
السياسي والدّيني في خطاب حزب “العدالة والتنمية” الإسلامي مِن المرجعية إلى الواقع
The Political and the religious in the discourse of the Islamic Party “The Justice and The Development” From the reference to reality
نورالدين اليزيد، باحث في سلك الدكتوراه، جامعة محمد الخامس، الرباط، المغرب
NourEddine EL YAZID, PhD Researcher, Mohammed V University, Rabat, Morocco
مقال نشر في مجلة جيل الدراسات السياسية والعلاقات الدولية العدد 27 الصفحة 35.
Abstract:
In this research, we have attempted to monitor the political discourse of the Islamic Party “The Justice and The Development” (Morocco), and its conformity with its religious reference, which is critical and influential, both in terms of its structure as a political organization or in its dealings with other components of the political scene and with the political system, but especially in dealing this religious reference party with the public opinion, which undoubtedly had a great influence on him and gives him his electoral voice, which made him lead the political scene in two legislative mandates; In our analysis, we discussed some of the contradictions between discourse and practice, especially when the leaders of this party, having been pressured by the circumstances of the region, were forced to emphasize that they are just a party like the rest of the parties, particularly after the political Islam, in the region, became in crisis after the “Muslim Brotherhood” was considered a terrorist organization by some regional powers.
Keywords: Justice and Development Party, Moroccan regime, political parties, political Islam, Arab Spring, Muslim Brotherhood.
ملخص:
حاولنا في هذه الورقة رصد الخطاب السياسي عند حزب “العدالة والتنمية” الإسلامي (المغربي)، ومدى تطابقه مع مرجعيته الدينية، التي تعتبر عنصرا حاسما ومؤثرا، سواء أعلى مستوى بِنيته كمنظمة سياسية، أم في تعامله مع باقي مكونات المشهد السياسي ومع النظام السياسي القائم، لكن وبالخصوص في تعامل هذا الحزب ذي المرجعية الدينية مع الرأي العام الذي لا شك أن المرجعية كانت مؤثرة عليه بشكل كبير وهو يمنحه صوته الانتخابي الذي جعله يتصدر المشهد السياسي في ولايتين تشريعيتين؛ وتطرقنا في تحليلنا إلى بعض مكامن التناقض بين الخطاب والممارسة، خاصة عندما اضطر قادة هذا الحزب، بعد الضغط عليهم بسبب الظروف التي مرت بها المنطقة، ليؤكدوا أنهم مجرد حزب عادٍ كباقي الأحزاب، ولاسيما أيضا بعدما أصبح “الإسلام السياسي”، في المنطقة، في أزمة بعدما تمَّ اعتبار “جماعة الإخوان المسلمين” منظمة إرهابية من طرف بعض القوى الإقليمية.
الكلمات المفتاحية: حزب العدالة والتنمية، النظام المغربي، الأحزاب السياسية، الإسلام السياسي، الربيع العربي، الإخوان المسلمين
مقدمة:
عندما تداول نشطاء في مواقع التواصل الاجتماعي، مطلع هذه السنة (2019)، صور النائبة البرلمانية عن حزب العدالة والتنمية الإسلامي، آمنة ماء العينين، في العاصمة الفرنسية باريس، وهي غير مرتدية الحجاب الإسلامي الخاص بالمرأة بحسب ما هو مألوف في العادات المغربية، وكما تعود المواطنون أن يروها، لم يكن كثيرون ينظرون إلى المسألة على أنها قضية كبرى تستحق أن يهتم بها الرأي العام الوطني، كما لم يكن أكبر خصوم حزب العدالة والتنمية يتوقعون أن يكون لهذا التصرف الفردي للقيادية في الحزب، ردود فعل على مستوى تنظيمها الحزبي، فيخرج قياديون كثيرون بتصريحات تدور حول مرجعية الحزب ومبادئه؛ ومن ذلك قول بعضهم بعدم إلزامية لباس الحجاب أو إسدال اللحية لاكتساب العضوية، بل لتتطور الأمور إلى إعلان أمين عام الحزب ورئيس الحكومة السابق عبدالإله بنكيران أن الحزب لم يكن يوما حكرا على المحتجبات أو أصحاب اللحى، بل هو مفتوح حتى أمام غير المسلمين من المغاربة.
هذا النوع من الخطاب النادر الذي جاء على لسان أكثر من قيادي في حزب العدالة والتنمية (الإسلامي)، جعل البعض يتحدث عن أن الأمر هو أكثر من مجرد دفاع عن زميلتهم التي وجدت نفسها أمام عاصفة من الانتقادات، وأن محاولة تبرير ظهور البرلمانية ماء العينين في باريس بدون حجاب، هو إشارة قوية على بدء قيادة حزب رئيس الحكومة المغربية الحالي سعد الدين العثماني مرحلة جديدة في الممارسة السياسية هي أبعد عن المرجعية الدينية وأقرب إلى المرجعية الوطنية. ولعل من بين مؤشرات بداية الطلاق، أو لنقل بعبارة أدق، الابتعاد عن الرموز الدينية التي ظلت منذ إنشائه تعتبر مرجعية الحزب الدينية، ما جاء على لسان عبدالإله بن كيران الأمين العام السابق للحزب ورئيس الحكومة السابق أيضا، عندما أكد في أحد تصريحاته أن “نزعها (يقصد القيادية آمنة ماء العينين) للحجاب أمر شخصي، ويهم بالدرجة الأولى علاقتها بالله…آمنة الله يتولاها إذا خالفته وإذا لم تخالفه، أما الحزب فلا دخل له في الموضوع”[1].
لكن بالإضافة إلى ما انطوت عليه تصريحات مختلف قيادات حزب “العدالة والتنمية” من تلميحات بمراجعة في المرجعية الدينية التي رافقت الحزب منذ التأسيس، أو على الأقل لتوضيح ما ينبغي توضيحه مِن أن الحزب ليس “دينيا” حتى ولو كانت مرجعيته التي دأب على تنصيصها في خطب قياداته وفي أوراقه ووثائقه، إلا أن ما هو ثابت في الجدال الذي خلفته تصرفات بعض قيادات الحزب هو تغيّر واضح في الخطاب السياسي لدى الحزب وقادته، إلى درجة جعلت البعض ينتقدهم بشدة إلى حد نعتهم بـ”الازدواجية” أو “الشيزوفرينيا”، ولا أدل على ذلك من هذا الكم الهائل من التناقض بين ما يدْعون إليه في أدبياتهم الحزبية وفي مؤتمراتهم وحتى برامجهم الانتخابية، وبين الممارسة والواقع، تماما كما ظهر جليا في أفعال بعضهم.
مسار البحث:
سنحاول في هذه الورقة البحثية مقاربة الخطاب عند قادة حزب العدالة والتنمية، وسنعرض لبعض المواقف التي صدرت عن الحزب وقيادته منذ وصولهم إلى الحُكم في سنة 2011، على إثر موجات “الربيع العربي”، التي وصلت أصداؤها إلى المملكة المغربية في إطار الحراك الشعبي الذي اجتاح جل المدن المغربية وقتها، من خلال حركة 20 فبراير التي قادت تلك الاحتجاجات، وسنقارب تلك المواقف مع ما تنص عليه أوراق ومبادئ حزب “بيجيديPJD”[2]، لنَتبَين مدى تطابقها معها، كما سنعرج على تأثير ممارسة الحكم أو إدارة الشأن العام سواء على الصعيد الوطني (القومي) أو المحلي (على مستوى المدن أو المحافظات)، على لغة ونوعية الخطاب السياسي لدى قادة الحزب، قبل أن نقف عند ما صدر مؤخرا عن القيادة الحزبية من تصريحات في ما يشبه النقد الذاتي الذي قد يفتح المجال لإعادة النظر في المرجعية الدينية للحزب الحاكم، لاسيما في ظل النموذج المغربي الفريد من نوعه في المنطقة في مجال ممارسة الحكم، حيث يعتبر الملك هو الحاكم الفعلي، في إطار نظام حكم ملكي تنفيذي، وحيث يصعب على أي حزب أن يحكم بأغلبية حكومية مريحة بسبب بلقنة المشهد الحزبي، ما يفرض على الحزب الفائز في الانتخابات الدخول في تحالفات تتحكم فيها نوعية الحقائب الوزارية وعددها أكثر مما تتحكم فيها مبادئ الحزب أو إيديولوجيته.
أهمية البحث:
تتجلى أهمية هذه الورقة في أنها محاولة لتحليل المرجعية الدينية لحزب ذي وزن وقيمة كبرى بل وحساسية سياسية ودينية قصوى، ليس على المستوى المحلي فحسب بل حتى إقليميا ودوليا؛ ويتعلق الأمر بمرجعية حزب “العدالة والتنمية” الإسلامي الذي وصل إلى ترؤس الحكومة بالمغرب في أوج “الربيع العربي” قادما من المعارضة، بل وقاد أكثر من حكومة وترأسها عبر ولايتين تشريعيتين في سابقة هي الأولى في التاريخ السياسي المغربي؛ إنه الحزب الإسلامي الذي بقدر ما شكل استثناء في المنطقة فإنه أثار الكثير من التساؤلات حول قدرته على التأقلم مع النظام السياسي القائم ومع فسيفساء المشهد السياسي، ما جعله يصمد كل هذه المدة (أزيد من سبع سنوات) على رأس الحكومة.
هدف البحث:
نتوخى من خلال هذه الدراسة محاولة رصد الخطاب عند إسلاميي المغرب الذين قبلوا بالدخول في اللعبة السياسية بل وممارسة الحكم، ومدى تطابق هذا الخطاب مع المرجعية الدينية التي يتبنونها، وإلى أي حد يستطيعون احترامها والحفاظ عليها، سواء أعلى مستوى الخطاب أم الممارسة.
إشكالية البحث:
تبعا لما تقدم فإننا سنحاول في هذه الورقة البحثية الإجابة عن إشكالية مدى التزام حزب “العدالة والتنمية” في خطابه السياسي بالمرجعية الإسلامية التي تعتبر محددا حاسما في هوية الحزب وفي تميزه عن باقي الأحزاب الأخرى، وقدرة الحزب على الدفاع عن هذه المرجعية.
أسئلة بحثية:
تبعا للإشكالية المتوصل إليها تتفرع ثلاث أسئلة بحثية رئيسية حول:
- فهم الخطاب السياسي عند حزب العدالة والتنمية الذي يعتمد مرجعية دينية، في الوقت الذي يزعم أنه حزب وطني كباقي الأحزاب.
- تأثير المحيط الإقليمي والدولي على مرجعية الحزب وبالتالي على خطابه السياسي، في وقت تمت فيه محاربة أحزاب يتقاسمها المرجعية.
- مدى حفاظ الحزب على نفس الخطاب ذي المرجعية الإسلامية وهو يمارس السلطة في بلد يعتبر فيه الملك هو “أمير المؤمنين”.
ولمقاربة إشكالية البحث والإجابة عن الأسئلة الرئيسية فإننا سنتناول الورقة بالتطرق إلى المحاور الرئيسية التالية؛
1- مرجعية حزب العدالة والتنمية
2- أثر المرجعية الإسلامية على الحزب وهو في السلطة
3-تأثير المحيط الإقليمي والدولي على خطاب الإسلاميين
4-تأثير ممارسة الحكم على المرجعية الإسلامية لدى حزب العدالة والتنمية
1- مرجعية حزب العدالة والتنمية:
لا يكُف أعضاء الحزب المغربي (العدالة والتنمية) الحاكم منذ تأسيسه عن ترديد كون مرجعيته الإيديولوجية كمنظمة سياسية أنها “إسلامية”[3]، بل إن الخطاب عند السياسيين المنتمين لهذا الحزب، بات منذ سنة 2011 -عند وصولهم لأول مرة في تاريخهم إلى ترؤس الحكومة-بمثابة الورقة السياسية التي يعتقدون أنها هي التي أوصلتهم إلى الحكم وهي التي تكسبهم الامتياز عدا عن التفرد الإيديولوجي عن باقي الأحزاب السياسية المغربية الأخرى، سواء اليمينية المحافظة أو اللبرالية أو الاشتراكية، بل أصبح البعض منهم لا يتردد في التباهي بهذه المرجعية إلى درجة يخال معها المرء أن الحزب هو الوصي على الدين الإسلامي بالمغرب، أو على الأقل هو وحده من يتبنى المرجعية الإسلامية، بينما في واقع الأمر هناك حزب عريق هو “حزب الاستقلال”، ما فتئ يؤكد أنه ذو مرجعية إسلامية وهو أول حزب بالمملكة المغربية من دافع عن دين غالبية المغاربة (الإسلام) وعن لغتهم العربية ضد الاحتلالين الفرنسي والاسباني، وفق ما يشير إليه زعماء الحزب وتوثقه أوراقه وأدبياته[4].
ويبدو أن المرجعية الإسلامية عند حزب العدالة والتنمية باتت في السنوات الأخيرة -لاسيما بعد عدة حوادث وتصرفات لقادته أثارت مؤخرا نقاشا عاما بالبلاد، وبعد مرور أزيد من سبع سنوات على إدارتهم للحكومة دون أن يعطي الحزب أي انطباع يمت لصلة بحُكم إسلامي- تحتاج إلى كثير من التمحيص والتجريب على مخبر العلوم السياسية وقياسها، بالخصوص، على ممارسة السلطة والحُكم، لمعرفة مدى حفاظها على عذريتها الإيديولوجية والمبدئية، وإلى أي حد ظلت مرجعيةً استثنائية تعتبِر مسألة الأخلاق مكونا رئيسا لها، لأن هناك مواقف كثيرة لقيادات بارزة في الحزب، لاسيما الذين تقلدوا أو يتقلدون مناصب عمومية كبيرة كمنصب وزير أو برلماني، أكدت غير كثير من الابتعاد عن هذه المرجعية التي تمتح من الدّين. ولكن ربما وجد ذلك تفسيره في بعض مراجع الحزب وتصريحات قادته أو تفسيرهم لتلك المرجعية، بحيث أفاض كثيرا زعيم الحزب ورئيسه، عبدالإله بنكيران، في حوار صحافي مطول، في شرح هذه المرجعية المثيرة للسؤال، عندما أكد بالقول “لا أعتقد أن هناك تياراً دينياً في السياسة بما في ذلك حزب العدالة والتنمية، لو كنا تيارا دينيا، فينبغي لنا أن نأتي بما نعتقده أحكاما شرعية ونقول هذا هو برنامجنا، وليس هناك أحد اليوم دينياً بهذا المعنى مائة بالمائة، ولا أحد كذلك علمانياً مائة بالمائة.. لكن يُحسب لنا أننا أول تيار في العالم الإسلامي الذي أطلق عبارة “المرجعية الإسلامية”، هذه العبارة بالنسبة لنا بمثابة ميزان لقياس الأشياء؛وإن المجتمعات اليوم تريد أن تظل مسلمة، والدليل على ذلك نسبة تديِّن الشعب المغربي، لكن في المقابل تريد هذه المجتمعات أن تعيش حياة عصرية”[5].
لكن وبعيدا عن بعض المواقف الشخصية الصادرة عن قيادات حزب العدالة والتنمية والتي أثارت كثيرا من النقاش والانتقاد إلى حد اتهامهم من قِبل البعض بـ”ازدواجية” الخطاب (سنعرض لاحقا لبعض مظاهر ذلك)، فإننا قد نجد في الأوراق والمقررات الصادرة عن الحزب إشارات قوية تفيد باستعداد حزب رئيس الحكومة السابق (عبدالإله بنكيران) والحالي (سعد الدين العثماني)التأقلم مع ما سماها “التغيرات” التي صادفت وصوله إلى السلطة، في سنة 2012، ولعل ذلك ما نصت عليه صراحة أطروحة المؤتمر الوطني السابق للحزب المنعقد في ديسمبر 2012، حيث جاء في الديباجة أن: “المؤتمر الوطني السابع جاء في سياق حافل بمتغيرات وازنة وتحديات جديدة متجددة، متغيرات تطرح أسئلة كبرى على الحزب، خاصة مع المتغير الجوهري في موقعه بانتقاله من المعارضة إلى قيادة العمل الحكومي. مما يفرض إعادة النظر في الرؤية السياسية التي كانت ناظمة للمرحلة السابقة، بناء على تقييم أدائه السياسي، ورصد عناصر القوة قصد تثمينها وتطويرها، ورصد مكامن الخلل والقصور لتجاوزها من أجل مواصلة العمل على خط النضال والبناء الديمقراطيين”[6]. ولقد كان أمام الحزب خيارات ثلاث، كما حددها زعيمه عبدالإله بنكيران، وكانت بمثابة تحدٍّ بالنسبة إليهم: “إما الرفض والمواجهة مع النظام وهو خيار اتبعه آخرون (يقصد تجارب إسلاميين في دول أخرى بالمنطقة)، لكنه لم يسفر عن أي نتائج، ومازلنا مقتنعين بأن الرفض والمواجهة لا يسفران عن أي نتائج، وكان الخيار الثاني هو اعتزال السياسة بالكامل والابتعاد عن النظام السياسي، ثم هناك خيار المشاركة على الرغم من الصعوبات التي اخترناها منذ العام 1992؛ هذا هو مسارنا بسبب خصوصية الشعب المغربي والدولة المغربية التي كان لها منذ قرون نهج استشاري لأن الدولة المغربية ليست سلطة مركزية[7]. ولعله “خيار المشاركة” الذي التقت فيه رغبة قادة حزب “العدالة والتنمية” مع النظام الملكي المغربي، حيث يعتقد البعض أنه خلف الكواليس، يحاول “المخزن”[8] (النظام الملكي) إضعاف شعبية حزب العدالة والتنمية، وفي الواقع وعلى الرغم من أن الحزب سطَا على موجة الربيع العربي للوصول إلى السلطة، فلا يزال “المخزن” ينظر إلى هذا الحزب الإسلامي باعتباره مساعدا ملحقا لاستقرار النظام”[9].
إن حديث الحزب عن “فرْض إعادة النظر في الرؤية السياسية” ليس إلا تلميحا متقدما يكاد يكون قاب قوسين أو أدنى من التصريح باستعداده لإعادة النظر في “رؤيته السياسية” التي لن تكون لا يسارية ولا ليبرالية ولا حتى يمينية على شاكلة أحزاب أخرى تزعم أنها يمينية دون أن تتخذ الدين مرجعية بقدر ما تكتفي برفع شعار “الملكية الدستورية”، ولكنها رؤية سياسية تلبس لبوس الدين الإسلامي، أي بعكس باقي الأحزاب اليمينية الأخرى التي يلتقي معها الحزب في “إيمانها” بالملَكية المحافظة فهو لا يجد مندوحة عن تبني إيديولوجية إسلامية لا يخفى على أحد الحجمُ الكبير من المكاسب السياسية التي ما كانت لتتحقق له لولاها لاسيما في ظل هبة احتجاجات “الربيع العربي” التي اجتاحت المنطقة العربية منذ سنة 2010، والتي حملت أحزابا سياسية إلى واجهة الأحداث وأحيانا إلى ممارسة السلطة. وإضافة إلى الصفة الدينية التي يصبغ بها قادة الحزب وباقي الأحزاب الإسلامية كلامهم، فإن تميزهم ببلاغة الخطاب عن كثير من قيادات ألوان الطيف السياسي الأخرى تجعلهم يؤثرون أكثر على الناس/الرأي العام، وقد ذكر جورجياس (وهو أحد أشهر معلمي البلاغة في تاريخ اليونان القديم) في محاورة حملت اسمه خصصها أفلاطون لنقد البلاغة، أن هؤلاء الذين يعرفون كيف يتكلمون وكيف يقنعون الجمهور، يتمكنون من تسخير الجمهور لخدمتهم، ويمكنهم بسهولة سلب هذا الجمهور ما يمتلكه[10].
ولعل هذه الصبغة/الإيديولوجية “الدينية” هي ما جعلت زعماء الحزب لا يترددون في الجهر بها في تصريحاتهم وكتاباتهم، بل يعتبرونها قيمة أخلاقية لمْ ولا تتوفر لغيرهم، وهي الدافع الأساس لتصويت الناخبين عليهم في انتخابات خريف سنة 2011 واحتلالهم المرتبة الأولى التي سمحت لهم بقيادة الحكومة المشكَّلة بداية السنة الموالية، وكذلك في الانتخابات اللاحقة سواء المحلية في سنة 2015 أم التشريعية في العام 2016؛ والكلام هنا مقتبس مما ورد حرفيا في مقال للقيادي في الحزب الإسلامي (العدالة والتنمية)، محمد يتيم، عندما أكد “أن الحزب الذي يقودها (الحكومة) يتوفر على قيادات قادمة أساسا من العمل الاجتماعي بخزان قيمي وخزان أخلاقي قوي (يقصد العنصر الديني طبعا) وقريبة من الأوساط الشعبية حيث يرى المواطنون أنفسهم في هذا النوع المختلف نسبيا من القيادات السياسية والبرلمانية المعتادة، مما أصبح نادرا في الوسط السياسي، وذلك أحد أسباب الالتفاف الشعبي حول التجربة”[11]. ويكاد هذا الحديث يجد له الصدى في الجناح الدعوية للحزب (حركة التوحيد والإصلاح)، التي يعتبر السيد محمد يتيم أحد قادتها ورؤسائها السابقين، عندما تنص هذه الحركة، التي تمنع على نفسها وعلى أعضائها الخوض في السياسة، في ميثاقها على أن “ما اعتُبرت الحركةُ الإسلامية –التي تقود الصحوة بالبلاد وتوجهها- الامتداد الصحيح لأجيال المصلحين المجددين والمقتدين بهم من الأفراد والجماعات عبر التاريخ، وامتدادا أيضا لجيل المقاومة والجهاد ضد الاستعمار، وأن عليها إكمال مسيرة الاستقلال بالتخلص من مختلف الاستعمار، حتى تشمل سائر المجالات، وحتى تتبوأ الأمة الإسلامية مكانها الطبيعي بين أمم الأرض مصداقا لقوله تعالى{وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات لَيسْتخلِفنّهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليُمكّنَنّ لهم دينهم الذي ارتضى وليُبَدّلنّهم من بعد خوفهم أمْنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا}(النور)”[12].
إنه نفس التباهي بتلك المرجعية الدينية التي جهر بها أيضا “الزعيم” –كما يلقبه مناضلو حزبه- عبدالإله بنكيران، الأمين العام السابق (رئيس) للحزب ورئيس الحكومة السابق كذلك، عندما استشهد في مهرجان خطابي لتنظيم شبيبة حزبه في أواخر صيف 2016 بمدينة أغادير بمقولة مثيرة للجدل لشيخ الإسلام ابن تيمية، لَمَّا قال: “يا معشر القوم أنتم لا تفهمون مرجعيتنا، مرجعيتنا هي مرجعية ابن تيمية، وهو الذي علمنا أن نقول أنا جَنتي في صدري، أحملها معي أينما ذهبت فسِجني خلوة، ونفيي سياحة، وقتلي شهادة”[13].
إن مثل هذه التصريحات المثيرة جعلت الكثيرين يشككون في النوايا الحقيقية لحزب يزعم أنه إسلامي ويردد في خطاباته العلنية أنه، بالرغم من خصوصيته الإيديولوجية التي تمتح من عُنصر الدين الإسلامي الذي يجمع غالبية المغاربة وينتظمون بسببه في إطار “إمارة المؤمنين” التي يمثلها الملك بحكم الدستور والعرف والتاريخ، فإنه كباقي الأحزاب المغربية الأخرى جاء إلى الحكم فقط ليشارك من موقعه في تدبير الشأن العام في الإطار المتعارف عليه وفي نطاق ما يسمح به الدستور؛ إن حزب العدالة والتنمية بهذا المعنى، كما قال بعض الباحثين، يختلف موقفه بشكل ملحوظ عن “جماعة العدل والإحسان” شبه المحظورة، والتي كانت في وقت من الأوقات تتحدى السلطة الدينية للملك، بعكس حزب العدالة والتنمية الذي يعترف بالريادة الدينية للملك كعنصر أساسي في النظام المغربي[14].
بيد أنه مع ذلك فإن مثل الاستشهاد الآنف الذكر الوارد في الخطاب المثير الصادر عن رئيس الحكومة -حينها- وزعيم الحزب عبدالإله بنكيران، جعل حتى أقرب المقربين منه يتوجسون من قوة ذاك الخطاب؛ حيث لم يجد زعيم حزب “التقدم والاشتراكية”، نبيل بن عبدالله، الحليف الرئيسي لحزب الإسلاميين في الحكم منذ وصولهم إلى الحكومة سنة 2012، حرجا في أن يعبر عن رفضه المطلق لمثل هذا النوع من الخطابات المغلفة بغلاف الدين، وقال بن عبد الله الذي كان وزيرا للإسكان في حكومة بنكيران في تلك السنة (2016)، إنه “لا وجود لابن تيمية في التدبير الحكومي”، وأردف قوله بمزيد من الصرامة، “إننا في حزب التقدم والاشتراكية نختلف اختلافا جذريا مع أي مرجعية من هذا النوع، نحن من أنصار الفكر المتنور ودائما كنا نقول إن مرجعيتنا تقوم على المبادئ الاشتراكية وتقوم كذلك على الفكر الإسلامي المنفتح وعلى التراث المغربي بكل مكوناته وما يحمله من قيم تسير في هذا الاتجاه”[15].
وعلى الرغم من محاولات القيادة داخل حزب العدالة والتنمية نفي ما يسمونه “الصفة الدينية” عن حزبهم، وإصرارهم على التمييز بين الدعوة التي تمثلها وهي من صميم الحركة التابعة لهم “حركة التوحيد والإصلاح”[16]، وبين العمل الحزبي والسياسي الذي يقوم به الحزب داخل المنظومة السياسية الوطنية في إطار التدافع السياسي، إلا أن استمرار تبني المرجعية الإسلامية، من طرف قادة الحزب، بل وتبويئها مكانة اعتبارية وأساسية في مبادئهم وخلفيتهم السياسية، يدعو إلى كثير من الحيرة والشك حول طبيعة هذه الإيديولوجية التي تنتابها عتمة وكثير من الضبابية؛ وها هو خليفة بنكيران على الحزب وعلى رأس الحكومة الطبيب النفسي الدكتور سعد الدين العثماني، رئيس الحكومة الحالية وكذا الحزب، يصر على “إسلامية” المرجعية عندهم، حيث لا يجد أية غضاضة في القول في ما يشبه الحزم والصرامة، إنه “منذ البداية قلنا إن حزب العدالة والتنمية حزب سياسي وطني ينطلق من المرجعية الإسلامية، ويعمل في إطار الثوابت الوطنية، من خالف ذلك فقد خالفها، ولن نلوي عنقها لتتلاءم مع أهواء أي إنسان كان”، قبل أن يضيف: “حزبنا يبني عمله السياسي على رؤية واضحة ولا يجب أن نخطئ، قد نغير الوسائل لكن لن نغير المبادئ”[17].
فهل يعني كلام الرئيس الحالي للحزب أنهم يغلقون القوس لأية إمكانية لمراجعة مرجعيتهم الإسلامية، على الأقل من حيث لا تجعلهم في حرج مع المؤسسة الدينية الرسمية بالمغرب التي يقودها الملك بصفته أميرا للمؤمنين (المسلمين وغيرهم) كما ينص على ذلك الدستور؟ ذلك ما سنحاول التعرف عليه من خلال التطرق للمحاور الموالية.
ثانيا: أثر المرجعية الإسلامية في السلطة
مباشرة بعد الإعلان عن نتائج انتخابات 25 نوفمبر 2011 التشريعية، وهي بالمناسبة كانت أول انتخابات سابقة لأوانها بالمغرب، فرضها “الربيع العربي” من خلال احتجاجات قادتها “حركة 20 فبراير”[18] واجتاحت جميع مدن ومناطق المغرب طيلة أسابيع، ساد الأجواءَ المغربية جوٌّ من الترقب المشوب بغير كثير من التخوف عن مستقبل المملكة السياسي، في خضم أحداث تغيير عاصفية طالت أكثر من بلد عربي وأطاحت بأنظمة سياسية عمرت عقودا من الزمن؛ والسبب كان إعلان فوز حزب العدالة والتنمية ذي التوجه الإسلامي بالمرتبة الأولى في تلك الانتخابات البرلمانية، وبعدد كبير من المقاعد النيابية بلغ 107 مقاعد.
سبب التوجس الذي ساد، ولا سيما من جهة فئة رجال المال والأعمال إضافة إلى القوى الإقليمية والدولية التي تربطها مصالح مع المغرب، كان منصبا حول طبيعة السياسات العمومية التي يحملها حزب يجهر بمرجعيته الدينية، بالرغم من معرفة هؤلاء بطبيعة الحُكم في المملكة المغربية ذات النظام الملكي الدستوري الذي يعتبر فيه رئيس الدولة/الملك يترأس بحكم الدستور الجهاز التنفيذي في إطار المجلس الوزاري، وهو الملك الذي يسود ويحكم[19]. هذا التخوف ما كان ليمُر دون أن يصدر عن حزب العدالة والتنمية المنتشي بفوز كاسح في تلك الانتخابات، ما يُطمئن به نظراءه من الأحزاب الوطنية، أولا، وثانيا كل الأطراف الأخرى سواء منهم الفاعلون الاقتصاديون أو الدول والمنظمات الأجنبية النقدية بالخصوص؛ إنه التطمين الذي كان لا بد منه، على الأقل لإقناع باقي مكونات الطيف الحزبي بالمغرب للدخول معه في تحالف حكومي، خاصة في ظل زخم المرجعية الدينية الذي طغا في حملة الحزب الانتخابية، بحيث لم يغب عن برنامجه الانتخابي التذكير بهذه المرجعية، وقد جاء في البرنامج حرفيا وبعدما ذكّر بغير قليل من اللبس والغموض: “بأن مسؤولية الحزب تتمثل في دعم انخراط البلاد في مسار جديد منبثق من تطلعات الشعب المغربي، وهو مسار انطلق مع الربيع الديموقراطي (يقصد الربيع العربي) ورافقه حزب العدالة والتنمية مع الخطاب الملكي لـ 1 مارس وخلال المراجعة الدستورية وبالاستعداد لخوض الانتخابات النيابية لـ25 نوفمبر 2011″، أكد الحزب في برنامجه الانتخابي في تلك السنة أنه “يتقدم للشعب المغربي بمقاربة جديدة ترتكز على ثلاث خيارات هي: جعل الدولة في خدمة المواطن والتأكيد على مركزية الإنسان باعتباره محورا وهدفا لبرامج التنمية؛ وإطلاق المبادرة وتحرير طاقات الإنسان المغربي في التنافس والإنتاج؛ والقطع مع اقتصاد الريع والاحتكار؛ وإرساء نظام فعال للتضامن والتوازن الاجتماعي وتصحيح الفوارق والعدالة في توزيع الثروة. وهذه الخيارات يتوقف النجاح فيها على ثلاث دعامات ذكرها البرنامج الانتخابي للحزب وهي:
-تجديد نظام القيم في نطاق المرجعية الإسلامية والهوية المغربية المتعددة المكونات؛
-إصلاح فعلي لنظام التربية والتكوين؛
-إصلاح شامل للقضاء؛
وفي تلك السنة بالضبط (سنة 2013 ) التي فاز فيها حزب “العدالة والتنمية” بالانتخابات البرلمانية، وعشية هذه الأخيرة، صدر عن زعيم الحزب وقتها عبدالإله بنكيران ما يشبه التوضيح القريب من التطمين بخصوص مرجعيتهم الإسلامية، عندما سأله صحافي بماذا يمكن أن يطمئنوا الناس الذين يخافون من “أسلمة” الدولة في حال وصولهم إلى الحكم؟ ليرد بنكيران بأن “أساس مذهبنا السياسي هو المرجعية الإسلامية وأن ندبجها في وثائقنا وهذا طبيعي جداً، لكن عندما نأتي بحمولة إيديولوجية وندخل المعترك نصطدم بإشكاليات أخرى، فلماذا لم يُطرح هذا السؤال على اليساريين عندما سيّروا الحكومة؟ ولماذا لم “يُيَسِّروا” الدولة ويجعلوها يسارية؟ لماذا هم من لجأوا إلى الخوصصة (الخصخصة)، وباعوا العديد من شركات الدولة؟
فعندما تدخل مجال التدبير السياسي، تجد أن تلك المشاكل التي كانت تشغل بالك أيام حماس الشباب، كرؤية الناس عراة في الشواطئ واحتساء بعضهم للخمر، من الأشياء التي لا علاقة لها بالحكم، ففي الحكومة تصطدم بمشكل اكتظاظ التلاميذ في الأقسام التعليمية وبالهدر المدرسي.. فهل ستفكر في مثل هذه المشاكل الكبرى، أم تفكر في حمل هراوة ومطاردة السكارى؟”[20].
ولعل مثل هذا النوع من الخطاب هو ما جعل الباحثة الإيطالية لاورا غواتزوني تلخص تعريف “الإسلام السياسي” في أنه “هو إيديولوجيّة إسلاميّة معاصرة تطرح رؤى إصلاحيّة بقصد إرساء نظام إسلامي لتسيير الدولة والمجتمع”[21]. أو كما ذهب إلى ذلك باحث آخر في سياق توصيفه لموقف أعضاء “العدالة والتنمية” وهم يمارسون السلطة، بقوله إنهم حاولوا تخفيف الآثار الاستبدادية للدولة على المجتمع مع الضغط بورقة التعاليم الأخلاقية الإسلامية في مجال العدالة والتضامن الاجتماعي، كما انخرط الحزب في النظام السياسي رغم عيوبه، من خلال التشجيع والعمل على التغيير في إطار استراتيجية تستهدف رفع العوائق الأساسية للتنمية الاجتماعية والاقتصادية في البلاد[22].
بل إن حزب العدالة والتنمية ومنذ تشكيل أول حكومة له في سنة 2012، أصبح مقتنعًا، وفق ما ذهب إلى ذلك باحث ثالث، أن مصالحه هي حماية الملكية، الضامن الوحيد لتوحيد البلاد حول النموذج الإسلامي المغربي، على الرغم من أن رئيس الحكومة نظريًا، ووفقًا للدستور الجديد (دستور 2011)، يتمتع باستقلالية أكبر من سابقيه، بيد أن الملك لا يزال لديه الكلمة الأخيرة؛ لقد كان بنكيران، من الناحية العملية، حريصًا على عدم تحدي سيادة محمد السادس، مفضلاً الحفاظ على علاقات جيدة مع الملك”[23].
ولا ريب أن التركيز على “المرجعية الإسلامية” كدِعامة من بين ثلاث أخرى وهي أولها، ليس عفويا ولم يأت من فراغ أو من باب الترف في التعبير والخطابة السياسية، ولكنه شيء مقصود لذاته وورقة انتخابية لا يخفى على أحد مدى تأثيرها على الناخب، لاسيما في ظل انتشار وذيوع “صحوة دينية” اتخذت أبعادا وزخما شعبيين أكثر مع انطلاق موجة الربيع العربي في خريف سنة 2010.
بل إن الحزب لم يتردد وهو يتسلم لتوّه مقاليد إدارة الحكومة المغربية في سنة 2012 أن يُضمن “أطروحة مؤتمره السابع في 2012” ما يشبه التلويح بمعاقبة الاستبداد والمستبدين ومآلهم عند ربهم، عندما أورد في هذه الأطروحة، وهو بصدد ما أدت إليه ثورات الربيع العربي، الإشارةَ إلى أن “الاستبداد يعمي عن رؤية حقائق الواقع، ويغري المستبد بالاستئثار بزمام الأمور، في حين أن تجارب الربيع الديمقراطي (العربي) في العالم العربي تبين أن فهم الأنظمة المستبدة قاصر عن رؤية حقائق الواقع وتوجهات التغيير؛ وتماما كما نطق فرعون بعد أن أدركه الغرق قائلا: {آمنت بأنه لا إله إلا الذي آمنَتْ به بنو إسرائيل}، نطق الحكام المستبدون الذين أسقطتهم الثورات الشعبية العربية في آخر أيامهم بكلمة: (فهمتْكم) أي في الوقت الميت بعد أن استجاب القدر لإرادة الحياة عند الشعوب”[24].إنه نفس الخطاب المغلف بما يمت بصلة لإيديولوجيتهم الدينية، الذي ما فتئ كثير من القياديين بالحزب يرددونه إما تصريحا بالتذكير بالمرجعية الإسلامية، أو تلميحا بالاستناد في خطابهم، ذاك الموجه إلى المواطنين، إلى أمثلة مستقاة من التراث والثقافة الإسلاميين؛ وكمثال على ذلك تصريح القيادي في الحزب والنائب البرلماني والداعية في حركة “التوحيد والإصلاح” الذي يُقدم كأحد مُنظرّيها، المقرئ أبو زيد الإدريسي، عندما خاطب أتباعه ومناصريه من أعضاء الحزب بزاوية سيدي إسماعيل بإقليم الجديدة عندما منعته السلطات المحلية من إلقاء محاضرة بمكان عام (دار الشباب) فخاطب في الشارع العام الذين كانوا سيحضرون محاضرته، قائلا لهم: “إن أعضاء حزبه لا يتوفرون على ضيعات وشركات بل يتوفرون على الشعب الذي سيبقى إلى جانبهم.. إننا باقون معكم إن شاء الله كما فعل الرسول صلى عليه وسلم بعدما عاد من فتح مكة، وخشي أهل المدينة أن يغادرهم ويعود إلى مكة بعد أن فتحها.. وقال (الرسول): الدم الدم، والهدم الهدم أنا منكم وأنتم مني، وقال أيضا: أترضون أن يذهب الناس بالشاة والبعير وتذهبون بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى رحالكم”[25].
إن مقارنة قيادي حزبي أعضاء حزبه وسيرتهم السياسية وهم يتولون مناصب عامة بسيرة الرسول الكريم محمد (ص)، لا تحتاج إلى مزيد من توضيحات على مدى اللجوء إلى مرجعيتهم الإسلامية، ليس فقط لإظهار مدى نزاهتهم وتشبثهم بالأخلاق الفضيلة وهم يديرون دواليب الحكم والشأن المحلي بالمقاطعات والمدن، لكن أيضا باستعمال واستغلال الدين لإبراز تميزهم عن غيرهم من الخصوم السياسيين، وإلا لما كانت هذه المقارنة بأنهم عكس غيرهم لا يتوفرون على الضيعات والشركات، أي أنهم ليسوا أغنياء، وأن رأسمالهم –السياسي طبعا- هو الشعب وهو الأسوة بالرسول. وها هو “زعيم” الحزب كما يطلق عليه مناضلوه، عبدالإله بنكيران، في سنة 2014، وفي أوج قيادتهم للحكومة، يطنب كثيرا في شرح مرجعيتهم الإسلامية بدون أدنى حرج؛ ويؤكد مخاطبا في مؤتمر لشبيبة حزبه يحضره الآلاف من الشابات والشباب، في 14 أغسطس من نفس السنة، “أريد أن أقول لكم إن في المرجعية الإسلامية أمرين؛ الأمر الأول ما نصبو إليه في أمتنا من العدل والنصر والتقدم وهذا لا خلاف حوله، والأمر الثاني هو أن هذه المرجعية لها حظ في أنفسنا، ولهذا فإني في هذه اللحظة أخاطبكم جميعكم أن تفكروا جيدا في موضوع هذه المرجعية التي اخترتموها”[26].
ولأن حزب العدالة والتنمية لا يزعم أنه بهذا الاسم (الإسلامي المرجعية) يحتكر الدين، كما دأبت قياداته على توضيح ذلك، فلعل مرد هذه المرجعية إلى كونها مجرد اسم قد جرى العمل به أولا في العالم الغربي الديمقراطي، كما نُقل عن القيادي الإسلامي في “جماعة النهضة” (الإسلامية) التونسية حين قال: “إن الديمقراطيّة نتعلّمها من الغرب صاحب السبق في التجربة ولديهم تسمية الحزب المسيحي الديمقراطي، ولم نسمع منهم رفضا أو تشكيكا، ولم يدّع أحد أنّ التسمية فيها احتكار للدّين أو احتكار للديمقراطية، فالاسم علَم وهو مجرد إشارة لا يعني بالضرورة احتكارا، وكما أنّه من حقّ أي كان أن يسمي نفسه بالديمقراطي أو الاشتراكي أو الحداثي دون أن يفهم من ذلك الاحتكار أو الوصاية”[27].
ثم يفصل عبدالإله بنكيران أكثر المرجعية التي اختارها تنظيمه ومناضلوه فيؤكد أنها “المرجعية التي آمن بها محمد صلى الله عليه وسلم أو أوحيت إليه وآمن بها أبو بكر وعمر وعثمان والأنصار (..)، هؤلاء هم الذين انفتحت لهم القلوب ولازالت تنفتح لهم وسوف تبقى تنفتح لهم، فقط هل سيكون لنا نصيب معهم أم أننا لن يكون لنا نصيب معهم .. هذه رسالتي الأولى.. وقد تظنون أن هذه موعظة أفتتح بها كلمتي.. لا أنا أمين عام حزب سياسي.. أحدث سياسيين وأريد أن أقول لهم، إذا كنتم فعلا تريدون أن تخدموا بلدكم وأن تخدموا الشأن العام وأن تنهض دولتكم هذا هو الطريق..”[28]. ولعله يقصد بذلك الطريق القويم والمستقيم البعيد عن الفساد والإفساد خلال إدارة الشأن العام.
لكن ومع أن زعماء الحزب ما فتئوا يصرون على التمييز بين “الدعوة” (العمل الدعوي) وبين العمل السياسي، إلا أن المتتبع يجد صعوبة كبيرة في الوقوف عند ذلك واقعا ملموسا، على الأقل من خلال قراءة أدبياتهم الحزبية وكذلك تصريحاتهم؛ وها هو عرّاب إسلاميي العدالة والتنمية إلى الحُكم، بنكيران، يفيض في حض شباب حزبه على تعلّم الدّين وتعليمه، حيث يخاطبهم بالقول: “إذا كنتم تريدون أن تركزوا وتثبتوا بنيانا بدأ يظهر للناس كماءٍ في صحراء وكأمل في وقت شِدة وبدأ الناس يتوافدون علينا من خارج المغرب يريدون تجربتنا ويبدؤون يقرأون ثقافتنا ويدرسون شخصياتنا.. هذا هو الطريق هذا هو السبيل.. أن تجتهدوا في حسن فهم دينكم، وأن تجتهدوا في حسن تعلم دينكم، وأن تجتهدوا في حسن الالتزام بدينكم، وأن تجتهدوا في تطبيق ذلك في مجال السياسة من الصغيرة إلى الكبيرة..”[29].
ولم يمنع واجب التحفظ المفروض في من يتقلد حكومة مغربية تتكون من ألوان حزبية وبمرجعيات مختلفة، منها حتى الاشتراكي والليبرالي، أن يمعِن بنكيران أكثر في الدعوة إلى التشبث بالمصادر الأولى لمرجعيته الإسلامية، فيوضح لشباب حزبه أن “النهج” الذي يدعوهم إليه”لا يكون، يا إخوان، إلا في حالة واحدة، هي إذا حاولتم أن تقوموا على ما قام عليه الذين سبقوكم.. ليس بنكيران أو بَاها (محمد باها وهو قيادي مات في حادث قطار غامض) أو العثماني ( سعد الدين العثماني رئيس الحكومة ورئيس الحزب الحالي)..الذين سبقوكم وسبقونا هم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم، والذين نحاول منذ 40 سنة تقريبا أن نكون على نهجهم، وها أنتم ترون أن الله سبحانه وتعالى رغم قلة عددنا ورغم ضعف إمكانياتنا ورغم كثير مما يعاب علينا، ترون أن الله تعالى قد بوأنا المكانة التي تعلمون، وبعد أن كان دعاة الفساد والاستبداد يتنبؤون بزوالنا أو تحجيمنا، يرفعنا لأن نترأس الحكومة ونتصدر العمل السياسي”[30].إن ما تدعو إليه قيادة حزب العدالة والإسلامية هو تماما ما يقوم عليه فِكر “الإخوان المسلمين” الذين يشددون على التعلم والعدالة الاجتماعية والحكم الرشيد اللذين كانا سائدين في عصور الإسلامي القديمة[31]؛ لكن مع ذلك سنرى لاحقا كيف أن الحزب الإسلامي المغربي ينفي أية صلة له بـ”الإخوان المسلمين”.
ثالثا: تأثير المحيط الإقليمي والدولي على خطاب الإسلاميين
إذا كانت بداية مرحلة ممارسة الحكم قد تميزت عند قيادات حزب العدالة والتنمية، منذ مباشرتهم تسيير الشأن العام في سنة 2012، بالإعلان غير المتحفظ عن مرجعيتهم الإسلامية، من خلال تصريحاتهم وأوراق اجتماعاتهم، إلى حد المباهاة بها أمام باقي الخصوم السياسيين واعتبارها الميزة التي أكسبتهم التميز والرضى عند المواطن/الناخب، فإن خطاب تلك القيادات سُرعان ما أخذ منحى ملحوظا في التغير مباشرة بعد الأحداث التي شهدتها مصر بعد إقدام الجيش هناك على إزاحة الرئيس (الإسلامي) محمد مرسي من جماعة الإخوان المسلمين، في العام 2013، وما تلا ذلك من اعتبار الجماعة منظمة إرهابية من طرف عديد من الدول الإقليمية التي وصفها مراقبون بدول “الثورة المضادة” التي تحارب الربيع العربي، وهو الوصف الذي سيجد له ما يعضده ويبرره لاحقا من خلال مجموعة من الأحداث والتدخلات ليس هنا المقام لمقالهِا.
ومباشرة بعد الأحداث التي شهدتها مصر في سنة 2013 توجه اهتمام المراقبين صوب البلاد المغاربية، وتحديدا إلى تجربة الإسلاميين التونسية والمغربية، هذه الأخيرة التي وجدت نفسها في موقف المدافع عن نفسها أمام التغيرات الطارئة على المنطقة والتي اتخذت أبعادا غير مسبوقة من الخطورة عندما قررت بلدان بعينها اعتبار “الإخوان المسلمين” إرهابيين؛ فكان الرد واضحا وصريحا من قيادات حزب العدالة والتنمية، حيث خرجت قيادات كثيرة من الحزب الحاكم بالمغرب لتنفي علاقتها بجماعة “الإخوان المسلمين” المصرية، ومن ذلك ما جاء على لسان زعيم حزب العدالة والتنمية ورئيس الحكومة السابق، عبدالإله بنكيران، في حوار مطول له للقناة التلفزيونية الأمريكية “الحرة” ولموقعها الإلكتروني، حينما أجاب عن السؤال: هل لكم علاقة بالإخوان المسلمين؟ فرد بالقول “لا أبدا، لم ننتمِ في يوم من أيام حياتنا لهذه المدرسة كتنظيم”، وبعد إصرار السائل المستجوِب بسؤاله: لا توجد أي اتصالات بينكما؟ رد بنكيران: “دائما نلتقي في المؤتمرات وغيرها، لكن أن يكون لنا انتماء للتنظيم فهذا لم يكن موجودا.. نحن حركة نشأنا في المغرب بطريقة مستقلة وباجتهادات خاصة في مختلف المجالات .. أبدا لا ننتمي إلى تنظيم الإخوان إطلاقا”[32].
لكن مثل هذه المواقف تجعل البعض في ريبة من أمرهم في ما إذا كان ذلك مناورة لتفادي الضغط، فكثيرا ما تستخدم مثل هذه الأدبيات التي يظهر فيها قدر من الاعتدال أو النقد لإزالة الضغوط وتجميل الموقف، ولكن كل مطلع على بنية ما يدرس يعرف أن كل هذه الأدبيات ليس لها مكان في التكوين الفكري لهذه الحركات (الإسلامية)[33].
وسيذهب السيد بنكيران في طرحه الدفاعي عن اختلافهم عن “الإخوان المسلمين” إلى حد التلميح بتحميلهم المسؤولية لِما آلت إليه الأوضاع في مصر عقب تدخل الجيش وعزل الرئيس المنتخب محمد مرسي في 3 يوليو 2013، عندما سأله الصحافي بكيف يقيِّم فترة حكم الإخوان في مصر؟ ليرد بنكيران وهو وقتها رئيس حكومة إضافة إلى أنه زعيم حزب إسلامي المرجعية، بالقول “تلك مرحلة انتهت.. الناس الآن في محنة، وأنا لا أريد أن أتحدث في هذا الموضوع، لكن يمكن أن أشير إلى أن تقييم هذه المرحلة سيأتي بعد أن يتضح بالضبط ما الذي وقع.. تعرفون أن المهم بالنسبة للدول هو الخروج من الأزمات التي تعاني منها، وهذا ما نتمنى اليوم لمصر”[34].
إنها الأزمة التي لربما حاول الحزب الإسلامي المغربي وقوعها في المغرب إبان أوج “الربيع العربي” حيث رفضت قيادة الحزب المشاركة في احتجاجات التي انطلقت في معظم المدن والمناطق المغربية تقودها حركة 20 فبراير، ويعلق زعيم حزب العدالة والتنمية حينها، عبدالإله بنكيران، الذي سيصبح رئيس الحكومة في سنة 2012، على ذاك الموقف بقوله: “رفضنا الذهاب إلى المجهول.. هناك قضايا ليست كما يفترض أن تكون، لكن الملكية عنصر أساسي في المغرب، ولو شاركنا في احتجاجات 20 فبراير، لكان من شأن ذلك زعزعة استقرار النظام، ولا نريد الذهاب إلى المجهول.. ماذا سنفعل إذن؟ كان القرار هو الحفاظ على استقرار البلاد والحفاظ على النظام الملكي، وهو أمر ضروري في المغرب .. إنه يمكن تغيير رئيس جمهورية، لكن إذا فقدت نظامًا ملكيًا فمن الصعب العثور على نظام ملكي آخر”[35].
ولعله قرار أيضا جاء بعدما تأكد للحزب أنه حان الأوان للاستفادة من الوضع والتقدم أكثر في الساحة السياسية الوطنية التي باتت شبه فارغة إلا من القصر بعدما ضعفت أبرز الأحزاب الوطنية ووهنت؛ هنا تكتب صحيفة “لوموند” الفرنسية التي وصفت حزب العدالة والتنمية بـ”النسخة المغربية للإخوان المسلمين”، أن الأخير هيمن منذ العام 2011 على اللعبة السياسية من داخل المؤسسات، بعدما استحوذ على أصوات الطبقة الوسطى التي خسرها اليسار المغربي؛ ليقبل القصر الملكي بتقاسم وليس بفرض إدارة كثير من القطاعات مع الحزب باستثناء ما يتعلق بطبيعة النظام الملكي وبمجالات الدفاع والأمن والدبلوماسية والحقل الديني[36].
هذا التوجه نحو التبرئة من التبعية أو الانتماء إلى مدرسة “الإخوان المسلمين”، سواء الدعوية أو السياسية، على الأقل من منطلق أن التنظيمين الإسلاميين أو المنظمتين السياسيتين تدخلان في إطار ما يسمى جماعات “الإسلام السياسي”، جعل الحزب لا يكتفي بتصريحات قادته هنا وهناك، بل ووضَع نصب عينيه وضِمن أولوياته تضمين هذا التميز عن “الإخوان” في مقررات وأوراق الحزب في اجتماعاته ومؤتمراته، حيث أشار في “التقرير السياسي” المقدم إلى المجلس الوطني للحزب (بمثابة برلمان حزبي) المجتمِع في دجنبر 2013، وتحت عنوان “سياق خارجي استثنائي”، إلى أن “أي قراءة موضوعية لتطور حزبنا سياسيا وحكوميا طيلة السنة الجارية، تستلزم استحضار هذا السياق المتسم بالاضطراب الشديد، كما تستوجب التقدير الصحيح لتمكننا من صيانة نجاح النموذج السياسي المغربي في ظل زمن الهزات المتتالية في عدد من دول الربيع الديمقراطي (الربيع العربي)، وذلك بترسيخ منهجية التعاون بين المؤسسات الدستورية لمصلحة العباد والبلاد، حيث استطاعت بلادنا أن تحافظ على حماية النموذج المغربي المتميز، وأن يبقى المغرب محافظا على مسار الإصلاح في ظل الاستقرار الذي اختاره واعتمده منذ الخطاب التاريخي للملك في 9 مارس 2011”[37].
ومن نافل القول إن حديث الحزب عن “الهزات” التي حدثت في دول الربيع العربي المقصود بها تحديدا هو ما جرى في مصر تلك السنة (2013) عندما انقض الجيش على تجربة الإخوان المسلمين وأطاح بالرئيس المنتخب في مصر لأول مرة بطريقة ديمقراطية، بل إن تضمين التقرير السياسي لحزب “العدالة والتنمية” فقرةً من قبيل “ترسيخ منهجية التعاون بين المؤسسات الدستورية لمصلحة العباد والبلاد”، هو ليس إلا خطابا يجاري الاتهامات التي وُجهت إلى جماعة الإخوان المسلمين المصرية التي اتهمها كثير من المراقبين وشريحة مهمة من المصريين بأنها سعت بمجرد وصولها إلى الحكم إلى الإمساك بزمام الأمور في إطار حزبي ضيق بعيدا عن “منهجية التعاون”، كما ذكرها حزب “العدالة والتنمية” المغربي والتي جعلته لا يجد غضاضة في التحالف حتى مع حزب “شيوعي” هو “حزب التقدم والاشتراكية” يخالفه كثيرا التوجه الفكري والإيديولوجي.
بل إن الحزب المغربي الإسلامي ذهب بعيدا في التلميح والتصريح باختلاف التجربة المغربية عن نظيرتها في بلدان الربيع العربي التي شهدت ارتدادات على تجربة الإسلاميين وخاصة في ما يخص التجربة المصرية، حيث أكد نفس التقرير السياسي، أن “النجاح في تكوين الحكومة عبر تعديل حكومي هادئ وسلمي وبطريقة ديمقراطية، فوت الفرصة على من سعوا إلى جر المغرب إلى ما شهدته دول أخرى من عودة للتوتر وعدم الاستقرار، كما أننا من جهتنا فضلنا عدم اللجوء إلى خيار الانتخابات السابقة لأوانها، لأن عواقبها تبقى مفتوحة على المجهول في مثل هذه الأحوال”![38] ولا تحتاج هذه الفقرة إلى كثير من التدقيق واستبيان ما خلف سطورها لمعرفة الرسائل العديدة التي يوجهها حزب “العدالة والتنمية” للدولة المغربية من جهة، مفادها أن الإبقاء عليه في الحكومة يعني تفادي التوتر وعدم الاستقرار، ومن جهة أخرى للقوى الإقليمية والدولية، بأن قبوله باللعبة الديمقراطية ومقاسمته الحكم مع مختلف المشارب السياسية، حتى تلك التي تختلف مرجعياتُهم مع مرجعيته الإسلامية، هو أبرز سمات تميزه عن تجربة “الإخوان” في مصر، وهي الطريقة الوحيدة التي تجعله لا يكون سببا في جر البلاد إلى “المجهول”.
لكن ربما ما صدر عن قيادة حزب العدالة والتنمية راجع إلى اختلاف طبيعي لطبيعة ونوع الإسلام السياسي في المنطقة العربية، فهذا أحد الباحثين يرى أن التجارب الإسلامية والإسلاميين ليسوا شيئا واحدا حتى في فصيل مثل الإخوان المسلمين، فتجاربهم ووعي قياداتهم مختلف بين قُطر وقُطر وزمن وزمن؛ فمصر ونمط التفكير فيها، والسودان ونمط التفكير فيها، وتونس ونمط التفكير فيها، واليمن ونمط التفكير فيها .. كل ذلك ليس شيئا واحدا[39]. لكن هناك بالمقابل من ذهب إلى محاولة تفسير هذا اللبس أو الالتباس في خطاب الإسلاميين، بحيث مثّل “الربيع العربي” علامة بارزة أخرى في تاريخ الإخوان المسلمين والإسلام السياسي في الشرق الأوسط، بما في ذلك مصر، مهْد “الإخوان”؛ وإن نجاحهم الانتخابي منحهم القدرة على الوصول إلى السلطة في تونس ومصر وبطريقة غامضة أكثر في المغرب، بعد عقود من العمل في نسيج مجتمعاتهم، ومع إظهارهم اعتدالا كبيرا في الخطاب وتكييفه مع السياق الديمقراطي، ولكن بمجرد وصولهم إلى السلطة، واجه “الإخوان” حقيقة إدارة البلد وفشلوا في إثبات أنفسهم؛ علاوة على ذلك، سقطوا بسرعة في مصر وتونس، إما من خلال السلاح والضغط الشعبي، أو من خلال الضغط السياسي وصناديق الاقتراع[40]. ولذلك يبقى نجاح أو فشل حزب العدالة والتنمية المغربي (بعد سبع سنوات وهو يقود الحكومة) له أهمية حاسمة، لأنه أحد الحالات القليلة في الشرق الأوسط التي حقق فيها حزب إسلامي سلطته من خلال توافق سياسي ودون انتفاضات عنيفة، كما أنها الحكومة الإسلامية الوحيدة في العالم العربي منذ الإطاحة بالرئيس المرتبط بالإخوان المسلمين (مرسي) في مصر وفقدان شعبية جماعة النهضة في تونس، وبالتالي فإن طبيعة ونوعية العلاقة بين الملكية المغربية والجهات الفاعلة السياسية الأخرى من جهة وبين حزب العدالة والتنمية ذي التوجه الإسلامي المعتدل من ناحية أخرى يستحقان اهتمامًا كبيرًا في منطقة غير مستقرة”[41].
ويستمر هذا التبرؤ من الإخوان المسلمين من خلال تضمين خطابات قياديي الحزب الإسلامي المغربي كل الرسائل الممكنة لإقناع من يهمه الأمر باختلافه عن باقي التجارب الأخرى الإسلامية في المنطقة، وفي هذا الصدد وبفصاحة شديدة لأمين عام حزب العدالة والتنمية ورئيس الحكومة حينها، عبد الإله بنكيران، في ظل اشتداد الضغط على حزبه، محليا وإقليميا، ومع توالي الاتهامات الموجهة إليه بارتباطه بجماعة الإخوان المسلمين، التي توالت أيضا ضغوط بعض القوى الإقليمية -العربية تحديدا- عليها بل وإدراجها كمنظمة إرهابية؛ ضغطٌ لم يجد أمامه زعيم الحزب إلا أن يقولها بصوت عالٍ: “إن الحزب لا علاقة له بالإخوان المسلمين”، كما جاء على لسان بنكيران، في تصريح للقناة التلفزيونية الأمريكية “الحرة”، متسائلا: “ألا يوجد أحد يمكن أن يصدق أن لا علاقة لنا بالإخوان؟”، مردفا في ذات الحوار بقوله “علاقتنا بالإخوان المسلمين انتهت في 1981″، ومؤكدا “أن الحياة السياسية في المغرب يضمنها الملك وهو الفاعل والضامن الوحيد بعد الله”، ثم أوضح بكثير من التدقيق: “نحن إسلاميون، ولكن بطريقتنا، نحن مغاربة قمنا بمسار خاص بنا وقمنا بمراجعات وتصحيحات، نحن حزب سياسي بمرجعية إسلامية.
ليس عندي مشكلة مع الإخوان.. ولكن لسنا إخوانا ولا علاقة لنا بهم.. ولنا تجربتنا الخاصة بنا”[42]. ولعل التجربة التي يقصدها بنكيران هي انتماؤه شخصيا في سبعينيات القرن الماضي إلى حركة الشبيبة الإسلامية المعارِضة المسلحة التي كانت متأثرة بجماعة الإخوان المسلمين، وقد تم حظرها في سنة 1976 نتيجة معارضتها للنظام وتم حلها بعد ذلك، ثم أسس أعضاء سابقون في هذه الجمعية (الحركة)، من بينهم عبدالإله بنكيران، الجماعة الإسلامية في العام 1981 التي اعتمدت نهجا توافقيا تجاه النظام؛ وعلى مدى ثمانينيات القرن الماضي، أدانت الجماعة استخدام العنف وقبلت بشرعية الملك الدينية والسياسية وباتت مزمعة على ممارسة العمل السياسي الرسمي[43].
لكن مع كل تلك التبريرات وعناصر الاختلاف التي ما فتئ يقدمها “إخوان” المغرب –إذا صح لنا الوصف رغم التحفظ- فيمكن أن لا تكون كل تلك التوضيحات كافية لتمييز حزب “العدالة والتنمية” عن “الإخوان المسلمين”، والقول بأنهم مختلفون عنهم، على الأقل من باب كون قادة الحزب المغربي قبلوا تقاسم السلطة والحكم مع أحزاب متعددة المشارب، لأن العلاقة تظل قائمة بين الطرفين في إطار تقاسم نفس الإيديولوجية، تماما كما هو الشأن بالنسبة لتجربة الإسلاميين في تركيا حيث أن حزب “العدالة والتنمية” التركي الذي يعتبر الوحيد في منطقة الشرق الأوسط الذي يتواجد في السلطة منذ سنة 2002 وبدون أي تحالف سياسي، وهو الحزب الذي حتى ولو أنه ليس مرتبطا بشكل مباشر بجماعة الإخوان المسلمين، إلا أنه يشبه لـ”الإخوان”، لأنه يتقاسم معهم نفس الإيديولوجية المحافظة القائمة على الدين، والتي كانت مصدر إلهام قادته، وباعتبار أن أعضاء الحزب حتى ولو أنهم شخصيات غير دينية إلا أنهم يظهرون بمظهر غارق في التدين وهو ما يتشابه تماما مع أعضاء “الإخوان”، ومع كل ذلك نجد الحزب التركي يختلف في طابعه القومي القوي، وهذا ليس من سمات جماعة الإخوان المسلمين”[44].
ثم أليس هذا الإصرار المسترسل من طرف قادة حزب “العدالة والتنمية” المغربي على التركيز على المرجعية الدينية والرجوع والاستناد إلى الرموز والشخصيات الإسلامية يشبه تماما منهجية جماعة “الإخوان المسلمين” التي تستند لغتها –هي أيضا- إلى التراث الديني وتميل إلى الاحتجاج بالنصوص المقدسة وتحتفي بالطقوس الخطابية وتستخدم لغة عاطفية قائمة على الترهيب والترغيب، وتحتفي بأدوات التوكيد وأساليب المبالغة التي تنسجم مع دعوى امتلاك الحقيقة، ونبرة اليقين التي تشيع في خطاب أعضائها[45]!إنه موقف غامض لحزب يزعم ويصر أن مرجعيته دينية مع العلم أنه يعلم بكون مجال الدين في المغرب مكفول رعايته للملك بنص الدستور؛ ولعل هذا الغموض هو ما جعل الملك المغربي لا يتردد في التذكير سنتي 2012 و 2013 في خطابين رسميين بـ”هيمنته” على إدارة الشأن الديني للمملكة، حيث كان لافتا تذكير الملك بذلك وبعد فترة وجيزة فقط من الانتصار الانتخابي لحزب العدالة والتنمية ووصوله إلى ترؤس الحكومة، فاستشهد خطاب العرش لعام 2013 بالمبادرات الملكية الهادفة إلى تقوية “الأمن الديني” للمملكة للحفاظ على “هويتها الإسلامية”-وهي لغة تعكس رغبة النظام في القضاء على الإيديولوجيات المتطرفة وتأكيد رعاية الدولة لهوية دينية قائمة على منهج السُّنة والمذهب المالكي وبعض الطرق الصوفية- رغم أن الإصلاحات ذات الصلة قد بدأت قبل عقد من الزمن، ما يعني أن توقيت مثل هذه التصريحات يعكس أن النظام الملكي ربما اعتقد أن النجاح الانتخابي لحزب العدالة والتنمية قد يؤثر على دوره السيادي في المجال الديني، فكان ذلك سببًا كافيًا للتذكير بسيادة القصر على الشأن الديني[46].
رابعا: تأثير ممارسة الحكم على المرجعية الإسلامية لدى حزب العدالة والتنمية
إن ممارسة الحُكم ليست هي ممارسة دور المعارِض للحكومة، فالأُولى تكون مرهونة بكثير من الضوابط والمحددات والإكراهات التي تجعل الساسة مكبلين، ليس فقط بواجب التحفظ المطلوب في خطاب الحاكم وصاحب السلطة إلى الرأي العام، بل وحتى بالتضحية أحيانا بالمصلحة الحزبية الضيقة في مقابل الحرص على مصلحة الأوطان، ومن هنا قد يحدث أن تذوب الإيديولوجية الحزبية في بوتقة السعي إلى الحفاظ على الوحدة الوطنية، فلا تصبح المرجعيات الحزبية ذات الأولوية المثلى، بقدر ما تكون المصلحة العامة هي الدافع والمحرك الأساسي للأحزاب للتدافع بينها من أجل خدمة الوطن، أو على الأقل هكذا ينبغي أن يكون المشهد العام والبديهي. لكن عندما يتعلق الأمر بإيديولوجية أو مرجعية إسلامية، اعتُبرت الورقةَ الرابحة (جوكر) وقادت حزبا إلى الحُكم وبأغلبية كاسحة من المقاعد البرلمانية، بعدما اقتنع الناخبون بصدقية خطابهم الذي نهل من الدين الكثيرَ من الشعارات والقيم الدالة على محاربة الفساد وتحقيق العدالة الاجتماعية، هنا نكون أمام محك حقيقي لمدى قدرة الحزب الحاكم على الحفاظ على قيمه ومبادئه الحزبية (الدينية) التي خاطب بها الناس في حملاته الانتخابية؛ فإلى أي حد حافظ حزب العدالة والتنمية على صفاء مرجعيته أو بالأحرى على الطبيعة الدينية/الإسلامية لمرجعيته التي تميزه عن غيره من باقي الأحزاب المغربية الأخرى؟
السؤال يحيلنا، من أجل محاولة إيجاد إجابات عنه، على قرارات وتصرفات صدرت عن الحزب وقياداته، إما من خلال إدارتهم للشأن العام، أو على مستوى أفعال فردية صدرت عن قيادات وأثارت نقاشا واسعا لدى الرأي العام الوطني، بل أخرجت القيادة الحزبية عن صمتها وتحفظها لتنفي عن حزبها الصفة الدينية بكثير من الصرامة، لاسيما عندما وجد الحزب نفسه أمام نقاش عام يهم الحريات الفردية التي لها تحفظاتها الخاصة عليها، ولكن مع ذلك كان من اللازم عليه أن يدافع عن نفسه، على الأقل من باب “أخف الأضرار”، فالقضية في الأول والأخير تتعلق بقبول اللعبة السياسية ككل ومن منطلق المصلحة الوطنية التي تتجاوز التقوقع والانزواء الحزبي المحافظ؛ فكانت أولى الخرجات الإعلامية المثيرة الصادرة عن الحزب والتي كانت بمثابة رسالة طمأنة مقصودة للقوى الداخلية والخارجية، وقد جاءت عشية انتخابات نوفمبر 2011 التشريعية، التي كان حزب العدالة والتنمية مرجحا للفوز بها بقوة، هي عندما قال الأمين العام للحزب حينئذ، عبدالإله بنكيران في حوار صحفي مطول: “إني لا أعتقد بأن هناك تياراً دينياً في السياسة بما في ذلك حزب العدالة والتنمية، لو كُنا تيارا دينيا، فينبغي علينا اعتماد أحكام شرعية كبرنامج، ليس هناك أحد اليوم “دينياً” بهذا المعنى مائة بالمائة، ولا أحد كذلك علمانياً مائة بالمائة .. لكن يُحسب لنا أننا أول تيار في العالم الإسلامي الذي أطلق عبارة “المرجعية الإسلامية”، هذه العبارة بالنسبة لنا بمثابة ميزان لقياس الأشياء”[47].
ولقد كان بنكيران أكثر وضوحا بعدما غادر سدة الحكم لَما أعفاه الملك ونصب خلفا له زميله في الحزب سعد الدين العثماني في 2017، وبعد ذلك بنحو عامين خرج بنكيران بتصريحات أكثر جلاء وهو يوضح للرأي العام موقف الحزب من كثير من أمور جرّت الانتقادات عليهم، وأول ما رفع حوله اللبس هو المسألة الدينية حين أكد أن “المجال الديني في المغرب منظم بالقانون وله رئيس هو أمير المؤمنين[48]، ورئيس الحكومة يمكن أن ينبه إلى بعض الأمور، لكن هذا مجال محفوظ لجلالة الملك، مثل وزارة الخارجية أو أكثر”[49]. بل إن رئيس الحكومة “الإسلامية” السابق سيذهب إلى أبعد من ذلك وهو يضع النقط على الحروف في ما بين ما هو “شرعي” (بمقتضى الدين) و”ممنوع” (بمقتضى القانون)، حيث أكد على “ضرورة الفصل بين الشؤون الدينية والممارسة السياسية والتفريق بين ما هو حرام وما هو ممنوع، حتى في الأمور التي تسببت في إحراج للحزب، مثل فرض الزكاة، وبيع المشروبات الكحولية”، وقال “إن حزبه هو حزب سياسي وليس جماعة دينية، وإن تدبير العمل الحكومي يتطلب النباهة والجرأة”، في إشارة إلى تخلي تنظيمه السياسي على عدد من الشعارات والمواقف الإسلامية التي كان يتبناها، وزاد موضحا أن “الخمر محرم في الإسلام، لكن منعه هو قرار مكفول للدولة والرسول لم يكن يحد شارب الخمر، والشيء نفسه بالنسبة لأبي بكر الصديق، حيث أن الخمر في الإسلام كان موجوداً دائماً، وحتى اليوم فهو غير ممنوع، ولكن الممنوع هو السكر العلني”[50]. إن حديث بنكيران هنا يفيد أنه وحزبه لم يأتيا إلى الحُكم لمنازعة رئيس الدولة لاسيما في تدبير الشأن الديني المكفول له بحكم الدستور، مما يفيد، بالمقابل، أنهم كانوا أكثر براغماتية وهم يتخلون عن “الشعار”/المرجعية طواعية لفائدة الملك بمبرر هناك مجالات أخرى ذات أهمية قصوى بالنسبة للمواطن اجتماعية واقتصادية يجب الاهتمام بها وهي صلب برنامجهم الانتخابي وتعاقدهم مع الناخبين.
إن “المرجعية الإسلامية” لدى الحزب تصبح، بهذا المفهوم، لا تعني “المرجعية الدينية”، على الأقل كما نفهمُها من خلال حديث زعيم الحزب عبدالإله بنكيران، الذي قاد أول تجربة حكومية لـ”إخوانه” الإسلاميين، بداية من سنة 2012 وكاد أن يقود الحكومة لولاية جديدة في العام 2016 لولا تعثر نقاشاته مع باقي الأحزاب لأزيد من ستة أشهرٍ ما اضطر الملك إلى تبديله بزميله في الحزب سعدالدين العثماني، وإنما المقصود بهذه “المرجعية الإسلامية” هي مجموعة من القواعد المرتبطة بالدين الإسلامي التي يتخذ منها الحزب أساسا ومبادئ تؤطر عمله السياسي وقابلة لإعادة النظر فيها طبقا للظروف المحيطة محليا وإقليميا؛ ولعل ذلك ما جعل الحزب لا يتردد خلال السنة الثانية من إدارته للشأن العام، في سنة 2013 وهي السنة التي عرفت الإطاحة بالرئيس الإسلامي في مصر محمد مرسي وما تلا ذلك من رفض بعض القوى الإقليمية للتجربة الإسلامية، بأن يصدر أكثر من رسالة وفي اتجاهات مختلفة بأنه حزب كباقي الأحزاب، يتعاون مع الجميع ويحترم المؤسسات الدستورية الوطنية، تماما كما تضمن ذلك التقرير السياسي للحزب المرفوع لمجلسه الوطني المجتمع في ديسمبر 2013، عندما أكد “أن أي قراءة موضوعية لتطور حزبنا سياسيا وحكوميا طيلة السنة الجارية، تستلزم استحضار هذا السياق المتسم بالاضطراب الشديد، كما تستوجب التقدير الصحيح لتمكن المغرب (..) من صيانة نجاح النموذج السياسي في زمن الهزات المتتالية في عدد من دول الربيع الديمقراطي (المقصود الربيع العربي)، وذلك بترسيخ منهجية التعاون بين المؤسسات الدستورية لمصلحة العباد والبلاد”[51]؛ فبعدما يشير الحزب إلى ما سماها “الهزات” الإقليمية، والمقصود بالخصوص ما جرى في مصر تلك السنة، فإنه ينوه إلى “النموذج السياسي” المغربي القائم على التعاون وليس الإقصاء بين مؤسساته، في إشارة ضمنية إلى اختلاف الأوضاع ما بين المغرب وبين مصر وباقي الدول العربية في ما يخص تجربة الإسلاميين.
إنها التجربة التي جعلت “المغرب كما كان استثنائيا في تعامله مع الربيع العربي، كان استثنائيا كذلك في تعامله مع الخريف العربي بحيث لم تشهد البلاد حركة “تمرد” (حركة جمع التوقيعات الشعبية تمهيدا للإطاحة بالرئيس المصري محمد مرسي) كما حلم بذلك بعض المعارضين، ولم تسقط حكومة بنكيران”[52].
لكن بالمقابل وبعد سبع سنوات من حكمهم وترؤسهم أكثر من حكومة يجد قادة حزب العدالة والتنمية اليوم أنفسهم أمام مأزق عدم القدرة على الجواب عن السؤال العريض المؤرق التالي: ماذا حقق الحزب للمغاربة، في وقت خرج فيه ملك البلاد في خطاب ذكرى وصوله إلى الحكم باعتراف صريح يقر بفشل النموذج التنموي المغربي وحث الحكومة على الانكباب في البحث عن نموذج بديل يكون ناجعا؟
هاهنا ستتحمل الحكومة الائتلافية (التي يقودها الحزب) “مسؤولية الفشل في حل مجموعة من قضايا التنمية السياسية والاقتصادية بالمغرب، حيث يبدو أن استراتيجية نزع الشرعية عن المعارضة هي قيد الاستخدام من طرف النظام”، وفق ما ذهب إلى ذلك أحد الباحثين، الذي وصف الدور السلبي الذي قام به هذا الحزب في ثورات “الربيع العربي” من خلال دعوة شبابه إلى عدم دعم حركة 20 فبراير بــ “العميل الكابح” للانتفاضات العربية بالنسبة للسلطة بالمغرب[53].
ولعل هذا الإصرار على توضيح اختلاف مرجعية إسلاميي المغرب، المشاركين في السلطة طبعا، عن باقي المرجعيات الإسلامية الأخرى في المنطقة، سيبدو أكثر جلاء من خلال تصريحات قيادات حزبية أو من خلال مواقف وتصرفات صادرة عنهم؛ وقد كانت تصريحات كثير من القيادات الحزبية أكثر وضوحا بداية سنة 2019 عندما انتشرت صور بدون حجاب إسلامي (غطاء رأس المرأة) للنائبة البرلمانية والقيادية في حزب العدالة والتنمية آمنة ماء العينين، وهي تتجول في شوارع باريس، وقتها تلقت النائبة عن الحزب سلسلة انتقادات لاذعة من نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي ومن المتتبعين والخصوم السياسيين، واتهم هؤلاء الحزبَ الحاكم وأعضاءَه بالازدواجية في الخطاب السياسي، لاسيما أن القيادية في الحزب “ماء العينين” نالت مقعدها النيابي وهي امرأة محتجبة ولربما على هذا الأساس وضع الناخبون ثقتهم فيها، لتخرج بتصريحاتها اللاحقة على الضجة التي أحدثتها صورها وهي بدون حجاب وتؤكد أن ذلك يعتبر حرية شخصية ولا علاقة لها بعملها النيابي أو السياسي.
هذا الموقف الصادر عن النائبة آمنة ماء العينين جعل حتى أعضاء حزبها منقسمين، ما بين مؤيد لما أقدمت عليه وما بين رافض له جملة وتفصيلا واعتبارها مخطئة؛ وليس هناك رد أكثر قسوة مِن أن يكون صادرا عن امرأة مثلها وزميلتها في الحزب كوزيرة الأسرة والتضامن السابقة بسيمة الحقاوي، التي لم تجد حرجا في مخاطبتها بقولها إنها “كانت تتمنى أن تمتلك ماء العينين الشجاعة وتتصرف على سجيتها بدون ازدواجية في المواقف”[54].
ولعله نفس المنحى الذي سار عليه أيضا رئيس الحزب ورئيس الحكومة السابق عبدالإله بنكيران عندما أكد أن”ما حدث كان قرارا شخصيا، والمفروض أن تعود الأمور إلى نصابها، خصوصا وأن الحجاب مسألة بين الله والإنسان، وليس مشكلا قانونيا”[55]؛ ويبدو جليا من خلال تعليق القيادتين البارزتين في الحزب الإسلامي أن القضية تكمن فقط في كون ما أقدمت عليه زميلتهما كان يقتضي منها مكاشفة الرأي العام ومصارحته بأنها أخطأت أو أنها راجعت الأفكار التي تؤمن بها، لا الدفاع عن ذلك من منطلق الحريات الشخصية وهي المنتمية لحزب ذي مرجعية إسلامية، كما يزعم، ووصلت إلى البرلمان انطلاقا من حملها لإيديولوجيته وظهورها بلباسها المحافظ الدال على ذلك.
وفي خضم هذا السجال الواسع الذي خلفه على الساحة السياسية نزْع البرلمانية في الحزب لحجابها خارج المغرب وارتدائه بالداخل، ظهر صوت من داخل الحزب نحسب أنه كان أكثر جرأة وصراحة في التوصيف والتعليق على هذه الرجة التي طالت مرجعية الحزب الإسلامي الذي يقود الحكومة بالمغرب منذ سنة 2012؛ إنه القيادي والوزير السابق إدريس الأزمي الإدريسي رئيس المجلس الوطني للحزب(بمثابة برلمان حزبي)، الذي قال في كلمة له خلال الجلسة الافتتاحية للمجلس الوطني للحزب بمدينة سلا يوم 12 يناير 2019، “إن الحزب لا يعتبر نفسه وصيا على الإسلام ومجال اشتغاله هو المجال السياسي والانتماء إليه انتماء سياسي على أساس المواطنة”، وأردف “أن اجتهادات الحزب هي اجتهادات بشرية قابلة للصواب والخطأ، كما أن انطلاق الحزب من المرجعية الإسلامية لا يعني تميزا عن أي طرف سياسي”، مشيرا “إلى أن اختيار الحزب أن يكون الإسلام مرجعيته يعد اختيارا أصيلا كذلك للدولة وللمجتمع، كما أن انطلاق الحزب من المرجعية الإسلامية وثوابت الأمة الجامعة يعني الانتصار للخيار الديمقراطي”[56].
والخيار الديمقراطي ليس هو إلا الاعتراف والإقرار بلائحة طويلة من الحقوق والحريات الواجب أن يتمتع بها المواطن، وهو الاختبار الصعب الذي واجه حزب العدالة والتنمية منذ صعوده في العام 2011 على غرار باقي الأحزاب المشابهة في المنطقة، وطُرحت بشأن ذلك، بل ومنذ زمن طويل، فرضية أن الإسلاميين وهم في السلطة سوف “يخففون” من مواقفهم المتشددة في قضايا مثل المساواة بين الجنسين، والدين في الحياة العامة، والحقوق الفردية”[57].
إنه الخيار الديمقراطي الذي يبدو أن ثمنه سيكون باهظا بالنسبة لحزب العدالة والتنمية الحاكم منذ أزيد من سبع سنوات، لاسيما بعد تزايد التراجعات الحقوقية للدولة المغربية، خاصة في السنتين الأخيرتين، حيث تميزت هذه الفترة باعتقالات واسعة شملت العشرات من نشطاء ما يسمى “حراك الريف” وتمت محاكمته بأحكام قاسية وصلت إلى 20 سنة سجنا نافذا، كما تميزت بمتابعة صحافيين من أبرزهم الصحافي توفيق بوعشرين مدير ومؤسس صحيفة “أخبار اليوم” اليومية، وتمت متابعته بتهم مثيرة كالإتجار في البشر والاغتصاب، وهي التهم التي أرجعتها منظمات حقوقية محلية ودولية إلى رغبة السلطة في الانتقام من الصحافي الذي كان معروفا بافتتاحياته النارية المنتقدة للسلطات المغربية.
إن قمع الدولة (هذا)، على الرغم من عدم اعتماده من قِبل الحكومة التي يقودها حزب العدالة والتنمية، وإنما من قبل وزارة الداخلية التي يسيطر عليها القصر الملكي، إلا أنه مع ذلك يهدد شعبية حزب العدالة والتنمية بل يضعه في موقع الشريك في القمع[58].
ويبدو أن استمرار ترؤس حزب العدالة والتنمية لولايتين تشريعيتين (منذ العام 2012) وتشكيل الحكومة لأكثر من مرتين، وهذا يعتبر سابقة في التاريخ السياسي المغربي، يُظهر إلى أي حد استطاع الحزب أن يتعايش مع النظام الملكي المغربي، وهذا بالأساس راجع إلى استعداد الحزب المبدئي إلى عدم منازعة الملك في بعض سلطاته رغم كل ما جاء به دستور 2011 من صلاحيات تنفيذية واسعة، وهذا أمر ظل مثار جدل وانتقاد للمتتبعين. ولعل ذلك يتماشى مع الواقع المغربي حيث تعتمد المشاركة السياسية في المغرب على قبول أن الملكية هي التي تشكل السياسات الكبرى، وقد ظل حزب العدالة والتنمية مخلصًا للنظام الملكي ولسلطاته التنفيذية، ومع ذلك، وحتى وإنْ كان الحزب يحجم عن انتقاد الملك ، بيد أنه كثيراً ما فعل بنكيران ذلك في خطاباته تحت حيلة ما يطلِق عليه “الأشباح”، و”التماسيح” والإشارة هنا إلى قوة “المخزن “غير المرئية التي ظلت تجابه الحزب الحاكم[59].
لكن مهما بلغ حجم الانتقاد الذي يوجهه حزب العدالة والتنمية، وإن بطريقة غير مباشرة، للنظام السياسي الذي قبل التعايش معه، إلا أن ذلك لا يلغي، من جهة أولى، قبوله الدخول في اللعبة السياسية بالشروط القائمة والتي أبرزها إبقاء مفاتيح السياسات الكبرى للبلاد بيد القصر، ومن جهة ثانية –ولعل هذا هو المقابل- استمرار الحزب في رفع يافطة أو ورقة المرجعية الدينية كخاصية أكسبته الكثير من الامتيازات على رأسها كسب الأصوات الانتخابية، بيد أنه “في مجتمع جميع ساكنته تقريبًا هم مسلمون، سيكون من المفيد حقًا لحزب العدالة والتنمية التوقف عن استخدام الدين لتعزيز أجندته السياسية، كما يجب عليه أن يحدد بوضوح الخط الفاصل بين الدين والسياسة في المغرب، لأنه لا يجب تبرير النجاحات السياسية أو الإخفاقات بالدين أو التقوى”[60].
لكن وبالرغم من كل ما قد يبديه قادة حزب العدالة والتنمية من معارضة للقصر الملكي في بعض القضايا؛ بحيث وإن كان ليبراليا في الاقتصاد ومحافظا للغاية في القضايا الاجتماعية، فإنه يقود وأحيانًا يفوز في معارك تهدف إلى إبطاء، إن لم يكن ضد، مبادرات “المخزن”: حقوق المرأة، مكانة اللغة العربية في التعليم، مدونة الأسرة (التي عصرنها الملك أكثر)؛ لكن مع ذلك هناك من يتحدث عن أن القصر استطاع وبدقة إضعاف إسلاميي العدالة والتنمية؛ إنها جاذبية المناصب والوظائف التي سمحت لهم بالظهور بالألبسة الفاخرة ويصبحوا “مخزنيين” منسجمين[61].
خاتمة:
في هذه الورقة حاولنا بتكثيف واختصار شديدين مقاربة الخطاب السياسي عند قيادات حزب العدالة والتنمية، باعتبارهم ينتمون لمنظمة سياسية وصلت إلى إدارة الشأن العام بالبلاد لولايتين تشريعيتين متتاليتين في سابقة من نوعها بالمغرب؛ إلا أن ما كان ملفتا للمتبعين للشأن السياسي المحلي والإقليمي والدولي، هو هذا التأقلم لحد التماهي مع النظام السياسي رغم أن الحزب يحمل مرجعية دينية وما يزال يصر على تبنيها رغم أن أزيد من سبع سنوات من إدارته للحكومة لم يظهر فيها للرأي العام ما يفيد أن السياسات العمومية تحمل طابعا إسلاميا.
ولقد حاولنا القيام ببعض الجرد لأوراق ومقررات حزبية وتصريحات وخطابات لقيادات من الحزب توضح إلى أي مدى هم متشبثون بالمرجعية الدينية، ومدى تأثير هذه المرجعية على عملهم السياسي، لنقف عند وقائع أظهرت الحزب وقادته، أحيانا، في موقف المشكك في طبيعة المرجعية وبأنه ربما يُحمّلها البعض أكثر مما تحتمل، باعتبارها مجرد مرجعية ذات حمولة سياسية لا تستوجب العمل بها عند وصول حامليها إلى الحُكم، تماما كما هي الليبرالية أو الاشتراكية، حيث شهد المغرب حُكم ليبيراليين كانوا أكثر من الاشتراكيين في إدارتهم للشأن العمومي، والعكس صحيح بالنسبة لحكم الاشتراكيين؛ وأحيانا أخرى بدا قياديو الحزب في موقف التبرير المبالغ فيه بكونهم يختلفون جذريا عن باقي تجارب الإسلام السياسي في المنطقة ولاسيما “الإخوان المسلمين”، إلى درجة اتهامهم من قبل البعض بأن جاذبية السلطة جعلتهم مستعدين للتنازل مبدئيا عن مرجعيتهم المثيرة للجدل مقابل الإبقاء على “ثقة” القصر فيهم؛ ولعل ذلك ما ترجمته تصريحات كثير من قياداتهم المادحة للعلاقة التي تجمعهم بالقصر الملكي، وبإقرارهم بصريح العبارات بسيادة الملك على المجال الديني باعتباره “أمير المؤمنين”، وباعترافهم بأنهم ليسوا جماعة دينية ولكنهم حزب سياسي جاء ليمارس السياسة ويدير السياسات العمومية حتى ولو تعلق الأمر ببيع الخمور ما دام يخضع للقانون بحسبهم.
وقفنا خلال تحليلنا هذا الموجز -الذي رأينا أنه يحتاج منا لدراسة أشمل نرجو أن تكون قريبا- عند موقف ذي رمزية خاصة تحول إلى أزمة داخلية للحزب، عندما تفجرت قضية واحدة من القيادات والنائبة المعروفة، آمنة ماء العينين، بعدما انتشرت صور لها وهي في فرنسا متخلية عن “الحجاب” المعروفة به نساء الحزب والذي يرمز للمحافظة والتدين، وفق أبجديات الحزب، حينها ارتفعت أصوات من داخل نفس البيت الحزبي تنتقد ما سمتها “ازدواجية” في تصرفات النائبة البرلمانية، عدا عن الأصوات المنتقدة من خارج الحزب، والتي لم يتردد البعض في إسقاط صفة “الازدواجية” على الحزب برمته، خاصة بعدما اتضح تخليه عن كل ما يمت للمرجعية الدينية من صلة، وهو يدير أكثر من حكومة، بعكس ما رفعه أثناء الحملات الانتخابية، وبعكس ما علق عليه “الربيع الديمقراطي” المغربي من آمال منذ اكتساحه للانتخابات في سنة 2011؛ هنا لم يجد أحد الباحثين من بد غير وصف الحزب بـأنه كان “العميل الكابح” لاحتجاجات الربيع العربي (النسخة المغربية) للنظام الملكي.
المراجع باللغة العربية
كتب:
1- سلطان، جاسم، أزمة التنظيمات الإسلامية (الإخوان نموذجا)، الطبعة الثانية، لبنان، الشبكة العربية للأبحاث والنشر، 2015.
2-عبد الغفار، عادل وهيس، بيل، الأحزاب الإسلامية في شمال إفريقيا: تحليل مقارن بين المغرب وتونس ومصر، قطر، مركز بروكنجز، يوليو 2018.
3- عبداللطيف، عماد، الخطابة السياسية في العصر الحديث، الطبعة الأولى، القاهرة-مصر، دار العين للنشر، 2015.
صحف ومجلات:
1- الحقاوي، بسيمة، “حبذا لو تملك ماء العينين الشجاعة الكافية لتكون بدون هوية مزدوجة”، جريدة “أخبار اليوم”، عدد 15 يونيو 2019.
2- العثماني، سعد الدين، “لن نلوي عنق مرجعيتنا لتتلائم مع أهواء الناس..ولن نحابي أحدا”، جريدة “أخبار اليوم” اليومية، عدد الاثنين 28 يناير 2019.
3- بنكيران، عبدالإله، “الحجاب ليس قميصا للعمل (tenue de Travail) وأمينة أخطأت في تدبير قضيتها وليس كلنا صادقين ومستقيمين”، صحيفة “أخبار اليوم” اليومية، عدد 14 يناير 2019.
4- بنكيران، عبدالإله، “بنكيران وبن تيمية” جريدة “النهار المغربية”، عدد 9 سبتمبر2016، منشور أيضا على موقع الجريدة: http://annahar.ma/get/article/pdf/3614
5- بنكيران، عبدالإله، “حزب العدالة والتنمية ليس سوى حزب يسيّر الحكومة وليس البلاد”، صحيفة “القدس العربي”، عدد 22 مايو 2019
6- بنكيران، عبدالإله، “لن نصمت إذا ما تم التدخل في الانتخابات أو إذا هوجم حزبنا تحت أي ضغط”، حوار مع الصحيفة الأسبوعية “المشعل” أعيد نشره بالكامل على موقع الحزب (01 أكتوبر 2011) https://pjd.ma/node/1560
7-بنكيران، عبدالإله، “هذا ما قاله بنكيران لماء العينين عن صورها الباريسية”، جريدة “الأخبار” اليومية، عدد 9 يناير 2019.
مواقع إلكترونية:
1- الأزمي الإدريسي، إدريس، “العدالة والتنمية لا يعتبر نفسه وصيا على الإسلام”، موقع الحزب، (12 يناير 2019) www.pjd.ma
2- الخطيب، عقيل، إشكالية الاسم والمسمى داخل العمل السياسي للأحزاب ذات المرجعية الإسلامية، مركز الدراسات الاستراتيجية والدبلوماسية، 2019-03-01 www.csds-center.com.
3- الفلاح، لبنى، “عكس تصريحات بن كيران.. المقرئ أبو زيد يستغل الدين في السياسة” (مقال وفيديو)، (22 أكتوبر 2019) https://archive.chouftv.ma
4- بنكيران، عبدالإله، “الملك هو الحاكم الفعلي ولا علاقة لنا بالإخوان”، حوار مع قناة “الحرة” الأمريكية، نشر نصه الكامل على موقع القناة (03 أكتوبر 2016) https://www.alhurra.com/a/benkiran-alhurra-interview-/325317.html
5- بنكيران، عبدالإله، خطاب مصور أمام مؤتمر شبيبة العدالة والتنمية، نشر على القناة الرسمية في يوتوب لحركة التوحيد والإصلاح (الجناح الدعوي للحزب) بتاريخ 14 أغسطس 2014 https://www.youtube.com/user/AttawhidWalislah1
6- بنكيران، عبدالإله، “لا ننتمي إلى الإخوان ولسنا تيارا دينيا”، حوار مع قناة “الحرة” الأمريكية، منشور في 08 أغسطس 2014 على موقع القناة: https://www.alhurra.com/a/moroccan-prime-minister-benkiran-muslim-brotherhood-egypt-/255300.html
7- تعريف مصطلح “المخزن” مأخوذ موقع الموسوعة العالمية “ويكيبيديا” (2019/11/04) https://www.wikipedia.org.
8- تعريف “حركة 20 فبراير”، تقرير على شبكة “بي بي سي”، (2019/10/20) https://www.bbc.com/arabic/39039803
9- حامي الدين، عبد العلي، “المخزن في المغرب يتجدّد ولا يتغيّر”، صحيفة “الأخبار” اللبنانية (https://al-akhbar.com/Opinion/111271)
10- منشورات ووثائق محملة من موقع الحزب الرسمي (www.pjd.ma)
11- وثيقة تعرف مرجعية حزب “الاستقلال” المغربي محملة من موقع الحزب الرسمي: https://www.istiqlal.info
12- يتيم، محمد، ليس دفاعا عن العدالة والتنمية.. ولكن عن المغرب ومصلحته العليا، منشور على موقع الحزب (2019/10/15) www.pjd.ma
وثائق ومقررات حزبية:
1- أطروحة المؤتمر الوطني السابع للحزب (سنة 2012) منشورة على موقعه: www.pjd.ma.
2- التقرير السياسي المرفوع إلى دورة ديسمبر 2013 للمجلس الوطني للحزب، محمل من موقع الحزب www.pjd.ma
3- دستور المملكة المغربية (2011)
4- ميثاق حركة “التوحيد والإصلاح” (الجناح الدعوي للحزب)، منشورات الحركة، شمس برينت، الرباط، 2019.
المرجع باللغة الأجنبية:
1- Abdellatif Hissouf, The Moroccan Monarchy and the Islam-oriented PJD: Pragmatic Cohabitation and the Need for Islamic Political Secularism, All Azimuth V5, N1, Jan 2016.
2- Alain Frachon, Mohamed VI, vingt ans de singularité, Le monde, 28-29 Juillet 2019.
3- Hakim El Karoui, La fabrique de l’islamisme, Institut MONTAIGNE, France, Version Abrégée Septembre 2018.
4- Mohamed Daadaou, Islamism and the State in Morocco, Current Trends in Islamist Ideology, At https://www.hudson.org/research/12286-islamism-and-the-state-in-morocco, April 29, 2016.
[1]– عبدالإله، بنكيران، “هذا ما قاله بنكيران لماء العينين عن صورها الباريسية”، جريدة “الأخبار” 9 يناير 2019.
[2] – حزب “العدالة والتنمية” المعروف إعلاميا بالكلمة المختصرة “بيجيدي” (PJD)، والحروف اختصار للكلمات الفرنسية (parti de la justice et du développement)
[3] – بحسب إحدى أوراق الحزب المنشورة على موقعه الإلكتروني (www.pjd.ma) فالحزب يعرف نفسه بأنه “حزب سياسي وطني يسعى، انطلاقا من المرجعية الإسلامية وفي إطار الملكية الدستورية القائمة على إمارة المؤمنين، إلى الإسهام في بناء مغرب حديث وديمقراطي، ومزدهر ومتكافل. مغرب معتز بأصالته التاريخية ومسهم إيجابيا في مسيرة الحضارة الإنسانية”.
[4]– تشير إحدى الأوراق الصادرة عن الحزب والمنشورة على موقعه https://www.istiqlal.info إلى أن “المرجعية الاستقلالية” للحزب “ترتكز على مبادئ راسخة مستمدة من مجموعة من الثوابت أهمها التمسك بالعقيدة الإسلامية الداعية إلى التسامح والوسطية وتحقيق العدل وتكافؤ الفرص والمساواة والتكافل الاجتماعي واحترام حقوق الإنسان”.
[5] – عبدالإله، بنكيران، “لن نصمت إذا ما تم التدخل في الانتخابات أو إذا هوجم حزبنا تحت أي ضغط”، حوار مع صحيفة “المشعل” أعيد نشره بالكامل على موقع الحزب (01 أكتوبر 2011)https://pjd.ma/node/1560
[6]– أطروحة المؤتمر الوطني السابع للحزب منشورة على موقعه (2012)www.pjd.ma
[7]– Mohamed, Daadaou, Islamism and the State in Morocco, Current Trends in Islamist Ideology, At https://www.hudson.org/research/12286-islamism-and-the-state-in-morocco, April 29, 2016
[8]– “المخزن” هو مصطلح له دلالة خاصة لدى المغاربة، ويطلق منذ قرون على نظام الحكم بالمغرب الذي تمحور حول الملك أو السلطان سابقا، ويتألف “المخزن” من الملك والأعيان وزعماء القبائل وقادة العسكر وكبار الأمنيين وغيرهم من أعضاء المؤسسة التنفيذية، (2019/11/04) https://www.wikipedia.org.
ويعرف الباحث المغربي عبد العلي حامي الدين، “المخزن في المغرب يتجدّد ولا يتغيّر”، صحيفة “الأخبار” اللبنانية (https://al-akhbar.com/Opinion/111271)”المخزن” بأنه “تعبير فعلي ومجازي عن (بيت المال) الذي كانت السلطة السياسية تضع فيه ما تجمعه من ضرائب وحبوس وإتاوات نقدية وعينية من أولئك الخاضعين لها مباشرة، سواء أكانوا أفراداً أو جماعات أو قبائل، ومفهوم “بلاد المخزن” مفهوم نسبي؛ فحيثما كانت السلطة قوية وقادرة، شاع نطاق بلاد المخزن، وحيثما ضعفت هذه السلطة ضاق نطاق بلاد المخزن”.
3- Abdellatif, Hissouf, The Moroccan Monarchy and the Islam-oriented PJD: Pragmatic Cohabitation and the Need for Islamic Political Secularism, All Azimuth V5, N1, Jan. 2016, p43
[10]– عماد، عبد اللطيف، الخطابة السياسية في العصر الحديث، الطبعة الأولى، مصر، دار العين للنشر، 2015، ص67
[11]– محمد، يتيم، ليس دفاعا عن العدالة والتنمية.. ولكن عن المغرب ومصلحته العليا، نشر على موقع الحزب (2019/10/15)www.pjd.ma
[12]– ميثاق حركة التوحيد والإصلاح، منشورات الحركة، شمس برينت، الرباط-المغرب، 2019، ص9
[13] – عبدالإله، بنكيران، “بنكيران وبن تيمية”، جريدة “النهار المغربية”، 9 سبتمبر2016، نشور أيضا على موقع الجريدة: http://annahar.ma/get/article/pdf/3614
[14]– Mohamed,Daadaou, Islamism and the State in Morocco,Op cit.
[15]-عبدالإله، بنكيران، “بنكيران وبن تيمية”، مرجع سابق.
[16]– تعرف نفسها، وفق ميثاقها المشار إليه آنفا، بأنها “حركة دعوية تأسست في 31 أغسطس 1996، عقب وحدة اندماجية بين “حركة الإصلاح والتجديد” و “رابطة المستقبل الإسلامي”، اتخذت أشكالا تنظيمية متعددة، وقادت مراجعات فكرية وتنظيمية كثيرة، ووالت تطورها إلى أن استوت على سوقها في شكلها واسمها الحاليين. وقد كان أن جعلت حركة التوحيد والإصلاح أساس وحدتها وقطب عملها على أسس ثلاثة: أولها: اعتماد الكتاب والسنة مرجعية عليا لكل شأنها؛ وثانيها، اعتماد الشورى الملزمة وسيلة لاتخاذ قراراتها؛ وثالثها، اعتماد الانتخاب آلية لتولي مسؤولياتها. (ميثاق حركة التوحيد والإصلاح، مرجع سابق، ص 9 و 10).
[17]– سعد الدين، العثماني، “لن نلوي عنق مرجعيتنا لتتلاءم مع أهواء الناس .. ولن نحابي أحدا”، جريدة “أخبار اليوم”، الاثنين 28 يناير 2019.
[18] – في 20 فبراير 2011 خرج لأول مرة مئات الآلاف من الشباب المغربي في 54 مدينة وبلدة بصورة عفوية دون تعبئة نقابية ولا حزبية رافعين لافتات تطالب بالكرامة والعدالة الاجتماعية والحرية والديمقراطية، ومرددين شعارات تنادي بمحاسبة المفسدين ووقف استغلال النفوذ ونهب ثروات البلاد، وشملت المطالب السياسية للحركة (التي حملت اسم تاريخ انطلاقها) الفصل بين الثروة والسلطة في المناصب الحكومية واستقلال القضاء وحرية الإعلام وإقامة ملكية برلمانية وإجراء انتخابات نزيهة ووضع دستور جديد. (2019/10/20) https://www.bbc.com/arabic/39039803
[19] – ينص الفصل 48 من الدستور المغربي (المعدل في سنة 2011) على أن: “يرأس الملك المجلسَ الوزاري الذي يتألف من رئيس الحكومة والوزراء. ينعقد المجلس الوزاري بمبادرة من الملك، أو بطلب من رئيس الحكومة. للملك أن يفوض لرئيس الحكومة، بناء على جدول أعمال محدد رئاسةَ مجلس وزاري”.
[20]– أنظر حوار بنكيران مع صحيفة “المشعل” (01 أكتوبر 2011)، مرجع سابق.
[21]– عقيل، الخطيب، إشكالية الاسم والمسمى داخل العمل السياسي للأحزاب ذات المرجعية الإسلامية، مركز الدراسات الاستراتيجية والدبلوماسية، www.csds-center.com، نشرت في 2019-03-01
[22]– Mohamed,Daadaou, Islamism and the State in Morocco, Op cit.
[23]– Abdellatif,Hissouf, The Moroccan Monarchy and the Islam-oriented PJD: Pragmatic Cohabitation and the Need for Islamic Political Secularism, Op cit, p51
[24] – وثيقة أطروحة مؤتمر الحزب السابع في سنة 2012، منشورة على موقعه (www.pjd.ma)
[25] -لبنى، الفلاح، “عكس تصريحات بن كيران.. المقرئ أبو زيد يستغل الدين في السياسة” (مقال وفيديو)، (22 أكتوبر 2019) https://archive.chouftv.ma
[26]– عبدالإله، بنكيران، خطاب مصور أمام مؤتمر شبيبة العدالة والتنمية، نشر على القناة الرسمية في يوتوب لحركة التوحيد والإصلاح (الجناح الدعوي للحزب) بتاريخ 14 أغسطس 2014، https://www.youtube.com/user/AttawhidWalislah1
[27]– عقيل، الخطيب، إشكالية الاسم والمسمى داخل العمل السياسي للأحزاب ذات المرجعية الإسلامية، مرجع سابق.
[28]– خطاب مصور لعبدالإله بنكيران (مؤتمر شبيبة العدالة والتنمية)، مرجع سابق.
[29]– عبدالإله، بنكيران، خطاب مصور أمام مؤتمر شبيبة العدالة والتنمية، مرجع سابق.
[30]– عبدالإله، بنكيران، نفس المرجع.
[31]– Hakim, El Karoui, La fabrique de l’islamisme, Institut MONTAIGNE, France, Version Abrégée Septembre 2018, p16
[32]– عبدالإله، بنكيران، “لا ننتمي إلى الإخوان ولسنا تيارا دينيا”، حوار مع قناة “الحرة” الأمريكية، منشور في08 أغسطس 2014 على موقع القناة:https://www.alhurra.com/a/moroccan-prime-minister-benkiran-muslim-brotherhood-egypt-/255300.html
[33] – جاسم، سلطان، أزمة التنظيمات الإسلامية (الإخوان نموذجا)، الطبعة الثانية، لبنان، الشبكة العربية للأبحاث والنشر، 2015، ص25
[34]– عبدالإله، بنكيران، “لا ننتمي إلى الإخوان ولسنا تيارا دينيا”، مرجع سابق.
[35]– Mohamed, Daadaou, Islamism and the State in Morocco, Op cit.
[36]– Alain, Frachon, Mohamed VI, vingt ans de singularité, Le monde, 28-29 Juillet 2019
[37]– أنظر التقرير السياسي المرفوع إلى دورة ديسمبر 2013 للمجلس الوطني للحزب، موقع الحزب www.pjd.ma
[38]-أنظر التقرير السياسي المرفوع إلى دورة ديسمبر 2013 للمجلس الوطني للحزب، موقع الحزب www.pjd.ma
[39] – جاسم، سلطان، أزمة التنظيمات الإسلامية (الإخوان نموذجا)، مرجع سابق، ص17
[40]– Hakim, El Karoui, La fabrique de l’islamisme, Op cit, p30
[41]– Abdellatif,Hissouf, The Moroccan Monarchy and the Islam-oriented PJD: Pragmatic Cohabitation and the Need for Islamic Political Secularism, Op cit, p43
[42]– عبدالإله، بنكيران، “الملك هو الحاكم الفعلي ولا علاقة لنا بالإخوان”، حوار مع قناة “الحرة” الأمريكية، نشر نصه الكامل على موقع القناة: (03 أكتوبر 2016) https://www.alhurra.com/a/benkiran-alhurra-interview-/325317.html
[43] – عادل، عبد الغفار وبيل، هيس، الأحزاب الإسلامية في شمال إفريقيا: تحليل مقارن بين المغرب وتونس ومصر، مركز بروكنجز، الدوحة، يوليو 2018، ص6
[44]– Hakim, El Karoui, La fabrique de l’islamisme, Op cit, p35
[45] – عماد، عبداللطيف، الخطابة السياسية في العصر الحديث، مرجع سابق، ص21
[46] – Sarah, J. Feuer, Ph.D, Action and Reaction: Royal Rhetoric Responds to the PJD, RICE UNIVERSITY’S BAKER INSTITUTE FOR PUBLIC POLICY, ISSUE BRIEF, Houston, 05.25.2018, p3
[47]– أنظر حوار بنكيران مع صحيفة “المشعل” (01 أكتوبر 2011)، مرجع سابق.
[48] – ينص الفصل 41 من الدستور المغربي على أن “الملك أمير المؤمنين وحامي حِمى الملة والدين، والضامن لحرية ممارسة الشؤون الدينية. يرأس الملك، أمير المؤمنين، المجلس العلمي الاعلى الذي يتولى دراسة القضايا التي يعرضها عليه. ويعتبر المجلس الجهة الوحيدة المؤهلة لإصدار الفتاوى التي تُعتمد رسميا، في شأن المسائل المحالة عليه، استنادا إلى مبادئ وأحكام الدين الإسلامي الحنيف ومقاصده السمحة”.
[49]– عبدالإله، بنكيران، “حزب العدالة والتنمية ليس سوى حزب يسيّر الحكومة وليس البلاد”، “القدس العربي”، 22 مايو 2019
[50]– عبدالإله، بنكيران، “حزب العدالة والتنمية ليس سوى حزب يسيّر الحكومة وليس البلاد”، نفس المرجع.
[51] – أنظر التقرير السياسي المرفوع إلى دورة ديسمبر 2013 للمجلس الوطني للحزب، موقع الحزب www.pjd.ma
[52] – محمد، يتيم، ليس دفاعا عن حزب العدالة والتنمية، مرجع سابق.
[53]– Mohamed,Daadaou, Islamism and the State in Morocco, Op cit.
[54]– بسيمة، الحقاوي، “يا ريت لو تملك ماء العينين الشجاعة الكافية لتكون بدون هوية مزدوجة”، جريدة “أخبار اليوم”، 15 يونيو 2019
[55]– عبدالإله، بنكيران، “الحجاب ليس قميصا للعمل (tenue de Travail) وأمينة أخطأت في تدبير قضيتها وليس كلنا صادقين ومستقيمين”، صحيفة “أخبار اليوم”، 14 يناير 2019.
[56]– إدريس، الأزمي الإدريسي، “العدالة والتنمية لا يعتبر نفسه وصيا على الإسلام”، موقع الحزب، (12 يناير 2019)www.pjd.ma
[57]– Sarah, J. Feuer, Ph.D, Action and Reaction: Royal Rhetoric Responds to the PJD, Op cit, p4
[58]– Mohamed, Daadaou, Islamism and the State in Morocco, Op cit.
[59]– Abdellatif,Hissouf, The Moroccan Monarchy and the Islam-oriented PJD: Pragmatic Cohabitation and the Need for Islamic Political Secularism, Op cit, p50
[60]– Abdellatif,Hissouf, Ibid, p54
[61]– Alain, Frachon, Mohamed VI, vingt ans de singularité, Le monde, 28-29 Juillet 2019