
التّحوُّلُ الدّلاليُّ بينَ البناءِ للمعلومِ والبناءِ للمجهولِ في القِراءاتِ القرآنيَّةِ
The semantic transformation between active voice and passive voice in the Qur’anic readings.
الباحث: عامر سليمان درويش/ ت: دكتوراه اختصاص الدّراسات اللّغويّة
إشراف أ.د. عبد الإله نبهان، اختصاص النّحو والصّرف، جامعة البعث /حمص/سوريا
Researcher: Amer Suleiman Darwish / preparation: Ph.D. Language studies domain.
Supervisor: Abdul Ilah Nabhan Grammar and syntax section Al-Baath University / Homs / Syria.
مقال منشور في حمل من هنا: مجلة جيل الدراسات الادبية والفكرية العدد 59 الصفحة 101.
مُلخَّصُ:
يرصدُ هذا البحثُ بعضَ القراءاتِ القرآنيَّةِ المتواترةِ الّتي حدثَ للفعل الواردِ فيها تغييرٌ في بنائه من خلال تحويله من فعل مبنيّ للمعلوم إلى فعل مبنيّ للمجهول، وتهدف الدّراسةُ إلى بيان الدّلالةِ الّتي أنتجها اختلافُ الصِّيغتين في الخطاب القرآنيِّ في الآية الواحدةِ، وقد تعدّدت المواضعُ الّتي تردّد الفعلُ فيها بين البناءِ للفاعل والبناءِ للمفعول في القراءات القرآنيَّة، إذ أصبحت تشكّل ظاهرةً تفرض نفسَها على الدَّرْسِ اللّغويّ، فقد بلغ عددُ مرّات ورودها في القراءات العشْر المتواترة أكثر من ستين موضعاً.
الكلمات المفتاحيّة: التّحوُّل-الدّلالة – الصِّيغة –الفعل- المبنيّ- المعلوم -المجهول- القراءات- القرآنيّة.
Research
This research examines some of the recurring Qur’anic readings in which the verb that mentioned has experienced changes in its construction by transform it from active voice and passive voice.
The study aims at demonstrating the significance that the two formulas have produced in the Qur’anic discourse in one verse. The number of places in which the verb came between the active voice and passive voice in the Qur’anic readings has multiplied, where it has become a phenomenon that imposes itself on the linguistics study.
They have been mentioned in the Ten Readings in more than sixty places.
Keywords: transformation, significance, formula, verb, active voice, passive voice., Quranic, readings.
تمهيد:
النّصُّ القرآنيُّ عربيٌّ فصيحٌ مُعجِزٌ في بيانِه وأسلوبه، وممّا زاد في سمّوهِ تعدّدُ القراءاتِ فيه، فالأفعالُ القرآنيَّةُ نفسُها تُقرأُ في آية واحدة بصيغتينِ مختلفتينِ في بعضِ المواضعِ، ولا شكّ أنّ تحوُّلاتِ الصِّيغةِ الفعليّة لها أهمّيّتُها وأثرُها في المعنى، وهذا ما دفعني إلى كتابةِ هذا البحثِ بُغيةَ دراسةِ تحوُّلاتِ الصِّيغةِ الفعليّة بين المبنيّ للفاعل والمبنيّ للمفعول في القراءات القرآنيَّة المتواترةِ وما نتجَ عنها من تغيُّراتٍ في الدّلالةِ. وقبل بدء الدراسة لا بدّ من الوقوف على تعريف موجز للقراءات المتواترة يكون توطئةً لهذا البحث.
معنى القـراءات:
لغةً: جمع قراءة. اصطلاحاً: هِيَ “اختلافُ ألفاظِ الوحي المذكور في كتبة الحروف أو كيفيّتها مِن تخفيفٍ وتثقيل وغيرهما”.[1] وعرَّفها ابن الجَزَرِيِّ (833هـ): “علمٌ بكيفيّة أداء كلمات القرآن واختلافها معزواً لناقله”.[2] أمَّا الدُّمياطيُّ (1117هـ) فذهب إلى أن القراءات علمٌ “يعلم منه اتّفاق النّاقلين لكتاب الله تعالى واختلافهم في الحذف والإثبات والتّحريك والتّسكين والفصل والوصل وغير ذلك مِن هيئة النّطق والإبدال مِن حيثُ السّماع”.[3] والملاحظ هنا أنّ ابنَ الجَزَرِيِّ والدُّمياطيَّ اشترطا في القراءة النّقل والسّماع، وهذا ما ذهب إليه سيبويه من أنَّ القراءات سُنّةٌ يجب اتّباعها. [4]
التّواتر في القراءات:
نقول: كلّ قراءة وافقت العربيّة مطلقاً، ووافقت أحدَ المصاحف العثمانيّة ولو تقديراً، وتواتر نقلُها، هذه القراءة المتواترة المقطوع بها. ومعنى “العربيّة مطلقا” أي ولو بوجه من الإعراب[5] نحو قراءة حمزة “وَالْأَرْحَامِ” بالجرّ في قوله تعالى: ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَام ﴾ [سورة النساء: 1]، ومعنى أحد المصاحف العثمانيّة واحد من المصاحف الّتي وجّهها عثمان رضي الله عنه إلى الأمصار. وكقراءة ابن كَثِيْرٍ ﴿جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ﴾ [سورة التّوبة: 72] بزيادة (مِن) فإنّها لا توجد إلّا في مصحف مكّة. ومعنى “ولو تقديراً” ما يحتمله رسم المصحف كقراءة مَن قرأ: ﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾ [سورة الفاتحة: 4] بالألف فإنّها كُتبت بغير ألف في جميع المصاحف، فاحتملت الكتابة أنْ تكون “مالك” وفُعل بها كما فُعل باسم الفاعل من قوله: “قادر” و”صالح” ونحو ذلك ممّا حُذفت منه الألف للاختصار، فهو موافق للرّسم تقديراً. ونعني بالتّواتر ما وراه جماعة كذا إلى منتهاه يفيد العلم من غير تعيين عدد.[6]
والّذي جمع في زماننا هذه الأركانَ الثّلاثةَ هو قراءة الأئمة العشرة الّتي أجمع النّاس على تلقّيها بالقَبول وهم: أبو جعفر ونافع وابن كَثِيْرٍ وأبو عَمْرو ويعقوب وابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي وخَلَف، أخذها الخلف عن السّلف إلى أنْ وصلت إلى زماننا، فقراءة أحدهم كقراءة الباقين في كونها مقطوعاً بها، ولا يوجد اليوم قراءة متواترة وراء القراءات العشر.[7]
تحوُّلاتِ الصِّيغةِ الفعليّة بين البناء للمعلوم والبناء للمجهول في القراءات القرآنيَّة:
من الظّواهر اللّغويّة في القراءات القرآنيَّة بناءُ الفعل للمعلوم والمجهول، ففي الآية نفسِها نجد تغيّر الصّيغة الفعليّة؛ فإحدى القراءتين ذُكر الفاعل وأُسند إليه الفعل، وفي القراءة الأخرى حُذف الفاعل.
والمعروف أنّ البناء للمجهول يوجب حذْف الفاعل، وهذا الحذف لا يكون عبثاً؛ بل له أسبابه الّتي تدعو المتكلّم إلى حذفه، وهي كثيرة، ولكنّها على كثرتها لا تخلو من أنْ سببها إمّا أنْ يكون أمراً لفظيّاً أو معنويّاً.
فمِن الدّواعي اللّفظيّة لحذف الفاعل القصد إلى الإيجاز في العبارة نحو قوله تعالى: ﴿وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ﴾ [سورة النحل: 126]، أي: بمثل ما عاقبكم المعتدي به، ولمّا كان في الكلام قرينة تدلّ على الفاعل، فقد اقتضت البلاغةُ حذفَه مراعاةً للإيجاز وإقامة المفعول مقامَه.
ومنها المحافظة على السّجع في الكلام المنثور نحو قولهم: مَن طابتْ سريرتُه حُمِدَتْ سيرتُه؛ إذ لو قيل «حمَد الناسُ سيرتَه» لاختلف إعراب الفاصلتين «سريرته وسيرته».
ومنها المحافظة على الوزن في الكلام المنظوم كما في قول الأعشى ميمون بن قيس:
عُلّقتُها عرضاً وعُلّقتْ رجلاً … غيري وعُلّق أخرى غيرَها الرجلُ
فالأعشى هنا قد بنى الفعل «علّق» ثلاث مرّات للمجهول، لأنّه لو ذَكر الفاعلَ في كلّ مرّة منها أو في بعضها لمَا استقام وزن البيت.
ومن الدّواعي المعنويّة لحذف الفاعل:
1 – كون الفاعل معلوماً للمخاطَب حتّى لا يحتاج إلى ذكره له نحو قوله تعالى: ﴿وَخُلِقَ الإِنْسانُ ضَعِيفاً﴾ [سورة النساء: 28]، أي: خلق الله الإنسان ضَعِيفاً.
2 – كون الفاعل مجهولاً للمتكلّم فلا يستطيع تعيينَه للمخاطب، وليس في ذكره بوصف مفهوم من الفعل فائدة، وذلك كما تقول: «سُرِق متاعي»، لأنّك لا تعرف ذات السّارق، وليس في قولك «سرَق السّارقُ متاعي» فائدةٌ زائدة في الإفهام على قولك «سرق متاعي». وقوله تعالى أيضاً: ﴿فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابتَغُوا مِنْ فضله﴾ [سورة الجمعة: 10]، أي: فإذا قضيتم الصّلاةَ.
3 – رغبة المتكلم في الإبهام على السامع، كقولك: تُصدِّق بألف دينار.
4 – ورغبة المتكلم في إظهار تعظيمه للفاعل: وذلك بصون اسمه عن أنْ يجري على لسانه، أو بصونه عن أن يقترن بالمفعول به في الذكر، كقولك: خُلق الخنزير.
5 – رغبة المتكلم في إظهار تحقير الفاعل: بصون لسانه عن أن يجري بذكره، كمَن يقول في وصف شخص يرضى الهوان والذّلّ: «يُهانُ ويُذلُّ فلا يغضبُ».
6 – خوف المتكلم من الفاعل أو خوفه عليه، كمن يقول: قُتل فلانٌ، فلا يذكر القاتل خوفاً منه أو خوفاً عليه.
7 – عدم تحقق غرض معين في الكلام بذكر الفاعل، نحو قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الذي إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً﴾ [سورة الأنفال: 2]، قد بُني الفعلان «ذُكر وتُلي» للمجهول لعدم تعلق الغرض بشخص الذاكر والتالي.[8]
ويحسن التنبيه هنا إلى أن حذف الفاعل في جميع الأمثلة السابقة هو حذف للمسند إليه الحقيقي، وإن كان المسند إليه في اللفظ وهو نائب الفاعل مذكوراً. وحذف المسند إليه يتوقف على أمرين:
أحدهما وجود ما يدل عليه عند حذفه من قرينة، والأمر الآخر وجود المرجح للحذف على الذكر. أما الأمر الأول وهو وجود القرينة الدالة على المسند إليه عند حذفه فمرجعه إلى علم النحو، وأما الأمر الآخر وهو المرجح لحذفه على ذكره فمرده إلى البلاغة.[9]
وفي القراءات القرآنية المتواترة نجد بعض الآيات التي تُقرَأ فيها الآيةُ نفسُها بصيغة المبني للمعلوم والمبني للمجهول ، وفيما يأتي سأقف على نماذج من تلك الآيات التي فيها يقرأ الفعل بقراءتين؛ بغيةَ معرفة أثر ذلك الاختلاف في الدّلالة.
1– الاختلاف بين الفعلين (لِيَحْكُمَ) و(لِيُحْكَمَ):
قوله تعالى: ﴿كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ﴾ [سورة البقرة:213].
القراءات: (واخْتَلفُوا) فِي: (لِيَحْكُمَ)؛ فَقَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ بِضَمِّ الياءِ وَفَتحِ الكَافِ (لِيُحْكَمَ)، وَقَرَأَ نافع وابن كثير وأبو عمرو ويعقوب وابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي وخلف بِفَتْحِ الياءِ وَضَمِّ الكَافِ (لِيَحْكُمَ).[10]
وفي أصل الاشتقاق: (حَكَمَ) الحاءُ وَالكَافُ وَالمِيمُ أَصْلٌ وَاحِدٌ، وَهُوَ المَنْعُ. وَأَوَّلُ ذَلِكَ الحكْمُ، وَهُوَ المَنْعُ مِنَ الظُّلمِ. وَتَقُولُ: حَكَّمْتُ فُلَانًا تَحْكِيمًا مَنَعْتُهُ عَمَّا يُرِيدُ. وَحُكِّمَ فُلَانٌ فِي كَذَا، إِذَا جُعِلَ أَمْرُهُ إِلَيْهِ.[11] والقراءتان تختلفان في حالة البناء للمعلوم أو للمجهول، وتتّفقان في أنّهما من الثّلاثيِّ المجرَّد (حَكَمَ).
أثرُ اختلافِ الصِّيغةِ في الدّلالة:
في صيغة البناء للفاعل (لِيَحْكُمَ) إِسْنَادُ الحُكْمِ إِلَى الكِتَابِ، وهو إسناد مَجَازٌ، وأضاف الله “الحكم” إلى “الكتاب”، وأنه الذي يحكم بين الناس دون النبيين والمرسلين، إذْ كان مَنْ حَكم من النّبيين والمرسلين بحُكم إنّما يحكم بما دلَّهم عليه الكتاب، فكان الكتاب حاكماً بين النّاس، وإنْ كان الذي يفصل القضاءَ بينهم غيرُه.[12] وَقِيلَ: مَعْنَاهُ لِيَحْكُمَ كُلُّ نَبِيٍّ بِكِتَابِهِ، فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ. وَإِذَا حَكَمَ بِالكِتَابِ فَكَأَنَّمَا حَكَمَ الكِتَابُ. [13]
وفي صيغة البناء للمجهول (لِيُحْكَمَ) لم يُصرَّح بالفاعل الحقيقي؛ وهنا نرى فائدة تحول الصيغة في البناء للمفعول “لإرادة عموم الحكم من كل حاكم”.[14]
وإفادة العموم من بلاغة المبني للمجهول؛[15] إذْ يصح أن يُسند الحكم للكِتَاب، أو للنَّبِيِّينَ، أو للَّه، فَيَكُونُ المَعْنَى: لِيَحْكُمَ اللَّهُ، أَوِ النَّبِيُّ المُنَزَّلُ عَلَيْهِ، أَوِ الكِتَابُ. [16]
ولا يخفى أنّ إِسْنَاد الحُكْمِ إِلَى الكِتَابِ فيه تَفْخِيمَ شَأْنِ الكتاب وَتَعْظِيمَ حَالِهِ. [17] وهذا التّحوُّلُ الدّلاليُّ جاء نتيجة البناء للمعلوم الذي صرّح بحاكمية الكتاب.
ومع اختلاف الصيغة وزيادة المعنى واتّساعه في المبني للمجهول لا يبعد أنْ تكون القراءتان بمعنى واحد؛ لأنّ صيغة البناء للمجهول والإسناد المجازيّ تلتقيان في الاستغناء عن ذكر الفاعل وإنْ كان لكلّ منها ملحظه البيانيّ الخاصّ. [18]
وإنّما استُغني عن ذكر الفاعل الحقيقيّ للعلم به في كلا القراءتين؛ فاللَّهُ سُبْحَانَهُ هُوَ الحاكِمُ فِي الحَقِيقَةِ لَا الكِتَابُ، وَأَمَّا النَّبِيُّ فهُوَ المُظْهِرُ للحكم والناطق به. وهذا الاستغناء هو الرّابط الخفيّ المتين الذي يجعل الصيغتين المختلفتين بناءً كالصّيغة الواحدة في الدلالة.
2-الاختلاف بين الفعلين (قَاتَلَ) و(قُتِلَ):
قوله تعالى: ﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ﴾ [سورة آل عمران: 146].
القراءات: (وَاخْتَلَفُوا) فِي: (قَاتَلَ مَعَهُ) فَقَرَأَ نَافِعٌ وَابنُ كَثِيرٍ وأبو عمرو ويعقوب بِضَمِّ القَافِ وَكَسْرِ التَّاءِ مِن غَيرِ أَلِفٍ (قُتِلَ مَعَهُ)، وَقَرَأَ أبو جعفر وابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي وخلف بِفَتْحِ القَافِ وَالتَّاءِ وَأَلِفٍ بَيْنَهما (قَاتَلَ مَعَهُ). [19]
وفي أصل الاشتقاق: (قَتَلَ) القَافُ وَالتَّاءُ وَاللَّامُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى إِذْلَالٍ وَإِمَاتَةٍ.[20] والقراءتان تختلفان في حالة البناء للمعلوم أو للمجهول، وتتّفقان في أنّهما من الثلاثيِّ المجرَّد (قَتَلَ).
أثرُ اختلافِ الصِّيغةِ في الدّلالة:
مَنْ قَرَأَ (قاتَلَ مَعَهُ) فَالمعنَى: وَكَمْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ العَدَدُ الكَثِيرُ مِن أَصْحَابِهِ فَأَصَابَهُم مِن عَدُوِّهِمْ قَرْحٌ فَمَا وَهَنُوا؛ لِأَنَّ الَّذِي أَصَابَهُمْ إِنَّمَا هُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَطَاعَتِهِ وَإِقَامَةِ دِينِهِ وَنُصْرَةِ رَسُولِهِ، فَكَذَلِكَ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ تَفْعَلُوا مِثْلَ ذلِكَ يا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ.[21]
وعَلَى القِرَاءَةِ الأُخرى (قُتِلَ)[22] حُذِف الفاعل إذ لا فائدة في ذكره، بل من بلاغة السّياق هنا أنْ يحذف ولا يُصرّح بذكره إمعاناً في تحقيره؛ لأنّ في ذكره تلويثاً للّسان وغمّاً للنّفس؛[23] فمَن يقتل الأنبياءَ مُحتقَرٌ مُهان. والمعنَى: إَنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ قُتِلُوا، وَالَّذِينَ بَقَوْا بَعْدَهُمْ مَا وَهَنُوا فِي دِينِهِمْ، بَلِ اسْتَمَرُّوا عَلَى جِهَادِ عَدُوِّهِمْ وَنُصْرَةِ دِينِهِمْ، فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ حَالُكُمْ يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ هَكَذَا. وَالْوَقْفُ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ عَلَى قَوْلِهِ: (قُتِلَ) وَقَوْلُهُ: (مَعَهُ رِبِّيُّونَ) حَالٌ بِمَعْنَى قُتِلَ حَالَ مَا كَانَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ، أَوْ يَكُونُ عَلَى مَعْنَى التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ، أَيْ: وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ قُتِلَ فَمَا وَهَنَ الرِّبِّيُّونَ عَلَى كَثْرَتِهِمْ، وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ المعنَى: وكأين من نبي قُتِلَ ممن كان معه وعلى دينه ربيون كثير فما ضعف الباقون لقتل مَن قُتِلَ مِنْ إِخْوَانِهِمْ، بَلْ مَضَوْا عَلَى جِهَادِ عَدُوِّهِمْ، فَقَدْ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ حَالُكُمْ كَذَلِكَ.[24]
إنّ اختلاف الصيغة أدّى إلى زيادة فائدة في دلالة قراءة (قَاتل)؛ فهي أبلغ فِي مدح الْجَمِيع من معنى (قُتِلَ)؛ لأن الله إِذا مدح مَن قُتِلَ خَاصَّة دون مَن قَاتل لم يدْخل فِي المديح غَيرهم، فمدْحُ مَن قَاتل أَعمّ للْجَمِيع مِن مدْح مَن قُتِلَ؛ لِأَن الْجَمِيع داخلون فِي الْفضل وَإِن كَانُوا متفاضلين.[25]
فكلّ بناء له دلالة؛ فالبناء للمفعول مِنْ هَذِهِ الآيَةِ فيه حِكَايَةُ مَا جَرَى لِسَائِرِ الأَنْبِيَاءِ لِتَقْتَدِيَ هَذِهِ الأُمَّةُ بِهِمْ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: ﴿أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ ﴾ [سورة آل عمران: 144]؛ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ المذْكُورُ قَتْلَ سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ لَا قِتَالَهُمْ. والبناء للفاعل يُرَادَ مِنْه تَرْغِيبُ الَّذِينَ كَانُوا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْقِتَالِ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ المذْكُورُ هُوَ القِتَالَ. [26]
والمغايرة هنا بين مبنى الفعلين حققت التّحوُّل الدّلاليّ الذي جعل الآية كأنّها آيتين لما تحمله كل قراءة من البعد الدّلاليّ.
3- الاختلاف بين الفعلين (يَغُلَّ) و(يُغَلَّ):
قوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾ [سورة آل عمران: 161].
القراءات: (وَاخْتَلَفُوا) فِي: (يَغُلَّ)؛ فَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو وَعَاصِمٌ بِفَتْحِ اليَاءِ وَضَمِّ الغَيْنِ (يَغُلَّ)، وَقَرَأَ أبو جعفر ونافع ويعقوب وابن عامر وحمزة والكسائي وخلف بِضَمِّ اليَاءِ وَفَتْحِ الغَيْنِ (يُغَلَّ).[27]
وفي أصل الاشتقاق: (يُغَلَّ) مضارع مبنيّ للمجهول، و(يَغُلَّ) مضارع مبنيّ للمعلوم، وماضيه (غَلَّ) يَدُلُّ عَلَى تَخَلُّلِ شَيْءٍ، وَثَبَاتِ شَيْءٍ. وَمِنهُ الغُلُولُ فِي الغُنْمِ، وَهُوَ أَنْ يُخْفَى الشَّيْءُ فَلَا يُرَدُّ إِلَى القَسْمِ، كَأَنَّ صَاحِبَهُ قَدْ غَلَّهُ بَيْنَ ثِيَابِهِ.[28]
أثرُ اختلافِ الصِّيغةِ في الدّلالة:
مَن قرأ (وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ) فقد أسند الفعل فيه إلى الفاعل، والمعنى ما كان لِنَبِيٍّ أن يَخُونَ أمَّتَهُ.[29] ومَن قرأ (وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يُغَلَّ)، فالمعنى: أن يُتّهم ويقال قد غَلَّ، أي: يُنسَب إلى الغلول،[30] أو على معنى: أنْ يخُان،[31] أي: ما كان لنبي أن يَغُلَّهُ أصحابُه (يخُونُوه)، ثمَّ أسقط الأَصْحَاب فَبَقيَ الفِعْلُ غيرَ مُسَمًّى فَاعلُه، وحذف الفاعل هنا لاحتقاره وتصغير شأنه.
ويجوز أنْ يكون التّوجيه: ما كان لنبيّ أن يوجد غالَّاً، كقولك: أحمدتُ الرّجُلَ، أي: وجدتُه محموداً.[32]
وفائدة تحوّل بناء الفعل في صيغة المبنيّ للمعلوم هي نفي التّهمة عن المسند إليه، وجاء معرّفاً بالإضمار؛ لأنّه مقصود بالحكم، فالآية سِيقتْ لإعلان براءة النّبيّ مِن الغلول.
وأمّا صيغة المبنيّ للمجهول فقد أفادت توسيعَ الدّلالة والمبالغة في بيان كَرَامَة أَخْلَاقه؛ فالنبيّ ما ينبغي له أنْ ننسبه للغلول، ولبيان مَرْتَبَةِ النُّبوَّةِ احتمل توجيه القراءة نفي الغلول عن أصحابه؛ فالقراءتان تلتقيان على أنّ النُّبوَّة والغلول متنافيان.
4- الاختلاف بين الفعلين (فَتَنُوا) و(فُتِنُوا):
قوله تعالى: ﴿ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [سورة النحل: 110].
القراءات: (وَاخْتَلَفُوا) فِي: (فُتِنُوا)؛ فَقَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ بِفَتْحِ الفَاءِ وَالتَّاءِ (فَتَنُوا)، وَقَرَأَ أبو جعفر ونافع وابن كثير وأبو عمرو ويعقوب وعاصم وحمزة والكسائي وخلف بِضَمِّ الفَاءِ وَكَسْرِ التَّاءِ (فُتِنُوا).[33]
وفي أصل الاشتقاق: (فَتَنَ) الفَاءُ وَالتَّاءُ وَالنُّونُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى ابْتِلَاءٍ وَاخْتِبَارٍ. مِنْ ذَلِكَ الفِتْنَةُ. يُقَالُ: فَتَنْتُ أَفْتِنُ فَتْنًا. وَفَتَنْتُ الذَّهَبَ بِالنَّارِ، إِذَا امْتَحَنْتُهُ. وَيُقَالُ: فَتَنَهُ وَأَفْتَنَهُ.[34] والقراءتان تختلفان في حالة البناء للمعلوم أو للمجهول، وتتفقان في أنهما من الثلاثيِّ المجرَّد (فَتَنَ).
أثرُ اختلافِ الصِّيغةِ في الدّلالة:
مَنْ قَرَأَ (فَتَنُوا) عَلَى الْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ فالمعنى الْمُرَادُ أَنَّ أَكَابِرَ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ آذَوْا فُقَرَاءَ الْمُسْلِمِينَ لَوْ تَابُوا وَهَاجَرُوا وَصَبَرُوا فَإِنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ تَوْبَتَهُمْ، [35] أو أَنَّ أُولَئِكَ الضُّعَفَاءَ لَمَّا ذَكَرُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ عَلَى سَبِيلِ التَّقِيَّةِ فَكَأَنَّهُمْ فَتَنُوا أَنْفُسَهُمْ،[36] أو أنّه لَمَّا كَانُوا صَابِرِينَ عَلَى الإِسْلَامِ وَعُذِّبُوا بِسَبَبِ ذَلِكَ صَارُوا كَأَنَّهُمْ هُمُ الْمُعَذِّبُونَ أَنْفُسَهُمْ. [37]
وَأَمَّا وَجْهُ الْقِرَاءَةِ (فُتِنُوا) بِفِعْلِ مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ فَظَاهِرٌ، لِأَنَّ أُولَئِكَ الْمَفْتُونِينَ هُمُ الْمُسْتَضْعَفُونَ الَّذِينَ حَمَلَهُمْ أَقْوِيَاءُ الْمُشْرِكِينَ عَلَى الرِّدَّةِ وَالرُّجُوعِ عَنِ الْإِيمَانِ، فَبَيَّنَ تَعَالَى أَنَّهُمْ إِذَا هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا وَصَبَرُوا فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَغْفِرُ لَهُمْ تَكَلُّمَهُمْ بكلمة الكفر بِالْعَذَابِ وَالْإِكْرَاهِ. [38]
وبناء على الأقوال السّابقة في تأويل القراءتين أقول:
أضاف اختلاف الصيغة توسعة الدلالة وكثرة المعاني؛ فكل صيغة لها دلالة لا تطابق أختها، وتبيّن فضل الله على عباده المؤمنين الذين (فُتِنُوا)، وكذلك الذين (فَتَنُوا) غيرَهم أو أنفسَهم.
ويمكن أن تترادف القراءتان من طريقين:
الأول: إذا كان (فَتَنَ وَأَفْتَنَ) بمعنى كما ذكر ابن فارس(395ه)، وهذا ما أكّده أبو منصور الأزهريّ (370ه): “مَنْ قَرَأَ (فَتَنُوا) فمعناه: افْتَتَنُوا”. [39] أَي (فُتِنُوا) وَ(فَتَنُوا) بِمَعْنًى وَاحِدٍ.
وأقول: لا يبعد هذا الاتفاق؛ لأنّ بناء المجهول فيه تركيز الاهتمام على الحدث بصرف النظر عن محدثه، وكذلك في المطاوعة (فتنتُه فافتَتنَ) فيها بيان للطّواعيّة التي يتمّ بها الحدث وكأنّه لا حاجة للفاعل، فهذان البناءان يلتقيان في الاستغناء عن ذكر الفاعل.[40]
والآخر: على إسناد فعل الفتنة في القراءتين إلى المشركين. [41] فنجعل الفاعل في صيغة (فَتَنُوا) عائداً على المشركين؛ إذْ كانت فتنتهم للمسلمين معلومة، ولا يصلح أنْ يصدر هذا الفعل إلا عنهم، ونجعلِ الفاعل(المحذوف) في صيغة (فُتِنُوا) عائداً على المشركين، وحذف الفاعل هنا لاحتقاره وتصغير شأنه. وعلى هذا تكون دلالة القراءتين المطابقة والتوافق في المعنى، ويكون التّحوّل في الصيغة من باب التّنوع.
5- الاختلاف بين الفعلين (حَمَلْنَا) و(حُمِّلْنَا):
قوله تعالى: ﴿قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ﴾ [سورة طه: 87].
القراءات: (وَاخْتَلَفُوا) فِي: (حُمِّلْنَا)؛ فَقَرَأَ أبو عمرو، وأبو بكر عن عاصم، وحمزة والكسائي وخلف، وروح عن يعقوب بفتح الحاء والميم وتخفيفه (حَمَلْنَا)، وَقَرَأَ أبو جعفر ونافع وابن كثير وابن عامر، وحفص عن عاصم، ورويس عن يعقوب بضم الحاء وكسر الميم وتشديده (حُمِّلْنَا).[42]
وفي أصل الاشتقاق: (حَمَلَ) الْحَاءُ وَالْمِيمُ وَاللَّامُ أَصْلٌ وَاحِدٌ يَدُلُّ عَلَى إِقْلَالِ الشَّيْءِ. وَالْحِمْلُ: مَا كَانَ عَلَى ظَهْرٍ أَوْ رَأْسٍ.[43] والقراءتان تختلفان في حالة البناء للمعلوم أو للمجهول، وتختلفان في أن أحدهما من الثلاثيِّ المجرَّد (حَمَلَ)، والآخر من الثلاثيِّ المزيد (حمّلَ).
أثرُ اختلافِ الصِّيغةِ في الدّلالة:
قوله ﴿وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ﴾ معناه أَنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ حَمَلَهُمْ عَلَى ذَلِكَ أَيْ أَمَرَهُمْ بِاسْتِعَارَةِ الْحُلِيِّ وَالْخُرُوجِ بِهَا فَكَأَنَّهُ أَلْزَمَهُمْ ذَلِكَ.[44] وحذف الفاعل لعدم الفائدة من ذكره. والفعل تعدى إلى مفعولين، أحدهما: القائم مقام الفاعل وهو الضمير المتصل، والثاني: باقٍ على أصله وهو {أَوْزَارًا}.
وقراءة (حَمَلْنا) فَمَعْنَاهُ حَمَلْنَا مَعَ أَنْفُسِنَا مَا كُنَّا اسْتَعَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ.[45] على إسناد الفعل إليهم وتعديته إلى مفعول واحد وهو {أَوْزَارًا}.
والقراءتان متقاربتا المعنى، لأنّ القوم حَمَلوا، وأن موسى قد أمرهم بحمله، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب.[46]
وأفاد اختلاف بناء الفعل في الإخبار عن وقوع الحمل في قراءة (وَلَكِنَّا حَمَلْنا أَوْزَارًا مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ)، وأشار إلى بيان سبب الحمل في قراءة (وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ).
وأقول: الفعل (حمَل) يدل على المطاوعة، ويلتقي مع المبني للمجهول في التركيز على الحدث؛ فهم حُمِّلوا فحَملوا؛ إذن فالفاعل الحقيقيّ هو مَن حمّلهم، أمّا هم فمطاوع، “والمطاوع في الحقيقة هو المفعول به الذي صار فاعلاً، نحو: “بَاعَدْتُ زيداً فتباعد” المطاوع هو زيد”.[47]
ولعلّ الأمر هو ما دفع بعضهم إلى توجيه القراءتين على الترادف، وهذا ما ذكره (أبو منصور الأزهريّ) قائلاً: “وَروَى أبو حَاتم الرازي عن أبي زيد عن أبي عمرو (حَمَلنا) و(حُمِّلْنَا) بالوجهين، وقال: هما سواء”. ثمّ يتابع أبو منصُور: “هما كما قال أبو عمرو سواء في مرجع المعنى إليه، غير أن (حَمَلنا) فَعَلنا، و(حُمِّلْنَا) على لفظ فُعِّلنا”.[48]
6- الاختلاف بين الفعلين (تُخْلِفَهُ) و(تُخْلَفَهُ):
قوله تعالى: ﴿وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَنْ تُخْلَفَهُ﴾ [سورة طه: 97].[49]
القراءات: (وَاخْتَلَفُوا) فِي: (لَنْ تُخْلَفَهُ)؛ فَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ، وَأَبُو عَمْرٍو، وَيَعْقُوبُ بِكَسْرِ اللَّامِ (لَنْ تُخْلِفَهُ)، وَقَرَأَ أبو جعفر ونافع وابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي وخلف بِفَتْحِهَا. (لَنْ تُخْلَفَهُ).[50]
وفي أصل الاشتقاق: (خَلَفَ) الْخَاءُ وَاللَّامُ وَالْفَاءُ أُصُولٌ ثَلَاثَةٌ: أَحَدُهَا أَنْ يَجِيءَ شَيْءٌ بَعْدَ شَيْءٍ يَقُومُ مَقَامَهُ، وَالثَّانِي خِلَافُ قُدَّامٍ، وَالثَّالِثُ التَّغَيُّرُ. وَأَمَّا الثَّالِثُ فَقَوْلُهُمْ خَلَفَ فُوهُ، إِذَا تَغَيَّرَ، وَمِنْهُ الْخِلَافُ فِي الْوَعْدِ. وَيُقَالُ وَعَدَنِي فَأَخْلَفْتُهُ، أَيْ وَجَدْتُهُ قَدْ أَخْلَفَنِي.[51] والقراءتان تختلفان في حالة البناء للمعلوم أو للمجهول، وتتفقان في أنهما من الثلاثيِّ المزيد (أخلف).
أثرُ اختلافِ الصِّيغةِ في الدّلالة:
مَن قرأ (لَنْ تُخْلَفَهُ) مَبْنِيًّا لِلمَجْهُولِ لِلعِلْمِ بِفَاعِلِهِ، وَهُوَ اللَّهُ تَعَالَى، فمعنى ذَلِك أَنّ لَك من الله موعداً بِعَذَابِك على إضلالك بني إِسْرَائِيل حِين عبدُوا الْعجل، واللَّهَ لَنْ يُخْلِفَكَ إِيَّاهُ،[52] ولَا يُؤَخِّرُهُ اللَّهُ عَنْكَ، فَاسْتُعِيرَ الإِخْلَافُ لِلتَّأْخِيرِ لِمُنَاسَبَةِ الموعِدِ. [53]
ولمّا كَانَ الموعد مُسْندًا إِلَى الله جلّ جلاله، لم يحسن إِسْنَاد الخلف إِلَى السّامري إِذْ كَانَ الخلف إِنَّمَا يجْرِي فِي الكَلَام مِمَّن وعد لَا مِن الْمَوْعُود كَمَا قَالَ الله ﴿وعد الله لَا يخلف الله وعده﴾ [سورة الروم: 6] وَكَذَلِكَ معنى القراءة: لن يخلفَكه اللهُ، ثمَّ رد إِلَى مَا لم يسم فَاعله.[54] وهنا تظهر دلالة البناء للمفعول وبلاغته في هذه الآية.
ومن قرأ (لَنْ تُخْلِفَهُ) فَلَهُ مَعْنَيَانِ:
أَحَدُهُمَا: سَتَأْتِيهِ وَلَنْ تَجِدَهُ مُخْلَفًا، كَمَا تَقُولُ: أَحْمَدْتُهُ أَيْ وَجَدْتُهُ مَحْمُودًا. [55] وَهَمْزَتُهُ لِلوِجْدَانِ. يُقَالُ: أَخْلَفَ الوَعْدَ إِذَا وَجَدَهُ مُخْلَفًا.
وَالآخر: عَلَى التَّهْدِيدِ أَيْ لَنْ تَغِيبَ عَنْهُ وَلَا مَذْهَبَ لَكَ عَنْهُ بَلْ تُوَافِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.[56]
وعلى هذه القراءة يكون إسناد الفعل(للسامريّ) والهاء كناية عن الموعد، ولكن يمكن أن يفهم من هذه الصيغة التَّهَكُّمُ؛ وذلك (عَلَى جَعْلِ السَّامِرِيِّ هُوَ الَّذِي بِيَدِهِ إِخْلَافُ الْوَعْدِ وَأَنَّهُ لَا يُخْلِفُهُ، وَذَلِكَ عَلَى طَرِيقِ التَّهَكُّمِ تَبَعًا لِلتَّهَكُّمِ الَّذِي أَفَادَهُ لَامُ الْمِلْكِ).[57] ومعنى التَّهَكُّمُ جاء من صيغة البناء للفاعل، وهذا من فوائد تغيّر الصّيغة في الآية نفسِها.
وأقول: على الرّغم من اختلاف الصِّيغتين فإنّ إسنادَ الوعد حقيقة لله، وكذا نفي الإخلاف بالوعد؛ (والقراءتان متقاربتا المعنى، لأنه لا شكّ أن الله موفٍ وعدَه لخلقه بحشرهم لموقف الحساب، وأن الخلق موافون ذلك اليوم، فلا الله مخلفهم ذلك، ولا هم مخلفوه بالتخلف عنه).[58]
7- الاختلاف بين الفعلين (أُخْفِيْ) و(أُخْفِيَ):
قوله تعالى: ﴿فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [سورة السجدة: 17]. القراءات: (وَاخْتَلَفُوا) فِي: (أُخْفِيَ)؛ فَقَرَأَ حَمْزَةُ وَيَعْقُوبُ بِصِيغَةِ الْمُضَارِعِ الْمُفْتَتَحِ بِهَمْزَةِ الْمُتَكَلِّمِ وَالْيَاءِ سَاكِنَةً (أُخْفِيْ)، وَقَرَأَ أبو جعفر ونافع وابن كثير وأبو عمرو وابن عامر وعاصم والكسائي وخلف بِفَتْحِ الْيَاءِ بِصِيغَةِ الْمَاضِي الْمَبْنِيِّ لِلْمَجْهُولِ (أُخْفِيَ).[59]
وفي أصل الاشتقاق: (خَفِيَ) خَفِيَ الشَّيْءُ يَخْفَى ; وَأَخْفَيْتُهُ، وَهُوَ فِي خِفْيَةٍ وَخَفَاءٍ، إِذَا سَتَرْتَهُ.[60] والقراءتان تختلفان في حالة البناء للمعلوم أو للمجهول، وتتفقان في أنهما من الثلاثيِّ المجرَّد (خَفِيَ).
أثرُ اختلافِ الصِّيغةِ في الدّلالة:
في صيغة البناء للمفعول {مَا أُخْفِيَ} إخبار عن تكريم الله لعباده المؤمنين، وجاء الإخبار بالبناء للمفعول للدلالة على تعظيم الفاعل، وأنّه متعيّن في نفسه، مستغنى عن ذكره؛ إذْ لا يذهب الوهم إلى غيره؛ للعلم بأنّ مثل هذه الأفعال لا يقدر عليها إلّا الله.[61]
أمّا الفعل في قراءة {مَا أُخْفِيْ لَهُم} فجعله الله فعلاً مُسْتَقْبلاً يخبر عَن نَفسه، وأَسند الفاعل صراحة إلى ذاته العَلِيّة مع كونه معلوماً لمِا في ذلك من زيادة تكريم وتشويق للمؤمنين؛ فهو وحده الذي يعلم الجزاء، وجعله مخفياً لا يطلع عليه أحد من الخلق.
ومع ذلك فهما قراءتان مشهورتان، متقاربتا المعنى، لأن الله إذا أخفاه فهو مَخْفِيٌّ، وإذا أُخْفِيَ فليس له مُخْفٍ غيره.[62] ودلالتهما: لا تعلم النفوس أيّ نوع عظيم من الثواب ادخر الله لأولئك وأخفاه من جميع خلائقه، لا يعلمه إلا هو مما تقر به عيونهم، ولا مزيد على هذه العدة ولا مطمح وراءها، ثم قال (جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) فحسم أطماع المتمنين.[63]
8- الاختلاف بين الفعلين (صَدَّ) و(صُدَّ):
قوله تعالى: ﴿ وَكَذلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَما كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبابٍ ﴾ [سورة غافر: 37].
القراءات: (وَاخْتَلَفُوا) فِي: (صُدَّ)؛ فَقَرَأَ أبو جعفر ونافع وابن كثير وابن عامر وأبو عمرو بفتح الصاد (صَدَّ)، وَقَرَأَ عاصم وحمزة والكسائي ويعقوب وخلف بضم الصاد. (صُدَّ).[64]
وفي أصل الاشتقاق: (صَدَّ) الصَّادُ وَالدَّالُ مُعْظَمُ بَابِهِ يَؤولُ إِلَى إِعْرَاضٍ وَعُدُولٍ. فَالصَّدُّ: الْإِعْرَاضُ. يُقَالُ: صَدَّ يَصُدُّ، وَهُوَ مَيْلٌ إِلَى أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ. ثُمَّ تَقُولُ: صَدَدْتُ فُلَانًا عَنِ الْأَمْرِ، إِذَا عَدَلْتَهُ عَنْهُ. وَمِمَّا هُوَ صَحِيحٌ وَلَيْسَ مِنْ هَذَا الْبَابِ، قَوْلُهُمْ: صَدَّ يَصِدُّ، وَذَلِكَ إِذَا ضَجَّ. وَقَرَأَ قَوْمٌ: ﴿إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ﴾ [سورة الزخرف: 57]، قَالُوا: يَضِجُّونَ.[65] والقراءتان تختلفان في حالة البناء للمعلوم أو للمجهول، وتتفقان في أنهما من الثلاثيِّ المجرّد (صَدَّ).
أثرُ اختلافِ الصِّيغةِ في الدّلالة:
بُنِيَ فِعْلُ (صُدَّ) للْمَجْهُولِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مَعْرِفَةُ مَفْعُولِ الصّدّ لَا مَعْرِفَةُ فَاعِلِهِ، أَيْ حَصَلَ لَهُ صَدٌّ عن سَبِيلِ الْهُدَى، والمعنى: إنّ فرعون صُرف عن طريق الهدى لتزيين الشيطان له سوء عمله. وفي قراءة (صَدَّ) أُسنِد الْفِعْل إِلَى (فِرْعَوْن) الصَّاد عَن السَّبِيل كما جاء فِي قَوْله تَعَالَى ﴿ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ ﴾ [سورة الأعراف: 124] والمعنى: صَرَفَ فرعونُ الناسَ عن الدين، أو أعرض عن سبيل الله التي ابتُعث بها موسى استكباراً.[66] والفعل (صَدَّ)[67] (جاء لازماً ومتعدياً) فقراءةُ المبني للْمَجْهُولِ من المتعدِّي فقط، وقراءةُ المبني للْمَعلوم تتحمل أن يكونَ من المتعدِّي ومفعولُه محذوفٌ، أي: صَدَّ قومَه عن السبيلِ، وأن يكونَ مِنَ اللازم، أي: أَعْرَض وتَوَلَّى.[68]
والذي يبدو أنّ اختلاف الصِّيغتين أفاد معنيين لا ترادف بينهما ولا تناقض؛ فكل صيغة بيّنتْ جانباً من شخصية فرعونَ وسلوكه، فهو ضالٌّ فاسدٌ في نفسه، وهو مُفسِدٌ مُضِلٌّ لغيره. والقراءتان كالآيتين لاحتواء كل واحدة منهما خبراً من أخبار فرعون.
9- الاختلاف بين الفعلين (قَاتِلُوا) (قُتِلُوا):
قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ (4)سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بالَهُمْ (5) وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَها لَهُمْ (6) ﴾ [سورة محمد: 4-5-6].
القراءات: (وَاخْتَلَفُوا) فِي: (قُتِلُوا)؛ فَقَرَأَ أبو عمرو ويعقوبُ وَحَفْصٌ عن عاصم بِضَمِّ القَافِ وَكَسْرِ التَّاءِ مِنْ غَيْرِ أَلِفٍ بَيْنَهُمَا(قُتِلُوا)، وَقَرَأَ أبو جعفر ونافع وابن كثير وابن عامر وحمزة والكسائي وخلف وَشعبة عن عاصم بِفَتْحِ الْقَافِ وَالتَّاءِ وَأَلِفٍ بَيْنَهُمَا (قَاتِلُوا).[69]
وفي أصل الاشتقاق: (قُتِلُوا)، ماضٍ مبني لِما لم يُسَمَّ فاعلُه من الثلاثي المجرد(قتل)، و(قَاتِلُوا) ماضٍ مبني للمعلوم من الثلاثي المزيد(قاتل)، و(قَتَلَ) يَدُلُّ عَلَى إِذْلَالٍ وَإِمَاتَةٍ.[70]
أثرُ اختلافِ الصِّيغةِ في الدّلالة:
في قَرَاءة ﴿وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ﴾ بيان لجزاء المقتولين في سبيل الله. وفي قَرَاءة ﴿وَالَّذِينَ قَاتَلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ﴾ إخبار عن جزاء القتال في سبيل الله.
ويظهر أثرُ اختلافِ الصِّيغةِ في الدّلالة جليّاً، فكلّ قراءة رتّبت الجزاء على حدَث؛ فالأولى جعلت الجزاء خاصّاً بمَن قُتل في سبيل الله، وقراءة المبنيّ للمعلوم لم تخصص الجزاء للمقتولين؛ بل جعلته أيضاً لمَن قاتل في سبيل وإنْ لم يُقتل.
والظّاهر أنّ قراءة المبنيّ للمعلوم (قاتلوا) أَكْثَرُ فَائِدَةً وَأَعَمُّ تَنَاوُلًا. قال أبو عليّ الفارسيّ (377هـ): “الذين (قاتلوا) أعمّ مِن (قُتلوا)؛ ألَا ترى أنّ الذي قاتل ولم يُقتل لم يضلّ عمله، كما أنّ الذي قُتل كذلك؟ فإذا كان (قاتلوا) يشتمل القبيلين، وقد حصل للمقاتل الثوابُ في قتاله، كما حصل للمقتول كان لعمومه أولى”.[71] وهذا لا نجده في قراءة المبنيّ للمجهول؛ إذ ربطت الأجر بالشهادة.
ويرى مكّيّ القيسيّ(473هـ): أنّ قراءة المبنيّ للمجهول(قُتلوا) فيها زيادة معنى، وأنّها أعمّ في الفضل، وأمدح للمخبر عنه. ويعلّل ذلك بأنّ المقتول في سبيل الله لا يُقتل حتى يكون منه مقاتلةٌ في سبيله، فمَن قُتل فقد قاتل، وليس مَن قاتل قُتل. [72]
وأقول: قراءة المبنيّ للمعلوم بيّنت كرم الله وفضله على المجاهدين؛ إذْ أثابهم على القتال وحده، وقراءة المبنيّ للمجهول أظهرت كرمَ الله، وميزةَ الشّهداء؛ فهم حقّقوا أمرين: القتال، ثمّ الشّهادة، واتّساع الدّلالة في هذه الآية لم يكن ليحصل لولا التّحوّل في بناء الفعل مرّة للمعلوم والثانية للمجهول.
10- الاختلاف بين الفعلين (يَسْأَلُ) و(يُسْأَل):
قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا وَنَرَاهُ قَرِيبًا يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ وَلَا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا يُبَصَّرُونَهُمْ﴾ [سورة المعارج: 7-11].
القراءات: (وَاخْتَلَفُوا) فِي: (وَلَا يَسْأَلُ) فَقَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ بِضَمِّ الْيَاءِ (وَلا يُسْأَلُ)، وقَرَأَ نافع وابن كثير وأبو عمرو ويعقوب وابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي وخلف بِفَتْحِ الْيَاءِ (وَلا يَسْأَلُ).[73]
وفي أصل الاشتقاق: القراءتان تختلفان في حالة البناء للمعلوم أو للمجهول، وتتفقان في أنهما من الثلاثيِّ المجرَّد (سَأَلَ).
أثرُ اختلافِ الصِّيغةِ في الدّلالة:
مَن قرأ (وَلَا يَسْأَلُ) فالمعنى أنهم يعرف بعضهم بعضاً، ويدل عليه قوله: (يُبَصَّرُونَهُمْ)، [74]وتحتمل الآية أنْ يكون عدم سؤال القريب قريبَه عن شأنه لشغله بشأن نفسه، [75] أو أنّ معنى السؤال هو طلب الإِحْسَان إِلَيْهِ والرِّفْق بِهِ.[76]
ومَن قرأ (ولا يُسْأَل حَمِيمٌ حَمِيماً). فالمعنى لا يُسْأَل قريبٌ عن قرابته، ويَكُونُ (يُبَصَّرُونَهُمْ) للملائكة،[77] ويمكن أن يكون المعنى: لا يُسألُ حميم عَنْ حَمِيمِهِ لِيُتَعَرَّفَ شَأْنُهُ مِنْ جِهَتِهِ، كَمَا يُتَعَرَّفُ خَبَرُ الصَّدِيقِ مِنْ جِهَةِ صَدِيقِهِ، وَهَذَا أَيْضاً عَلَى حَذْفِ الجارِّ؛ إذْ لَا يُقَالُ لِحَمِيمٍ أَيْنَ حَمِيمُكَ؟[78]
فالقراءتان متقاربتا المعنى؛ وفيهما وصفٌ لموقف يوم القيامة، وانشغال كل إنسان بنفسه ﴿لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ﴾ [سورة عبس: 37]، واختلافِ الصِّيغةِ وسّع الدّلالة؛ وأفاد في إعطاء صورة أعمّ عن مشاهد اضطراب النّاس وخوفهم من سوء الحساب.
الخاتمة والنتائج:
جمع هذا البحثُ بعضَ اختلافات الصّيغ الفعليّة (ذات البناء للمعلوم والمجهول) في القراءات القرآنيّة المتواترة، وكان الهدفُ من هذا الجمعِ هو بيان أثرِ ذلك الاختلافِ في الدّلالة وتوجيهها، وجعلتُ المعيار الدّلاليّ الذي وضعته للمقارنة بين الفعلين (الاتّفاق في الدّلالة/ الاختلاف في الدّلالة/ احتمال الوجهين في الدّلالة)، وتبيَّنَ لي في نهاية هذه الدِّراسة الأمور التّالية:
1-لم يُخرِج اختلافُ القراءات القرآنية المتواترة النصَّ القرآنيَّ عن كلام العرب وسننهم، وهذا ما أثبتته كتبُ الاحتجاج للقراءات، وأكّدتْه هذه الدِّراسةُ من خلال إظهارها لقوة الترابط بين القراءتين في الآية الواحدة.
2-جاءت اختلافاتُ الصيغ الفعليّة في القراءات القرآنية المتواترة مراعاةً للمعنى والسياق، وعليه فتغيّر الصيغة له ما يعضده في الآية من خلال التقديم والتأخير وعود الضمائر وأسباب النزول.
3-أدّتْ بعضُ اختلافات الصيغ الفعليّة في القراءات القرآنية المتواترة إلى زيادةٍ في المعنى؛ ممّا جعل الآيةَ نفسَها تحمل دلالات متعددة، وكلّ قراءة تُضيف معنًى غاية في بابه من دون تناقض أو تضادٍّ بين المعنيين، وبها تتمّ الحكمة البيانيّة.
4-عندما تحمل قراءة معنًى جديداً ليس في القراءة الأخرى تكون كلّ قراءة بمنزلة آية، وهنا تظهر فائدةُ اختلافِ الصيغة وما ينتجُ عنها من البلاغة والإيجاز والإعجاز القرآني، ولو جُعلت دلالةُ كلّ لفظ آيةً مستقلةً على حدتها لم يخفَ ما كان في ذلك من التطويل.
5- قد تحمل اختلافاتُ الصيغ الفعليّة في القراءات القرآنية المتواترة معنًى التّرادف؛ ممّا يؤكد معنى الآيةِ نفسِها بأكثر من صيغة، وتكمن فائدةُ اختلاف الصيغة في تنوّع الأسلوب.
6- في حذف الفاعل اهتمام بوقوع الحدث، وهو ملحظ دلاليٌّ ترددَّ كثيراً في ظاهرة البناء للمفعول.
7- أمكن حملُ القراءتين على معنى واحد عندما اجتمع المبنيّ للمجهول مع المبنيّ للمعلوم المطاوع كما في قراءتَيْ (حُمِّلْنَا) و(حَمَلْنَا)/ (فُتِنُوا) و(فَتَنُوا).
8-أمكن حملُ القراءتين على معنى واحد عندما اجتمع المبنيّ للمجهول مع المبنيّ للمعلوم ذي الإسناد المجازيّ كما في قراءتَيْ (وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الكِتابَ بِالحقِّ لِيَحْكُمَ) و(لِيُحْكَمَ).
وفي الختام أقول: لم تكن كتب توجيه القراءات عند المتقدمين تُعنى ببيان الفروق الدقيقة بين القراءتين؛ بل كان جُلّ اهتمامها-في الغالب- تقوية قراءة أو تضعيفها أو الاستشهاد لها من كلام العرب، وهذا الأمر لم يكن من مهمتي في هذا البحث؛ فهي قراءات متواترة يُبحث في إفادتها وتوسيع الدلالة أو توكيدها، ولا يُبحث في ثبوتها.
المصادر والمراجع:
-القرآن الكريم.
-إتحاف فضلاء البشر في القراءات الأربعة عشر, الدمياطيّ، (المتوفى: 1117هـ), تحقيق: شعبان محمّد إسماعيل, دار عالم الكتب، بيروت, مكتبة الكليات الأزهرية، القاهرة، ط1, 1407هـ, 1987م.
-البحر المحيط، أبو حيان (745هـ)، تحقيق: صدقي جميل، دار الفكر، بيروت، 1420هـ.
-البرهان في علوم القرآن, الزركشي (المتوفى: 794هـ), تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم, دار إحياء الكتب العربية عيسى البابى, ط1, 1376هـ – 1957م.
-التحرير والتنوير، الطاهر بن عاشور (1393هـ), الدار التونسية للنشر – تونس, 1984هـ.
-جامع البيان عن تأويل آي القرآن، الطبري: تحقيق: أحمد محمد شاكر الناشر: مؤسسة الرسالة ط1، 1420 هـ – 2000 م.
-الجامع لأحكام القرآن، القرطبي (671هـ)، تحقيق: أحمد البردوني وإبراهيم أطفيش، دار الكتب المصرية – القاهرة، ط:2، 1384هـ – 1964م.
-الحجة في القراءات السبع، ابن خالويه، (370هـ) تحقيق: عبد العال سالم مكرم، دار الشروق، بيروت، ط4، 1401هـ.
-حجة القراءات، ابن زنجلة (حوالي 403هـ)، تحقيق: سعيد الأفغاني، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط:5، 1418هـ – 1997م.
-الحجة للقراء السبعة، الفارسيّ (377هـ)، تحقيق: بدر الدين قهوجي وبشير جويجابي، دار المأمون للتراث – دمشق / بيروت، ط:3، 1413هـ – 1993م.
-الدر المصون في علوم الكتاب المكنون, السمين (756هـ), تحقيق: أحمد محمد الخراط, دار القلم، دمشق.
-شرح شافية ابن الحاجب، الرضي الإستراباذي (المتوفى: 686هـ)، تحقيق: محمد نور الحسن، محمد الزفزاف، محمد محيي الدين عبد الحميد، دار الكتب العلمية، بيروت، 1395هـ – 1975م.
-شرح التسهيل المسمى «تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد»، ناظر الجيش (المتوفى: 778 هـ)، تحقيق: علي محمد فاخر وآخرون، دار السلام، القاهرة، ط:1، 1428هـ.
-علم المعاني، عبد العزيز عتيق (المتوفى: 1396هـ)، دار النهضة العربية للطباعة والنشر والتوزيع، لبنان، ط:1، 1430هـ – 2009م.
-الفعل المبني للمجهول في اللغة العربية، أيمن الشّوا، دمشق، ط: 1، 1428هـ – 2007م.
-كتاب سيبويه, تحقيق وشرح: عبد السلام محمد هارون, مكتبة الخانجي, القاهرة: ط3, 1408هـ -1988م.
-الكشاف، الزمخشري (538هـ)، دار الكتاب العربي – بيروت، ط:3، 1407هـ.
-الكشف عن وجوه القراءات السبع, مكي القيسي (437هـ)، تحقيق: محيي الدين رمضان، مؤسسة الرسالة، ط3، 1404هـ-1984م.
-مجاز القرآن, أبو عبيدة (209هـ), تحقيق: محمد فواد سزگين, مكتبة الخانجى – القاهرة, 1381هـ.
معالم التنزيل في تفسير القرآن (تفسير البغوي)، البغوي (المتوفى: 510هـ)، تحقيق: عبد الرزاق المهدي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط: 1، 1420هـ.
-مشكل إعراب القرآن، مكي القيسي (المتوفى: 437هـ)، تحقيق: حاتم صالح الضامن، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط:2، 1405ه.
-معاني القراءات, الأزهري (370هـ), مركز البحوث في كلية الآداب – جامعة الملك سعود المملكة العربية السعودية, ط1, 1412هـ – 1991م.
-معاني القرآن, الأخفش (المتوفى: 215هـ), تحقيق: هدى محمود قراعة, مكتبة الخانجي، القاهرة, ط1، 1411هـ – 1990م.
-معاني القرآن، الفراء (207هـ)، تحقيق: أحمد يوسف النجاتي ومحمد علي النجار وعبد الفتاح إسماعيل الشلبي، دار المصرية للتأليف والترجمة، مصر، ط:1.
-معاني القرآن وإعرابه، الزجاج (311هـ)، تحقيق: عبد الجليل عبده شلبي، عالم الكتب، بيروت، ط:1، 1408هـ – 1988م.
– معجم القراءات، عبدالّلطيف الخطيب، دار سعد الدّين، دمشق، ط:1، 1422ه، 2002م.
-مفاتيح الغيب, الرازي (606هـ), دار إحياء التراث العربي، بيروت, ط3, 1420هـ.
-مقاييس اللغة, ابن فارس (395هـ), تحقيق: عبد السلام محمد هارون, دار الفكر, 1399هـ – 1979م.
-منجد المقرئين ومرشد الطالبين, الجزري، (المتوفى: 833هـ), دار الكتب العلمية, ط1, 1420هـ -1999م.
-النشر في القراءات العشر، ابن الجَزَرِيِّ، (833هـ) تحقيق: علي محمد الضباع، المطبعة التجارية الكبرى.
[3] إتحاف فضلاء البشر في القراءات الأربعة عشر 1/67.
[5] قرأ حمزة كلمة: ﴿ والأرحام ﴾ بالخفض، والباقون بالنصب، وفي قراءته حجةٌ على جواز عطف الاسم الظاهر على الضمير المجرور مِن غير إعادة العامل، وهي لغة صحيحةٌ من لغات العرب.
[6] منجد المقرئين ص 18.
[8] شرح التسهيل 4/ 1613.
[9] كتاب علم المعاني ص 122.
[10] النشر في القراءات العشر 2/227، ومعجم القراءات 1/291-292.
[11] مقاييس اللغة مادّة (حَكَمَ).
[12] ينظر: جامع البيان في تأويل القرآن 4/ 280، ومفاتيح الغيب 6/ 375 والبحر المحيط في التفسير 2/ 365.
[13] تفسير البغوي 1/272، وتفسير القرطبي 3/ 32، والبحر المحيط 2/ 365، والدر المصون في علوم الكتاب المكنون 2/ 376.
[14] إتحاف فضلاء البشر في القراءات الأربعة عشر 1/436.
[15] ينظر: الفعل المبني للمجهول في اللغة العربية ص 230.
[16] الكشاف 1/ 256، ومفاتيح الغيب 6/ 375، والبحر المحيط في التفسير 2/ 365.
[17] ينظر: مفاتيح الغيب 6/ 375.
[18] ينظر: الفعل المبني للمجهول في اللغة العربية ص 230.
[19] النشر في القراءات العشر 2/242، ومعجم القراءات 2/589. في هذه الآية معاتبة لمن أدبر عَن الْقِتَال يَوْم غزوة أُحد.
[20] مقاييس اللغة مادّة(قَتَلَ).
[21] مفاتيح الغيب 9/ 380. وينظر: معاني القرآن وإعرابه 1/ 476, والكشف 1/359.
[22] اخْتُلف في المقتول (النبي أو الرِّبِّيُّونَ). قال الأخفش والزجاج: (فالأجود أن يكون (قُتِلَ) للنبي، والمعنى: وكأين من نبي قُتِلَ ومعه ربيون فما وهنوا بعد قتله….وجائز أن يكون (قُتِلَ) للربانيين، ويكون (فما وهنوا) أي ما وهن مَن بقي منهم). معانى القرآن للأخفش 1/ 235، ومعاني القرآن وإعرابه 1/ 476. وينظر: تفسير البغوي 1/ 520.
[23] ينظر: الفعل المبني للمجهول في اللغة العربية ص 168.
[24] مفاتيح الغيب 9/ 380. وينظر: الكشف 1/359.
[25] حجة القراءات ص176.
[26] ينظر: مفاتيح الغيب 9/ 380.
[27]النشر في القراءات العشر2/ 243. ومعجم القراءات 1/612-613.
[28] مقاييس اللغة مادّة (غَلَّ).
[29] معاني القرآن 1/ 246، ومعاني القراءات للأزهري 1/ 279، والكشف 1/363.
[30] معاني القرآن للفراء 1/246، ومعاني القراءات للأزهري 1/ 279، وحجة القراءات ص 180.
[31] معاني القرآن 1/ 246، ومجاز القرآن 1/107، ومعاني القراءات للأزهري 1/ 280.
[32] ينظر: معاني القرآن للفراء 1/246، معاني القرآن للأخفش 1/239، معاني القرآن وإعرابه للزجاج 1/483.
[33] النشر في القراءات العشر 2/ 305، ومعجم القراءات4/693.
[34] مقاييس اللغة مادّة (فَتَنَ).
[35] معاني القرآن للفراء 1/246، ومعاني القراءات للأزهري 1/ 279، والكشف 2/42، ومفاتيح الغيب 20/277.
[36] الكشف 2/42، ومفاتيح الغيب 20/277.
[37] البحر المحيط في التفسير 6/601.
[38] معاني القرآن وإعرابه 3/ 220، ومفاتيح الغيب 20/277.
[39] معاني القراءات للأزهري 2/83، وينظر: مفاتيح الغيب 20/277.
[40] ينظر: الفعل المبني للمجهول في اللغة العربية ص 218.
[41] ينظر: إتحاف فضلاء البشر في القراءات الأربعة عشر 354.
[42] النشر في القراءات العشر 2/ 322، ومعجم القراءات 5/480-481.
[43] مقاييس اللغة مادّة (حَمَلَ).
[44] جامع البيان في تأويل القرآن 18/353، والكشف 2/104، ومفاتيح الغيب 22/ 89.
[45] جامع البيان في تأويل القرآن 18/354، ومفاتيح الغيب 22/ 89.
[46] جامع البيان في تأويل القرآن 18/354.
[47] ينظر: شرح شافية ابن الحاجب 1/ 103.
[48] معاني القراءات للأزهري 2/ 157.
[49] هذه الآية جزء من مناظرة موسى والسامري، (قالَ فَما خَطْبُكَ يَا سامِرِيُّ (95) قالَ بَصُرْتُ بِما لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُها وَكَذلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي (96) قالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَياةِ أَنْ تَقُولَ لا مِساسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً لَنْ تُخْلَفَهُ).[سورة طه: 95-97] قال موسى للسامريّ: فاذهب فإن لك أن تقول: لا مساسَ: مَعْنَاهُ لَا يَمَسُّ بَعْضُنَا بَعْضًا، فَصَارَ السَّامِرِيُّ لَا يَمَسُّ أحداً، وَكَانَ إِذَا لَقِيَ أَحَدًا يَقُولُ لَا مِسَاسَ، أَيْ لَا تَمَسَّنِي. والسامريّ من عظماء بني إسرائيل، من قبيلة سامرة، ينظر: جامع البيان 18/ 363.
[50] النشر في القراءات العشر 2/ 322، ومعجم القراءات 5/491-492.
[51] مقاييس اللغة مادّة (خَلَفَ).
[52] ينظر: جامع البيان في تأويل القرآن 18/ 364، و حجة القراءات ص 463، والكشاف 3/ 85، ومفاتيح الغيب 22/ 96.
[53] التحرير والتنوير 16/ 299.
[54] حجة القراءات ص 463.
[55] مشكل إعراب القرآن 2/ 473، وتفسير القرطبي 11/ 242.
[56] تفسير القرطبي 11/ 242.
[57] التحرير والتنوير 16/ 299.
[58] جامع البيان في تأويل القرآن 18/ 364.
[59] النشر في القراءات العشر 2/ 347، ومعجم القراءات 7/229.
[60] مقاييس اللغة مادّة (خَفِيَ).
[61] ينظر: الفعل المبني للمجهول في اللغة العربية ص 219.
[62] جامع البيان في تأويل القرآن 20/ 187.
[63] الكشاف 3/ 512، وينظر: الكشف 2/191.
[64] النشر في القراءات العشر 2/ 298، ومعجم القراءات 8/226-227.
[65] مقاييس اللغة مادّة(صَدَّ).
[66] جامع البيان في تأويل القرآن 21/ 388، وحجة القراءات ص 632.
[67] و(صدَّ) يَجُوزُ اعْتِبَارُهُ قَاصِرًا الَّذِي مُضَارِعُهُ (يَصِدُّ) بِكَسْرِ الصَّادِ، وَيَجُوزُ اعْتِبَارُهُ مُتَعَدِّيًا الَّذِي مُضَارِعُهُ (يَصُدُّ) بِضَمِّ الصَّادِ، أَيْ أَعْرَضَ عَنِ السَّبِيلِ وَمَنَعَ قَوْمَهَ اتِّبَاعَ السَّبِيلِ. التحرير والتنوير 24/ 147.
[68] الدر المصون في علوم الكتاب المكنون 7/ 57.
[69]النشر في القراءات العشر2/ 374، ومعجم القراءات 9/5-6.
[70] مقاييس اللغة مادّة (قَتَلَ).
[71] الحجة للقراء السبعة 6/190. وينظر: حجة القراءات ص 666. ومفاتيح الغيب 28/ 41.
[72] الكشف 2/276.
[73] النشر في القراءات العشر 2/390، ومعجم القراءات 10/79.
[74] معاني القرآن وإعرابه 5/ 220.
[75] جامع البيان في تأويل القرآن 23/ 604.
[76] مفاتيح الغيب 30/641.
[77] معاني القرآن وإعرابه 5/ 220.
[78] جامع البيان في تأويل القرآن 23/ 605، ومفاتيح الغيب 30/641.