويل([9]).
بالإضافة إلى أديلسون الذي أنفق عشرات الملايين من الدولارات لدعم الحملة الانتخابية لدونالد ترامب، برزت أسماء ثلاثة أشخاص أساسيين ضمن فريق الرئيس المنتخب، وهم الشاب اليهودي جاريد كوشنير، وسفير واشنطن في إسرائيل ديفيد فريدمان، والأمريكي من أصول يهودية جيسون غرينبلات. ومن المهم هنا معرفة ودراسة الخلفية التي يعبر عنها هؤلاء الأشخاص لفهم الدور الذي لعبوه في رسم الموقف الأميركي بشأن قضية القدس بالإضافة إلى البحث في من هم الداعمون الأساسيون لإدارة الرئيس دونالد ترامب، وهنا يبرز اسم كل من شيلدون أديلسونومايك بينس.
– شخوص الأداء السياسي في التوجه الأمريكي نحو اسرائيل :وهم أبرز المؤثرين في فترة رئاسة ترامب والتحول نحو نفاذ قانون نقل السفارة
– كوشنير :ولد جاريد كوشنير في عام 1981 لعائلة أمريكية من أصول يهودية تربطها علاقات قوية مع اللجنة الأميركية الإسرائيلية للشؤون العامة (AIPAC )، وتجمعه علاقات شخصية على المستوى العائلي مع بنيامين نتنياهو رئيس وزرا إسرائيل ، تزوج كوشنر بإبنة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في عام 2009، وقد تم تعينه من قبل صهره مبعوثاً للشرق الأوسط ، ولعب دورا هاما في صياغة ملامح صفقة القرن ومخرجاتها وفي الأداء السياسي لمؤتمر المنامة والذي حمل شعار السلام من أجل الازدهار، وأعتبر نقل السفارة في حينها الأرضية الصلبة للتوجهات الإسرائيلية المتوافق عليها أمريكيا، بدأت بنقل السفارة الأمريكية و اعلان القدس عاصمة أبدية لإسرائيل رغم المعارضة الدولية المفرطة والتي تدعو الى ضرورة الالتزام بقرارات هيئة الأمم دون الرجوع لقرارات عنصرية منحازة لإسرائيل أو دون المماطلة في نفاذها على أرض الواقع([10]).
– غرينبلات : أما المستقيل حديثا من منصبه جيسون غرينبلات والذي عين من قبل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب كممثل خاص لشؤون المفاوضات الدولية، فهو يهودي أرثوذكسي كلف برعاية ملف العلاقات الأمريكية الإسرائيلية خلال الحملة الانتخابية للرئيس دونالد ترامب، ومن الجدير بالذكر ان غرينبلات قد سكن في مستوطنة في الضفة الغربية في الثمانينات، ويعلم جيدا عن حجم الهوس الإسرائيلي نحو التوسع والاستيطان و توسيع نطاق الأراضي المحتلة والمكانة ، وأن القدس هي غاية الاحتلال كرمز مكاني سياسيا ودينيا([11]).
– فريدمان : ممثل الدبلوماسية الأمريكية في تل أبيب ديفيد فريدمان، هو محامٍ من اصول يهودية، يرفض فكرة الدولة الفلسطينية، معارض علني للوبي الإسرائيلي “جي ستريت”، الأمر الذي دفع باللوبي لشن حملات تطالب إلغاء تعيين فريدمان كسفير لواشنطن في تل أبيب بدافع أنه لا يمثل الدبلوماسية الأمريكية بحياد، وداعم لكافة الملفات التي تريدها اسرائيل و اليهود المتطرف في المجتمع الأمريكي على حد سواء([12]).
هناك ما يجمع هذا الثلاثي (كوشنير، غرينبلات، وفريدمان)،ويعزز من مساهمته في رسم الموقف الأميركي بشأن قضية القدس ، أولها، وجود روابط بالاستيطان الإسرائيلي بشكل مباشر وتجمعهم علاقات خاصة مع هذا المجتمع. ثانيها، أنّهم ينتمون إلى الأرثوذكسية اليهودية.(1)وأما ثالثها، جميعا لديهم رغبة جامحة بربط السياسات الأمريكية مع سياسات نتنياهو.
وقد بدأ هذا الفريق عمله خلال حملة ترامب الانتخابية، من خلال الإشارة إلى موضوع القدس وتسليط الضوء عليه، فقد كتب كل من ديفيد فريدمان وجيسون غرينبلات ورقة موقف تم نشرها في تشرين ثاني 2016 توضح معالم موقف ترامب من إسرائيل، إذ أنه وفقا لهذه الورقة فإن إدارة الرئيس دونالد ترامب تنوي الاعتراف بالقدس عاصمة أبدية موحدة لإسرائيل، ونقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس. من اللافت أنّها مثلت انقلابا على السياسات الأميركية السابقة الداعمة لربط قضية القدس بالمفاوضات، وأنّ الورقة تعكس تحولا في طبيعة الدور الذي يلعبه اللوبي الإسرائيلي والجماعات اليهودية ، في الضغط على الولايات المتحدة الأمريكية وسياساتها للتحول بشكل متطرف نحو اسرائيل وما تريده([13]).
أما عن حقيقة قدوم فريق ترامب من يمين اليمين، تتضح أكثر بالإشارة الى نائب الرئيس، مايك بنس ، والأدوار التي قاما بها خدمة لإسرائيل وكفاعليين مؤثرين في القرار الأمريكي.
– مايك بينس : تتمثل أهميّة نائب الرئيس الأمريكي في إمكانية اعتباره المرشح القادم للانتخابات الرئاسية، أو في أنه قد يكون قادرا على حشد التأييد لسياساته حتى لو لم يكن ينوي الترشح للرئاسة. وبالفعل هذا ما قام به بينس، إذ أنه ومن خلال عمله كنائب للرئيس الأمريكي دونالد ترامب عمل على تعديل القوانين لتكون في صالح الشركات التي يمتلكها متدينون، وساهم في دخول وزراء للإدارة الأمريكية الحالية ينتمون إلى نفس الجماعة الدينية التي ينتمي إليها، كما ساهم في إدخال قاضٍ ينتمي إلى ذات الجماعة للمحكمة العليا. فضلا عن ذلك فقد ساهم بنس في إقناع دونالد ترامب بالتوقيع على قرار يزيد من الحرية والمساحة المتاحة لرجال الدين لنشر وجهات نظرهم السياسية في الكنائس وفي ذلك تفعيل لدور الدين في السياسة وتأكيدا على أهميته كمحددا للسياسة الخارجية([14]).
وكما تشير الوقائع بأنه لم يكن لدى بنس فرصا حقيقية للتقدم سياسياً، لولا توافر الرغبة لدى إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في إنشاء تحالف مع الانجيليين، وهذا يكشف الستار عن التحالف الأصولي وتدخل اللوبي الإسرائيلي الجديد، الذي قد يكون من الصعوبة بمكان فهمه دون التوقف عند الدور الذي لعبه الممول الأكبر لحملة دونالد ترامب الانتخابية، شيلدون أديلسون.
– شيلدون أديلسون: والذي يعتبر الأب الروحي في الجانب التمويلي والدعم المالي لرئيس الأمريكي ، ويمكن الأخذ بالحسبان وضوح وحالة عدم الرضا إزاء ما يجري على أرض الواقع بحكم اعتباره الممول الأكبر لحملة دونالد ترامب الانتخابية وللحزب الجمهوي، شيلدون أديلسون، ليس فقط بسبب عدم إيفاء ترامب بوعوده المتعلقة بنقل سفارة واشنطن من تل أبيب إلى القدس في بداية مرحلة تسلمه للرئاسة، ولكن أيضاً بسبب تلك اللقاءات الودية التي تم عقدها بين كل من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والرئيس الفلسطيني محمود عبّاس، وثلة من المسؤولين الفلسطينيين الآخرين([15]).
إن وجود أديلسون وزوجته في الصفوف الأمامية في حفل افتتاح مقر السفارة الأمريكية في القدس، في الرابع عشر من شهر آيار (مايو)، 2018، وتراجع مكانة وحضور مسؤولون رسميون للخلف، وعدم دعوة بعضا من أعضاء الكونغرس الأمريكي من الديمقراطيين، إنما هي إشارات واضحة على تعاظم دور اللوبي الذي يقوده أديلسون فيما يتعلق برسم السياسات الأمريكية ذات الصلة بقضية القدس([16])،وعلى أن العمليات الانتخابية التقليدية تراجعت أمام نفوذ أديلسون والملايين التي قام بتجنيدها لدعم حملة دونالد ترامب الانتخابية، وللحزب الجمهوري. ففي تشرين ثاني (نوفمبر) 2018، أعلن أديلسون بأنه سيكون “الصديق اليهودي الوحيد المتبرع” الذي ستتم دعوته من قبل ترامب لحضور حفل مراقبة نتائج الانتخابات في البيت الأبيض، إذ قد وصلت قيمة ما تبرع به أديلسون للجمهوريين في العام 2018إلى 113 مليون دولار([17]).ويسعى أديلسون من خلال الدعم الذي يقدمه للمجلس الإسرائيلي الأميركي “إياك” إلى أن يكون المجلس البديل سياسيا وتأثيرا والأكثر تشددا ومنافسة في ذات الوقت للوبي الداعم بالمطلق لإسرائيل الإيباك كما هو متعارف عليه سياسيا([18]).
ومن أبرز ما قام به أديلسون لتثبيت المجلس هو معارضته لأي حكومة إسرائيلية تدعم “حل الدولتين”، وقد ترافق الدعم الذي يقدمه أديلسون لهذا اللوبي، مع قبول كبار المسؤولين في الولايات المتحدة الأمريكية لدعواته للحديث أمامه، تماما كما يفعلون مع “إيباك”([19]).
ويمكن القول بأن أديلسون يعمل في اتجاهين متوازيين الأول، في الأوساط اليهودية في الولايات المتحدة الأمريكية، والثاني يمتد ليصل الداخل الإسرائيلي. فلدى أديلسون خطط وبرامج تستهدف الإسرائيليين الذين قدموا إلى الولايات المتحدة الأمريكية من إسرائيل والذين تقدر أعدادهم بنحو مليون شخص، ليس فقط لتعبئتهم سياسياً ولكن لمساعدتهم أيضا في ترتيب وإدارة شؤونهم الحياتية فضلا عن حاجاتهم الشخصية([20]).وهذه الشريحة من اليهود تتمتع بدرجة عالية من الأهمية وعلى أكثر من صعيد فمثلا، يساهم هؤلاء في تحديد أي من جماعات الضغط الإسرائيلية يحظى بشعبية أكبر لدى اليهود الأميركيين أهو إيباك، أم جي ستريت، أم إياك، وبالتالي فإنهم يؤثرون في خيارات المرشحين الأمريكيين سواء أكان ذلك للرئاسة أو حتى للكونغرس، كما أن لهم قدرة على التأثير في السياسات الإسرائيلية الداخلية، وذلك من خلال علاقاتهم في الداخل الإسرائيلي.
يمكن القول بأن المجلس الإسرائيلي الأميركي “إياك” هو أشبه ما يكون بجماعة ضغط في الولايات المتحدة الأمريكية، ومؤسسة سياسية في الداخل الإسرائيلي، وهناك شبكة من المؤسسات تشكل معالم هذا المجلس، فمثلا يمتلك أديلسون، جريدة يومية يتم توزيعها بشكل واسع في إسرائيل يطلق عليها اسم “إسرائيل هايوم”، وقد كانت من أوائل الصحف التي أعطاها ديفيد فريدمان مقابلة عندما وصل إسرائيل ليمارس عمله كممثل للدبلوماسية الأمريكية([21]).
في ظل ما سبق ذكره لا بد من القول أن تراجع الداعمين المعهودين للحزب الجمهوري عن دعمهم بسبب سياسات ترامب، وسعي أديلسون لتعويض تلك التبرعات إنما يعكس حالة من الاستقطاب والتنافس داخل المجتمع اليهودي الأمريكي.
خاتمة:
إن هناك إقرار متفق عليه لدى كافة الأوساط السياسية المتابعة للأداء السياسي الأمريكي حيال قضية القدس و القضية الفلسطينية بشكل عام يدرك أن هناك تغير في قواعد اللعبة السياسية ، وان هناك فواعل جدد في الداخل الأمريكي تضع الخطوط الرئيسة للخارجية الأمريكية للعمل بما يحقق مصالحها وعلى وجه التحديد القوى السياسية واللوبيات الضاغطة على البيت الأبيض والكونجرس الأمريكي .
وعند الحديث عن اللوبي الإسرائيلي التقليدي لا بد من الإشارة إلى نقطتين أساسيتين للدلالة على الدور الذي يلعبه اللوبي في رسم السياسة الأمريكية إزاء إسرائيل، الأولى هي التوكيد على وجود تقارب ديني وثقافي بين البلدين يؤسس لتقارب سياسي ويسعى لخلق مشهد موحد بخصوص قضية القدس وما تعنيه بالنسبة لليهود وإسرائيل، أما الثانية، فهي أنّ إسرائيل تشكل حليفا استراتيجيا للولايات المتحدة الأمريكية في الشرق الأوسط وأن هناك مصالح مشتركة بين البلدين تمتد بين الأثر السياسي باعتبارها حليف لا يمكن استثناءه في المنطقة التي تأتي كجزء من المشروع الأمريكي الذي يحمل الغاية السياسية النهائية للولايات المتحدة المتمثلة بشرق أوسط جديد ترسم خارطته وحدوده الولايات المتحدة الأمريكية ويضبطه التطبيع العربي والتوافق على الوجود المكاني لإسرائيل كدولة بمكونات كاملة واعتبار الاعلان الأمريكي هو قرار يحمل شرعية دولية كاملة .
وقد بينت الدراسة إن العامل الديني لم يكن حاسماً فيما يتعلق بالسياسات الأمريكية إزاء القدس وإسرائيل. كما ويشكك العديد من الخبراء بالأهمية الاستراتيجية والحيوية لإسرائيل بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، ويذهب كثير منهم للاعتقاد بأن الدعم غير مشروط من قبل الولايات المتحدة الأمريكية للسياسات الإسرائيلية إنما يعرض أمنها وسمعتها للخطر ولكن تقترب كثيرا من غاياتها في المنطقة.
وإن أبرز العوامل وأكثرها تأثيرا في قوة الدعم الأمريكي للسياسات والمواقف الإسرائيلية في قضايا مثل قضية القدس، إنما هي عوامل أمريكية داخلية ترتبط بحالة الاستقطاب الحاصلة في المجتمع الأميركي، وهنا نتحدث عن المجتمع اليهودي الأميركي بشكل خاص، وبالدور الذي يلعبه المال السياسي، فضلا عن العمل المنظم للوبي الإسرائيلي، وقد لعب هذا اللوبي دورا أساسيا في دفع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى تبني قرار الاعتراف بالقدس عاصمة أبدية وموحدة لإسرائيل والمضي قدما بنقل سفارة واشنطن من تل أبيب إلى القدس ، وهذا يتضمن اشارة الى أن القرار الخارجي الأمريكي تم مصادرته من قبل الجماعات و اللوبيات و لم تعد المؤسسات الرسمية تعمل من أجل المصلحة العليا لأمريكا وحدها أو وفقا للصورة النمطية المعهودة عنها برعايتها للسلام ، وتخليها عن هذا الدور حفاظا على مصالح انتخابية ووجودية للجماعات الضاغطة المتطرفة .
قائمة المصادر والمراجع
– المصادر باللغة العربية :
1- أحمد جميل عزم ، تحولات صناعة القرار الأمريكي بشأن القدس ، جامعة بيرزيت : بيرزيت ، 2019
2- أحمد جميل عزم ، القدس في الخطاب الأمريكي ، حوليات القدس ، العدد 15 ، صيف 2013.
3- د. نصر الشقيرات ، علاء محاجنة ، القدس وقرار ترامب ، اللجنة الملكية لشؤون القدس / الأمانة العامة ، عمان: الأردن ،2019.
– المصادر باللغة الانجليزية:
- America’s Changing Religious Landscape,(2015).Pew Research Center. https://www.pewforum.org/2015/05/12/americas-changing-religious-landscape/.
- Attias, Shay. (2019). Israel Needs American Jewry, Now more Than Ever. The Begin- Sadat Center for Strategic Studies. Online at:https://besacenter.org/topics/us-jewry/#.XUmi5OgzbIU.
- Azem, Ahmad. (2017). Moving the U.S. Embassy to Jerusalem: A Chronic Unfulfilled Promise, Jerusalem Quarterly, Issue 70.
- Azem, Ahmad. (2019). Shifts of the American decision-making process on Jerusalem. Birzeit: Birzeit University.
- Bruck, (2014). Friends of Israel, The New Yorker.
- Eichner,Itamar. (2018). J Street Urges Senate to Recall Ambassador Friedman, Ynet.https://www.ynetnews.com/articles/0,7340,L-5300984,00.html.
- Kampeas, Ron. (2017). When Netanyahu Slept at the Kushner, Media Tales of Trump’s Jewish Confidants. The Jerusalem Post.
- Kazis, Josh. (2017) Breaking with Script, Adelson Portrays IAC AS a Hardline AIPAC Alternative, Forward.
- Kornbluh, Jacob. (2016). Trump’s Israel Advisers Issue Position Paper on Israel, Middle East Conflict. Haaretz. online at: https://www.haaretz.com/world-news/trump-advisors-issue-position-paper-on-israel-1.5456363.
- Krupkin, Tally. (2016). Trump Names Jason D. Greenblatt, His Company Lawyer, Special International Negotiations Representative, Haaretz.
- Landau, Noa. (2018). Thus, Says the Lord: Religious Tune at Jerusalem Embassy Opening Drowns Out Protests, Haaretz.
- Landler,Mark. Haberman, (2017).Mixed Signals from Trump Worry Pro-Israel Hard-Liners, The New York Times.
- Religions, Explore Religious Groups in the U.S. by Tradition, Family and Denomination. Pew Research Center.https://www.pewforum.org/religious-landscape-study/
- Shalev, (2017).Adelson Has Hijacked the Israeli American Community for His Hard-right Agenda, Haaretz.
- Tibon, Amir. (2017). Greenblatt vs. Friedman: Do Trump’s Top Advisers Still Share the Same Israel Policy. Haaretz. Online at: https://www.haaretz.com/us-news/.premium-greenblatt-vs-friedman-do-trump-s-top-advisers-still-share-the-same-israel-policy-1.5474015
- Tibon, Amir. (2017).This Powerful Adelson-funded Israel Lobby Could Soon Rival AIPAC’s Influence in Washington, Haaretz.Online at: https://www.haaretz.com/us-news/.premium-the-adelson-funded-group-that-could-rival-aipacs-influence-in-d-c-1.5461209.
- Wagner, (2001).Dying in the Land of Promise: Palestine and Palestinian Christianity from Pentecost to 2000. London: Melisende
([1])Wagner, Donald. (2001).Dying in the Land of Promise: Palestine and Palestinian Christianity from Pentecost to 2000. London: Melisende.
([2])Azem, Ahmad. (2017). Moving the U.S. Embassy to Jerusalem: A Chronic Unfulfille Promise, Jerusalem Quarterly, Issue 70
([4])أحمد جميل عزم، تحولات صناعة القرار الأمريكي بشأن القدس، جامعة بير زيت- فلسطين، 2019.
([5])Attias, Shay. (2019). Israel Needs American Jewry, Now more Than Ever.The Begin- Sadat Center for Strategic Studies.
Online at:https://besacenter.org/topics/us-jewry/#.XUmi5OgzbIU
([7])Bruck, Connie. (2014). Friends of Israel, The New Yorker
([9])Shalev, Chemi. (2017).Adelson Has Hijacked the Israeli American Community for His Hard-right Agenda, Haaretz
([10])Kampeas, Ron. (2017). When Netanyahu Slept at the Kushner, Media Tales of Trump’s Jewish Confidants. The Jerusalem Post
([11])Krupkin, Tally. (2016). Trump Names Jason D. Greenblatt, His Company Lawyer, Special International Negotiations Representative, Haaretz
([12])Eichner,Itamar. (2018). J Street Urges Senate to Recall Ambassador Friedman, Ynet.https://www.ynetnews.com/articles/0,7340,L-5300984,00.html
([13])Tibon, Amir. (2017). Greenblatt vs. Friedman: Do Trump’s Top Advisers Still Share the Same Israel Policy. Haaretz. Online at: https://www.haaretz.com/us-news/.premium-greenblatt-vs-friedman-do-trump-s-top-advisers-still-share-the-same-israel-policy-1.5474015
([14])Kornbluh, Jacob. (2016). Trump’s Israel Advisers Issue Position Paper on Israel, Middle East Conflict.Haaretz. online at: https://www.haaretz.com/world-news/trump-advisors-issue-position-paper-on-israel-1.5456363
([15])Landler,Mark. Haberman, Maggie. (2017).Mixed Signals from Trump Worry Pro-Israel Hard-Liners, The New York Times
([16])Landau, Noa. (2018). Thus, Says the Lord: Religious Tune at Jerusalem Embassy Opening Drowns Out Protests, Haaretz
([18])Kazis, Josh. (2017) Breaking with Script, Adelson Portrays IAC AS a Hardline AIPAC Alternative, Forward
([19])Tibon, Amir. (2017). Greenblatt vs. Friedman: Do Trump’s Top Advisers Still Share the Same Israel Policy
([20])Shalev, Chemi. (2017).Adelson Has Hijacked the Israeli American Community for His Hard-right Agenda, Haaretz
([21])Tibon, Amir. (2019).This Powerful Adelson-funded Israel Lobby Could Soon Rival AIPAC’s Influence in Washington