
ضبط نشاط صانع السوق ومُزوِّد السيولة خلال التداول الخوارزمي والتداول عالي التردُّد
-مقارنة بورصات لندن وبرلين وأوساكا مع بيئة البورصات العربية-
Controlling Market Maker (MM) & Liquidity Provider(LP)’s Action via Algorithm Trading (AT) & High Frequency Trading (HFT)
-Comparing the London, Berlin and Osaka Exchange with the Arab Exchanges’ Environment-
د. همام القوصي، دكتوراه بالقانون التجاري – قانون وأنظمة بورصة الأوراق المالية من جامعة حلب.
Dr. Humam Al Qussi, University of Aleppo – Syrian Arab Republic.
مقال نشر في مجلة جيل الأبحاث القانونية المعمقة العدد 39 الصفحة 11.
Abstract
This research is the first Arab one in dealing with the difference between Market Maker (MM) & Liquidity Provider (LP) via Algorithm Trading (AT) & High Frequency Trading (HFT).
This subject is studied specifically in regards to the case of controlling the competition or collusion between MM & LP in order to shed light to the details & gaps of the London, Berlin and Osaka Exchange’s Rules.
The study will reach a central goal which is to allow the MM & LP using of the AT & HFT in Arab exchanges or not. This position will base on the Arab exchanges’ environment.
Key Words: Market Maker (MM), Liquidity Provider (LP), Algorithm Trading (AT), High Frequency Trading (HFT), Quoting, Trading, Supply & Demand, Price Manipulation.
الملخص
يُعتبَرُ هذا البحث الأول عربياً في توضيح القواعد الخاصة بالفرق بين عمل صانع السوق وبين مُزوِّد السيولة في ضوء تقنية التداول الخوارزمي بالمقارنة مع التداول عالي التردُّد في بورصات الأوراق المالية.
حيث تعمَّقنا بآلية نشاط صانع السوق في حالات تنافس أو تواطؤ الصانع والمزوِّد بغرض توضيح الثغرات التنظيمية.
بناءً عليه، قمنا بتحليل ونقد أنظمة بورصات لندن وبرلين وأوساكا التي تسمح بنظام صناعة السوق المُختَلَطة بين الصانع والمزوِّد بهدف استكشاف الثغرات التنظيمية التي قد تؤدِّي إلى انهيار توازن البورصة.
وقد حدَّدنا غرضاً أساسياً لهذا البحث، وهو تقديم دراسة عن بنية تنظيم التداول عبر استخدام الذكاء الاصطناعي فيما يخصُّ نشاط صناعة السوق بهدف تحديد إمكانية تطبيق هذه التكنولوجيا في البورصات العربية وفق بيئتها.
الكلمات المفتاحية: صانع السوق، مُزوِّد السيولة، التداول الخوارزمي، التداول عالي التردُّد، التسعير، التداول، العرض والطلب، التلاعب بالأسعار.
المُقدِّمة
تَتأثَّر بورصة الأوراق المالية بعد الترخيص لـ: “صانع سوق” “Market Maker” فيها بوجود عرضٍ وطلبٍ جديدٍ للسيولة؛ وذلك بغرض إعادة التوازن بين قوى السوق الطبيعية، فيقوم الصانع بالإعلان عن الأسعار التي يَقبَلُ بالتداول على أساسها.
ولكن هذا الدور التقليدي لصانع السوق قد تغيَّر مع تطبيق تكنولوجيا خوارزميات الذكاء الاصطناعي في عملية تنفيذ التداول؛ حيث أصبحت استراتيجية ضخ السيولة والتسعير خاضعةً لعمليةٍ آليةٍ تُحَاكِي أسلوب العمل البشري.
فمن خلال: “التداول الخوارزمي” “Algorithmic Trading (AT)”[1] أصبح بإمكان صانع السوق أن يقوم بتشغيل روبوت: “الذكاء الاصطناعي” “Artificial Intelligence (AI)” الذي يقوم بتسخير الخوارزميات بغرض اتِّخاذ قرار التداول[2].
وبالمقابل، فقد كان لحدوث الأزمات المالية في البورصات العالمية –وبشكلٍ خاصٍّ أزمة انهيار شركة Lehman Brothers عام 2008 في الولايات المتحدة- أن تبدَّى عدم قدرة نظام صانع السوق لوحده على مواجهة انهيار التوازن بين العرض والطلب، تلك الظروف التي تتشابه مع ظروف أزمة كورونا المالية عام 2020.
فقد كان المطلوب وجود شخصٍ آخر يكون قادراً على ضخِّ سيولة هائلةٍ في البورصة فوراً، دون أن يتقيَّد هذا الشخص بنشرة أسعارٍ ولا بالتزامات صانع السوق التقليدية؛ ومن هنا نشأت فكرة “مُزوِّد السيولة” “Liquidity Provider (LP)”[3] الذي يلتزم بتنفيذ نسبةٍ معينةٍ من تداولات البورصة دون أن يقدم نشرة أسعار، فيأتي دوره مكملاً للصانع.
وكان لمهمَّة صناعة السوق وتزويد السيولة بالتدخُّل السريع والعميق في السوق أن تمَّ تسخير تقنية أكثر دقة وخصوصية من رحم التداول الخوارزمي، وهي: “التداول عالي التردُّد”[4] “High-Frequency Trading (HFT)”[5]؛ التي تتلخَّص بتقديم وتنفيذ كمياتٍ هائلةٍ من العروض أو الطلبات على طرَفَي البيع أو الشراء في البورصة بسرعةٍ هائلةٍ، وذلك بغرض المساهمة بأكبر كميةٍ مُمكنةٍ من التداول.
وقد تمَّ تنظيم مفهوم والتزامات المُزوِّد والصانع بشكلٍ واضحٍ في بورصة لندن LSE[6] بالمملكة المتحدة، وبورصة برلين Börse Berlin[7] بألمانيا، ومؤخَّراً، فقد ظهر نظام صناعة السوق وتزويد السيولة في بورصة أوساكا OSE اليابانية على نوع من العقود المستقبلية التي يتمُّ تنفيذها بسعر محدد في وقت مستقبلي[8].
وتجب الإشارة إلى أنَّ تقنيات التداول الخوارزمي وعالي التردُّد ليست حكراً على صانع السوق أو مُزوِّد السيولة، فقد يستخدمها أيُّ متداوِلٍ كالوسيط المالي إن كانت لديه القدرة وسمحت أنظمة البورصة بذلك، إلاَّ أنَّ الصانع والمُزوِّد يُصنَّفونَ عادةً على أنَّهم من المتداولين بالتقنية عالية التردُّد[9]. كما أنَّ الصانع قد يتمُّ الترخيص له بنشاط مُزوِّد السيولة فيكون صانعاً ومزوداً معاً، عندها سيتنافس مع باقي الصنَّاع والمزوِّدين.
ونتيجةً لهذا الحضور المزدوج من صانع السوق ومُزوِّد السيولة، تَنشأُ حالةٌ من التنافس التكنولوجي المُستَعِرِ أو التواطؤ الواسعِ بين أنظمةٍ الكترونيةٍ تقوم على معالجة بياناتٍ ضخمةٍ بسرعةٍ هائلةٍ ودون أخطاءٍ تُذكرُ؛ فهنا سيكون الخاسر الأكبر من أيِّ تعارضٍ أو تواطؤٍ في المصالح بين الصانع والمُزوِّد هو المستثمر العادي الذي وُجدت أنظمة السوق لحمايته.
أهمية البحث
تظهر أهمية البحث فيما يلي:
- تؤدِّي ثغرات نظام صناعة السوق إلى انهيارٍ حتميٍّ للبورصة، فينقلب دور الصانع من التدخُّل الإيجابي إلى الاستغلالي خاصةً خلال حالات التنافس أو التواطؤ بين صانع السوق ومُزوِّد السيولة.
- تصعب حماية نظام التداول في البورصة في ظلِّ التكنولوجيا فائقة التطوُّر التي تَستخدمها الروبوتات المالية العامِلة لخدمة صُنَّاع السوق ومُزوِّدي السيولة.
- قِلَّة خبرة البورصات العربية في التعامل مع صُنَّاع السوق، حيث إنَّ معظم البورصات في الوطن العربي كانت تُحرِّكها أوامر المتداولين الطبيعية.
- انعدام خبرة معظم البورصات العربية بحوكمة تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي وإخضاعها لسلطة البورصة؛ وهو ما سيظهر في المستقبل على شكل استغلالٍ كبيرٍ للشركات المالية العملاقة التي تستخدم تكنولوجيا التداول الخوارزمي أو عالي التردُّد إذا دخلت الخدمة في الوطن العربي.
أهداف البحث
تتمثَّل أهداف هذا البحث فيما يلي:
- توضيح الآلية التداولية لتكنولوجيا التداول الخوارزمي والتداول عالي التردُّد؛ وذلك بغرض تحديد مخاطر تطبيقها في ظلِّ وجود إمكانية لتنافس أو تواطؤ تكنولوجي بين صانع السوق مع مُزوِّد السيولة.
- إسقاط المخاطر المالية والتقنية من نظام صناعة السوق المُختَلَط على الثغرات التنظيمية التي لا تُواكِب تطور تكنولوجيا التداول باستخدام الذكاء الاصطناعي.
- وضع المبادئ الأساسية لتنظيم تكنولوجيا التداول التي تَستخدم الروبوتات في صناعة السوق قبل دخولها إلى البورصات العربية.
منهج البحث
سنَنتَهِج من خلال هذا البحث:
- المنهج التحليلي الاستنتاجي المقارن؛ حيث سنقوم بتحليل النصوص المُنظِّمة لعمل كلٍّ من صانع السوق ومُزوِّد السيولة؛ وذلك بغرض استنتاج الثغرات التنظيمية في أنظمة البورصات المقارنة (لندن وبرلين وأوساكا) التي تسمح بوجود مُزوِّد السيولة إلى جانب صانع السوق.
- المنهج الاستقرائي عبر معالجة كافة الجزئيات والنتائج التي توصَّلنا إليها؛ بغاية الخروج بمبدأ عام يُقيِّم صناعة السوق أولاً، ثم يُقيِّم هذه الصناعة المُختَلَطة بين الصانع التقليدي ومُزوِّد السيولة ثانياً، ثم يُقيِّم إتاحة تسخير تكنولوجيا الخوارزميات بغرض إدارة صناعة السوق من الروبوتات في البورصات العربية وفق بنيتها وبيئاتها وخصائصها واحتياجاتها ثالثاً.
مصطلحات الدراسة (ضبط المعنى)
“صانع السوق” (MM)؛ هو الشخص المُلزَم بضمان التسعير والتداول المستمر في البورصة ضمن نسبٍ مُعيَّنةٍ؛ حيث يقوم بإعادة التوازن للسوق من جهة، ويُحقِّق أرباحاً من الفرق بين سعر البيع والشراء من جهةٍ أخرى. قد يكون الصانع هذا مُرخَّصاً بنشاط الوسيط المالي أيضاً، ويمكن أن يأخذ شكل البنك.
فيما لم يظهرْ مصطلح تزويد السيولة بشكلٍ مُنفَصِلٍ عن صانع السوق خلال التسعينيَّات؛ فكان الصانع هو ذاتُه المُزوِّد في أدبيَّات ذلك الوقت[10]، إلاَّ أنَّه مع الحاجة لسيولةٍ إضافيةٍ بعد الأزمات المالية وتطور تكنولوجيات التداول، فقد ظهرت فكرة: “مُزوِّد السيولة” (LP) الذي يلتزم بالتداول في إطار نِسَبٍ معيَّنةٍ من حجم التداول دون أن يَحقَّ له التسعير؛ ذلك حتى لا يُفسِدَ عمل صانع السوق الأساسي بل أن يُكمِّله. يقوم عمل المُزوِّد عادةً على الذكاء الاصطناعي، حيث تمَّت تسميته بـ: “مُزوِّد السيولة الأوتوماتيكي” “Automated (LP)”[11].
في حين أنَّ: “التداول الخوارزمي” (AT) يُشيرُ إلى معنى التداول الأوتوماتيكي المؤتمت بمعناه الواسع الذي يضمُّ جميع أنواع التداولات الآلية ومنها التي تتمُّ باستخدام روبوتات الذكاء الاصطناعي. وقد نشأ من تطبيق الخوارزميات في التداول فكرة: “التداول عالي التردُّد” (HFT) التي تقوم على دراسة السوق بشكلٍ واسعٍ وعميقٍ ثم تنفيذ عمليات تداولٍ فائقة السرعة، وبكميَّاتٍ ضخمةٍ[12].
إنَّ فكرة البحث تتركَّز على آثار استخدام كلٍّ من صانع السوق ومُزوِّد السيولة لتكنولوجيا التداول الخوارزمي بصفةٍ عامةٍ، والتداول عالي التردُّد بصفةٍ خاصةٍ ضمن إطار نشاطهم التداولي في السوق خلال حالات التنافس أو التواطؤ فيما بينهما.
إشكاليَّة البحث
تتمثَّل إشكاليَّة البحث في التساؤل التالي:
“هل يُناسب البورصات العربية وجود صانعٍ للسوق ومُزوِّدٍ للسيولة باستخدام تكنولوجيا التداول الخوارزمي أو التداول عالي التردُّد بالنظر لتجربة أنظمة التداول في بورصات لندن وبرلين وأوساكا فيما يخصُّ ضبط التنافس أو التواطؤ بين الصانع والمُزوِّد؟”
مُخطَّط البحث
حيث إنَّ التزامات صناعة السوق تنقسم إلى التزامات تسبق التداول (وهي توفير محفظة السيولة والأوراق مالية) والتزامات خلال التداول (وهي التسعير وتقديم العروض والطلبات)، وطالما أنَّ نشاط الصانع والمزوِّد يتمحور في تنفيذ هذه الالتزامات، وأنَّ ضبط هذا النشاط يتطلَّب ضبط حالات التنافس أو التواطؤ فيما بينهما، فإنَّ مُخطَّط البحث سيكون كما يلي:
المبحث الأول: ضبط التنافس أو التواطؤ في صناعة السوق عبر فرض التزامات الاحتياطية (توفير محفظة السيولة والأوراق مالية)
المبحث الثاني: ضبط التنافس أو التواطؤ في صناعة السوق عبر فرض الالتزامات التداولية (توفير التسعير وتقديم العروض والطلبات)
المبحث الأول
ضبط التنافس أو التواطؤ في صناعة السوق عبر فرض التزامات الاحتياطية
(توفير محفظة السيولة والأوراق مالية)
تفرض أنظمة البورصات عادةً على صانع السوق توفير محفظة تداولية دائمة من الأموال السائلة والأوراق المالية؛ وذلك حتى يكون الصانع قادراً على الوفاء بالتزاماته تجاه البورصة بالتداول المستمر بيعاً وشراءً.
ولكنَّنا لاحظنا من خلال تحليلنا لأنظمة البورصات التي تَعتَمِدُ على نظام مُختَلَط لصناعة السوق بين صانع سوق ومُزوِّد سيولة، لاحظنا أنَّ هذه الأنظمة تَتعاملُ مع مسألة احتياطيَّات الصانع بطريقةٍ أكثرَ غموضاً، وهو ما أثَّر على ضبط التنافس أو التواطؤ بين الصانع والمُزوِّد باستخدام التداول الخوارزمي أو عالي التردُّد.
بناءً عليه، سنتعمَّق في كيفيَّة ضبط التنافس أو التواطؤ في تكنولوجيا الروبوت المالي (تداول خوارزمي أو عالي التردُّد)، وذلك عبر فرض الالتزامات الاحتياطية عليه بتوفير محفظة السيولة لدى كلٍّ من الصانع ومُزوِّد السيولة (المطلب الأول)، أو محفظة الأوراق مالية لديهما (المطلب الثاني).
المطلب الأول:
ضبط التنافس أو التواطؤ في صناعة السوق عبر فرض الالتزام بتوفير محفظة سيولة
سنرى وجود الالتزام بتوفير محفظة السيولة أولاً، وانعكاس ذلك على ضبط التنافس أو التواطؤ بين صانع السوق ومُزوِّد السيولة المستخدمين لروبوتات التداول الخوارزمي أو عالي التردُّد ثانياً.
أولاً: وجود الالتزام بتوفير محفظة السيولة على صانع السوق ومُزوِّد السيولة
سنرى القواعد الأساسية بتوفير محفظة السيولة لدى صانع السوق ومُزوِّد السيولة في بورصة لندن أولاً، وبرلين ثانياً، وأوساكا ثالثاً.
1- التزام صانع السوق ومُزوِّد السيولة بتوفير محفظة السيولة في بورصة لندن
لقد ركَّزت قواعد بورصة لندن لعام 2018 على التزام صانع السوق بالتسعير والتداول، فقد عرَّفت تلك القواعد الصانع على أنَّه شركةٌ عضوٌ في البورصة ملتزمةٌ بوضع تسعيرٍ على الأوراق المرخَّص لها صناعة سوقِها بحدٍّ أدنى وفقاً لحجم السوق[13]، وقد وضعت هذه القواعد مبدأً عاماً هو أنَّ لكلِّ صانع التسجيل على صناعة ورقةٍ واحدةٍ فقط إلاَّ إذا رأت البورصة غير ذلك[14].
ومن هنا، يبدو لنا أنَّ قواعد بورصة لندن لم تنص بشكلٍ صريحٍ على إلزام الصانع بتوفير محفظة سيولة دائمةٍ؛ ويبدو تفسير ذلك في الرغبة بتوزيع كلِّ الأوراق المدرَجة على جميع صنَّاع السوق بغضِّ النظر عن متانة مركزهم المالي؛ ذلك بما يضمن الاستفادة من أكبر قدرٍ ممكنٍ من السيولة.
إلاَّ أنَّ هذا الموقف التنظيمي يَتنافى مع الدور المأمول من الصانع بتحريك السيولة على: “الأوراق الصغيرة قليلة السيولة” “Small Illiquid Stocks”، تلك التي تحتاج توفير سيولةٍ احتياطيَّةٍ كبيرةٍ من الأوراق السائلة بسبب ضعف التداول على الأوراق الصغيرة وارتفاع المخاطر المُرتَبِطَةِ بالتعامل عليها كما أشار جانب من الفقه الإنكليزي[15].
ومن جهةٍ أخرى، فقد نصَّت الصيغة النموذجية لاتِّفاقيَّة صانع السوق في بورصة لندن على: “التزامات صانع السوق” “MM’S Obligations”، ومنها الانصياع لمعايير البورصة، والشروط الخاصَّة سواءً أكان: “صانع سوق أساسي” “Primary Market Maker” أو: “مُزوِّد سيولة محدَّدة” “Qualified Liquidity Provider”[16]. مثل هذه القواعد تضع اللَّبنات الأساسية للتفريق في المعاملة التنظيمية بين كل من الصانع والمُزوِّد.
وبالتالي، فإنَّ مسألة ضبط محفظة السيولة لدى كل من الصانع ومُزوِّد السيولة حتى يقوم كل منهما بواجبه يبقى أمراً تقديرياً لإدارة بورصة لندن، دون وجودِ نصوصٍ تنظيميةٍ واضحةٍ أو موحَّدةٍ على الجميع.
2- التزام صانع السوق ومُزوِّد السيولة بتوفير محفظة السيولة في بورصة برلين
تختلف الرؤية التنظيميَّة في بورصة برلين عن بورصة لندن فيما يخصُّ توفير الصانع لحدٍّ أدنى من محفظة السيولة، فعلى الرغم أنَّ قواعد البورصة الألمانية المذكورة لعام 2016 قد ركَّزت على التزام الصانع بالتسعير فقط[17]، وأقرَّت إلى جانبه نظام مُزوِّد السيولة[18]، إلاَّ أنَّ قواعد بورصة برلين اعتبرت أنَّ: “الدخول كصانع سوق” “Admission as Market Maker” في البورصة يُوجِب على الشخص أن يُوفِي بمتطلبَّات الترخيص للمؤسَّسات الماليَّة وفقاً للقانون المصرفي الألماني[19].
أي أنَّ الترخيص لصانع السوق بألمانيا يَخضعُ لذات الشروط الاحتياطيَّة النقديَّة الخاصَّة بالترخيص للمصارف، وهذا ما يُوضِّحُ ارتفاع المعايير التي تعتمدها بورصة برلين عند تعاملها مع صانع السوق، وهو ما يُعبِّرُ عن وجهة النظر الألمانية بنشر الانضباط في المؤسَّسات المالية.
وقد نصَّت قواعد بورصة برلين على ضرورة توفُّر: “المقدرة الماليَّة” “Financial Strength” والتكنولوجيَّة الكافية للقيام لدى صانع السوق للقيام بعمله[20]، كما أقرَّت ضرورة تَوَاجُدِ نفس هذه المَقدِرَات في الصانع الذي يُريد: “الدخول كمُزوِّد سيولة” “Admission as Liquidity Provider” في بورصة برلين[21]. يتلاءم هذا الموقف مع خطورة التداول عالي التردُّد ضخم الكميَّات هائل السرعة الذي يمتاز به مُزوِّد السيولة[22].
ولكن بالنتيجة، لا يبدو وجود أيَّة حدودٍ رقميةٍ دقيقةٍ لمحفظة السيولة التي يتوجَّب على صانع السوق أو مُزوِّد السيولة الحفاظ عليها خلال تأدية التزاماته تجاه البورصة؛ ممَّا يترك الموضوع لتقدير لإدارة بورصة برلين لكن في ضوء ضوابط النظام المصرفي الألماني كما ذكرنا.
3- التزام صانع السوق ومُزوِّد السيولة بتوفير محفظة السيولة في بورصة أوساكا
لقد سارت بورصة أوساكا في اليابان على غيرِ مسارِ بورصة طوكيو فيما يخصُّ وجود صانع السوق، حيث أقرَّت أوساكا نظاماً لصانع السوق ومُزوِّد السيولة تمَّ تطبيقه عام 2018 على تداول العقود المستقبليَّة وعقود الخيار[23]، وكان لجانبٍ من الفقه الياباني دراسةٌ مشتركةٌ دلَّت على اهتمام اليابان بالتداول عالي التردُّد[24].
ورغم أنَّ نظام صانع السوق في بورصة أوساكا قد ركَّز على التزامات الصانع بصورته التقليديَّة أو بصورة مُزوِّد السيولة على التزامه بالتسعير وطرح العرض والطلب فقط دون النص على توفير الصانع لحدٍّ أدنى في محفظة السيولة لديه، إلاَّ النظام المذكور قد نصَّ على ضرورة امتثال الصانع لأيَّة شروطٍ قد تفرضها عليه بورصة أوساكا[25].
هذه القاعدة تَفتحُ المجال لهذه البورصة في أن تَزيدَ من شروطها خاصَّة في سوقٍ الأدوات المالية ذات التنفيذ المستقبلي، تلك التي تتميَّزُ بتقلُّب الأسعار وارتفاع –إن لم نقل مضاعفة- هامش الخطر المالي.
وبالنتيجة، فإن كلاًّ من بورصات لندن وبرلين وأوساكا لم تنصْ بصراحةٍ على حدود محفظة السيولة لدى الصانع أو المزوِّد، إلاَّ أنَّ إدارة البورصة في كلٍّ منهم تَستطيعُ فرض هذه الحدود حتى تضبط أيَّة ممارساتٍ من صانع السوق أو مُزوِّد السيولة خاصةً فيما يخصُّ إدارة عمليات التداول منهما عبر روبوت يستخدم أحدث تكنولوجيا في التداول.
الأمر الذي يوجب أن يَنعكسَ على ضبط التنافس أو التواطؤ بين روبوتات صانع السوق ومُزوِّد السيولة كما سنرى.
ثانياً: انعكاس الالتزام بتوفير محفظة السيولة على ضبط التنافس أو التواطؤ بين روبوتات صانع السوق ومُزوِّد السيولة
سنرى هذا الانعكاس على صعيد التنافس أولاً، ثم التواطؤ ثانياً، ثم على بيئة البورصات العربية ثالثاً.
1- التنافس بين محافظ السيولة لدى روبوتات صانع السوق ومُزوِّد السيولة
يَغلِبُ على صانع السوق استخدام روبوت التداول الخوارزمي[26] دون التداول عالي التردُّد؛ لأنَّ التزمه بالتسعير والتداول يجب أن يُفضيَ إلى توازن السوق على الورقة التي يصنع سوقها، الأمر الذي يختلُّ بالتأثير العميق للتكنولوجيا عالية التردُّفيما يَغلِبُ على مُزوِّد السيولة استخدام روبوت التداول عالي التردُّد في الوصول إلى أعلى نقطةِ تركيزٍ مُمكنةٍ في التداول عبر استغلال صدمة الكميات والسرعة، فالمُزوِّد يجب أن يكون قادراً على تطبيق درجة أعلى من تكنولوجيا التداول الخوارزمي حتى يقوم بتنفيذ التداول عالي التردُّد المُتطوِّر[27].
هذا الوضع الجديد على البورصة قد أنشأ مفهوماً جديداً لصانع السوق كما أشار جانب من الفقه الهولندي[28]، وبالمقابل فقد أنشأ سوقاً جديدة لتداول الأوراق المالية وفق جانب من الفقه الأمريكي[29].
فإذا أسقطنا قواعد محفظة السيولة على تكنولوجيا التداول الخوارزمي بخصوص صانع السوق، فلا يبدو أنَّ الصانع سيَقومُ بدوره المطلوب وفقاً لاتفاقية الصناعة مع البورصة إذا لم يتمَّ ضبط محفظة السيولة لديه بما يتناسب وطبيعة الورقة التي يَصنعُ سوقها. تَنبعُ هذه الإشكالية بطبيعة الحال من: “إشكالية السرعة” “The Problem of Speed” التي تُسبِّبها التكنولوجيا[30].
فالصانع الذي يُشغِّل روبوتاً ماليَّاً ستعوزه السيولة عند حاجته لشراء المزيد من الأوراق بغرض تنفيذ مضمون التزاماته بالتسعير والتداول وهو إعادة التوازن للبورصة[31]. بالمقابل، فإن نشأت حالة تنافس مع مُزوِّد السيولة فإن الصانع ذو المحفظة الضعيفة سيَفتَقِر إلى قدرات مُزوِّد السيولة الهائلة الذي يستخدم التداول عالي التردُّد بكمياتٍ وسرعاتٍ كبيرةٍ، ذلك حتى وإن كانت سيولة المُزوِّد أضعف من الصانع.
وبالنتيجة فإنَّ التنافس بين الصانع والمُزوِّد ينحصر في إطار التكافؤ بمستوى السيولة المُكتَنَزَة لدى كلٍّ منهما، ثم تظهر الإمكانيات التكنولوجية لأحدهما حتى تصنع الفرق.
وإن كنَّا نرى أنَّ قدرة مُزوِّد السيولة أعلى من الصانع في فترات الأزمات بسبب عنصر المفاجأة الذي توفُّره تكنولوجيا التداول عالي التردُّد والتي تستطيع دفع المتداولين على شكل قطيع باتِّجاهٍ تداوليٍّ ضخمٍ يذهب بالأسعار إلى المكان الذي يُريدِهُ المُزوِّد خلال الأزمات حيث يعم الذعر بين المتداولين؛ ممَّا يجعل من سعر السوق محلاًّ ممكناً جداً للتلاعب في هذه الحال.
ولذلك، فقد كان القلق الأساسي منذ بدء ظهور تقنية التداول عالي التردُّد يَنصبُّ على استقرار السوق واستكشاف الأسعار[32]، ذلك في مقابل المخاطر المالية الكبيرة التي قد يتحمَّلها المستثمرين ضمن بيئة المنافسة التي تتمتَّع بها أسواق المال، والتي يمكن للمُزوِّد أن يَربَحَهَا بسهولةٍ[33].
إلاَّ أنَّ الصانع يمكن أن يتجاوَزَ هذا التأثير عبر تسخير روبوت التداول الخوارزمي في استراتيجياتٍ طويلةِ المدى تُساهمُ في تخفيف أثر تداولات مُزوِّد السيولة، ولكنَّ ذلك مشروطٌ بقدرة الصانع على توفير السيولة لمحفظة الروبوت حتى يُنافِسُ روبوت المُزوِّد ذو التداول عالي التردُّد على المدى الطويل أو القصير، أو –وهو إجراءٌ خطيرٌ على توازن البورصة- أن يَستَخدِمَ صانع السوق نفس التكنولوجيا عالية التردُّد، ففي هذه الحالة يكون احتمال تغليب الصانع لمصلحته الشخصية أكبر من حفظ توازن السوق.
ولكن ألا يمكن أن يهدف الصانع من تشغيل روبوت التداول الخوارزمي على المدى الطويل إلى تثبيت سعر الورقة ذات الطلب الضعيف أو حتى خفض سعرها بما يُفسِدَ عمل المُزوِّد بضخ السيولة الفورية فيها؟
بالتأكيد هذا احتمالٌ قائمٌ؛ ولذلك فإنَّ التنافس بين تكنولوجيا التداول الخوارزمي والتداول عالي التردُّد قد يصبُّ في خانة المتداولين؛ لأنَّه يَمنعُ أيَّاً من الصانع أو المُزوِّد من احتكار السيولة مهما كانت مدَّة الاحتكار قصيرةً[34].
وهو ما يستوجب فرضَ حدٍّ أعلى إلى جانب الحدِّ الأدنى من السيولة في محفظة الصانع أو المُزوِّد بما يتلاءم مع ظروف التداول، فلا يمتلك كلاهما حينئذٍ سوى خدمة البورصة دون أن تمنحهما محفظتهما القدرة على التلاعب بالسوق.
2- التواطؤ بين محافظ السيولة لدى روبوتات صانع السوق ومُزوِّد السيولة
تشتمل بورصة الأوراق المالية على مخاطرٍ كبيرةٍ من جرَّاء إمكانية التأثير على العرض والطلب فيها. وطالما أنَّ تلاقي أوامر البيع والشراء في نظام التداول يتمُّ بشكلٍ حرٍّ وتلقائيٍّ، تنشأ على الفور إمكانيَّة التلاعب بسعر السوق صعوداً أوهبوطاً، أو حتى عبر مُجرَّد تثبيت سعر السوق وحرمان القوى السعرية السوقية الحقيقية من تشكيل سعر السوق الطبيعي.
فعلى الرغم من أنَّ الواجب المفروض على الصانع والمُزوِّد القيام بـ: “التداول المُتَنَاغِم” “Harmonized Trading” كما يشير جانب من الفقه الهندي[35]، إلاَّ أنَّه يبدو لنا أنَّ التواطؤ بين صانع السوق ومُزوِّد السيولة هو أمرٌ محتملٌ جداً على صعيد التلاعب بالأسعار، الأمر الذي يُوجِب التنظيم الصارم للبورصة[36].
حيث إنَّ لكلٍّ منهما نفوذه العملي في التداول، فإذا اتَّحدت مِحفَظَتِهِمَا على تنفيذ مُخطَّطٍ للتلاعب بالأسعار مثلاً، فإنَّ الروبوت المالي لكلٍّ منهما سيَتَنَاغمُ مع الآخر بغرض التأثير بالأسعار بشكلٍ مصطنعٍ. يترافق ذلك التلاعب عادةً مع نشر الشائعات بهدف تضليل جمهور المستثمرين وفق جانب من الفقه الأمريكي[37].
وبالتالي، فإنْ تواطأَ الصانع والمُزوِّد على رفع سعر إحدى الأوراق، فيمكن أن يستخدم الصانع روبوت التداول الخوارزمي لتقديم العرض على تلك الورقة بشكلٍ تدريجيٍّ؛ ممَّا سيُشكِّل ارتفاعاً بالطلب عليها شيئاً فشيئاً، وعند أعلى نقطةِ طلبٍ يقوم مُزوِّد السيولة المُتواطِئِ معه بتوجيه روبوت التداول عالي التردُّد بغرض شراء كميَّاتٍ من تلك الورقة التي ازداد الطلب، وقد يكون ذلك بأوامر تداولٍ على أيِّ سعرٍ كانَ، الأمر الذي سيدفع سعر الورقة المستهدَفة إلى حدودٍ قياسيَّةٍ في ظرف ثوانٍ[38].
فما هو الحل لإعادة الثقة في السوق من جديد[39]؟
نرى هنا أنَّ أمام إدارة البورصة حَلَّيْنِ:
- الحل الوقائي التنظيمي قبل بدء جلسة التداول؛ عبر ضبط محفظة السيولة لدى كلٍّ من صانع السوق ومُزوِّد السيولة بحدٍّ أعلى لا يَسمحُ لأيٍّ منهما بالتداول بما يتجاوزه خلال فترات الأزمات، وبهذه الطريقة سيتمُّ تعليق التداول مباشرة إذا قام روبوت التداول الخوارزمي أو التداول عالي التردُّد بتقديم أوامر تداولٍ تتجاوز قيمتها الحدِّ الأعلى من السيولة المفروض على الصانع أو المُزوِّد؛ وبهذه الطريقة يتمُّ الاقتصار في إتاحة سيولة الصانع على مقدار الحاجة، مع منح البورصة نَفَسَاً أعمق من سيولتها الطبيعية[40].
- الحل الوقائي الإداري خلال إدارة جلسة التداول؛ ويتمثَّل في الرقابة على أوامر الشراء وعدم انتظار تنفيذ صفقات التداول، فبمجرَّد إصدار روبوت التداول خوارزمي لأوامر تداولٍ بنسبةٍ أكبرَ من النسبة الدنيا المطلوبة من الصانع –ولتكن 90% من إجمالي التداولات- كأن تصل إلى ما نسبته 95% من إجمالي الأوامر، فهنا على الهيئة تعليق التداول بشكلٍ احترازيٍّ حتى ينخفض الاتِّجاه التداوليُّ الذي يسعى الصانع لإيجاده[41].
3- انعكاس محافظ السيولة لدى روبوتات صانع السوق ومُزوِّد السيولة على بيئة البورصات العربية
يمكن تصنيف البورصات في الوطن العربي على أنَّها -في معظمها- أسواقٌ تُحرِّكها أوامر جمهور المتداولين؛ بحيث لا يوجد صانعُ سوقٍ بل إنَّ السوق تَصنعُ نفسها بنفسها عبر أوامر المستثمرين، بينما تُسمَّى السوق التي يقودها تسعير وتداول صانع السوق بالسوق التي تُحرِّكها الأسعار[42]. ولكن في الآونة الأخيرة تمَّ الترخيص لنشاط صانع السوق في بعض البورصات العربية[43].
وفي المعايير المُتعَارَف عليها، يمكن اعتبارَ أيَّة سوقٍ لتداول الأوراق المالية سوقاً متطورةً عند توفُّر ثلاثة عناصرٍ رئيسيةٍ، وهي[44]:
- “السيولة“ “Liquidity” من حيث استيعابها لعدد كبير من الأوراق المتداولة،
- “الكفاءة” “Efficiency” من حيث انعكاس المعلومات على الأسعار السوقية،
- “التنظيم المتوازن“ “Balanced Regulation” بين طرَفَي البيع والشراء.
هذه العناصر هي التي تكفل القوَّة السعرية العادلة في البورصة، وتضمن لها وجودَ مُحفِّزٍ ذاتيٍّ قادرٍ على إعادة التوازن إليها دون تَدخِّل جوهريٍّ من الصانع أو المزوِّد؛ الأمر الذي يجعل السوق المتطوِّرة في منأىً عن الحاجة لتقنيات التداول الخوارزمي وعالي التردُّد من أيٍّ منهما، ولكن صورة الكفاءة الكاملة للسوق هي صورةٌ مثاليةٌ يصعب تطبيقها في ظلِّ عوامل تأرجح العرض والطلب، ولذلك وُجِدَت صناعة السوق.
وفي المقابل، فإنَّ واقع البورصات العربية يكادُ يكونُ مُعاكِسَاً لهذه الصورة المثالية، حيث تُعَانِي البورصات في الوطن العربي بصفةٍ عامَّةٍ من السلبيات التالية[45]:
- حجم السوق الصغير، أي أنَّ عدد الشركات المُدرِجَة أوراقِها في البورصة قليلٌ، وعدد الأوراق المالية المتداولة ذاتُها سيكون قليلاً بالتالي؛ أي أنَّ البورصات العربية تُعانِي من ضعف المعروض. هذه الوضعية تُشيرُ أيضاً إلى قِلَّة عدد المؤسَّسات المالية القادرة على الإيفاء بمُتَطَلَّبَات الإدراج. تتعارضُ هذه الصفة بشكلٍ واضحٍ مع صفة السيولة التي تتطلَّب قدرة البورصة على ابتلاع حجمٍ ماليٍّ كبيرٍ من جهة، وتحريكه عبر التداول المستمرِّ من جهة أخرى.
- تركُّز التداول على شريحةٍ من الأوراق، أي أنَّ مجموعةٌ كبيرةٌ من الأوراق المالية المُدرَجَة تكون راكدةً دون إجراء أيِّ تداولاتٍ عليها لفترةٍ زمنيةٍ طويلةٍ، في حين أنَّ التداول يكون بشكلٍ مُركَّز على عددٍ محدودٍ منها. تَتعارضُ هذه الصفة في البورصات العربية مع نموذج السوق السائلة القادرة على تحريك العرض والطلب على جميع الأوراق المالية المدرجة فيها بشكلٍ مستمرٍّ.
- عدم وجود فرص استثمارية متنوِّعة، حيث تكون الخيارات محدودةً أمام المستثمر بيعاً وشراءً، في الوقت الذي يكون هناك أدواتٌ ماليةٌ أكثر تنوُّعاً في البورصات العالمية كالعقود المالية المستقبلية والخيار التي يمكن استخدامها لإدارة المخاطر. تُعتَبَرُ هذه الصفة طاردةً للاستثمار في البورصات العربية الأمر الذي يَزيدُ من ضُعْفِ سيولتها وانخفاض كفاءتها[46].
- تذبذب الأسعار[47]، وهو الأمرُ الناتجُ عن ضَعفِ كفاءة البورصة؛ أي أنَّ الأسعار فيها لا تَعكِسُ القيمة السوقية العادلة للأوراق المالية؛ فلا تظهر المعلومات الإيجابية أو السلبية على الأسعار فوراً، وهذه الصفة تعني أنَّ البورصات العربية –في الأعمِّ الأغلب- تعوزها الكفاءة. هذا الوضع يُشيرُ أيضاً إلى أنَّ السلطة التنظيمية في هذه البورصات تُعانِي من فشل سياسة ضبط التسعير فيها؛ حيث تتدخَّل في الوقت والأسلوب الخطأ، الأمر الذي يُفسِدُ تشكُّل سعر السوق.
- يُضاف إلى عيوب البورصات العربية كلَّ واحدةٍ بحدِّ ذاتها عدم وجود تكاملٍ فيما بينها، حيث إنَّ خطة الاتحاد العربي لهيئات الأوراق المالية 2016-2020 قد وضعت أهدافاً أوليةً تخصُّ الانسجام في أنظمة الحوكمة والإفصاح[48]، تلك الأهداف التي كان يجب على البورصات العربية تحقيقها منذ زمنٍ بعيدٍ؛ ولذلك فإنَّ البورصات العربية يعوزها الانسجام للأسف.
يبدو وضع البورصات العربية وفق العرض السابق أحوجَ ما يكونُ لوجود صناعة السوق القادرة على تقديم محفظة سيولةٍ دائمةٍ؛ فالسوق عندما تكون صغيرةً وقليلةَ السيولةِ وشحيحةَ الفرص الاستثمارية، فإنَّ وجود صانعٍ للسوقِ بتقنية التداول الخوارزمي فيها سيدعم سيولة السوق بشكلٍ مباشرٍ وفوريٍّ، كما أنَّ قدرة مُزوِّد السيولة يمكن أن تُنقِذَ السوق من ركودٍ أو انهيارٍ أكيدٍ عبر تقنية التداول عالي التردُّ
وبالنتيجة فإنَّ البورصات العربية في حاجةٍ إلى التحوُّل من السوق التي تقودها أوامر المتداولين إلى سوقٍ مُختَلَطةٍ تُحرُّكها هذه الأوامر مع أسعار وتداولات الصانع والمُزوِّد.
إلاَّ أنَّ البورصات العربية ستقع في إشكالية مواجهة التنافس أو التواطؤ بينهما؛ حيث يجب أن يتمَّ افتراض تغليبِ أيٍّ منهما لمصلحته الشخصية على توازن السوق. ولن تُشكِّل محفظة السيولة همَّاً كبيراً للصانع أو المُزوِّد في ظلِّ ضعف السيولة الكبير في البورصات العربية؛ حيث إنَّ مقداراً معقولاً من السيولة قادرٌ على تحريكها والتأثير بها.
كما أنَّ الواقع يقول أيضاً أنَّ السلطات الرقابية العربية تُعانِي من ضعفٍ في الكفاءات والتقنيات[49]، ذلك بالشكل الذي لا يسمح لها مطلقاً بمتابعة روبوتات التداول فائقة السرعة؛ حيث إنَّ تذبذب سعر السوق في مثل هذه البيئة التنظيمية الهشَّة سيجعل البورصة مسرحاً مُنفَرِداً لكلٍّ من الصانع والمُزوِّد.
وبناءً على كلِّ ما سبق، يبدو لنا أنَّ البورصات العربية بحاجةٍ إلى وجود صانعٍ للسوق دون السماح بالتداول الخوارزمي إلاَّ بعد توفير تقنياتٍ رقابيةٍ قادرةٍ على مجاراته ومراقبة وقائع التنافس أو التواطؤ مع مزود السيولة. أمَّا على صعيد المُزوِّد فإنَّ أثر تداولاته أكبر بكثير من حجم معظم البورصات العربية، ولذلك يجب أن تبلغ البورصة حجماً واسعاً قبل السماح بالتداول الخوارزمي، وحجماً أوسع قبل وجود التداول عالي التردُّد.
المطلب الثاني
ضبط التنافس أو التواطؤ في صناعة السوق عبر فرض الالتزام بتوفير محفظة الأوراق المالية
من المؤكَّد أنَّ صانع السوق يجب أن يَحتَفِظَ بمحفظةٍ من الأوراق المالية تسمح له بالتدخُّل في البورصة على طرف البيع، أمَّا بالنسبة لمُزوِّد السيولة فهو ملزمٌ بالتداول في البورصة بغرض تسييل الأوراق المالية أي تحويلها إلى سيولة، ويكون ذلك بالشكل التقليدي بتسديد ثمنها للبائع، فيما يمكن إلزامَ مُزوِّد السيولة بتوفير الورقة المالية للمشتري، ففي الحالة الأخيرة تؤدِّي عملية بيعها من المُزوِّد إلى المشتري إلى زيادة درجة سيولة الورقة في السوق أي سرعة دورانها على عجلة التداول، وهذا ما يَدخلُ في إطار تزويد السيولة بمعناه الواسع، أو توفير الأوراق المالية لحالة الطلب[50].
وسنرى القواعد الأساسية التي تحكم الالتزام بتوفير محفظة الأوراق المالية أولاً، ثم انعكاس هذه القواعد على إمكانية تنافس أو تواطؤ صانع السوق ومُزوِّد السيولة خلال تشغيلهم لروبوتات التداول الخوارزمي أو عالي التردُّد ثانياً.
أولاً: وجود الالتزام بتوفير محفظة الأوراق المالية على صانع السوق ومُزوِّد السيولة
علينا باستكمال منهجنا المقارن بدراسة هذا الالتزام في أنظمة بورصات لندن أولاً، وبرلين ثانياً، وأوساكا ثالثاً.
1- التزام صانع السوق ومُزوِّد السيولة بتوفير محفظة الأوراق المالية في بورصة لندن
لم تنص بورصة لندن بشكل صريح على إلزام الصانع أو المزوِّد بأيِّ مخزون من الأوراق الماليَّة في محفظته[51]، ويظهر ذلك حتى في عدم النصِّ الصريح على هذه المسألة في الاتِّفاقية النموذجيَّة الخاصَّة بهذه البورصة أيضاً[52]. حيث أشار الفقه الإنكليزي إلى أنَّ التوجُّه الحاليَّ في يَميلُ إلى خَفضِ التزامات صانع السوق[53]، وذلك نظراً للمخاطر الماليَّة الكبيرة التي يتعرَّض لها الصانع الملتزم بالتداول وطرح السيولة في ظلِّ الأزمات المالية العالمية.
ولدى عودتنا إلى قانون الشركات الإنكليزي لعام 2006، فقد تبيَّن لنا أنَّ المشرع الإنكليزي اعتمد سياسة تحديد: “الحدِّ الأدنى الـمُعتمد” “The Authorized Minimum” فيما يخصُّ مثلاً الحدَّ الأدنى للقيمة الاسميَّة للأسهم الموزَّعة في الشركات العامَّة التي لا يحقُّ لها تقديم خدمة الإقراض[54].
وبالاستنتاج، يدلُّ هذا الموقف القانوني على وجودِ توجُّهٍ تشريعيٍّ في هذه الدولة يُشير إلى التحديد الرقمي للحدود الدنيا الخاصة برأس المال في حالات خاصَّة.
إلاَّ أنَّ عدم النص على حدٍّ أدنى من محفظة الأوراق المالية يأتي بغاية تشجيع الشركات على القيام بدور الصانع أو المزود، هذا بالإضافة إلى أنَّ ترك هذا الموضوع لسلطة البورصة التقديرية يُساعدُ على مرونة حجم محفظة الأوراق المالية وفق الظروف. ولكن هذا التساهل التنظيمي قد يؤدِّي بالمقابل إلى دخول شركات غير قادرةٍ على القيام بنشاط الصانع أو المُزوِّد من الأساس.
2- التزام صانع السوق ومُزوِّد السيولة بتوفير محفظة الأوراق المالية في بورصة برلين
لقد فصَّلت بورصة برلين في المعاملة بين صانع السوق ومُزوِّد السيولة من حيث المُتَطلَّبات؛ حيث نصَّت فيما يخصُّ صانع السوق على ضرورة توفُّر “المَقدِرَات التقنيَّة” “Technical Strengths”[55]، بالإضافة إلى فريق العمل المختصِّ، والخبرة الكافية لقيام صانع السوق بالتزاماته تجاه البورصة خلافاً للقدرات الماليَّة[56]؛ تلك التي يدخل في معناها الواسع مخزون الأوراق الماليَّة.
أمَّا فيما يخصُّ مُزوِّد السيولة فقد ألزمته قواعد التداول ببورصة برلين بتأمين المقدرات الماليَّة والتكنولوجيَّة، واختصَّت تلك القواعد الـمُزوِّد بتأمين: “المقدرات الوظيفيَّة” “Functional Strengths”[57] اللاَّزمة له للقيام بدوره في تأمين السيولة بالنسب المحدَّدة في الاتِّفاقيَّة المُبرَمَة مع البورصة.
ويبدو لنا أنَّ موقف بورصة برلين إزاء التزام صانع السوق بتوفير حدٍّ أدنى من الأوراق الماليَّة يتمثَّل في إلزامه بشكلٍ تقديريٍّ من إدارة البورصة بما يلزم للقيام بدوره، وذلك بموجب نصٍّ صريحٍ على عكس بورصة لندن، وإن كان غيرَ محدَّدٍ رقمياً.
أمَّا بخصوص مُزوِّد السيولة في بورصة برلين، فالـمُزوِّد هذا مُلزمٌ بتأمين مقدراتٍ وظيفيَّةٍ تسمح له بتأمين السيولة المطلوبة منه؛ وهو ما يَستغرقُ معنى قدرته على توفير مخزونٍ احتياطيٍّ من الأوراق الماليَّة يكفي لتأدية دوره.
ويبدو أنَّ دور مُزوِّد السيولة في بورصة برلين يتميَّز بكميَّاته عن صانع السوق، وهذا هو سبب إلزامه بتوفير: “المقدرات الوظيفيَّة”، حيث إنَّ قواعد التداول في تلك البورصة قد ألزمت الـمُزوِّد بتحقيق معاييرٍ محدَّدةٍ من حيث حجم العروض والطلبات التي يقدِّمها للمتداولين[58]، وسبب ذلك هو ضرورة وجود إمكانية لدى الـمُزوِّد باستخدام تكنولوجيا التداول عالي التردُّد التي تسمح له بتنفيذ كميَّات أكبر من الكميَّات التقليديَّة.
3- التزام صانع السوق ومُزوِّد السيولة بتوفير محفظة الأوراق المالية في بورصة أوساكا
لقد نصَّ نظام صانع السوق في بورصة أوساكا الخاص بعقود المستقبليَّات والخيارات فيها على ضرورة امتثال الصانع لأيِّ شروطٍ قد تفرضها عليه بورصة أوساكا كما سبق وأن ذكرنا[59]، دون النص على أيِّ حدٍّ أدنى بصدد مخزون محفظة الصانع ومُزوِّد السيولة من الأوراق المالية. فهنا تتشابه قواعد بورصة أوساكا مع لندن.
وهذا الموقف مرنٌ أكثر من اللاَّزم، حيث إنَّ تقييد إدارة البورصة بضرورة فرض حدٍّ أدنى من الأوراق المالية التي تُمثِّل عقود المستقبليات والخيارات المُتدَاوَلَة في بورصة أوساكا هو أمرٌ ضروريٌّ لعدم ترك هذه المسألة الجوهرية لتقدير إدارة البورصة فقط؛ فهذه العقود ذات طبيعةٍ سعريةٍ حسَّاسةٍ جداً، الأمر الذي يُوجِبُ توفُّر محفظةٍ ماليةٍ غنيةٍ لدى صانع السوق ومُزوِّد السيولة حتى يمكنهم التدخُّل بشكلٍ مؤثِّرٍ على طرف البيع.
ويبدو لنا أنَّ الأنظمة المُختَلَطة بين صانع السوق ومُزوِّد السيولة في بورصات لندن وبرلين وأوساكا لم تكنْ جميعها حازمةً في حقِّ الصانع والـمُزوِّد بخصوص مخزون الأوراق الماليَّة؛ حيث وجدنا أنَّ بورصة برلين هي الأكثر وعياً من الناحية التنظيميَّة فيما يتعلَّق بهذا المخزون عندما خصَّصت المطالب الهيكليَّة من حيث المقدرات الوظيفية وفقاً لالتزام الـمُزوِّد؛ ذلك رغبةً منها ببناء الأرضيَّة المطلوبة للتداول عالي التردُّد لدى المُزوِّد رغم أنَّ هذا التخصيص قد بقي في إطار القواعد العامَّة والمصطلحات الفضفاضة.
هذه الوضعية الغامضة ستُرخِي بظلالها على حالات تنافس أو تواطؤ صانع السوق مع مُزوِّد السيولة كما سنرى.
ثانياً: انعكاس الالتزام بتوفير محفظة الأوراق المالية على ضبط التنافس أو التواطؤ بين روبوتات صانع السوق ومُزوِّد السيولة
يستطيع كل من صانع السوق أو مُزوِّد السيولة استغلال أي من التداول الخوارزمي أو عالي التردُّد، إلاَّ أنَّ الشائع وفقاً لجانب من الفقه الألماني هو استخدام مُزوِّد السيولة لاستراتيجية التداول عالي التردُّد[60]، تلك التي تضمن الصدمة السعرية وليس استمرار التداول كما أكَّد جانب من الفقه الأمريكي أيضاً[61].
وسنرى في هذه الفقرة انعكاس الالتزام بتوفير محفظة الأوراق المالية على التنافس بين روبوتات صانع السوق ومُزوِّد السيولة أولاً، أو التواطؤ بينهما ثانياً، ثم على بيئة البورصات العربية ثالثاً.
1- التنافس بين محافظ الأوراق المالية لدى روبوتات صانع السوق ومُزوِّد السيولة
تَختَلِفُ الوضعية بشكلٍ جذريٍّ فيما يخصُّ محفظة الأوراق المالية عن محفظة السيولة؛ ففي الأخيرة وجدنا أنَّ الغرض منها توفير سيولة فورية، أي توفير الطلب على الأوراق، بينما فيما يخصُّ محفظة الأوراق المالية فإنَّ دور صانع السوق يكون في توفير الأوراق المالية التي تجد طلباً جارفاً عليها دون توفُّرها على جانب العرض في البورصة؛ أي توفير المعروض من الأوراق المالية.
وإذا تمَّ استخدام تكنولوجيا التداول الخوارزمي أو عالي التردُّد في البورصة، فإنَّ دَوَرَانَ محفظة السيولة لدى كلٍّ من الصانع والمُزوِّد ستَتَأثَّر، وسيَتَأثَّر معها استكشاف سعر السوق في البورصة[62]. مثل هذه الوقائع هي التي دفعت جانب من الفقه الأمريكي لاعتبار أنَّ استخدام تقنيات الأتمتة قد شكَّل التحدي التنظيمي الأكبر في القطاع المالي[63].
وفي الحالتين يَندَرِج عمل صانع السوق بالمساهمة في تسييل الورقة المالية سواءً بشرائها من المتداولين (توفير الطلب) أو شرائها بغرض تأمينها للمتداولين (توفير العرض)، وإنَّ دور مُزوِّد السيولة في هذا النشاط قائمٌ مع صانع السوق.
على سبيل المثال، لنفرض أنَّ إحدى الشركات كانت هدفاً للاستحواذ عليها من شركةٍ قابضةٍ بهدف تحقيق نسبة تتجاوز 50% من ملكية رأس مالها، الأمر الذي سيجعلها تابعةً للقابضة؛ فهنا ستُصدِر الشركة القابضة أوامر شراء في البورصة على سعر السوق دون تحديد مهما ارتفع السعر؛ لأنَّ القابضة تريد أسهم الشركة الأولى بأيِّ ثمن، ممَّا سيؤدِّي إلى رفع سعر أسهمها إلى حدودٍ قياسيةٍ.
في هذه الظروف سيكون من واجب صانع السوق المحافظة على توازن العرض والطلب عبر عدم السماح لسعر سهم الشركة المُستهدَفة من الوصول إلى قيمٍ مُتضخِّمةٍ؛ لأنَّ هذا الارتفاع الكبير سيتلوه عادةً انهيارٌ بالأسعار يؤدِّي إلى خسائرٍ كبيرةٍ للمتداولين.
فهنا يجب أن يكون لدى صانع السوق مخزوناً كافياً من تلك الأسهم بحيث يُغطِّي جزءاً كبيراً من الطلب على تلك الأسهم دون أن تَحدثَ أزمة زيادة الطلب عليها ونقص المعروض منها.
ولكن بالمقابل، يستطيع صانع السوق تحقيقَ ربحٍ خياليٍّ من الأسهم التي يَحتَفِظُ بها بأسعارها قبل حدوث عملية الاستحواذ تلك، وبالتالي يستطيع توجيه روبوت التداول الخوارزمي إلى عدم عرض مخزون الأسهم من الشركة المُستهدَفة بالاستحواذ بشكلٍ كبيرٍ، وإنَّما مُتدرِّجٍ بغرض الوصول إلى أعلى سعر ممكن لبيع هذا السهم مع مرور الوقت.
إلاَّ أنَّ هذه السياسة قد تتعارض مع مصالح مُزوِّد السيولة الذي لا يكون لديه عادةً نفس مخزون الصانع من تلك الأسهم؛ فالمُزوِّد لا يُمَارِسُ في البورصة دوراً تسعيرياً بل إضافياً مُكمِّلاً، ولذلك فإنَّ تأثيره الكبير ينحصر في تدخُّله المفاجئ.
بناءً عليه، فإن قام مُزوِّد السيولة ببرمجة روبوت التداول لديه بغاية استخدام التكنولوجيا عالية التردُّد مُستَغِلاًّ الذكاء الاصطناعي[64]، فماذا سيحدث هنا؟
في هذه الحالة، سيقوم روبوت المُزوِّد بضخِّ كمياتٍ هائلةٍ من أسهم الشركة المُستَهدفة للاستحواذ في البورصة حتى تتلاقى مع الطلب الكبير عليها وبوقتٍ قياسيٍّ؛ الأمر الذي سيمتصُّ بالتأكيد جزءاً كبيراً من اتِّجاه الطلب على هذه الأسهم، وهو الأمر الذي سيختصر من أرباح الصانع الآتية من استراتيجية الرفع التدريجي لتلك الأسهم عبر عرضها بشكلٍ مُتدرِّجٍ باستخدام التداول الخوارزمي[65].
هذه الظروف قد تدفع الصانع نحو استخدام تكنولوجيا التداول عالي التردُّد هو الآخر بغرض بيع كل ما لديه من مخزون الأسهم المستهدَفة قبل أن تنخفض أسعارها، وهذا يعني أنَّ التنافس بين صانع السوق ومُزوِّد السيولة في تكنولوجيا التداول قد خفَّف من إمكانية تفرُّد الصانع بالبورصة واستغلال المتداولين فيها.
ولكن بالمقابل ألا يمكن أن يهدف مُزوِّد السيولة من الضخِّ الهائل للسهم المُستهدَف تثبيتَ أو خفضِ سعره بما يُفسد عمل الصانع في الإبقاء على سعره ضمن إطار من التوازن في البورصة؟
هذا ممكنٌ بالتأكيد، لذلك فيجب أن يكون لدى الصانع مخزونٌ كافٍ من الأوراق حتى يُواجِهَ مُخطَّطات المُزوِّد باستراتيجية خوارزمية طويلة المدى تُهدِّئ من العرض الجائر للسهم المستهدَف.
ممَّا يعني أنَّ ضبط التنافس بين روبوتات التداول الخوارزمي وعالي التردُّد تستوجب فرضَ حدٍّ أدنى من الأوراق المالية في محفظة الصانع والمُزوِّد، إلاَّ أنَّ رقابة مثل هذا الحدِّ يحتاجُ إلى وجود هيئة تكنولوجية رقابية بمستوى سرعة روبوتات الصانع والمُزوِّد[66]، خاصةً إن كان مُزوِّدي السيولة متعدِّدينَ ومتَنَافِسِينَ على عمليات التداول الضخمة الخاطفة، ممَّا تجعل من مهمَّة الرقابة عليهم مهمَّةً شبه مستحيلةٍ.
وقد أشار جانب من الفقه الأمريكي إلى هذا الواقع التنظيمي الصعب، ذلك الفقه الذي يرى أنَّ فوائد تسخير التكنولوجيا في القطاع المالي يجب أن تتمَّ في حدودٍ معينةٍ تُرَاعِي تعقيد العمليات المالية التكنولوجية من جهة، والطبيعة البشرية من جهة أخرى[67]؛ فلا يجوز أن يتمَّ التسخير الكامل لمُنتَجَات الذكاء الاصطناعي في البورصة إن كانت عسيرةَ الفهمِ على الإدارة المالية من جهة، أو كانت تلك المُنتَجَات تتفوَّق على قدرات الرقابة البشرية من جهةٍ أخرى، وهو طرحٌ منطقيٌّ.
2- التواطؤ بين محافظ الأوراق المالية لدى روبوتات صانع السوق ومُزوِّد السيولة
لا تخلو أيَّة بيئةٍ تشريعيةٍ للبورصة من النص على حظر ممارسات التلاعب بالأسعار، ولكن كل النصوص القانونية أو حتى التنظيمية تُعالِج الوقائع التي قد يرتكبها الأشخاص بالإمكانيات البشرية؛ فتقوم هذه النصوص بوضع مجموعةٍ من الضمانات بحيث تَتَناسب مع الإمكانيات البشرية مهما بلغت من الذكاء والخبرة.
فإذا فرضنا تَواطؤَ صانع السوق مع مُزوِّد السيولة على إفشال الإصدار الأولي لأسهم شركةٍ رائدةٍ في المجال العقاري مثلاً، فقد يكون الدافع لذلك أنَّ مؤسِّسي شركة الإصدار هم من رجال الأعمال المنافسين للصانع والمزود في قطاع أعمالٍ آخر؛ فهنا يتمُّ تنفيذ عملية الإصدار بسعرٍ اسميٍّ ثابتٍ لا يمكن للصانع والمُزوِّد التلاعب به، لكنَّهما قد يقوما بمُخطَّطٍ تلاعبيٍّ أكثرَ عمقاً ودهاءً[68].
حيث نطرح المثال التالي، فقد يقوم الصانع بتوجيه الروبوت المالي لديه نحو بيع كامل المخزون من أسهم الشركات العقارية المُدرجة في البورصة، وذلك بغرض تنفيذ استراتيجية هادفة لزيادة العرض عن الطلب في القطاع العقاري؛ الأمر الذي سيؤدِّي مع الوقت إلى خفض سعر أسهم هذا القطاع بصفةٍ عامةٍ.
وبعدها، يقوم المُزوِّد –بالتواطؤ مع الصانع- بتنفيذ عملية بيعٍ ضخمةٍ لكامل مخزونه هو الآخر من سهم الشركة العقارية القيادية في البورصة؛ أي ذلك السهم الذي تسبق حركته حركة باقي الأسهم التي تنتمي إلى ذات القطاع، والذي تؤثِّر حركته بشكلٍ ملموسٍ في اتِّجاه التداول على أسهم شركات هذا القطاع بكاملها.
وعلى اعتبار أنَّ المُزوِّد سيستخدم تكنولوجيا التداول عالي التردُّد، فإنَّ عملية البيع الضخمة لهذا السهم العقاري القيادي في البورصة ستُشكِّل صدمةً سعريةً كبيرةً في البورصة وفي وقتٍ قياسيٍّ، الأمر الذي سيُنشئُ وهماً لدى جمهور المتداولين في البورصة[69].
وبالنتيجة، تبدو عملية مواجهة التلاعب بالأسعار بالتواطؤ بين الصانع والمُزوِّد باستخدام الروبوت المالي أمراً تعجيزياً؛ فالقدرات الرقابية البشرية لا يمكنها مواجهة هذا الإعصار التكنولوجي التداولي، وحتى التقنيات الرقابية في السوق لا يمكنها توقُّع حدوث مثل هذا التلاعب في ظلِّ التداول الحر على الأوراق المالية.
فإن استشعرت تكنولوجيا الرقابة على التداول وجود حركةٍ تداوليةٍ مريبةٍ للبيع من صنَّاع السوق، فإنَّ تحرَّكها سيتلو بالتأكيد إصدار أوامر التداول، وهذا الإصدار يُعدُّ كافياً لوحده –قبل تلاقيه مع أمر آخر- لتشكيل القوَّة السعرية الخافضة؛ ذلك نظراً لحساسية البورصة العالية من الناحية السعرية، الأمر الناتج عن مراقبة جمهور المستثمرين لتداولات هؤلاء الصنَّاع وتقليدها.
لذلك نرى أنَّ أمام البورصة هنا ما يلي:
- الحل الوقائي التنظيمي قبل بدء جلسة التداول؛ وذلك عبر ضبط محفظة الأوراق المالية لدى كلٍّ من صانع السوق ومُزوِّد السيولة كما في حالة ضبط محفظة السيولة؛ أي عبر حدٍّ أعلى لا يسمح لأيٍّ منهما بالتداول بما يتجاوزه خلال فترات الأزمات.
- الحل الوقائي الإداري خلال إدارة جلسة التداول؛ ويتمثَّل في الرقابة على أوامر البيع لمخزون الأوراق المالي؛ كأن تتجاوز نسبة الأوامر 90% من مجموع أوامر التداول في البورصة بلحظةٍ معينةٍ كما في حالة ضبط محفظة السيولة.
- الرقابة على حالات احتكار الأوراق المالية؛ نقترح هنا حلاًّ خاصَّاً بمحفظة الأوراق المالية، ويَتمثَّلُ بحظر استحواذ صانع السوق أو مُزوِّد السيولة لنسبة تتجاوز 50% من مجموع أسهم جميع الشركات المُدرِجة أسهمها في البورصة؛ ففي حالة الاستحواذ مثلاً على نسبة 51%، فيمكن حينئذٍ للشركة التي تُمارِس نشاط صناعة السوق أن تكون الشركة الأمر لشركة أخرى مدرجة.
هذه القاعدة ستجعل من قدرة الصانع أو المُزوِّد على التأثير بسعر الأسهم ضعيفةً، لأنَّ مخزونها منها مهما اتَّسع سيبقى نصفه الآخر تقريباً مطروحاً للتداول بين المستثمرين، الأمر الذي سيُخفِّف من قدرة تكنولوجيا صناعة السوق على تشكيل الضغوط السعرية النزولية باستخدام محفظة الأوراق المالية حتى في حالات تواطؤ الصانع مع المُزوِّد.
3- انعكاس محافظ الأوراق المالية لدى روبوتات صانع السوق ومُزوِّد السيولة على بيئة البورصات العربية
طالما أنَّ معظم البورصات العربية هي في حالة تركيز التداول على شريحةٍ مُحدَّدةٍ من الأوراق المالية المُدرجة فيها[70]، ذلك نتيجة حالة العوز في السيولة وضعف انتشار التداول على جميع الأوراق، فإنَّ وجود التزامٍ على صانع السوق بتوفير محفظةٍ دائمةٍ من الأوراق المالية هو شرطٌ أساسيٌ لنجاح عمله في الالتزام بالتداول الدائم.
فلا يكفي إدراك الدول العربية لأهمية أسواق المال كما أشار جانب من الفقه العربي[71]، بل كان يجب قبل افتتاح التداول في الأسواق العربية أن يتمَّ النظر بمقدرتها على توفير الأوراق المالية، الأمر الذي سينعكس على سرعة سيولتها بيعاً وشراءً.
حيث إنَّ استمرار السوق هي المهمَّة الموكلة لصانع السوق؛ وذلك بهدف تحقيق التوازن الدائم بين العرض والطلب، فالصانع ملزمٌ بدفع مسيرة السوق بشكلٍ مدروسٍ قادرٍ على إعادة التوازن فيها.
وبالتالي، إنَّ وجود تنافسٍ أو تواطؤٍ بين الصانع ومُزوِّد السيولة في البورصة سيدفع كل منهما إلى توفير محفظة أوراقٍ قادرةٍ على مواجهة الآخر أو مشاركته بمُخطَّطه التداولي، إلاَّ أنَّ دور الصانع بتقديم الأوراق المالية سيصل إلى درجة السيطرة على السوق وفق مراحل مدروسة إن هو استخدم التداول الخوارزمي في البورصات العربية؛ لأنَّ روبوت التداول سيسبق حينئذٍ السوق بخطوة.
وفي المقابل، فإنَّ قدرة المُزوِّد على إحداث صدمة سعرية في البورصات العربية إذا استخدم التداول عالي التردُّد مثلاً ستكون كبيرة جداً في ظلِّ ضعف التداول من جمهور المستثمرين.
وبناءً على ما سبق، يبدو أنَّ بيئة البورصات العربية غير مُستعدِّةٍ لأسلوب استخدام محفظة الأوراق المالية باستخدام الذكاء الاصطناعي، سواءً أكان من الصانع أم المُزوِّد؛ حيث إنَّ ذلك يجب أن يسبقه وجودَ نموٍّ طبيعيٍّ في حركة التداول بتأثير المُحفِّزات التقليدية للاستثمار، ثم نجاح أسلوب الصانع التقليدي، وبعدها تحين الظروف المواتية لاستغلال محافظ صنَّاع السوق من روبوتات التداول.
وإذا توفُّرت هذه الظروف المناسبة لاستغلال الذكاء الاصطناعي في البورصات العربية، فإنَّ ذلك يجب أن يتمَّ بعد توفير البيئة التشغيلية المُتقدِّمة لها، حيث أوصى اتِّحاد هيئات الأوراق المالية العربية بإنشاء القدرات الذاتية على صعيد العاملين والمؤسَّسات في خطته الاستراتيجية للأعوام 2016-2020[72].
المبحث الثاني
ضبط التنافس أو التواطؤ في صناعة السوق عبر فرض الالتزامات التداولية
(توفير التسعير وتقديم العروض والطلبات)
تختلف طبيعة التزام صانع السوق تجاه البورصة في الأسواق التي تقوم على مبدأ تقسيم عمل صناعة السوق بين صانع سوق ومُزوِّد سيولة؛ حيث إنَّ تنظيم البورصة يجب أن يأخذ بعين النظر التعدُّد القائم بمصادر السيولة.
وتُساهِم الالتزامات التداولية خلال التداول في ضبط التنافس أو التواطؤ بصناعة السوق؛ حيث يتمُّ تفعيل الصلاحيات التنظيمية للبورصة بفرضة التزامَيْن أساسيَّن على صانع السوق أو مُزوِّد السيولة، وهما: الالتزام بالتسعير أولاً، والالتزام بتقديم العروض والطلبات ثانياً.
المطلب الأول
ضبط التنافس أو التواطؤ في صناعة السوق عبر فرض الالتزام بتقديم التسعير
سنرى وجود الالتزام بتقديم التسعير أولاً، وانعكاس ذلك على ضبط التنافس أو التواطؤ بين صانع السوق ومُزوِّد السيولة في ظلِّ تكنولوجيا التداول الخوارزمي أو عالي التردُّد ثانياً.
أولاً: وجود الالتزام بتقديم التسعير على صانع السوق ومُزوِّد السيولة
سنبحث في الالتزام بتقديم التسعير وفقاً لقواعد صناعة السوق في كلٍّ من بورصة لندن، وبرلين، وأوساكا على التوالي.
1- التزام صانع السوق ومُزوِّد السيولة بتقديم التسعير في بورصة لندن
قسَّمت قواعد بورصة لندن عمل الصانع وفقاً لنوع الصناعة؛ فالصانع إمَّا أن يكون:
- “صانع سوق على الأوراق الـمُدارة بالأوامر” “Market Maker in Order-Driven Securities”[73]؛ وهي فئة من الأوراق يتمُّ صناعة سوقها عبر تسعيرة اسمها: “التسعيرة القابلة للتنفيذ” “Executable Quote”[74].
أي ببساطة تلك التسعيرة القابلة للتنفيذ من الصانع نفسه على طرفَيْ البيع والشراء عبر أمرين مُتقابلين على الطرفين؛ فيكون الصانع بائعاً عن عميلٍ ومشترياً عن آخرٍ إذا كان وسيطاً مثلاً، ذلك دون أن يحق له الاشتراكٍ مع أعضاء البورصة الآخرين في تنفيذ العمليات كمُزوِّد السيولة. ففي هذه العمليات يُقيِّد الصانع حدود التسعير في البورصة التي تفرض: “الحد الأعلى لهامش الفرق بين سعري الشراء والبيع” “Maximum Spread”[75].
- “صانع سوق على الأوراق الـمُدارة بالأسعار” “Market Maker in Quotes-Driven Securities”[76]؛ وهي الأوراق التي يتمُّ تسعيرها نتيجة “تفاعل” “Interact” الصانع مع غيره من الشركات الأعضاء ببورصة لندن وبشكلٍ خاصٍّ الوسطاء المتعاملين[77] أو مُزوِّدي السيولة طبعاً. هذه التسعيرة غير القابلة للتنفيذ الذاتي من الصانع[78] بل من واجبه أن يشترك فيها مع باقي أعضاء البورصة. ولم تذكرْ قواعد بورصة لندن خضوع هذه التسعيرة للحد الأعلى الخاص بالهامش السعري.
ويمكننا تحليل هذه القواعد على اعتبار أنَّ بورصة لندن تنقسم من حيث التسعير إلى سوقَيْن كالتالي:
- سوق المستثمرين؛ فهي السوق الأصلية التي تُمثِّل الروح الحقيقية للبورصة من حيث احتكاك صانع السوق بجمهور المستثمرين؛ وبالتالي فإنَّ بورصة لندن تَفرُزُ الأوراق في هذه السوق حتى يتمَّ تسعيرها وفق أوامر المستثمرين وأسعار الصانع ضمن نطاق الحدود السعرية[79]، ذلك حتى وإن نتجت عمليات التداول في هذه السوق من الأوامر المتقابلة التي يُصدِرُها الصانع لعملائه بيعاً وشراءً.
- سوق الأعضاء؛ وهي السوق الاستثنائية التي تنحصر بين أعضاء السوق فقط دون جمهور المستثمرين[80]، فهنا يحتكُّ الصانع بالمستثمرين المؤسَّساتيِّين الأعضاء في البورصة؛ أي المحترفين في مجال التداول الذين يُفترَضُ فيهم وجود مخزونَ سيولةٍ وأوراقٍ ماليةٍ واسعٍ قادرٍ على دعم الصانع.
بالتالي فإنَّ تسعير الأوراق المالية في سوق الأعضاء يتمُّ بشكل أساسي من أسعار الصانع ومخزون المتداولين من أعضاء السوق دون تدخُّل أوامر جمهور المستثمرين في تشكُّل سعر السوق ودون التقيد بالهوامش السعرية التقليدية؛ ممَّا يجعل هذه السوق أكثر مناسبةً للأوراق المُدرَجة حديثاً أو التي تمرُّ بفترة تذبذبٍ أو غيرها من الأوراق التي تبدو أسعارها بعيدةً عن قيمتها، حيث تحتاج إلى سيطرةٍ كبيرةٍ في تسعيرها من صانع السوق من ناحية، وإلى عرضٍ وطلبٍ شبه مضمونٍ صادرٍ عن مستثمرين أقوياء مالياً مثل أعضاء البورصة من ناحية أخرى.
أمَّا الصانع الذي يطلب الترخيص بنشاط مُزوِّد السيولة في بورصة لندن، فعليه أن يُوقِّع اتفاقيَّة التداول الخوارزمي[81] التي تُحتِّم عليه التداول عالي التردُّد بناءً على تقنية الخوارزميَّات، لكن دون أن يكون لـمُزوِّد السيولة أي حقٍّ بتسعير الأوراق الماليَّة التي يزوِّدها بالسيولة على عكس دور صانع السوق التقليدي.
2- التزام صانع السوق ومُزوِّد السيولة بتقديم التسعير في بورصة برلين
أمَّا في بورصة برلين، فإنَّ الالتزام بإرسال التسعيرة هو التزامٌ يتحمَّله صانع السوق فقط[82]، أمَّا مُزوِّد السيولة فيبقى مُلزماً بتقديم السيولة دون أن يكون له أيَّة صلةٍ بتسعير الأوراق التي يضخُّ السيولة فيها، ممَّا يعني أنَّ مسؤولية إعادة التوازن للبورصة تبقى مرهونةً بحسن عمل صناعة السوق في بورصة برلين.
وقد ركَّزت هذه البورصة على صفة الديمومة في التسعير الـمُلزِم لصانع السوق؛ حيث أنَّ استمراره بالتسعير هو جزءٌ لا يتجزَّأ من التزامه بإرسال التسعيرات، وحتى في الحالات التي يرغب فيها الصانع أن يتوقَّف عن نشاط التسعير فعليه أن “يطلب استثناءً” “Request an Exemption” من مجلس إدارة بورصة برلين مع توضيح الأسباب، وأن يُوافِقَ هذا المجلس على استثناءٍ لفترة معيَّنة من التزامه بالتسعير[83].
وهذا لا يعني أنَّ الصانع في بورصة برلين معفيٌّ عن التسعير خلال “السوق الثابتة” “Call Market” -التي يتمُّ فيها تجميع الأوامر وتنفيذها بوقت واحدٍ كما في جلسة الافتتاح-، بل إنَّ الصانع ملزمٌ بالقيام بعمل الصناعة وتسعير الأوراق حتى خلال “المزاد الثابت” “Call Auction”؛ حيث وجد الفقه الألماني أنَّ صانع السوق في برلين يَنشَطُ على الأسهم قليلة السيولة خلال الأوقات شديدة التقلُّب بالأسعار خلال هذه المزادات الثابتة[84]، وهو ما يُوجِبُ إقرار فارقٍ قليلٍ بين سعري البيع والشراء خلال جلسات الافتتاح والإقفال إذا جرت وفقاً لآلية المزاد الثابت.
3- التزام صانع السوق ومُزوِّد السيولة بتقديم التسعير في بورصة أوساكا
كانت بورصة أوساكا اليابانيَّة أكثر وضوحاً من بورصتي لندن وبرلين فيما يخصُّ فرض التزام التسعير على “صانع السوق الرئيسي” “Primary Market Maker” دون مُزوِّد السيولة؛ حيث اعتبرت أنَّ الهدف من وجود صانع السوق في سوق الخيارات والمشتقَّات، هو: “توفير الفرص التداوليَّة للمستثمَّرين عبر التسعير المستمر” “Securing Trading Opportunities for Investors through Continuous Quoting”[85].
وقد أقرَّت بورصة أوساكا أنَّ وظيفة مُزوِّد السيولة لديها يقتصر على “وصل التسعيرات” “Matching Quotes”[86]؛ أي ببساطة تنفيذ أوامر التداول ومقابلتها على طرَفَي البيع والشراء وفقاً للتسعيرات المطروحة من صانع السوق الرئيسيِّ دون وجود أيَّة صلاحيَّةٍ للمُزوِّد بتسعير الأوراق.
وبالتالي نرى أنَّ أنظمة التداول التي تُقسِّم سوقها إلى سوق صناعة مُختَلَط بين صانع تقليدي ومُزوِّد سيولة في لندن وبرلين وأوساكا، هذه الأنظمة لم تسمحْ للمُزوِّد بتسعير الأوراق عبر التداول، لكن بالمقابل ألزمتْ صانع السوق الرئيسي بكلِّ صرامةٍ بتسعير الأوراق بشكلٍ مستمرٍّ وضمن نطاقٍ محدَّدٍ.
فما هي انعكاسات الالتزام بتوفير التسعير على ضبط التنافس أو التواطؤ بين روبوتات صانع السوق ومُزوِّد السيولة؟
ثانياً: انعكاس الالتزام بتوفير التسعير على ضبط التنافس أو التواطؤ بين روبوتات صانع السوق ومُزوِّد السيولة
سنرى كيفية انعكاس هذه القواعد على حالة التنافس بين صانع السوق ومُزوِّد السيولة أولاً، ثم التواطؤ ثانياً.
1- التنافس بين روبوتات صانع السوق ومُزوِّد السيولة على التسعير
تُعتبرُ صلاحية التسعير من أهمِّ ما يملكه صانع السوق في مواجهة المخاطر الجسيمة التي تُحيقُ بمحفظة السيولة والأوراق المالية لديه، كما أنَّ صلاحية التسعير تَسمحُ للصانع بجمع الأرباح من صناعة السوق.
ولكنَّ هذه الصلاحية مُرتبطةٌ بشكلٍ تاريخيٍ بالصانع التقليدي المُتخصِّص بورقةٍ ماليةٍ معينةٍ؛ الذي يُصدرُ قبل بدء التداول نشرة أسعارٍ يُوضِّحُ فيها الأسعار التي يَقبَلُ بالبيع أو الشراء بموجبها، ويَتركُ لنفسه هامش ربحٍ بين سعرَيْ الشراء والبيع.
إلاَّ أنَّ فشل صانع السوق في تجاوز الأزمات المالية العالمية التي ضربت أسواق المال، قد أدى إلى وجود مُزوِّد السيولة بجانبه؛ ممَّا قد يُنشئُ جوَّاً مشحوناً من التنافس بينهما.
هذا التنافس قد انتقل في عصرنا هذا إلى تسخير روبوتات الذكاء الاصطناعي بصيغتها البرمجية، الأمر الذي يُخشى أن يؤدِّي بالبورصة إلى السعر الاصطناعي البعيد عن القيمة الحقيقية في النهاية كما أشار جانب من الفقه الأمريكي[87].
فعلى الرغم من عدم صلاحية مُزوِّد السيولة بإصدار نشرةِ أسعارٍ خاصَّةٍ به كما يقوم الصانع التقليدي، إلاَّ أنَّ قدرة المُزوِّد من الناحية العملية على تحديد سعر ورقة مالية مُعيَّنة تفوق قدرة الصانع في كثيرٍ من الأحيان؛ والسبب هو استغلال تكنولوجيا التداول عالي التردُّد.
حيث إنَّ التداول الكثيف عالي التردُّد سيُخضِعُ أيَّة قوَّة سعرية لمشيئة مُزوِّد السيولة بشكلٍ فوريٍّ، سواءً أكانت قوَّةً راكدةً؛ أي قوَّةً تجعل من السعر ثابتاً، أم قوَّةً مُحرِّكةً أي تلك القوَّة التي تدفع السعر نحو اتِّجاه معيَّن، وسواءً أكانت قوَّةً سعريةً قائمةً في السوق أم قوَّةً غيرَ قائمةٍ فيَقدرُ مُزوِّد السيولة على إنشائها.
ولكن هذه القدرة الفائقة لمُزوِّد السيولة على حَرفِ مسارِ السعر السوقي في البورصة ما هي إلاَّ قدرةٌ آنيةٌ سريعةُ التأثير، حيث تَستَهدِفُ الأسهم القيادية التي تُحرِّك سعر السوق، وتسحب معها مجموعة من المستثمرين غير الخبراء؛ ولذلك فهي على الأغلب سريعة الزوال[88].
وكلمة الفصل في تحديد الفائز من هذا التنافس بين الصانع والمُزوِّد هي لحجم محفظة كلٍّ منهما من جهة، ولقدرات الذكاء الاصطناعي لديه على امتصاص الضربة السعرية للطرف الآخر، ثم المناورة في الاتِّجاه السعري المعاكس من جهةٍ أخرى، ويبدو في هذا الإطار صانع السوق أكثر تفوُّقاً من المُزوِّد[89].
ونتيجة لذلك، فإنَّ القوَّة السعرية الخاطفة لمُزوِّد السيولة ما هي إلاَّ استراتيجيةٌ قصيرة المدى يجب أن تستغلُّها إدارة البورصة حتى تُعدلَ من الأزمات السعرية بشكلٍ فوريٍّ، ثم يأتي دور صانع السوق حتى يَسيرَ مع اتِّجاه السعر السوقي العادل.
إلاَّ أنَّ التنافس بين صانع السوق ومُزوِّد السيولة على التسعير سيكون مُدمِّراً للبورصة إذا اتَّخذ كلاًّ منهما توجُّهاً سعرياً معاكساً للآخر دون وضع ظروف السوق بعين الاعتبار، ودون إتاحة المجال لقوى العرض والطلب الطبيعية حتى تُشكِّل سعر السوق.
ففي مثل هذه الوضعيات، فإنَّ على إدارة البورصة أن تتدخَّل عبر وقف نشاط الصانع والمزوِّد فيها حتى تسمح للقوى التداولية لجمهور المستثمرين حتى تظهر وتعود إلى طبيعتها دون ضغوطٍ مصطنعةٍ.
2- التواطؤ بين روبوتات صانع السوق ومُزوِّد السيولة على التسعير
إنَّ قدرات التسعير لدى كلٍّ من صانع السوق ومُزوِّد السيولة هي في حقيقتها ليست فقط القدرة على وضع نشرة أسعار نظرية، بل القدرة على تدوير الأوراق المالية؛ أي أنَّ كلاّ منهما قادرٌ على تنفيذ عمليات تداولٍ كبيرةٍ وذات حساسيةٍ كبيرةٍ على الأسعار.
ولكن زيادة دوران الأسهم بشكلٍ غير مدروسٍ ستؤدِّي إلى إيجاد “سيولة عمياء” دون تفكيرٍ بمدى عدالة سعر السوق أو معالجة اختلال توازن العرض والطلب عبر التسعير. هذا الأمر كفيلٌ بانهيار البورصة بالنظر إلى كمية العمليات التي تجري بالتداول الخوارزمي أو عالي التردُّد[90].
هذه الوضعية السلبية ستؤدِّي ببساطةٍ إلى جعل جمهور المستثمرين أسرى لتوجُّهات التسعير من الصانع والمُزوِّد، الأمر الذي سيؤدِّي إلى خفض مستوى الكفاءة السعرية في مقابل خدمة مصالح صناعة السوق، وسيترافق ذلك مع نشرة أسعار تتحرَّك صعوداً أو ارتفاعاً مع ما يخدم مصلحة الصانع والمُزوِّد المتواطئين.
وبالتالي، فإن تطبيق تقنية التداول عالي التردُّد سيؤثِّر في نوعيَّة السوق كما درس جانب من الفقه الأمريكي منذ بدء تطبيق هذه التقنية عام 2010[91]؛ فيمكن أن يتحوَّل السوق من سوق للاستثمار الطويل إلى سوق مضاربة متذبذبة على الأجل القصير، وذلك لأنَّ التداول عالي التردُّد غالباً ما يُعاكس اتِّجاه الأسعار السائد، ويُخِلُّ بتوازن أوامر التداول[92].
وببساطةٍ، فإنَّ الصانع والمُزوِّد يستطيعا تحقيق أرباحٍ خياليةٍ من فروقات الأسعار عبر الشراء بثمنٍ منخفضٍ ثم البيع بآخرَ مرتفعٍ، كما أنَّهما قادرَيْن على تفادي أفدح الخسائر عبر البيع بثمنٍ مرتفعٍ في ظلِّ انخفاض القيمة السوقية.
فالسيولة التي ترتكز على مصالح التواطؤ بين الصانع والمُزوِّد يمكن لها أن تُشكِّل قوَّةً سعريةً عاتيةً تجمع بين الصدمة السعرية التي يستطيع مُزوِّد السيولة تشكيلها عبر التداول عالي التردُّد، ثم يقوم الصانع بإكمال استراتيجية قيادة السعر عبر التداول الخوارزمي المُتدرِّج.
وفي النهاية ستختفي القوى السعرية الطبيعية في البورصة، وستتحوَّل الأسعار فيها إلى قيمٍ وهميةٍ لا تعكس أيَّ معنىً سوقيٍّ عادلٍ[93].
ولا يبدو لنا أنَّ أيَّاً من الأساليب التقليدية يمكنها مواجهة مثل هذا الإعصار السعري القادم من روبوتات التداول عالي التردُّد والخوارزمي، حتى عبر الحدود السعرية[94]، فالقوَّة السعرية التي يمكن للذكاء الاصطناعي إيجادها لا يُمكن مواجهتها برأينا إلاَّ بإجراءاتٍ رقابيةٍ من ذات المستوى في السرعة والأداء عبر نظام رقابة روبوتي.
3- انعكاس التسعير لدى روبوتات صانع السوق ومُزوِّد السيولة على بيئة البورصات العربية
تَشتَرِكُ معظم البورصات العربية في أسلوب إدارتها من الناحية التشغيلية، حيث يوجد لديها إدارة متابعة وتنفيذ لأنظمة التداول، وإدارة إشراف ورقابة، بالإضافة إلى وجود هيئة إشرافٍ حكوميةٍ ترتبط عادةً بأعلى سلطة في الدولة؛ مثل مجلس الوزراء[95].
ويبدو لنا أنَّ إحدى أهمِّ مهام جهات الإدارة والرقابة المذكورة، هي مهمَّة الرقابة على حركة سعر السوق في البورصة؛ حيث إنَّ هذا السعر هو مرآة عمل البورصة، وهو الأساس في قياس كفاءتها بعد توفير أجواء من الشفافية والإفصاح فيها[96]. تلك الأجواء التي يُحاوِلُ صندوق النقد العربي جاهداً إظهار أهميَّة وجودها في البورصات العربية[97].
ولكنَّ ما يظهر من استقراء أداء البورصات العربية، إنَّما هو ضعف فعاليَّة هذه البورصات نتيجة افتقارها للشفافية والإفصاح بالمستويات المطلوبة[98]، هذا الأمر يَنشرُ حالةً من الغموض بين أوساط المستثمرين، ويجعلهم في حيرة من أمرهم بخصوص القيمة الحقيقية للأوراق المالية المتداولة؛ وهو ما يؤدِّي برأينا إلى فشل عملية التسعير في البورصة، حيث يبتعد سعر السوق عن القيمة الحقيقية العادلة.
فيبدو هنا دور صانع السوق محورياً بغاية إعادة العدالة لسعر السوق عبر توجيه الأسعار بالاتِّجاه الصحيح؛ حيث يجب أن يستخدم الصانع صلاحية التسعير المستمر للأوراق التي يَصنعُ سوقها بغرض التأثير الإيجابي على السوق[99].
إلاَّ أنَّ المشكلة تكمن إذا استخدم الصانع التسعير بغرض توجيه السوق بالاتِّجاه الخاطئ الذي يخدم مصلحته، فمثلاً يرفع الصانع أسعار الأوراق التي لا يجد لها مشترياً ويخفض أسعار الأوراق التي يريد شراءها. ويمكن للمُزوِّد أن يشترك أو يتنافس معه في هذه المُخطَّطات.
مثل هذه السيناريوهات السلبية يمكن أن تكون فائقة السرعة والكميات باستخدام الذكاء الاصطناعي، ذلك في مواجهة الأطر الرقابية على البورصات العربية التي تُعاني أصلاً من ضعف في الخبرة، بالإضافة إلى انتهاء صلاحية التجهيزات الالكترونية الخاصَّة بها بالنظر إلى التقنيات العالمية[100].
بالتالي يمكن أن يؤدِّي التداول الخوارزمي وعالي التردُّد إلى انقطاع الصلة بين سعر السوق وبين القيمة الحقيقية للورقة المالية في البورصات العربية، وهذا ما سيزيد من تدني مستوى كفاءتها.
ولذلك، يجب أن يتمَّ تطوير البنية الإدارية والتشغيلية والرقابية للبورصات العربية قبل السماح باستغلال الذكاء الاصطناعي في عمليات التداول الدائرة فيها.
بناءً عليه لسنا مع رأي جانب من الفقه العربي الذي ينصح باستخدام التقنيات الحديثة لزيادة تداول الأسهم دون أن يُقرِنَ ذلك بضرورة وجود ذات التقنيَّات في بنية البورصة والهيئة الرقيبة عليها[101].
ففي ظلِّ هذا الرأي، سيكون التسعير في تلك البورصات أداةً طيِّعةً بيد صانع السوق ومُزوِّد السيولة؛ يستطيعان بموجب تجهيزاتهما التكنولوجية تَوجيهَ سعر السوق بالاتِّجاه الذي يَخدمُ مصلحتهما في حالة التواطؤ بينهما، أو سيكون التنافس بينهما مُدمِّراً لكفاءة السوق؛ لأنَّ كلاًّ منهما سيسعى إلى تغيير اتِّجاهات السعر في مصلحته، وهذا ما سيزيد من حالة الغموض والضياع لدى جمهور المستثمرين.
المطلب الثاني
ضبط التنافس أو التواطؤ في صناعة السوق عبر فرض الالتزام بتقديم العروض والطلبات
يَضعُ صانع السوق على عاتقه بشكلٍ أساسيٍّ تقديم كميَّة معيَّنة من العروض والطلبات في البورصة، حيث يُترجِم هذا النشاط على شكل أوامر تداول بالبيع والشراء على الأسهم أو باقي الأوراق المالية التي يُرخَّص للصانع بصناعة سوقها.
ويلتزم الصانع في هذا الإطار بهامشٍ معيَّنٍ من العروض والطلبات وفق الاتفاقية التي يبرمها مع إدارة البورصة، فتَشتَرِط تلك البورصة عليه هذا الهامش، حيث يُقاسُ على منهجٍ تداوليٍّ مُعيَّنٍ[102].
وسنرى وجود الالتزام بتوفير العروض والطلبات على الصانع أو المزود أولاً، ثم أثر هذا الالتزام على ضبط التنافس أو التواطؤ بين كلٍّ منهما ثانياً.
أولاً: وجود الالتزام بتقديم العروض والطلبات على صانع السوق ومُزوِّد السيولة
سنَنتهج نفس المنهج المقارن الذي حرصنا عليه طيلة فقرات البحث، حيث سنرى الالتزام بتقديم العروض والطلبات وفقاً لقواعد صناعة السوق في كلٍّ من بورصات لندن، وبرلين، وأوساكا على التوالي.
1- التزام صانع السوق ومُزوِّد السيولة بتقديم العروض والطلبات في بورصة لندن
يُوجدُ تقسيمٌ واضحٌ في البورصات التي تَنتهجُ نظاماً مزدوجاً لصناعة السوق بين الصانع والمُزوِّد، يَظهر هذا التقسيم بين صانعٍ يقوم على التسعير وبين مُزوِّدَ سيولةٍ قادرٍ على التداول بتقنيَّات وكميَّات كبيرةٍ دون أن يحقَّ لهذا المُزوِّدِ تحديد تسعيرٍ خاصٍّ به؛ ونتيجةً لذلك يختلف التزام صانع السوق بتوفير أوامر العروض والطلبات في تلك البورصات.
وبخصوص بورصة لندن، فقد ميَّزت تلك البورصة بين:
- “صانع سوق على الأوراق الـمُدارَة بالأوامر” “Market Makers in Order-Driven Securities”[103]؛ وهو الصانع المخوَّل بإصدار التسعيرة القابلة للتنفيذ بين طرفي البيع والشراء بشكل ذاتي كما مرَّ معنا[104]. هذا الصانع مُلزمٌ بتوفير ما نسبته 90% من التداول الاعتيادي خلال فترات التداول المُلزِم[105]، وهي نسبة مرتفعةٌ جداً كحدٍّ أدنى، ولكنَّها تُقابِل امتياز تنفيذ الأمر المتقابل بيعاً وشراءً من ذات الصانع.
- “صانع سوق على الأوراق الـمُدارَة بالأسعار” “Market Maker in Quote-Driven Securities”[106]؛ وهو الصانع الـمُجبَرُ على التفاعل مع الصنَّاع الآخرين أو الوسطاء المتعاملين ببورصة لندن بغرض تنفيذ الصفقات والتسعير[107]؛ فلا يجوز لهذا الصانع تنفيذ الصفقات والتسعير على طرفَيْ التداول من تلقاء ذاته[108].
وفي مقابل سحب امتياز الصفقات المتقَابِلَة من الصانع في هذه السوق، فإنَّ الصانع مُلزمٌ فيها فقط بضمان “تسعير ثابت” “Firm Quote” خلال فترة التداول التي يَلتَزِم فيها بصناعة السوق[109]، والأهم أنَّ الصانع هنا غير ملزمٍ بكميةٍ معينةٍ، بل على أيِّة كميَّةٍ يعرضها الصانع خلال تسعيره الثابت هذا[110].
ويمكن تفسير هذه القاعدة ببساطةٍ بأنَّ الصانع الـمُلزَم بالتفاعل مع غيره من أعضاء البورصة خلال التسعير والتنفيذ، هو بالمقابل غير مُلزمٍ بأيِّ حدٍّ قيميٍّ أو كميٍّ أدنى خلال يوم التداول الواحد كما أكَّد الفقه الإنكليزي[111].
وفي الواقع، فإنَّ هذا التساهل الـمُطلَق مع الصانع فيما يتعلَّق بالحدود الكمية الدنيا للعروض والطلبات في السوق المُدارة بالأسعار يطعن في جدوى وجوده ونجاعة دوره بالبورصة؛ فالصانع على الأوراق الـمُدارَة بالأسعار قد يُصبحُ مُكوِّناً أنانياً يسعى فقط لمصالحه الشخصيَّة في بورصة لندن؛ ذلك أنَّه غير ملزمٍ سوى بالتسعير الثابت خلال الجلسة دون أن يتمَّ إلزامه بتنفيذ كمية دنيا من الصفقات.
إنَّ الصنَّاع على الأوراق الـمُدارَة بالأسعار في بورصة لندن يمكنهم أن يقوموا بالتداول فقط عندما يلاحظون فرصاً رابحةً، ثم يتوقَّفوا عندما تغيب هذه الفرص دون أن يكون لوجود الصنَّاع هذا أيَّةُ فائدةٍ للبورصة، بل على العكس، فإنَّ وجودهم بهذا الأسلوب سيزيد من تقلُّب الأسعار؛ لأنَّ عمل الصانع بالمضاربات سيُضاعِف من تأثير تغيُّر الأسعار، ممَّا سيُدخِلُ البورصة بمتاهةٍ من الارتفاع والانخفاض بشكلٍ متقطِّعٍ دون أيِّ تفسيرٍ واضحٍ.
وفي بورصة لندن ذاتها، نرى الصانع المُرخَّص بعمل مُزوِّد السيولة عبر التداول الخوارزمي، نراهُ قادراً على تسخير روبوت التداول عالي التردُّد بشرط أن يكون مُلزماً بتوفير أوامر التداول على طرَفَيْ العروض والطلبات بما لا يقلُّ عمَّا نسبته 50% من حجم التداول الاعتيادي خلال فترة التداول الـمُلزم لمُزوِّد السيولة[112]؛ وهو التزامٌ شاقٌّ وخطيرٌ على ميزانيَّة المُزوِّد في ظلِّ عدم السماح له بتسعير الأوراق المالية.
2- التزام صانع السوق ومُزوِّد السيولة بتقديم العروض والطلبات في بورصة برلين
لقد سارت بورصة برلين على نهج بورصة لندن فيما يخصُّ صانع السوق في السوق التي تُحرِّكها الأسعار، حيث امتنعت قواعد التداول في برلين عن إلزام الصانع بحدٍّ قيميٍّ أدنى من أوامر العروض والطلبات، واكتفت بإلزام الصانع بالتسعير المستمر فقط[113].
ولكنَّ بالمقابل، فقد ألزمت قواعد التداول في بورصة برلين مُزوِّدي السيولة بالتعامل بحدٍّ أدنى يتمُّ تعيينه من مجلس إدارة البورصة[114].
وتفسيرنا لهذا التمييز في التعامل يَكمنُ في أنَّ الصانع هو –وفقاً لرؤية الأسواق التي تُحرِّكها الأسعار- جزءٌ من البورصة، فيتمثَّل عمله الأساسي بالتسعير غير الـمُنقَطِع الهادف بالنتيجة إلى إعادة التوازن للبورصة[115]، أمَّا الغاية من وجود الـمُزوِّد فهي الاستفادة من كميَّة السيولة المطروحة منه بشكل مُكمِّلٍ وفي أوقاتٍ مُعيَّنةٍ فقط.
وعلى الرغم من أنَّ وجود مُزوِّد السيولة في البورصة يُفتَرَضُ أن يمنحها السيولة الكبيرة والاستقرار بالأسعار الناتج عن طرح هذه السيولة، إلاَّ أنَّ ذلك لا يَترافقُ دائماً مع ارتفاع أرباح المتداولين أو نموِّ مُدَّخراتهم.
ولذلك نرى أنَّ وجهة نظر بورصة برلين قد ذهبت إلى أنَّ مُزوِّد السيولة يقوم بتحفيز السوق بسيولته الضاربة فجأةً خلال ركود التداول، ولكن ذلك لا يُمثِّلُ أملاً مضموناً لرفع نمو الأرباح لدى المتداولين، ولذلك فهو يقوم بدورٍ مُكمِّلٍ للصانع لا يمكن تقييده ضمن إطار حدودٍ كميةٍ مُعيَّنةٍ من العروض والطلبات وفق وجهة النظر الألمانية هذه.
3- التزام صانع السوق ومُزوِّد السيولة بتقديم العروض والطلبات في بورصة أوساكا
لقد كان لبورصة أوساكا اليابانيَّة موقفٌ مميزٌ إزاء العروض والطلبات الإلزامية من الصانع؛ حيث ألزمت الصانع بشكلٍ خاصٍ بتقديم نسبة من عقود التداول المبرمة على العقود المستقبلية والخيارات، بالإضافة إلى عددٍ محددٍ من هذه العقود[116]، ذلك دون تحديدها بشكلٍ رقميٍّ، بل تركت تلك البورصة اليابانية هذا الأمر لمجلس إدارتها حتى يُقدِّر مدى حاجة البورصة للتدخلُّ وفق الظروف.
نقرأ هذه القاعدة في سياق سياسة تنظيمية مُتخصِّصة بالتعامل على العقود المستقبلية وعقود الخيار في البورصة؛ حيث إنَّ بورصة أوساكا قد سمحت بوجود صانعٍ للسوق حصراً في السوق الآجلة، ذلك في الوقت الذي اشتُهِرَت فيه اليابان عبر بورصة طوكيو بأنَّها لا تحتوي على صانع سوق، وهو أمر تاريخيٌّ معروفٌ.
كما يمكن تفسير هذا الموقف التنظيمي في بورصة أوساكا بأنَّه استباقٌ للمخاطر المالية الكبيرة التي تُعرَفُ بها السوق الآجلة؛ حيث سترمي بورصة أوساكا جزءاً كبيراً من المسؤولية الخاصة باستمرار التداول على عاتق صانع السوق.
أمَّا بخصوص مُزوِّد السيولة، فقد اعتبرت بورصة أوساكا أنَّ دَورَه مُماثلٌ لصانع السوق، لكنَّها لم تفرِضْ عليه أيَّة نسبةٍ محدَّدةٍ لكمية العروض والطلبات[117]، إلاَّ أنَّ النص قد جاء على أساس أنَّ بورصة أوساكا ستُراقِب عمل مُزوِّد السيولة، وستقوم بمراجعة مُعدَّلات تَعامُلاتِه، ثم تكافئُ هذا المُزوِّد عبر اختصار ضرائب التداول عليه وفقاً لهذه المُعدَّلات[118].
وعلى الرغم ممَّا يبدو من هذه القواعد من تخفيفٍ على مُزوِّد السيولة، إلاَّ أنَّ النص على رقابة عمل المُزوِّد بهذا الشكل الدقيق مع تشبيه عمله بالصانع يمكن أن يَسمحَ لمجلس إدارة بورصة أوساكا أن تَفرِضَ عليه مُعدَّلاً أعلى من العروض والطلبات في السوق؛ وهذا الأمر مرتبطٌ بارتفاع مخاطر سوق المستقبليات والخيار التي تحتاج إلى تدخُّلٍ صارمٍ ومدروسٍ وسريعٍ.
ثانياً: انعكاس الالتزام بتوفير العروض والطلبات على ضبط التنافس أو التواطؤ بين الصانع والمُزوِّد
سنرى كيف تنعكس القواعد السابقة على حالة التنافس بين صانع السوق ومُزوِّد السيولة أولاً، ثم التواطؤ بينهما ثانياً، وعلى بيئة البورصات العربية ثالثاً.
1- التنافس بين روبوتات صانع السوق ومُزوِّد السيولة بتوفير العروض والطلبات
على اعتبار أنَّ صانع السوق هو المستفيد الأكبر من مركزه كصانع عندما يكون مُرخَّصاً بالتداول على إحدى الأوراق، فإنَّ مُزوِّد السيولة في هذه الحالة سيجد نفسه أمام منافسةٍ غير متكافئةٍ.
والسبب أنَّ الصانع هذا يتميَّز بالخبرة ويمتلئُ بمخزونٍ كبيرٍ من الورقة التي يصنع سوقها؛ فبدون هذا المخزون سيعجز الصانع عن فرض حالةٍ من التسعير المستمر أي الالتقاء المستمر بين العرض والطلب بشكلٍ متوازنٍ[119].
وفي المقابل، يجد مُزوِّد السيولة نفسه في حالةٍ من الغموض إزاء حركة الورقة المالية من جهة، ومقدار مخزون الصانع من جهةٍ أخرى.
بناءً عليه، فلا يمكن لمُزوِّد السيولة سوى الاستفادة من تقنية التداول عالي التردُّد حتى يَفرِضَ على الصانع حالاتٍ مفاجئةٍ من ضغوط البيع أو الشراء؛ فيقوم المُزوِّد بجسِّ نبض الصانع في حالات السوق الطبيعية وبالضغط عليه في الحالات الاستثنائية.
ولذلك فإنَّ قدرة روبوت صانع السوق على تنفيذ مُخطَّطات التداول الأساسية ستكون أبسطَ بكثيرٍ من مُخطَّطات روبوت مُزوِّد السيولة التي ستعتمد على الارتجال والاستراتيجيات الهجومية في حالات التنافس.
مثل هذه الظروف تُوضِّح أنَّ توفير العروض والطلبات عبر روبوت التداول الخوارزمي بالنسبة للصانع ستمنحه الأفضلية على حساب التداول عالي التردُّد طالما كان مخزون الصانع كافياً وكانت ظروف السوق مستقرة.
أمَّا في أحوال التقلُّبات السعرية العميقة، مثل الارتفاع الشديد المفاجئ أو الهبوط الساقط، فهنا تكون فرصة مُزوِّد السيولة ذهبيةً لاقتناص بعض المكاسب عبر تقنية التداول عالي التردُّد؛ لأنَّ هذه التقنية تعتمد بالأساس على تأثير الصدمة الكبيرة التي تُحدثها كميات التداول الهائلة.
ولكنَّ وجودَ حالةٍ من التنافس بين مُزوِّدي السيولة فيما بينهم أنفسهم، فإنَّ ذلك سيؤدِّي إلى تنافس هؤلاء المُزوِّدين على اقتناص الأرباح الناتجة عن تداولاتهم الخاطفة تلك، الأمر الذي سيعني عدم استقرار الأسعار، وانهياراً سريعاً للسوق[120].
بالنتيجة، فإنَّ على إدارة البورصة برأينا أن تكون مُتيقِّظةً لحالتَيْن خطرتَيْن على توازن السوق، وهما[121]:
- سيطرة الصانع على العروض والطلبات بشكلٍ شبه كامل؛ بدليل قدرة روبوت التداول الخوارزمي لديه على قيادة اتِّجاه التداول بما يطعن في عدالة سعر السوق بالنتيجة، فتبدو الأسعار ناتجةً عن المضاربة ولا تعكس القيمة الحقيقية. تدلُّ هذه الحالة على أنَّ تنافس المُزوِّد مع الصانع لا أثر له؛ لأنَّ تنفيذ الكميات الضخمة من عمليات التداول عبر التداول عالي التردُّد لم تُضعِفْ من مخزون الصانع، ولم تجعله يتراجع قليلاً، فأصبح الصانع يقوم بتوفير عددٍ زائدٍ من العروض والطلبات بما يتجاوز الغرض الأساسي من عمله في إعادة التوازن للبورصة.
ففي هذه الحالة، يمكن لإدارة السوق أن تقومَ بوضع حدٍّ أعلى من العروض والطلبات التي يُسمَح للصانع أن يُنفِّذها، أو حتى التي يُقدِّمها دون تنفيذ، كما يمكن بالمقابل لهذه الإدارة أن تفرض على مُزوِّد السيولة حدَّاً أدنى من العروض والطلبات المُقدَّمة أو المُنفَّذة منه.
- انفلات زمام العروض والطلبات من أمر صانع السوق؛ حيث يُصبحُ تداول الصانع بالخوارزميات مُنسَاقَاً وراء الصدمات السعرية التي يُسبِّبها مُزوِّد السيولة بتأثير العدد الهائل الفجائي من عمليات التداول عالية التردُّد؛ فهذه الحالة تدلُّ على أنَّ العروض والطلبات التي يُقدِّمها الصانع لا تكفي حتى وإن التزم بالحدود الدنيا المفروضة عليه، الأمر الذي يجعل البورصة ساحةً لصراعات التداول عالي التردُّد[122].
فهنا يمكن لإدارة البورصة أن تَرفعَ من الحدود الدنيا للعروض والطلبات التي يلتزم الصانع بتقديمها، كما تستطيع بالمقابل أن تُخفِّض من الحدِّ الأعلى لمساهمة المُزوِّد في السوق، أو حتى أن توقف عمله لبعض الوقت حتى يتعافى العرض والطلب.
2- التواطؤ بين روبوتات صانع السوق ومُزوِّد السيولة بتوفير العروض والطلبات
في هذه الصورة يمكن لروبوت التداول الخوارزمي الخاص بصانع السوق أن يقوم بتنفيذ مُخطَّطات تداولية بغرض تحقيق مصالحٍ مشتركةٍ بين الصانع ومُزوِّد السيولة، ذلك بالاستفادة من قدرات روبوت التداول عالي التردُّد.
إنَّ مسألة التأثير في السوق تكون هنا شبهَ مضمونةٍ عبر استخدام صانع السوق لمخزونه من الأوراق بغرض تقديم الحدِّ الأدنى من العروض والطلبات؛ حيث إنَّ قدرة باقي عوامل القوَّة في السوق ستنهار في مواجهة هذا التحالف القوي بين الصانع والمزوِّد[123].
يتمُّ في هذه الممارسة انتهاك أخلاق العمليات المالية والمصرفية؛ خاصَّة أنَّ نسبة كبيرة من صناع السوق ومُزوِّدي السيولة هم من البنوك المُرخَّص لهم بهذه النشاطات[124].
وما إن تنتهي عملية التلاعب هذه ارتفاعاً أو انخفاضاً حتى يُغلِقَ روبوت الصانع والمُزوِّد مراكزهم الاستثمارية عبر البيع بسعرٍ مرتفعٍ أو الشراء بسعرٍ منخفضٍ عن القيمة الحقيقية للأوراق. يمكن تنفيذ هذه الممارسة حتى دون التحضير لها بوقت طويل؛ فقد تبيَّن لجانب من الفقه أنَّ الروبوتات المالية تعمل بكفاءة عالية على صعيد القرارات الارتجالية الاستثمارية[125]، بما يساعد على تحصيل الأرباح بسرعةٍ كبيرةٍ جداً[126].
والمشكلة الحقيقية في هذا السيناريو أنَّ القوَّة السعرية الهائلة لاتِّجاه التداول الذي يصطنعه كل من الصانع والمُزوِّد يستمدُّ أصله من التزام الصانع بتقديم العروض والطلبات؛ أي أنَّ التلاعب بسعر السوق يكون في هذه الحالة مُقنَّعاً بقناع تنفيذ الالتزامات التداولية.
كما أنَّ مصالحَ جهاتٍ ذات وزنٍ ماليٍّ كبيرٍ قد تتَّحد مع الصانع والمُزوِّد في هذه الحالة أيضاً، فقد يكون الوسطاء الماليُّون متحالفون معهما، أو حتى أن تكون جهات الوساطة هذه مجرَّد شركاتٍ أمٍّ لأحدٍ من الصانع أو المُزوِّد التابع لها.
هكذا يظهر شكلٌ تداوليٌّ خطيرٌ على مُدَّخرات المستثمرين نتيجة تسخير روبوتات الذكاء الاصطناعي في مجال صناعة السوق.
ويبدو لنا أنَّ ما يمكن لإدارة البورصة القيام به في مثل هذه الحالة هو ما يلي:
- وقف التداول بشكل مؤقَّت.
- مراجعة برمجيات الروبوتات عبر خبراء تكنولوجيا للتأكُّد من كون الخوارزميات التي تعمل بموجبها هذه الروبوتات ليست مُتحالِفَةً على تغيير اتِّجاه السوق بشكلٍ مصطنعٍ متدرِّجٍ.
- طلب تفسير مالي من إدارة كلٍّ من صانع السوق ومُزوِّد السيولة لشرح سبب التوافق بين عمليات الصانع والمُزوِّد في ذات الاتِّجاه دون أن يكون السوق بحاجة لذلك.
- إتاحة العمليات الضخمة بحيث تتمُّ خارج عمليات التداول في البورصة دون أن تُؤثِّر في سعر السوق بشكلٍ مباشرٍ، والتي يكون أطرافها على الأغلب من المستثمرين المؤسَّساتيين؛ كالشركات المساهمة وصناديق الاستثمار[127]، وأن يتمَّ حظر تنفيذها عبر تقنية التداول عالي التردُّد[128]؛ فهذه العمليات ستتمُّ بهذه الصورة دون إدخال أوامر تداول إلى نظام البورصة الالكتروني، وهي عملياتٌ تؤثِّر بطبيعتها باتِّجاهات السوق بشكلٍ غير مباشرٍ، ويمكن لها أن تُشكِّل قوَّةً سعريةً ضاغطةً على الاتِّجاهات الضخمة المصطنعة من الصانع والمُزوِّد معاً.
لكن على البورصة التأكُّد من عدم كون هذه العمليات الضخمة هي بدورها عملياتٌ صوريةٌ تجري لخدمة الصانع والمُزوِّد؛ وذلك عبر دراسة اتِّجاه السعر الذي يخدم مصلحة كليهما. كأن يكون مصلحتهما في ارتفاع الأسعار، وتكون هذه العمليات الضخمة هادفةً إلى الشراء بأسعارٍ محدَّدةٍ على أعلى من سعر السوق في البورصة.
3- انعكاس العروض والطلبات لدى روبوتات صانع السوق ومُزوِّد السيولة على بيئة البورصات العربية
يُمكننا تصنيف معظم البورصات العربية على أنَّها “أسواقٌ مستمرَّةٌ” “Continues Markets” بالأساس؛ أي أنَّها بورصاتٌ تعتمد في التسعير على التلاقي المستمر للعروض والطلبات، فيكون التداول المستمر هو البنية الجزئية لنظام التداول الخاص بالبورصة في الوطن العربي[129].
ولكن قبل جلسة التداول المستمر هذه، يوجد جلسة الافتتاح التي تَعتمدُ على تجميع أوامر البيع والشراء ثم مُقابَلَتها في تاريخٍ ثابتٍ واحدٍ، مثل هذه الجلسة تسمَّى “السوق الثابتة” أو “سوق التثبيت” “Call Market”[130]، وهي تكون سوقاً حذرةً جداً إزاء مقابلة العروض والطلبات. لذلك يتوقَّف التداول المستمر في سوق التثبيت خوفاً من انفلات اتِّجاه السوق من السلطة الرقابية، فيتشكَّل سعر سوق واحد لكامل جلسة التداول الثابتة مهما طالت نتيجة تثبيت التداول، ذلك بعد أن يتمَّ تجميع كافة العروض والطلبات وملاقاتها في وقت واحد فينشأ سعر سوق واحد[131].
وعلى اعتبار أنَّ الجلسة الجوهرية في البورصات العربية هي جلسة التداول المستمر، فإنَّ اتِّجاهات التداول والتسعير يُفترَضُ أن تكون في حريةٍ تامَّةٍ خلال تقابل العرض مع الطلب؛ الأمر الذي سيؤدِّي إلى تشكُّل وتغير سعر السوق العادل باستمرار طالما تلاقت العروض والطلبات، إلاَّ أنَّ هذه الرؤية هي رؤيةٌ نظريةٌ بحتةٌ لا تمتُّ للواقع بأواصرَ فعليةٍ.
فالواقع أنَّ البورصة تحوي مضاربين على فروق الأسعار بالآجال القصيرة التي قد لا تتجاوز جلسة التداول الواحدة شراءً ثم بيعاً أو العكس خلال التلاقي المستمر للعروض والطلبات؛ ولذلك فإنَّ ترك السوق حرةً بشكلٍ كاملٍ يتنافى مع طبيعة البورصة وهي سوق منظمة ذاتياً بقواعد للتداول، حيث تقترب البورصة دون هذه الأنظمة والقواعد من السوق السوداء التي لا لجامَ لها. ذلك بالإضافة إلى وقوع أزماتٍ ماليةٍ دوريةٍ في منظومة أسواق المال العالمية التي تتأثَّر بها البورصات العربية بطبيعة الحال[132].
وبناءً عليه، تُحاوِلُ البورصات العربية جاهدةً ضبطَ مسيرة العروض والطلبات عبر إجراءات تعليق التداول حتى تهدأ السوق، أو عبر فرض الحدود السعرية حتى يتمَّ وقف الصعود أو الهبوط بالأسعار عند حدودٍ معقولةٍ معينةٍ في كلِّ جلسة تداول، وهو الأمر الذي ينال –في حالة المبالغة- من عدالة تشكُّل سعر السوق، ويخنق البورصة.
ومن هنا فإنَّ وجود صانع السوق في البورصات العربية سيساهم بإعادة التوازن للعروض والطلبات بشكلٍ قادرٍ على تهدئةَ روعِ الصعودِ وحزمَ أمرِ الهبوطِ، ليس بطريقةٍ تنظيميةٍ إداريةٍ مباشرةٍ تُعيقُ التداول المستمر، بل عبر التدخُّل في التداول المستمر ذاته بيعاً وشراءً. كما أنَّ مُزوِّد السيولة بالمقابل قادرٌ على تحقيق العمق الذي تحتاجه البورصات العربية من العروض والطلبات؛ فلا تتأثر بضغوط المضاربات الجامحة على الأسعار مهما كانت أحجام عملياتها كبيرةً.
في المقابل، فإنَّ التنافس أو التواطؤ بين الصانع والمُزوِّد في ظلِّ ضعف البورصة تجاه المضاربات، سيعني فشلها باستغلال العروض والطلبات الاستثمارية الطبيعية، تلك التي ستضيع بين دوائر من الصعود والهبوط التي تصنعها روبوتات الصانع والمُزوِّد.
مثل هذا الواقع سيعني حالةً من الفشلِ التامِّ لقوَّة السوق الطبيعية، وحالةً من الشللِ التامِّ لإدارة التشغيل والرقابة على البورصات العربية. بالتالي، لا بدَّ من القول بأنَّ التداول الخوارزمي وعالي التردُّد هي أساليبٌ مُتقدِّمةٌ لا يمكن تطبيقها في بورصاتٍ ضحلةٍ كالبورصات العربية؛ تلك البورصات التي تُعانِي أصلاً من تأثير عمليات المضاربة مهما كان حجمها صغيراً، ذلك نظراً لضعف البورصات العربية، وصغر حجمها، وانخفاض كفاءتها في معظم الأوقات[133].
في حين أنَّ تقنيات التداول التكنولوجي المذكورة تؤثِّر سلباً في العروض والطلبات لدى أعرق وأعمق الأسواق المالية على مستوى العالم، حتى أنَّ لجنة البورصة والأوراق المالية الأمريكية (SEC) تقوم بشكلٍ دوريٍّ بدراسة صورة التطوُّر التي وصلت إليها عمليات التداول الخوارزمية قبل إبداء الرأي في المسائل التنظيمية، وهو الأمر الذي أشار إليه القضاء الأمريكي أيضاً[134].
بناءً عليه، فإنَّ وجود تقنيات استقبال العروض والطلبات خلال التداول في البورصات العربية يجب أن يكون مشروطاً بتطوير تلك البورصات لبنيتها الجزئية والتقنية بما يراعي إعصار البيانات المُتدفِّق من روبوتات التداول. لا يبدو ذلك ممكناً إلاَّ بعد تحقيق نوعٍ من التكامل والتناغم والانسجام في العمليات التشغيلية والرقابية لدى جميع البورصات العربية التي تُعانِي من عيوبٍ متشابهةٍ وظروفٍ واحدةٍ تصعب مواجهتها إلاَّ باليد الواحدة، وبورصات الاتحاد الأوروبي خير مثال.
الخاتمة
تَعتمدُ البورصة -وهي سوق التداول الخاصِّ بالأوراق المالية- على حركة العرض والطلب، فإذا كان الأسواق التي تُحرِّكها الأسعار تَستلزِمُ وجودَ صانعٍ للتسعير والتداول يُدعَى: “صانع السوق”؛ فإنَّ فكرة وجود مُزوِّد للسيولة بغرض تقديم العروض والطلبات فقط دون المساهمة بالتسعير بشكلٍ مباشرٍ، يُعتبرُ فكرةً شديدة التأثير على عدالة سعر السوق واتِّجاهات التداول فيها.
وما زاد من خطورة تأثير دور مُزوِّد السيولة هذا هو اعتماده على تقنياتٍ تكنولوجيةٍ قادرةٍ على تنفيذ عملياتٍ ضخمةٍ وبشكلٍ متكرِّرٍ بموجب الذكاء الاصطناعي، تلك التقنية التي تدعى: “التداول عالي التردُّد”.
فإذا كان الصانع مُتنافِسَاً مع المُزوِّد، فإنَّ البورصة ستتحوَّل إلى ساحة مبارزةٍ تكنولوجيةٍ بين روبوت الصانع العامِل بالتداول الخوارزمي وبين روبوت المُزوِّد العامِل بالتداول عالي التردُّأمَّا إن كانا (الصانع والمُزوِّد) مُتواطِئَينِ على التلاعب بالسوق، فإنَّ فرصة نجاة البورصة وعدالة التسعير فيها تقترب من الانعدام.
إنَّ الدرس المُستَفَادَ من أنظمة بورصات لندن وبرلين وأوساكا التي فرضت نظاماً مُختَلَطاً لصناعة السوق بين الصانع والمُزوِّد، هو أنَّ تلك البورصات قد فتحت الباب مُشرَّعاً للتلاعب التكنولوجي بسوقها عندما أتاحت وجودَ صانعٍ ومُزوِّدٍ بإمكانيات التداول الخوارزمي أو عالي التردُّد.
فعلى الرغم من الإمكانيات التكنولوجية الكبيرة التي تَتَمتَّعُ بها هذه البورصات، إلاَّ أنَّه ليس لها مجاراة التكنولوجيا التي تَستغلُّها الشركات المالية الكبرى؛ حيث تكون تلك الشركات في حالة تحالفٍ أو حتى زمالةٍ مع شركاتٍ تكنولوجيةٍ تَمدُّها بأحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي، حتى يمكن أن تمنح الشركات التكنولوجية نظريتها المالية بعضاً من التقنيات السرية داخل المنظومة الصناعية بغرض مضاعفة الأرباح[135].
ولذلك، فإن ضرورة وجود صانع السوق في البورصات العربية بغرض إعادة التوازن إليها لا يجب أن تدفع هذه البورصات إلى قبول وجود مُزوِّد السيولة؛ لأنَّ البورصات العربية ما تزالُ ضحلةَ السيولةِ، وقليلةَ التداولِ، وطفيفةَ العمقِ، وهشَّةً تجاه الصدمات السعرية، هذا بالإضافة إلى ضعف البنية التكنولوجية لتلك البورصات بالمقارنة مع شركات تزويد السيولة ذات البنية الروبوتية فائقة التقدم.
النتائج
- الفرق بين عمل صانع السوق ومُزوِّد السيولة ليس بإداريٍّ أو شكليٍّ، بقدر ما يعكس الاختلاف الفكري العميق بين واجب الصانع الإلزامي بإعادة التوازن للسوق وبين واجب المُزوِّد بإضافة السيولة بشكلٍ فوريٍّ.
- يجب أن يكون دورَ البطولةِ للصانع في النظام المُختَلَط بين الصانع والمُزوِّد؛ لأنَّ الصانع هو في الحقيقة “البوصلة” التي تسير البورصة بهديها؛ فهو الـمُلزَم بصناعة السوق تسعيراً وتنفيذاً للتداول بغرض إعادة التوازن إليها.
- يقتصر دور مُزوِّد السيولة على توفير السيولةٍ، فيما يُفترَضُ بالصانع إعادة توجيهها وتوظيفها في مصلحة البورصة.
- التنافس بين الصانع والمُزوِّد قد يَخلقُ بيئةَ صناعةٍ إيجابيةٍ للسوق، بينما التواطؤ بينهما قد يُدمِّر البورصة.
- المطلوب من صانع السوق ومُزوِّد السيولة هو:
- التناغم بين سياسة التنافس والتعاون على إعادة توازن البورصة.
- مواجهة الاتِّجاهات السوقية السلبية أو المصطنعة، والتي لا تُعبِّر عن قيمة الأوراق المالية الحقيقية.
- دخول تقنيات الذكاء الاصطناعي من تداول خوارزمي وعالي التردُّد قد حوَّل البورصة إلى ساحة تداولٍ بين الروبوتات، والتي يَصعبُ على المستثمرين العاديِّين أو حتى المؤسَّساتيِّين التقليديِّين الدخول إليها أو تثمير الأموال عبرها.
- المشكلة العميقة في تنظيم وقائع التواطؤ بين صانع السوق ومُزوِّد السيولة تتمثَّل في أنَّ نصوص الأنظمة في البورصة قد وُضِعَت للتعامل مع الإمكانيات البشرية؛ فهي لا تتلاءم مع سرعة المعالجة والتنفيذ الهائلة لروبوت صناعة السوق سواءً عبر تكنولوجيا التداول الخوارزمي أم عالي التردُّد.
المقترحات
- فرض رقابة فنية وتكنولوجية وليس فقط مالية على آلية عمل صانع السوق خوفاً من أن يَضُرَّ بتوازنها.
- عدم الاعتماد في البورصات العربية على آلية مُزوِّد السيولة الحديثة التي تجعل من فكرة صناعة السوق مجرَّد أسلوبٍ لتحصيل الأموال دون التأثير الصحيح على السوق.
- يمكن تبنِّي نظام مُزوِّد السيولة الفرعي في البورصات العربية على سبيل الاستثناء في حالات شح السيولة الشديد حصراً، ولكن بالشروط التالية:
- الترخيص بتزويد السيولة الفرعي لصانع السوق حصراً حتى لا يتنافس الصنَّاع مع المزوِّدين، وعدم الترخيص لنشاط تزويد السيولة على ورقة مالية واحدة لأكثر من مزوِّد واحد؛ سداً لباب التنافس بين بين المزوِّدين أنفسهم، أو بين الصانع المُرخَّص بنشاط المزوِّد مع باقي الصنَّاع على ورقة مالية واحدة. في الوقت الذي يمكن فيه صناعة السوق على ورقة مالية واحدة بين عدد من الصنَّاع؛ بغاية عدم جعل الورقة المالية من اختصاص صانع واحد فقط فيما يخص نشاط صناعة السوق.
- إلزام المُزِّود الفرعي بتنفيذ نسبةٍ من كميات الصفقات المنفذة وبموجب اتفاقية استثنائية موقَّعة مع إدارة البورصة بعد موافقة الهيئة على ألاَّ تتجاوز مُدَّتها 3 أشهر فقط؛ فقد تتغير الظروف للأفضل بعد انقضاء ربع السنة المالي.
- إلزام المُزوِّد الفرعي بتسخير كميَّات التداول المُنفَّذة في سبيل إعادة التوازن للبورصة مُستَرشِدَاً بعمل صنَّاع السوق؛ وبهذه الطريقة يكون المُزوِّد رَدِيفَاً للصانع بشكلٍ مُلتَزِمٍ بإعادة التوازن للبورصة وليس مَصدَرَاً لسيولة عمياء.
- حظر استخدام تكنولوجيا التداول عالي التردُّد من الوسطاء الماليِّين في البورصات العربية إلى حين ضمان وجودها بشكلٍ متكافئٍ لدى الإدارة التقنية في البورصة.
- فرض تقديم ضمانات قانونية على شركة التكنولوجيا الماليَّة التي ستتقدَّم لتوفير صانع السوق أو مُزوِّد السيولة الروبوتي.
- يجب على الإدارة التكنولوجية في البورصة امتحان مقدرة روبوتات صناعة السوق ومرورها بمرحلة “تعلُّم الآلة” “Machine Learning”[136] التي تتضمَّن إدخال البيانات والنماذج التاريخيَّة الضرورية للبرمجيات الذكيَّة حتى تتَّخذ القرارات كصانع سوقٍ مُلتَزِمٍ بإعادة التوازن للبورصة وليس التلاعب بها[137].
- التركيز على الإجراءات الرقابية الخاصة بسعر السوق، فهي كلمة السر في مواجهة الممارسات غير المشروعة للصانع والمُزوِّ
- ترك السوق حرَّةً سعرياً، إلاَّ أنَّه خلال فترات التذبذب يمكن فرض حدودٍ سعريةٍ مرنةٍ ومُواكِبَةٍ للتداول[138]، وذلك في حدودٍ لا تتجاوز نسبة 25% من سعر إغلاق الجلسة السابقة.
- يجب الحرص على عدم منح الصانع والمُزوِّد قدرة السيطرة على أكثر ممَّا نسبته 70% من كمية التداولات المُسعَّرة في السوق خلال جلسة واحدة، لكن دون تقييد التسعير والتداول بشكلٍ زمنيٍّ مُتقطِّع خلال ذات الجلسة خوفاً من فقدان السوق لسلسلة اتِّجاهاتها السعرية والتداولية.
- العمل على ابتكار نظام رقابة على التداول يكون على شكل روبوت يعمل بالذكاء الاصطناعي؛ بحيث يكون قادراً على مواجهة الصدمة السعرية السريعة للتداول عالي التردُّد، والتأثير العميق طويل المدى للتداول الخوارزمي.
المراجع
أولاً: المراجع باللغة العربية
1- المؤلَّفات
– أونور، إبراهيم:
- خصائص أسواق الأسهم العربية، سلسلة جسر التنمية، المعهد العربي للتخطيط، الكويت، العدد 80، فبراير 2009.
- فعالية أسواق الأسهم العربية، سلسلة جسر التنمية، المعهد العربي للتخطيط، الكويت، العدد 89، يناير 2010.
- تذبذب أسواق الأوراق المالية، سلسلة جسر التنمية، المعهد العربي للتخطيط، الكويت، العدد 94، العدد 94، يونيو 2010.
- الأطر الرقابية لأسواق الأسهم العربية، سلسلة جسر التنمية، المعهد العربي للتخطيط، الكويت، العدد 89، فبراير 2011.
– بن مهيدي، رزق الله، التجارة في العالم الافتراضي، مجلة الدراسات القانونية والسياسية، كلية الحقوق والعلوم السياسية جامعة عمار ثليجي بالأغواط، الجزائر، العدد 4، جوان 2016.
– بلقاسم، العباس، تبعات الأزمة الاقتصادية على الدول العربية والنامية، سلسلة جسر التنمية، المعهد العربي للتخطيط، الكويت، العدد 102، مارس 2011.
– عبد مولاه، وليد، البنية الجزئية لأسواق الأوراق المالية، سلسلة جسر التنمية، المعهد العربي للتخطيط، الكويت، العدد 91، مارس 2010.
– القوصي، همام:
- تنظيم التعامل الآجل والبيوع المستقبلية في سوق الكويت للأوراق الماليَّة (بين إتاحة العقود الآجلة وحماية السوق العاجلة)، مجلة الحقوق المحكمة، جامعة الكويت، المجلد: 38، العدد 2، يوليو 2014.
- النظام القانوني لعمليات التداول في سوق الأوراق المالية، رسالة أعدت لنيل درجة الدكتوراه في الحقوق، نوقشت في كلية الحقوق، جامعة حلب، سورية، عام 2017.
- منهج نشاط صانع السوق بإضافة هامش السيولة (بين القيمة النقديَّة والحجم الكمِّي) – نموذج بورصة الكويت، والبورصة المصريَّة، وبورصة ونيويورك –، المجلة المصرية للدراسات القانونية والاقتصادية (EJLES)، مجلة علمية محكمة، مصر، العدد 11، يوليو 2018.
- تأثير التزامات صانع السوق تجاه بورصة الكويت للأوراق الماليَّة على إعادة توازن العرض مع الطلب -دراسة مقارنة مع نظام بورصة ناسداك ونيويورك-، مجلة كلية القانون الكويتية مجلة كلية القانون الكويتية العالمية (KILAW)، الكويت، العدد 26، يونيو 2019.
– الكواز، أحمد، إخفاق آلية السوق وتدخل الدولة، سلسلة جسر التنمية، المعهد العربي للتخطيط، الكويت، العدد 69، يناير 2008.
– مسعداوي، يوسف، كفاءة الاسواق المالية العربية –دراسة تحليلية لتجربة كل من بورصة الجزائر والسعودية، مجلة كلية بغداد للعلوم الاقتصادية الجامعة، العدد 42، عام 2014.
– نصير، أحمد وزين، يونس، دراسة تحليلية لأداء وتنظيم الأسواق المالية والناشئة في الدول العربية” السوق المالي تونس والسوق المالي الناشئ عمان”، مجلة الريادة لاقتصاديات الأعمال، المجلد 3، العدد 5، عام 2017.
2- التقارير
– اتحاد هيئات الأوراق المالية العربية، الخطة الاستراتيجية للاتحاد، دبي، 2016-2020.
– صندوق النقد العربي، مساهمة الصندوق في تطوير الأسواق المالية العربية، يونيو 2003.
ثانياً: المراجع باللغة الإنجليزية
1- Papers
– AITKEN, Michael J., et. al., The Role of Market Makers in Electronic Markets: Liquidity Providers on Euronext Paris, Research Gate, 2014.
– BARON, Matthew, et. al., Risk and Return in High-Frequency Trading, Global Research Unit, Working Paper No. 18, 2017.
– BERCKENFELDER, Johannes, Competition among high-frequency traders, and market quality, European Central Bank, Working Paper Series, No. 2290, June 2019.
– BRKAN, Maja, Do Algorithms Rule The World?, international journal of law and information technology, Vol. 27, No. 2, 2019.
– BROGAARD, Jonathan A., High Frequency Trading and Its Impact on Market Quality, Northwestern University School of Law, Management Work paper, No. 66, 2010.
– BROGAARD, Jonathan, et. al.:
- High frequency trading and price discovery, ECB Working Paper, No. 1602, European Central Bank (ECB), Frankfurt, 2013.
- High-Frequency Trading Competition, Bank of Canada, Working Paper No. 19, 2014.
– CARRION, Allen, very fast money: High-frequency trading on the NASDAQ, Journal of Financial Markets, Vol. 16, 2013.
– CARTEA, Álvaro and JAIMUNGAL, Sebastian, Modelling Asset Prices for Algorithmic and High-Frequency Trading, Applied Mathematical Finance, Vol. 20, No. 6, 2013.
– CHESTERMAN, Simon, “Move Fast and Break Things”: Law, Technology, and the Problem of Speed, the National University of Singapore, Law Working Paper No. 1, January 2020.
– CHIU, Iris HY, Transformation the Financial Advice Market – The Rules of Robo-Advice Financial Regulation and Public Governance in the United Kingdom, Banking & Financing Law Review, Vol. 35, No. 1, 2019.
– CHORDIA, Tarun, et. al., High-Frequency Trading, Johnson School Research Paper Series #20-2013, June 2013.
– CLEMENTS, Ryan:
- “New Funds, Familiar Fears: are exchange traded funds making markets less stable? Part II-Interaction Risks”, SSRN Papers, 2019.
- Are ETFs Making Some Asset Managers Too Interconnected To Fail?, SSRN Papers, February 8, 2020.
– DEMETIS, dionysios, The Role of Information Systems in the Prevention and Detection of Transnational and International Crime, Criminological Approaches to International Criminal Law, 2020.
– DE PERCZEL, John Forrest and MISHIRI, Takehiro, Japan Ramps Up High-Frequency Trading Oversight, International Financial Law Review, London, 2019.
– DIGNAM, Alan, Artificial Intelligence: The very human dangers of dysfunctional design and autocratic corporate governance, Queen Mary University of London, Legal Studies Research Paper, No. 314, 2019.
– DIXON, Matthew F., et. al., Deep Learning for Spatio-Temporal Modeling: Dynamic Traffic Flows and High Frequency Trading, arXiv, 7 May 2018.
– DOLGOPOLOV, Stanislav, The Doctrine Quandary of Manipulative Practices in Securities Markets: Artificial Pricing, Price Discovery, Liquidity Provision, SSRN Papers, 2019.
– FOUCAULT, Thierry and MOINAS, Sophie, Is Trading Fast Dangerous?, Toulouse School of Economics, No. 18‐881, January 2018.
– FOX, Merritt B., et. al., The New Stock Market: Sense and Nonsense, Duke Law Journal, Vol. 65, No. 2, November 2015.
– GERIG, Austin and MICHAYLUK, David, Automated Liquidity Provision, Quantitative Finance Research Centre, university of technology, Sydney, Australia, January 2014.
– GOMBER, Peter, et. al., High-Frequency Trading, Frankfurt University, Dutch Bourse Group, March 2011.
– GOLTZA, Nachshon (Sean) and DONDOLI, Giulia, A note on science, legal research and artificial intelligence, Information & Communications Technology Law, 2019. See:
https://doi.org/10.1080/13600834.2019.1644065 (22-3-2020).
– HENDERSHOTT, Terrence and RIORDAN, Ryan, Algorithmic Trading and Information, University of California at Berkeley, June 21, 2011. See: http://academia.edu/ (22-3-2020).
– International Organization of Securities Commissions (IOSCO), The Influence of Market Maker in the Creation of Liquidity, May 1999.
– JAIN, Monika, Harmonized Trading: SEBI v. Rakhi Trading Private Limited, Journal of Capital Market and Securities Law, Vol. 2, No. 1, 2019.
– KIRILENKO, Andrei, The Flash Crash: The Impact of High Frequency Trading on an Electronic Market, SSRN Papers, May 26, 2011.
– KIRILENKO, Andrei A. and LO, Andrew W., Moore’s Law versus Murphy’s Law: Algorithmic Trading and Its Discontents, Journal of Economic Perspectives, Vol. 27, No. 2, Spring 2013.
– MACKENZIE, Donald, How fragile is competition in high-frequency trading?, 2019. See: http://www.sociology.ed.ac.uk/ (22-3-2020).
– MARTINEZ, Rex, Artificial Intelligence: Distinguishing between Types & Definitions, Nevada Law Journal, Vol. 19, No. 3, Spring 2019.
– MENKVELD, Albert J., High Frequency Trading and the New-Market Makers, Tinbergen Institute Discussion Paper, No. 11-076/2/DSF21, Tinbergen Institute, Amsterdam & Rotterdam, the Netherlands, August 15, 2011.
– MCGROARTY, Frank, et. al., High Frequency Trading Strategies, Market Fragility and Prices Spikes, Annuals of Operation Research, 2019.
– MITTS, Joshua, Short and Distort, SSRN Papers, January 10, 2019.
– MYKLEBUST, Trude, Fairness and Integrity in High-Frequency Markets: A Critical Assessment of the European Regulatory Approach, European Business Law Review, Vol. 31, No. 1, 2020.
– Pavković, Anita and Matek, Petar-Pierre, Legislation Key Milestones of Capital Market Union in the Republic of Croatia and the European Union, EU and Comparative Law Issues and Challenges Series, No. 3, 2019.
– POSEY, Luke, Automating Trading and Market Making with Artificial Intelligence, 17 May 2019. See:
https://towardsdatascience.com/automating-trading-and-market-making-with-artificial-intelligence-d8e975917083 (25-3-2020).
– SLEMMER, Daniel W., Artificial Intelligence & Artificial Prices: Safeguarding Securities Markets from Manipulation by Non-Human Actors, Brooklyn Journal of Corporate, Financial & Commercial Law, Vol. 14, No. 1, 2019.
– THEISSEN, Erik and WESTHEIDE, Christian “Call of Duty: Designated Market Maker Participation in Call Auctions”, Centre for Financial Research (CFR), University of Cologne, Working Paper, No. 16-05, August 21, 2017.
– TRELEAVEN, Philip, et. al., Algorithmic Trading Review, communications of the acm Journal, Vol. 56, No. 11, November 2013.
– TJIO, Hans, Securities and Financial Services Regulation, the National University of Singapore, Law Working Paper, No. 3, January 2020.
– Van Kervel, Vincent and Menkveld, Albert J., High-Frequency Trading around Large Institutional Orders, Tinbergen Institute Discussion Paper, No. 17-092/IV, 2017.
– WEAVER, Daniel, Minimum obligations of market makers, Foresight, Economic Impact Assessment EIA8, Government Office for Science, London, 2012.
– YADAV, Yesha, The Problematic Regulation of U.S. Treasury Markets, SSRN Papers, February 2020.
– YALLOP, Mark, Rebuilding Trust in Financial Markets, Researh handbook on law and ethics in banking and finance, 2019.
– ZARING, David, Regulating Banking Ethics: A Toolkit, Seattle University Law Review, Vol. 43, 2020.
– ZHANG, Frank, High-Frequency Trading, Stock Volatility, and Price Discovery, SSRN Papers, December 2010.
2- Case Law
– IN RE GORELIK, United States Court of Appeals, Federal Circuit, August 9, 2016.
– US v. Coscia, United States Court of Appeals, Seventh Circuit, August 7, 2017.
– People v. Aleynikov, Court of Appeals of New York, May 3, 2018.
– WHISTLEBLOWER 7208-17W v. COMMISSIONER OF INTERNAL REVENUE, United States Tax Court, July 31, 2018.
– SEC v. LEK SECURITIES CORPORATION, United States District Court, S.D. New York, March 14, 2019.
– Securities and Exchange Commission v. LEK SECURITIES CORPORATION, United States District Court, S.D. New York, March 14, 2019.
– KCG HOLDINGS, INC. v. KHANDEKAR, United States District Court, S.D. New York, March 12, 2020.
[1] “Algorithmic trading (AT) refers to any form of trading using sophisticated algorithms (programmed systems) to automate all or some part of the trade cycle. AT usually involves learning, dynamic planning, reasoning, and decision taking”. See: TRELEAVEN, Philip, et. al., Algorithmic Trading Review, communications of the acm Journal, Vol. 56, No. 11, November 2013, page 76.
[2] وذلك حتى تقوم -بالنيابة عن هذا الصانع- بتحليل البيانات المالية التداولية والإعلان عن نشرة الأسعار التي يَقبلُ الصانع أن يشتري ويبيع الأوراق المالية بناءً عليها، ثم تقوم برمجيات روبوت صناعة السوق هذه بإصدار أوامر البيع والشراء بغرض تحريك العرض والطلب وفقاً لاتفاقية صانع السوق المبرمة مع إدارة البورصة.
[3] WEAVER, Daniel, Minimum obligations of market makers, Foresight, Economic Impact Assessment EIA8, Government Office for Science, London, 2012, page 3.
[4] القوصي، همام، النظام القانوني لعمليات التداول في سوق الأوراق المالية، رسالة أعدت لنيل درجة الدكتوراه في الحقوق، نوقشت في كلية الحقوق، جامعة حلب، سورية، عام 2017، ص 56.
[5] “High-frequency trading (HFT) is a more specific area, where the execution of computerized trading strategies is characterized by extremely short position-holding periods in excess of a few seconds or milliseconds”. See”: TRELEAVEN, Philip, et. al., op. cit., page 77.
[6] Rule 4220.1 & 4220.2, Rules of the London Stock Exchange, Rule Book, effective date: 3 January 2018.
[7] Article 40 & 41, Exchange Rules of Börse Berlin, As of April 22nd, 2016, Last edited May 16th, 2016.
[8] Osaka Exchange, Inc., Handling of Market Maker Program for Futures and Options Market, Effective: January 4, 2018.
[9] “Market makers … can usually be classified as high frequency traders, performing many trades in short time-frames”. See: POSEY, Luke, Automating Trading and Market Making with Artificial Intelligence, 17 May 2019. See:
https://towardsdatascience.com/automating-trading-and-market-making-with-artificial-intelligence-d8e975917083 (25-3-2020).
[10] أنظر في تقرير المنظمة الدولية لهيئات الأوراق المالية الصادر عام 1999 الخاص بصناعة السوق وإضافة السيولة، والذي لم يظهرْ فيه دور مُزوِّد السيولة المستقل:
International Organization of Securities Commissions (IOSCO), The Influence of Market Maker in the Creation of Liquidity, May 1999, page 8.
[11] GERIG, Austin and MICHAYLUK, David, Automated Liquidity Provision, Quantitative Finance Research Centre, university of technology, Sydney, Australia, January 2014, page 8.
[12] للتعمُّق في المعاني الممكنة لهذه المصطلحات، راجع:
Ibid.
[13] “… in relation to securities designated by the Exchange, a member firm which is registered as a market maker and is obliged to quote prices in at least the Exchange market size”. See: Definitions, Guidance to Rule, Rules of the London Stock Exchange, Rule Book, Amended N09/17 – effective 3 January 2018.
[14] “Registration as a market maker shall be effective in a single security unless the Exchange considers it appropriate to do otherwise”. See: Rule 4000, Rules of the London Stock Exchange, Rule Book, 2018.
[15] WEAVER, Daniel, op. cit., page 16.
[16] Section 2-3, the London Stock Exchange, Market Maker Agreement.
[17] Article 38, Exchange Rules of Börse Berlin, 2016.
[18] Article 39, Exchange Rules of Börse Berlin, 2016.
[19] Article 40-1, Exchange Rules of Börse Berlin, 2016.
[20] Article 40-2, Exchange Rules of Börse Berlin, 2016.
[21] Article 41-2, Exchange Rules of Börse Berlin, 2016.
[22] الأمر الذي بحث فيه الفقه الفرنسي المكتوب بالإنكليزيَّة مع إقبال بورصة باريس على السماح بنشاط الـمُزوِّد فيها، أنظر:
FOUCAULT, Thierry and MOINAS, Sophie, Is Trading Fast Dangerous?, Toulouse School of Economics, No. 18‐881, January 2018, page 17.
[23] “عقود الخيار“ “Option Contracts”؛ تلك التي تَترُكُ الخيار لأحد طرَفَي العقد في تنفيذه أو التراجع عنه خلال مدةٍ معينةٍ أو في تاريخٍ مُحدَّدٍ مقابل علاوةٍ يتقاضاها الطرف الآخر، على عكس العقود المستقبلية الباتة ملزمة التنفيذ في تاريخ المستقبلي مُحدَّد لتنفيذها. أنظر: القوصي، همام، تنظيم التعامل الآجل والبيوع المستقبلية في سوق الكويت للأوراق الماليَّة، مرجع سبق ذكره.
[24] DE PERCZEL, John Forrest and MISHIRI, Takehiro, Japan Ramps Up High-Frequency Trading Oversight, International Financial Law Review, London, 2019.
[25] Osaka Exchange, Inc., Handling of Market Maker Program for Futures and Options Market, Effective: January 4, 2018, page 3.
[26] حتى يمكن تسمية الصانع “شركة الأوراق المالية الخوارزمية” “Algorithmic Securities Firms” كغيره من الوسطاء الماليِّين المستخدمين لهذه التقنية. أنظر: YADAV, Yesha, The Problematic Regulation of U.S. Treasury Markets, SSRN Papers, February 2020, page 1.
[27] أنظر على سبيل المثال شركة Goldman وفق توصيف القضاء الأمريكي:
“Goldman’s high-frequency trading software is a constantly updated version of a system acquired by the firm when it purchased a pioneering algorithmic trading company in 1999 for some half a billion dollars”. See: People v. Aleynikov, Court of Appeals of New York, May 3, 2018.
[28] MENKVELD, Albert J., High Frequency Trading and the New-Market Makers, Tinbergen Institute Discussion Paper, No. 11-076/2/DSF21, Tinbergen Institute, Amsterdam & Rotterdam, the Netherlands, August 15, 2011, page 1.
[29] FOX, Merritt B., et. al., The New Stock Market: Sense and Nonsense, Duke Law Journal, Vol. 65, No. 2, November 2015, page 191.
[30] CHESTERMAN, Simon, “Move Fast and Break Things”: Law, Technology, and the Problem of Speed, the National University of Singapore, Law Working Paper No. 1, January 2020, page 2.
[31] القوصي، همام، تأثير التزامات صانع السوق تجاه بورصة الكويت للأوراق الماليَّة على إعادة توازن العرض مع الطلب -دراسة مقارنة مع نظام بورصة ناسداك ونيويورك-، مجلة كلية القانون الكويتية مجلَّة كلية القانون الكويتية العالمية (KILAW)، الكويت، العدد 26، يونيو 2019، ص 461.
[32] أنظر في دراسة خاصة بسوق الأسهم الأمريكية لدى:
ZHANG, Frank, High-Frequency Trading, Stock Volatility, and Price Discovery, SSRN Papers, December 2010, page 33.
[33] “We document a number of statistics consistent with superior investment performance by HFTs”. BARON, Matthew, et. al., Risk and Return in High-Frequency Trading, Global Research Unit, Working Paper No. 18, 2017, page 46.
[34] ولكن ذلك مشروطٌ بتوفر كميةٍ كبيرةٍ من السيولة في محفظة الصانع بما يتجاوز محفظة المُزوِّد حتى تستطيع استراتيجية النفس الطويل الخوارزمية امتصاص الصدمة السعرية عالية التردُّد، وبالمقابل يجب توفُّر كميَّات كبيرة من السيولة لدى المُزوِّد حتى يكسر طوق تثبيت الأسعار الذي يفرضه الصانع على الورقة.
ممَّا يعني أنَّ ضبط التنافس بين روبوت التداول الخوارزمي لصانع السوق وروبوت التداول عالي التردُّد لمُزوِّد السيولة هو أحد التحدِّيات التي تواجه التنظيم الذاتي للبورصة. وقد أشار جانب من الفقه إلى فكرة تنافس المتداولين عبر تقنيات الخوارزميات بالجملة التالية:
“… the arrival of algorithmic competition shifts industry incentives against self-policing”. See: YADAV, Yesha, op. cit., page 1.
[35] JAIN, Monika, Harmonized Trading: SEBI v. Rakhi Trading Private Limited, Journal of Capital Market and Securities Law, Vol. 2, No. 1, 2019, page 12.
[36] أنظر في المنهج الأوروبي لهذا التنظيم فيما يخص التداول عالي التردُّد لدى:
MYKLEBUST, Trude, Fairness and Integrity in High-Frequency Markets: A Critical Assessment of the European Regulatory Approach, European Business Law Review, Vol. 31, No. 1, 2020, page 33.
[37] MITTS, Joshua, Short and Distort, SSRN Papers, January 10, 2019, page 50.
من الصعب الوقوف في وجه الاتِّجاه التداولي المُصطَنَعِ المُتشكِّلِ من تواطؤ الصانع والمُزوِّد، وحتى وإن اكتشفت البورصة وجود اختلافٍ عميقٍ بين السعر السوقي وبين القيمة الحقيقية للأوراق المالية فإنَّ تدخُّلها سيكون متأخِّراً جداً بالنظر إلى السرعة الهائلة لروبوت التداول عالي التردُّد بصفةٍ خاصَّةٍ؛ حيث إنَّه يعمل على أجزاءٍ من الثانية.
[38] وبعد أن يقوم كلٍّ من الصانع والمُزوِّد ببيعِ مَخزونِهِم من تلك الورقة التي تضخَّم سعرها، يَخرُجُونَ من جلسة التداول؛ فينهار سعرها ويفقد المتداولين جزءاً كبيراً من سيولتهم بسبب وقوعهم ضحيَّة التواطؤ بين الصانع والمُزوِّد، ممَّا سيطعن في ثقة الجمهور بالبورصة.
وقد أطلق القضاء الأمريكي على مثل هذه التداولات تسمية “نشاط التداول الزائد” “Over-Seeing Trading”. أنظر:
IN RE GORELIK, United States Court of Appeals, Federal Circuit, August 9, 2016.
[39] تمَّ طرح هذا التساؤل لدى:
YALLOP, Mark, Rebuilding Trust in Financial Markets, Researh handbook on law and ethics in banking and finance, 2019.
[40] ويجب لتطبيق هذا الحلِّ وجودَ آليةَ تحكمٍ بنظام التداول الالكتروني في البورصة قادرٍ على استشعار قيمة أوامر التداول مهما بلغت سرعة تكنولوجيا التداول، وهو أمرٌ أساسيٌّ في توفير البنية العادلة لنظام التداول التكنولوجي.
[41] هذا الحلُّ مشروطٌ بعدم وجود اختلالٍ بتوازن البورصة يسعى الصانع لمواجهته؛ ففي هذه الحالة الأخيرة لا يجوز للهيئة تعليق التداول حتى لا تُفسِدَ عَمَلَ الصانع، كما أنَّ تطبيق هذا الحلِّ عسيرٌ في مواجهة روبوت التداول عالي التردُّد لأنَّ الفرق الزمني بين إصداره لأمر التداول وبين تنفيذه في البورصة بكميَّاتٍ هائلةٍ يكون بأجزاءٍ من الثانية، الأمر الذي يجعل البيئة التكنولوجية للبورصة أمراً مفروغاً منه.
[42] للمزيد من الاطلاع والتعمُّق في البنية الجزئية للبورصة، راجع: عبد مولاه، وليد، البنية الجزئية لأسواق الأوراق المالية، سلسلة جسر التنمية، المعهد العربي للتخطيط، الكويت، العدد 91، مارس 2010، ص 3.
[43] القوصي، همام، تأثير التزامات صانع السوق تجاه بورصة الكويت للأوراق الماليَّة على إعادة توازن العرض مع الطلب -دراسة مقارنة مع نظام بورصة ناسداك ونيويورك-، مرجع سبق ذكره، ص 461.
[44] أونور، إبراهيم، خصائص أسواق الأسهم العربية، سلسلة جسر التنمية، المعهد العربي للتخطيط، الكويت، العدد 80، فبراير 2009، ص 2.
[45] المرجع السابق ذكره، ص 3 وما بعدها.
[46] راجع في هذا الموضوع لدى: مسعداوي، يوسف، كفاءة الاسواق المالية العربية –دراسة تحليلية لتجربة كل من بورصة الجزائر والسعودية ومصر، مجلة كلية بغداد للعلوم الاقتصادية الجامعة، العدد 42، عام 2014، ص 117.
[47] للتعمُّق في فكرة تذبذب أسعار البورصة، راجع: أونور، إبراهيم، تذبذب أسواق الأوراق المالية، سلسلة جسر التنمية، المعهد العربي للتخطيط، الكويت، العدد 94، يونيو 2010، ص 2.
[48] اتحاد هيئات الأوراق المالية العربية، الخطة الاستراتيجية للاتحاد، دبي، 2016-2020، ص 21.
[49] للتعمُّق حول مفهوم الفشل الحكومي بالتدخل التنظيمي، أنظر: الكواز، أحمد، إخفاق آلية السوق وتدخل الدولة، سلسلة جسر التنمية، المعهد العربي للتخطيط، الكويت، العدد 69، يناير 2008، ص 4.
[50] “… the provider may simultaneously buy and sell shares of the security, keeping it (liquid) or available”. See: Core Liquidity Provider. See: http://www.Investopedia.com/ (22-3-2020).
[51] Rule 4000, Rules of the London Stock Exchange, Rule Book, 2018.
[52] Section 2-3, the London Stock Exchange, Market Maker Agreement.
[53] WEAVER, Daniel, op. cit., page 16.
[54] وهذا الحدُّ الأدنى هو £50,000 أو ما يعادله بالعملة الأوروبيَّة. أنظر:
Section 763, the UK Companies Act, 2006.
[55] دخلت عمليَّات التداول بشكلٍ كبيرٍ في مجال التجارة الالكترونيَّة بغاية جذب سيولة خارجيَّة. للاطِّلاع على التجارة الالكترونيَّة، أنظر: بن مهيدي، رزق الله، التجارة في العالم الافتراضي، مجلة الدراسات القانونية والسياسية، كلية الحقوق والعلوم السياسية جامعة عمار ثليجي بالأغواط، الجزائر، العدد 4، جوان 2016، ص 46.
[56] Article 40-2, Exchange Rules of Börse Berlin, 2016.
[57] Article 41-2, Exchange Rules of Börse Berlin, 2016.
[58] Article 39-1, Exchange Rules of Börse Berlin, 2016.
[59] Osaka Exchange, Inc., Handling of Market Maker Program for Futures and Options Market, Effective: January 4, 2018, page 3.
[60] “One of the most common HFT strategies is to act as a liquidity provider. While many HFTs provide the market with liquidity like registered market makers, they frequently do not face formal obligations to quote in the markets in which they are active”. See: GOMBER, Peter, et. al., High-Frequency Trading, Frankfurt University, Dutch Bourse Group, March 2011, page 25.
[61] “In other words, the HFT does not maintain a continuous presence with actionable quotes … we were used to seeing market makers with stronger affirmative obligations operate…”. See: CHORDIA, Tarun, et. al., High-Frequency Trading, Johnson School Research Paper Series #20-2013, June 2013, page 10.
[62] للتعمُّق في تأثير التداول عالي التردُّد على استكشاف سعر السوق في البورصة، أنظر:
BROGAARD, Jonathan, et. al., High frequency trading and price discovery, ECB Working Paper, No. 1602, European Central Bank (ECB), Frankfurt, 2013, page 2.
[63] “Algorithmic trading—the use of mathematical models, computers, and telecommunications networks to automate the buying and selling of financial securities —has arrived, and it has created new challenges as well as new opportunities for the financial industry and its regulators”. See: KIRILENKO, Andrei A. and LO, Andrew W., Moore’s Law versus Murphy’s Law: Algorithmic Trading and Its Discontents, Journal of Economic Perspectives, Vol. 27, No. 2, Spring 2013, page 52.
[64] للتعمُّق في المنهجية القانونية لدارسة وقائع الذكاء الاصطناعي، أنظر:
GOLTZA, Nachshon (Sean) and DONDOLI, Giulia, A note on science, legal research and artificial intelligence, Information & Communications Technology Law, 2019. See:
https://doi.org/10.1080/13600834.2019.1644065 (22-3-2020).
[65] ويمكن أن يترافق ذلك مع استشارات مُضلِّلة من الروبوت إن كان المزود مرخصاً بتقديم خدمة المستشار المالي. أنظر في هذه الفكرة لدى:
“… algorithmic wealth management platforms (or “robo-advisors”)”. See: CLEMENTS, Ryan, Are ETFs Making Some Asset Managers Too Interconnected To Fail?, SSRN Papers, February 8, 2020, page 15.
وللتعمُّق في مجال الاستشارات الروبوتية في بريطانيا، راجع:
CHIU, Iris HY, Transformation the Financial Advice Market – The Rules of Robo-Advice Financial Regulation and Public Governance in the United Kingdom, Banking & Financing Law Review, Vol. 35, No. 1, 2019, page 9.
[66] يرى الفقه السنغافوري ضرورة إيجاد مؤسسات جديدة إلى جانب القواعد الجديدة فيما يتعلق بتنظيم وقائع الذكاء الاصطناعي. أنظر:
“New rules and new institutions will be required, together with at least some role for AI systems to play a role in investigating and upholding the law”. See: CHESTERMAN, Simon, op. cit., page 17.
[67] “Although the benefits of automation in financial markets are indisputable, they must be evaluated with two considerations in mind: complexity and human behavior”. See: KIRILENKO, Andrei A. and LO, Andrew W., op. cit., page 67.
[68] للتعمُّق في مُخطَّطات التلاعب بالأسعار، أنظر:
DOLGOPOLOV, Stanislav, The Doctrine Quandary of Manipulative Practices in Securities Markets: Artificial Pricing, Price Discovery, Liquidity Provision, SSRN Papers, 2019.
[69] وقد حدَّد القضاء الأمريكي عناصر مُخطَّط إحداث صدمة بالأسعار عبر التداول الخوارزمي في (1) الأوامر الكبيرة، التي (2) تنشئ الوهم لدى المستثمرين حتى الذين يتداولون بالخوارزميات، ممَّا (3) يدفع بعض المتداولين للخروج من البورصة وتركها بين يدي المتداوِل المتلاعِب بشكل جوهري وواضح باستخدام الخوارزميات. أنظر جزء من منطوق حكم القضاء الأمريكي بخصوص شخص مدعى عليه بالتلاعب بالسوق يدعى Michael COSCIA:
“Coscia had expressed a desire to “pump” the market, and thus deceive market participants by creating illusory depth, satisfying the first of his new definitions. Moreover, market participants testified that (1) large orders induced firms to fill small orders… (2) algorithms were tricked by large orders, creating the illusion of an oversaturated market… and (3) Mr. Coscia’s actions even induced certain traders to leave the market altogether.… In sum, Mr. Coscia’s actions were material regardless of whether we apply his standard or the district court’s”. See: US v. Coscia, United States Court of Appeals, Seventh Circuit, August 7, 2017.
يُساعِد في ذلك التحديات التي سبَّبتها التكنولوجيا في القطاع المالي بصفة عامة في الوقت الراهن. أنظر:
“… technology has perhaps intervened to increase the challenges in this respect through its role in finance services”. See: TJIO, Hans, Securities and Financial Services Regulation, the National University of Singapore, Law Working Paper, No. 3, January 2020, page 1.
فهنا، ستؤثِّر عملية التلاعب الواسعة التي تمَّت باستخدام روبوت الذكاء الاصطناعي -بلا شكٍّ- في مدى نجاح الاكتتاب على الإصدار الأولي للشركة المذكورة؛ حيث إنَّ المستثمرين سيُفسِّرون انخفاض أسعار الشركات العقارية في البورصة بمرور هذا القطاع بنوعٍ من الكساد أو الظروف السوقية السلبية؛ ممَّا سيجعلهم غير مُتشجِّعين للاكتتاب، وقد تؤدِّي عملية التلاعب هذه حتى إلى فشل عملية الإصدار بالكامل.
[70] أونور، إبراهيم، أسواق الأسهم العربية، مرجع سبق ذكره، ص 5.
[71] نصير، أحمد وزين، يونس، دراسة تحليلية لأداء وتنظيم الأسواق المالية والناشئة في الدول العربية” السوق المالي تونس والسوق المالي الناشئ عمان”، مجلة الريادة لاقتصاديات الأعمال، المجلد 3، العدد 5، عام 2017، ص 60.
[72] اتحاد هيئات الأوراق المالية العربية، الخطة الاستراتيجية للاتحاد، دبي، 2016-2020، ص 26.
[73] “A market maker must maintain an executable quote in each security in which it is registered”. See: Rule 4101, Rules of the London Stock Exchange, Rule Book, 2018.
[74] Definitions, executable quote, Rules of the London Stock Exchange, Rule Book, 2018.
[75] Rule 4101 (Guidance to Rule), Rules of the London Stock Exchange, Rule Book, 2018.
[76] “A market maker is only obliged to interact with another member firm on the basis of its Exchange firm quote”. See: Rule 4200, Rules of the London Stock Exchange, Rule Book, 2018.
[77] Rule 4220.2, Rules of the London Stock Exchange, Rule Book, 2018.
[78] Definitions, firm quote, Rules of the London Stock Exchange, Rule Book, 2018.
[79] “Market makers will not be able to enter executable quotes that are outside the maximum spread, if they attempt to do so a rejection message will be sent to the market maker”. See: Guidance to Rule 4101, Rules of the London Stock Exchange, Rule Book, 2018.
[80] “A market maker is only obliged to interact with another member firm on the basis of its Exchange firm quote”. See: Guidance to Rule 4201, Rules of the London Stock Exchange, Rule Book, 2018.
[81] Rule 4400, Rules of the London Stock Exchange, Rule Book, 2018.
[82] Article 38, Exchange Rules of Börse Berlin, 2016.
[83] Article 43, Exchange Rules of Börse Berlin, 2016.
[84] THEISSEN, Erik and WESTHEIDE, Christian”Call of Duty: Designated Market Maker Participation in Call Auctions”, Centre for Financial Research (CFR), University of Cologne, Working Paper, No. 16-05, August 21, 2017, page 23.
[85] Osaka Exchange, Inc., Handling of Market Maker Program for Futures and Options Market, Effective: January 4, 2018, page 1.
[86] Op. cit., page 7.
[87] SLEMMER, Daniel W., Artificial Intelligence & Artificial Prices: Safeguarding Securities Markets from Manipulation by Non-Human Actors, Brooklyn Journal of Corporate, Financial & Commercial Law, Vol. 14, No. 1, 2019, page 149.
[88] أي أنَّ قدرة مُزوِّد السيولة على التأثير في الأسعار تُشبهُ الضربة المفاجئة التي قد تُسبِّب صدمة لصانع السوق الذي يستخدم روبوت التداول الخوارزمي؛ حيث يتمُّ استخدام روبوت الذكاء الاصطناعي في بورصة وول ستريت الأمريكية بما معدله 193 ألف عملية تداول في اليوم. أنظر في جانب من الفقه الأمريكي:
“AI is now being used to make investments on Wall Street, and it is capable of making 193,000 trades a day”. See: MARTINEZ, Rex, Artificial Intelligence: Distinguishing between Types & Definitions, Nevada Law Journal, Vol. 19, No. 3, Spring 2019, page 1020.
ولكن إن استطاع هذا الصانع استيعاب الصدمة، ثم قام بتنفيذ استراتيجية تداولٍ تحمل مُخطَّطات المناورة، فإنَّه قد يتغلَّب على مُزوِّد السيولة في النهاية.
[89] فعلى سبيل المثال، إذا رغبت بورصة معينة بالترخيص لصانع سوق ومزود سيولة، فإن كانت الشركة الصانع وطنية ذات إمكانيات مالية محدودة، فإنَّ قدرتها على تحديد مسار السوق ستكون محدودةً بالنظر إلى شركة تزويد السيولة إذا كانت أجنبية تتمتَّع بمركز مالي قوي عالمياً.
[90] وهي تبلغ ما نسبته 70% من الكمية الإجمالية في السوق الأمريكية مثلاً أنظر:
“Algorithmic trading (AT) and high-frequency (HFT) trading, which are responsible
for over 70% of US stocks trading volume…”. See: CARTEA, Álvaro and JAIMUNGAL, Sebastian, Modelling Asset Prices for Algorithmic and High-Frequency Trading, Applied Mathematical Finance, Vol. 20, No. 6, 2013, page 512.
[91] BROGAARD, Jonathan A., High Frequency Trading and Its Impact on Market Quality, Northwestern University School of Law, Management Work paper, No. 66, 2010.
[92] “Regarding HFTs’ trading activity, I find that HFTs tend to follow a price reversal strategy driven by
order imbalances…”. See: Ibid, page 40.
[93] مثل هذه النتيجة هي عبارة عن صورة نهائية لوقوع البورصة ضحية لعملية تلاعبٍ مكتملة الأركان عبر استغلال الصانع لصلاحيَّة التسعير بالاشتراط مع المزوِّد، وهي ممارسةٌ تصعب مواجهتها ضمن البيئة التشريعية الحالية. أنظر:
SLEMMER, Daniel W., op. cit., page 180.
فالصانع يستغلُّ صلاحية التسعير النظرية الصريحة والمُزوِّد يستغلُّ صلاحية التسعير العملية الخاطفة، ذلك على الرغم من أنَّ وظيفة كلٍّ من الصانع والمُزوِّد هي :” تخفيض التقلُّب والفروق بين الأسعار” “Obligation Lowers Volatility and Spreads”. أنظر:
WEAVER, Daniel, op. cit., page 7.
[94] أكَّد القضاء الأمريكي على أنَّ موضوع الحدود السعرية يُشكِّل أهمية للمتداولين بالخوارزميات والمتداولين عبر تقنية التداول عالي التردُّ أنظر:
“Among the market participants that rely on data about pending limit orders that are visible to the markets are market makers…. high-frequency traders, and investors that use algorithms to implement their trading strategies, such as institutional investors”. See: Securities and Exchange Commission v. LEK SECURITIES CORPORATION, United States District Court, S.D. New York, March 14, 2019.
[95] أونور، إبراهيم، فعالية أسواق الأسهم العربية، سلسلة جسر التنمية، المعهد العربي للتخطيط، الكويت، العدد 89، يناير 2010، ص 4.
[96] المرجع السابق، ص 5.
[97] صندوق النقد العربي، مساهمة صندوق النقد العربي في تطوير الأسواق المالية العربية، يونيو 2003، ص 15.
[98] أونور، إبراهيم، فعالية أسواق الأسهم العربية، مرجع سبق ذكره، ص 9.
[99] فيقوم مثلاً بطرح الأوراق المالية بأسعارٍ منخفضةٍ متسلسلةٍ عندما يستشعر ارتفاع السعر عن القيمة الحقيقية للورقة، وبالعكس في حالة انخفاض قيمة الورقة عن قيمتها الحقيقية. وفي ذات الوقت يمكن لمُزوِّد السيولة أن يُمارسَ دوراً داعماً لسياسة الصانع في التسعير عبر مقابلة أوامر التداول على الأسعار.
[100] للتعمُّق في المجال الرقابي على البورصات العربية، راجع: أونور، إبراهيم، الأطر الرقابية لأسواق الأسهم العربية، سلسلة جسر التنمية، المعهد العربي للتخطيط، الكويت، العدد 89، فبراير 2011، ص 2.
[101] أنظر: مسعداوي، يوسف، مرجع سبق ذكره، ص 141.
[102] للتعمُّق في منهج صانع السوق بغرض إضافة السيولة في البورصة، أنظر: القوصي، همام، منهج نشاط صانع السوق بإضافة هامش السيولة (بين القيمة النقديَّة والحجم الكمِّي) – نموذج بورصة الكويت، والبورصة المصريَّة، وبورصة ونيويورك –، المجلة المصرية للدراسات القانونية والاقتصادية (EJLES)، مجلة علمية محكمة، مصر، العدد 11، يوليو 2018، ص 308.
[103] Rule 4101, Rules of the London Stock Exchange, Rule Book, 2018.
[104] Definitions, executable quote, Rules of the London Stock Exchange, Rule Book, 2018.
[105] Rule 4101.1., (Guidance to Rule), Rules of the London Stock Exchange, Rule Book, 2018.
[106] Rule 4200, Rules of the London Stock Exchange, Rule Book, 2018.
[107] Rule 4220.2, Rules of the London Stock Exchange, Rule Book, 2018.
[108] Definitions, firm quote, Rules of the London Stock Exchange, Rule Book, 2018.
[109] Rule 4201, Rules of the London Stock Exchange, Rule Book, 2018.
[110] Rule 4202, Rules of the London Stock Exchange, Rule Book, 2018.
[111] WEAVER, Daniel, op. cit., page 10.
[112] Rule 4401.2, Rules of the London Stock Exchange, Rule Book, 2018.
[113] “Market Makers are obliged prior to the Opening (Art. 18 Trading Rules) and throughout continuous trading to post Quotes (Art. 14, 15 Trading Rules) for the instruments that they are registered for“. See: Article 38, Exchange Rules of Börse Berlin, 2016.
[114] “Liquidity Providers are obliged to transact client orders up to the maximum volume…”. See: Article 39, Exchange Rules of Börse Berlin, 2016.
[115] للتعمُّق في تحقيق غاية إعادة التوازن بين العرض والطلب من خلال صانع السوق، راجع: القوصي، همام، تأثير التزامات صانع السوق تجاه بورصة الكويت للأوراق الماليَّة على إعادة توازن العرض مع الطلب -دراسة مقارنة مع نظام بورصة ناسداك ونيويورك-، مرجع سبق ذكره، ص 461.
[116] Osaka Exchange, Inc., Handling of Market Maker Program for Futures and Options Market, Effective: January 4, 2018, page 5.
[117] Osaka Exchange, Inc., Handling of Market Maker Program for Futures and Options Market, Effective: January 4, 2018, page 7.
[118] Osaka Exchange, Inc., Handling of Market Maker Program for Futures and Options Market, Effective: January 4, 2018, page 8.
[119] قد يُواجِهَ الصانع ضغطاً كبيراً بغرض مقابلة العرض أو الطلب في السوق الالكترونية التي يتمُّ التداول فيها عبر شبكة الإنترنت، خاصةً من المتداولين مثله عبر الخوارزميات. أنظر:
“KCG is a financial-services firm. Chung Decl. … It “engages in propriety algorithmic trading and electronic market trading through exchanges and other computer-based platforms through the internet, in the United States and around the world”. See: KCG HOLDINGS, INC. v. KHANDEKAR, United States District Court, S.D. New York, March 12, 2020.
[120] “Finally, when rebalancing their positions, High Frequency Traders may compete for liquidity and amplify price volatility”. See: KIRILENKO, Andrei, The Flash Crash: The Impact of High Frequency Trading on an Electronic Market, SSRN Papers, May 26, 2011, page 37 to 38.
للتعمُّق في فكرة تنافس المتداولين عبر تقنية التداول عالي التردُّد فيما بينهم، راجع في جانب من الفقه الكندي:
BROGAARD, Jonathan, et. al., High-Frequency Trading Competition, Bank of Canada, Working Paper No. 19, 2014, page 25.
وفي دراسةٍ من البنك المركزي الأوروبي حول التنافس خلال تطبيق التداول عالي التردُّد، راجع:
BERCKENFELDER, Johannes, Competition among high-frequency traders, and market quality, European Central Bank, Working Paper Series, No. 2290, June 2019.
[121] يمكن اعتبار مثل هذه المخاطر المالية ناشئةً عن الابتكارات التكنولوجية بشكلٍ خاصٍّ، الأمر الذي يوجب على التشريعات أن تتكيَّف معها. أنظر حول هذه الفكرة في الفقه الكرواتي:
“… demonstrate how the legislation is adapting to technological innovation and increased systemic risk”. See: Pavković, Anita and Matek, Petar-Pierre, Legislation Key Milestones of Capital Market Union in the Republic of Croatia and the European Union, EU and Comparative Law Issues and Challenges Series, No. 3, 2019, page 969.
[122] MACKENZIE, Donald, How fragile is competition in high-frequency trading?, 2019, page 1. See: http://www.sociology.ed.ac.uk/ (22-3-2020).
[123] الصانع خبيرٌ في الورقة التي يَصنعُ سوقها؛ حيث يعلم الظروف التي تؤدِّي إلى ارتفاع سعرها أو انخفاضه أو ثبات التداول عليها عند سعر معين أو حتى ركودها، ونتيجةً لذلك فإنَّ روبوت التداول الخوارزمي بإمكانه استغلال الظروف عبر تسخير مخزون الصانع في توجيه التداول أو تثبيته.
مثل هذه الممارسة للتلاعب بسعر السوق يمكن لمُزوِّد السيولة المشاركة بها عبر توجيه التداول عالي التردُّد بغرض تنفيذ كميات هائلة بالاتِّجاه الذي بدأه الصانع، وهذه –في الواقع- إحدى صور الجرائم الخوارزمية. أنظر:
“These are examined from a non-technical perspective in order to highlight how they are being used as techniques for spotting suspicious behavior and how data are being used to profile, algorithmically manipulate and distil actionable information for preventing criminal behavior“. See: DEMETIS, dionysios, The Role of Information Systems in the Prevention and Detection of Transnational and International Crime, Criminological Approaches to International Criminal Law, 2020, page 195.
[124] للتعمُّق في هذا الموضوع راجع:
ZARING, David, Regulating Banking Ethics: A Toolkit, Seattle University Law Review, Vol. 43, 2020, page 555.
أنظر في خدمات التداول الخوارزمي التي تتحمل مخاطرها البنوك، لدى:
“This group includes proprietary traders; client-facing advice-givers, such as financial advisers and investment managers; material risk-takers; and those with responsibility for approving the deployment of algorithmic trading strategies”. See: Ibid, page 575.
فكرة الأخلاق ترتبط أيضاً بمدى احترام تنفيذ معايير حوكمة الشركات في ظلِّ تطبيق التداول الخوارزمي. أنظر في هذه الفكرة لدى جانب من الفقه البريطاني:
DIGNAM, Alan, Artificial Intelligence: The very human dangers of dysfunctional design and autocratic corporate governance, Queen Mary University of London, Legal Studies Research Paper, No. 314, 2019.
[125] وذلك أكثر من كفاءة السيارة ذاتية القيادة مثلاً. أنظر:
“… there is a difference between following pre-registered actions to construct a car and learning to make better autonomous decisions on what stock to invest in”. See: MARTINEZ, Rex, op. cit., page 1030.
[126] CARRION, Allen, very fast money: High-frequency trading on the NASDAQ, Journal of Financial Markets, Vol. 16, 2013, page 680.
بهذه الطريقة يُثري الصانع والمُزوِّد على حساب جمهور المتداولين في البورصة، حيث يتمُّ سحب السيولة لمصلحتهما بشكل كبير.
[127] للتعمُّق في دور هذه الصناديق ضمن أسواق المال المعاصرة، راجع:
CLEMENTS, Ryan, “New Funds, Familiar Fears: are exchange traded funds making markets less stable? Part II-Interaction Risks”, SSRN Papers, 2019.
[128] أنظر في دراسة تجع فكرة التداول عالي التردُّد مع أوامر التداول الخاصة بالمستثمرين المؤسساتيين من عمل جانب من الفقه الهولندي:
Van Kervel, Vincent and; Menkveld, Albert J., High-Frequency Trading around Large Institutional Orders, Tinbergen Institute Discussion Paper, No. 17-092/IV, 2017, page 1.
[129] للمزيد من الاطلاع والتعمُّق في البنية الجزئية للبورصة، راجع: عبد مولاه، وليد، مرجع سبق ذكره، ص 3.
[130] المرجع السابق.
[131] للتوسع في هذا الموضوع في الفقه العربي، راجع: القوصي، همام، النظام القانوني لعمليات التداول في سوق الأوراق المالية، مرجع سبق ذكره، ص 207، وما يليها.
[132] أنظر في هذا الموضوع لدى: بلقاسم، العباس، تبعات الأزمة الاقتصادية على الدول العربية والنامية، سلسلة جسر التنمية، المعهد العربي للتخطيط، الكويت، العدد 102، مارس 2011، ص 18.
[133] مسعداوي، يوسف، مرجع سبق ذكره، ص 140.
[134] “Before offering opinions on the layering scheme alleged by the SEC, Grigoletto provides background on the equities and options markets, including a discussion of … how trading has evolved since the development of algorithmic trading practices”. See: SEC v. LEK SECURITIES CORPORATION, United States District Court, S.D. New York, March 14, 2019.
[135] قد يقوم المتداوِل بالخوارزميات بتحديث تقنيات التداول لديه عبر جهات مُحترِفَة بتطوير أنظمة التداول الخوارزمي، وهكذا يسبق السوق بخطوةٍ بعد إتمام عملية التطوير التي قد تستغرق سنةً، أنظر في القضاء الأمريكي:
“During that time petitioner engaged a foreign exchange algorithmic trading strategy developer (first service provider), which automated his trading strategy in 12 months”. See: WHISTLEBLOWER 7208-17W v. COMMISSIONER OF INTERNAL REVENUE, United States Tax Court, July 31, 2018.
[136] قبل تنفيذ هذا المقترح عملياً، يُرجَى مراجعة المزيد من المعلومات حول تطبيق نماذج تعلُّم الآلة على عمل صانع السوق، أنظر:
Kapil KANAGAL, Yu WU, Kevin CHEN, “Market Making with Machine Learning Methods”, Stanford Education, California (USA), June 10, 2017.
See: https://web.stanford.edu/class/msande448/2017/Final/Reports/gr4.pdf (5-2-2018).
وبخصوص تعلُّم الآلة فيما يتعلق بالتداول عالي التردُّد، أنظر:
DIXON, Matthew F., et. al., Deep Learning for Spatio-Temporal Modeling: Dynamic Traffic Flows and High Frequency Trading, arXiv, 7 May 2018, page 1.
[137] قبل تنفيذ هذا المقترح عملياً، يرجى مراجعة التعمُّق في علاقة التداول عالي التردُّد بالمعلومات، ويمكن الاستفادة من المرجع التالي في هذا الخصوص:
HENDERSHOTT, Terrence and RIORDAN, Ryan, Algorithmic Trading and Information, University of California at Berkeley, June 21, 2011. See: http://academia.edu/ (22-3-2020).
[138] يمكن أن نُطلِقَ على الحدود السعرية في هذه الحالة تسمية “مسامير السعر” “Prices Spikes”. أنظر:
MCGROARTY, Frank, et. al., High Frequency Trading Strategies, Market Fragility and Prices Spikes, Annuals of Operation Research, 2019, page 217.