المشكلات النفسية والذهنية والاجتماعية في عصر المعلوماتية
الدكتورة ليال عبدالسلام الرفاع، الجامعة اللبنانية، الفرع الثالث .
مداخلة مشاركة في مؤتمر الخصوصية في مجتمع المعلوماتية المنعقد في طرابلس/ لبنان 19 و20 يوليو 2019
اطلع من هنا على توصيات مؤتمر الخصوصية في مجتمع المعلوماتية
التكنولوجيا وتأثيراتها السلبية:يقول ألبرت أينشتاين: “إنّ التقدم التقني مثل فأس في يد مجرم مريض“. فالتكنولوجيا تدخل في صناعة شخصية الأفراد في عصرنا الحالي. إذ ساهمت في تقليص نسب التواصل المباشر بين الافراد وفي إلغاء المواقف والمثيرات والوضعيات الطبيعية المُكوّنة للشخصيات البشرية. إذ باتت تظهر شخصيات هشّة، متمسكة بنظم خاطئة وواقفة على مدخل طريق مظلم مليئ بالامراض النفسية والاجتمعاية والانفعالية. من سمات الاجيال الشبابية الصاعدة، التي تخلقها التكنولوجيا، هي الانصياع المُبهم وغير الواعي لقشور الحياة المتطورة. بعبارة أخرى، يلجأ الجيل الجديد الى عرض ونشر ما يواجهونه من مواقف ومثيرات، ايجابية كانت أم سلبية، على وسائل التواصل الاجتماعية دون أخذ عبرة أو اكتساب خبرة من مواجهتها. أصبح الفرد يُفكّر في ما سوف ينشره بعد ذلك على فايسبوك وتويتر حول تجربته هذه دون ان يكتسب منها خبرة او تجربة أو عبرة. الأمر الذي قد يسبب بطء الاستجابة للتصرف السليم والسريع وإنقاذ النفس في الأزمات. يحدث كلّ ذلك بسبب الإدمان على الشبكات الاجتماعية بعيدا” عن الاستمتاع بالحياة الطبيعية العادية. حيث حلّت المكالمات الهاتفية عن بُعد والرّسائل النّصية مكان التّواصل الفعلي عن قرب، مما أدّى لتغيير جذري في مفهوم التّرابط والتّماسك الاجتماعي والعائلي القائم على العون والمساعدة. وقد اشار الكاتب ألفن توفلر (Alvin Toffler) في كتابه الموجة الثالثة الى ذلك (لقد جلبت لنا الحضارة نمطاً عائلياً جديداً، غيّرت طرق العمل، الحب والمعيشة، وظهر اقتصاد جديد نتج عنه مشاكل سياسية جديدة، وفي خلفية كل ذلك تبدّل وعي الإنسان).
الإسراف في أي شيء له عيوبه، رغم ذلك فإن الكثير منا يُفرط في استخدام الأجهزة الإلكترونية. لقد خلص استطلاع للرأي أجرته مؤسسة “غلوبال ويب إندكس” للأبحاث المتعلقة ببيانات مستخدمي الإنترنت في 34 دولة إلى أن مستخدمي الإنترنت يقضون ما معدله ست ساعات ونصف يوميا على الإنترنت. وأشارت النتائج إلى أن المستخدمين في دول مغايرة يقضون ما يفوق تسع ساعات يوميا” على الإنترنت، يتواصلون على وسائل التواصل الاجتماعي. ولا تزال الدراسات العلمية تبحث في حجم التأثير الفعلي للأجهزة الإلكترونية على الصحة البدنية والنفسية التي سنتناولها بالتفصيل لاحقا”.
أن التقنيات والأجهزة التكنولوجية ليست كلها سواء من حيث ايجابيتها وسلبياتها، بل إن استخدامنا لها هو الذي يحدد مدى انتفاعنا أو تضررنا منها، وتعدّ تطبيقات التأمل والتطبيقات الإبداعية وتطبيقات التواصل التي تساعدنا على إقامة روابط اجتماعية مجرد أمثلة على التقنيات الصحية. لكن إذا زادت جرعة الدوبامين أو السيروتونين اللذان يلعبان دورا في اكتساب العادات الجديدة، فقد تدخل دائرة الخطر التي قد تقود الافراد إلى الإدمان.
تقول كانغ: “لنفترض أن طفلك أعجبه تطبيقا ينمّي الفكر الإبداعي وأصبح مولعا” بإنتاج الأفلام باستخدام هذا التطبيق،
لكن بعد فترة بات يُفرط في استخدام هذا التطبيق إلى حد أنه يقضي ست أو سبع ساعات متواصلين يوميا عليه، ربما لا
يصنّف هذا التطبيق ضمن التطبيقات التي لا طائل منها مثل لعبة ‘كاندي كراش‘التي يتفاعل معها الدماغ بإفراز هرمون الدوبامين فقط، لكن يتعين توخّي الحذر ووضع حدودا” زمنية عند استخدامه. (سيمّ شرح تفصيلي لتأثير الهرمونات على الادمان لاحقا”)
تقول كانغ إن الاعتدال في استخدام الأجهزة والتقنيات الرقمية يقتضي الابتعاد عن المواد الضارة على الإنترنت، لكن لا مانع من مخالفة بعض القواعد بين الحين والآخر كتصفح حساب تطبيق إنستغرام أو ممارسة ألعاب الفيديو في فترات الراحة القصيرة.
وتقول كانغ إن المراهقين أكثر عرضة من غيرهم للإدمان الرقمي، وقد كشفت نتائج الأبحاث العلمية عن الأشخاص الأكثر عرضة لمواجهة مشكلات عند استخدام الإنترنت.
التكنولوجيا والافراد ذوي الشخصيات الضعيفة:
بيَّنت الدراسات النفسية أن أكثر الأفراد تعرضًا لخطر الإصابة بمرض إدمان الإنترنت، هم الأفراد الذين يتميّزون بسمات الشخصية الضعيفة: العزلة الاجتماعية، الفشل في إقامة عَلاقات إنسانية طبيعية مع الآخرين، المعاناة من مخاوفَ غامضةٍ، قلة احترام الذات، الخوف من أن يكونوا عُرْضَة للاستهزاء أو السخرية من قِبَل الآخرين. هؤلاء هم أكثر الناس تعرضًا للإصابة بهذا المرض ذلك لأن العالم الإلكتروني قدَّم لهم مجالاً واسعًا لتفريغ مخاوفهم وقلقهم وإقامة عَلاقات غامضة مع الآخرين تخلق لهم نوعًا من الأُلْفة المزيَّفة، فيصبح هذا العالم الجديد الملاذَ الآمِن لهم من خشونة وقسوة عالم الحقيقة – كما يعتقدون – حتى يتحول عالمهم هذا إلى كابوس يهدِّد حياتهم الاجتماعية والشخصية للخطر.
من السمات المميزة للشخصية الضعيفة هي الخجل الشديد الغير منطقي؛ فهو يخجل من كل شيء؛ من التحدث وإبداء الرأي، والمشاركة في النشاطات الاجتماعية… فيجد في الانترنت والغوص في أعماقه ملاذا” للتنفيس عن مكامن هذا الخجل، فهو يختبأ وراء شاشة صغيرة لساعات طويلة ليتواصل مع عالم مغاير لعالم البشر بحيث لا يضطر الى التكلم أو التواصل المباشر مع أحد. كما يكون في حالة انبهار دائم بكل شيء حتى ولو كان هذا الشيء غير مميز، وعادة ما تكون حالة الانبهار هذه غير دائمة لكثرة الأشياء التي تثير اعجابه. كلّ ذلك يجعل الفرد، صاحب الشخصية الضعيفة في حالة التبعية القوية للانترنت الذي شكّل بالنسبة له العنصر المساعد والمساند في حياته اليومية؛ الصاحب اللدود الذي أغناه عن الحياة الاجتماعية الطبيعية.
من البديهي أن تتدهور حالة الافراد ذوي الشخصية الضعيفة أكثر فأكثر، على المستوى النفسي والاجتماعي لأن الانترنت لا يساعده على تخطي حاجز الخوف لديه ويسهّل عليه تكوين عالم وهمي فارغ يدفعه الى الوقوع في براثن الادمان والانعزال والانسحاب، وتصبح شخصيته قاصرة وسلبية وعاجزة عن الاندماج في الحياة كالآخرين.
نورد تاليا” بعض السمات الشخصية التي باتت ظاهرة بشكل متكرّر لدى أفراد الجيل الجديد المُدمن على الانترنت:
- عدم امتلاك زمام المبادرة أبداً وضعف قدرة التعبير عن المكنونات النفسية.
- التردد على مستوى اتخاذ القرارات وانتظار المساعدة من الآخرين.
- همّة قليلة وعزيمة مثبطة لا تمتلك النشاط والحيوية.
- التهرب من تحمل المسؤولية، والقاء اللوم على الآخرين وتحميلهم الأخطاء الحاصلة.
- غياب مستوى الطموح والتهرب من تأدية الالتزامات والواجبات المطلوبة.
- الميل للانطواء والعزلة والابتعاد عن الناس وتجنب مخالطتهم، وتتميّز العلاقات مع الآخرين بالسطحية.
- ثقة قليلة بالنفس واهتزازها.
- الميل لعدم الاعتراف بالحقائق والنظم الاجتماعية القديمة.
- قطع صلة الرحم مع الأقارب.
- مفتقدة للصفات القيادية.
- الفكر السلبي المتشائم بأغلب الاوقات.
- التشتت الفكري وانشغال الذهن الدائم بأشاء غير عملية ومفيدة للواقع.
سنقدّم تفصيليا” بعض المشكلات والاضطرابات المتنوعة التي أوجدها عالم التكنولوجيا على المستوى الشخصي والذهني والنفسي والاجتماعي لدى الافراد بمختلف أعمارهم.
الـ«Stress» مرض العصر
ان تسارع وتيرة الحياة ودخول التكنولوجيا الى يوميات الاشخاص أدّت الى زيادة نسبة شعورهم بالتوتر والضغط النفسي والارهاق والانهاك وعدم التركيز. ومن الملاحظ ارتفاع وتيرة ضحاياه، مسجلة عدداً مهوّلاً من الحالات المستعصية في لبنان، بحيث تبيّن أنّ الشعب اللبناني يدفع حوالى 200 مليون دولار أميركي، للمعالجة من الأمراض المرتبطة بالحالات النفسية ومنها الأدوية المهدئة للأعصاب والقلق والاكتئاب.
ويُعتبر هذا الرقم مخيفاً جداً، إذ تدل المؤشرات إلى أنّ الضغط اليومي، الذي يتراكم بشكل سلبي على المواطن اللبناني، بفعل عدم القدرة لديه لإدارة الشؤون الحياتية اليومية المرتبطة بالأحوال العائلية وتسارع نمط الحياة وزيادة مستوى الادمان على الوسائل التكنولوجية هو الذي يؤدي للإصابة بـ الـ«Stress».
ومن المعلوم إنّ زيادة التوتر النفسي تنتقل لتصل إلى العلاقات المباشرة، بين أفراد العائلة الواحدة، بين الزملاء والأصدقاء في الحياة الاجتماعية والمهنية. ولا يمكن اغفال أن الـ«Stress» يشكّل جسر عبور إلى أمراضٍ أخرى سيكوسوماتية.
التشتت الذهني:
التشتت هو إحدى أهم السمات النفسية السلبية التي بدأت تغزو البشر في عصرنا الحالي خاصة” الجيل الجديد بفعل انتشار شبكة الإنترنت ووفرة الخيارات والمواد المتاحة بشكل لم تعهده البشرية من قبل، الأمر الذي شكل تحديًا أمام تنمية وتطوير العقول البشرية التي تطلّب مواجهة واختبار مثيرات طبيعية واجتماعية وانسانية متعددة ومتنوعة ومختلفة لتنمو وتتكاثف وتكتسب الخبرات. إلاّ أنّ التكنولوجيا المتطورة، رغم ايجابياتها المتعددة، تساهم في تدمير سمات التركيز والادراك لدى العقول البشرية بفعل التواصل مع الشاشة الزجاجية المتفاعلة من جانب واحد وليس الانسان المتبادل للانفعالات والمثيرات المتعددة. ممّا أدّى إلى حبس القدرات الإبداعية والحدّ منها أو حتى قتلها بشكل كامل بسبب تعويد الإنسان على الاتّكال حيثُ يستطيع المرء الحصول على المعلومات بخطوات قليلة مُختصرة. فمن المعلوم أنه كلما زاد اعتماد الإنسان على أدوات التّكنولوجيا كالحاسوب، كلّما قلّ بالتالي استخدامه لعقله وذاكرته الأمر الذي سيؤدّي لشلّ القدرة على التّفكير وتعطيل قدرات العقل في مراحل مُتقدّمة من العمر.
تقدم مواقع شبكة الإنترنت المعلومات بشكل فوري للمستخدم كما أنه يمكنه الانتقال من موقع لآخر وبالتالي تلقي المعلومات المختلفة ونقل التركيز من موضوع لآخر بسرعة كبيرة الأمر الذي يؤدي لاحقاً إلى تشتت التركيز وتقليل صبر الإنسان يوماً بعد يوم.
كما لا يُمكن أن ننسى الآثار السلبية للتكنولوجيا على الذاكرة، إذ خلُصَ الباحثون في إحدى الدراسات التي نٌفّذت في جامعتي هارفرد وكولومبيا أن الطلاب قادرون على الإحتفاظ بالمعلومات بشكل أفضل في الوقت الذي منعوا من استخدام جهاز الحاسوب. كما أوضحت إحدى الدراسات التي عُرِضت في مجلة ساينس sciences (2011 ) أن الطلاب لا يتذكرون فقط كيف وأين يمكنهم الحصول على المعلومة عبر الإنترنت إذا فُسح لهم المجال لاستخدام الإنترنت.
تراجع الاهتمام بالصحة والجسد:
طغت مظاهر الراحة الجسدية في عصر التكنولوجيا بفضل الاستعانة بالآلات الحديثة لتنفيذ معظم الأعمال الشاقة. إذ أصبحت الالة محور العمل بدل الجسد الذي كان يحظى بالحركة كما كان سائدا” قديما وبالتالي تراجع دور الجسد في ممارسة وتنفيذ الأنشطة والواجبات اليومية، الامر الذي أثّر ويؤثر بشكل سلبي على صحتنا. نتيجة ذلك، ارتفعت نسبة الاصابة بأمراض الظهر والعامود الفقري وآلام وتشنجات متنوعة واوجاع في المفاصل والاعصاب بسبب وضعيات جسدية غير صحية كانحناء الراس الى الامام اثناء العمل على الكمبيوتر او حشر الهاتف الجوال بين الاذن والكتف لكتابة الملاحظات اثناء اجراء الاتصال الهاتفي.
كما لا يمكن اغفال الآثار الصحية السلبية للاستخدام غير المنتظم للتكنولوجيا بشكل واضح على الكثير من الأشخاص والتي تتمثل في الاجهاد التي تتعرض له العين نتيجة استخدام الأجهزة الرقمية أو الحاسوب لساعات طويلة متتالية.
كما يسبب الاستخدام الطويل للانترنت إلى الشعور بالتعب والإرهاق وزيادة الوزن والإصابة بالسمنة بسبب قلّة الحركة والجلوس لساعات طويلة. كما من الممكن أن يؤدي استعمال الإنترنت المفرط إلى حدوث مشاكل بالرسغ أو بما يُعرف بالنفق الرسغي نتيجة استعمال الفأرة المفرط أو استعمال لوحة المفاتيح المستمر.
وتجدر الاشارة الى ان التكنولوجيا تُسيّر الانسان لأن يُصبح آلة تعمل بشكل روتيني متسارع دون اعتبار للحاجة إلى الترفيه الأمر الذي ينقص من جرعة الاستمتاع بالحياة. إذ يتسبب إيقاع الحياة المتسارع لتحصيل المزيد من كل شيء، في إدخال الفرد في دوامة مشاغل وضغط لا محدودة.
ضعف التعاطف:
ساهمت التكنولوجيا المتطورة بنقل كافة الأخبار والوقائع بكافة أنواعها، وبأي بقعة أرضية كانت، بصورة سهلة وسريعة. حيث تبثّ وسائل الإعلام كل يوم بالصوت والصورة مشاهد الدمار والجثث الملقاة والدماء المتناثرة، فضلا” عن مظاهر الفقر والمرض والمشكلات الاجتماعية المتواجدة في المجتمعات. أمام هذا السيل الجارف والمستمر من الأخبار الصادمة التي تُعرض على سمع ونظر المرء يوميا”، تجعله يندرج وراء حيلة “التطبيع والتقبّل” مع مثل تلك المشاهد بحيث تُصبح مألوفة وطبيعية لديه، الأمر الذي يُفقد تدريجيا قدرة الانسان على التعاطف مع الآخرين ويُحجّره ويُبعده عن الشفقة والإحساس بمعاناة الآخرين الذين قد يعانون من مشكلة ما.
نقص التفاعل الاجتماعي المباشر:
لقد أوصلت تكنولوجيا الإنترنت البشرية إلى مستوى التواصل اللامتناهي متجاوزة حدود الزمان والمكان والأشخاص، إلاّ أن ذلك لم يرفع مستوى العلاقات الاجتماعية بين البشر حيث أصبح الناس حاليا يقضون أوقاتا مديدة في العالم العنكبوتي الافتراضي، ويغفلون بشكل متزايد الحياة الاجتماعية الأمر الذي يؤدي إلى اضمحلال القدرات الاجتماعية على مستوى التواصل الوجهي المباشر. إذ قلّت نسب حضور المناسبات الاجتماعية وغدت تنحصر في أغلب الأحيان على الجيل القديم دون الجيل الجديد، ولم يعد الشباب يكترث بتخصيص أوقات كافية للعائلة وللأصدقاء بهدف التحادث المباشر ومشاركة الأنشطة الاجتماعية، إذ باتت تُعتبر من قبل الجيل الشبابي مضيعة للوقت مما يُرغّبهم في العزلة عن مُجتمعهم. بعبارة أخرى نقول، لا تقوِّي مواقع التواصُل الاجتماعي عَلاقة الإنسان ببني جنسِه – وإن كان ذلك في الظاهِر – إذ دفعت الافراد الى الانعزال الشعوري عن المجتمع القريب واندمجت مع مجتمع افتراضي بعيد، فنجد الفرد أحياناً وفي حضرة ضيوفه منشغلاً مع أصدقائه على الفايس بوك على حساب واجب الضيافة.
ولا يمكن إغفال ما يحدث بين الاشخاص على مستوى سوء فهم المعنى المقصود من الكلمات التي تتم عبر وسائل التواصل الاجتماعي بين المستخدمين وهي في الاغلب غير صحيحة وغير دقيقة بسبب عدم توفر الاإيماءات الجسدية واللغوية ونبرة الصوت كتلك التي يُمكن استخدامها في المُحادثة الفعلية المباشرة بين الأشخاص، وقد يحدث سوء الفهم هذا حتى مع توفّر بعض الرموز التي يتم استخدامها للتعبير عن مضمون مشاعر الشخص المُرسِل للرسالة عبر وسائل التواصُل الاجتماعي.
ساهمت تلك الوسائل في صرف الأشخاص خاصة المراهقين، عن الأهداف التي ينبغي السعي إليها في الحياة الحقيقية كالحصول على وظيفة جيدة أو تعلُم مهارات جديدة، وتجعلُهم يسعون خلف أهداف مُزيفة كتحقيق النجومية عبر الإنترنت. فهم يعيشون في عالم الخيال والوهم والقصص التي من النادر جدا” أن تنجح واقعيا”.
من اهم الاسباب المؤدية الى ضعف مستوى العلاقات الاجتماعية هو التقليد الاعمى حيث تأثَّر الأطفال والمراهقون والشباب بما تبثّه وتعرضه الوسائل التكنولوجية من فيسبوك وواتساب وتويتر … إلى درجة التقليد الأعمى لأبطال وهميين، بسبب انزواءِ وبُعْد جيل الصغار والمراهقين عن جيل الكبار، في العادات والتقاليد والأفكار، وضعف سيطرة الكبار على هؤلاء الأحداث، الأمر الذي يؤدي الى اضمحلال الثقافات المحلية وتنميط سلوك وفكر الافراد على نسق المنظومة الثقافية الغربية التي تمجّد الفردية، وتُفسح المجال للنزعة المادية الانتهازية مما يساهم في خلق حالة من الصراع النفسي بين ما يكتسبونه من الشبكات الالكترونية وبين القيم التي يفرضها الكبار.
إضافة” الى ذلك، إنّ العولمة الثقافية بما تحتويه من ثورة المعلومات والاتصالات ووسائل الأعلام المختلفة “التلفزيونية والفيديو والدش وشبكات الإنترنت والسينما” تعرض عديدا من البرامج الثقافية طوال اليوم دون مراعاة الخصوصية الثقافية والدينية للمشاهدين وبخاصة الشباب الذي يعاني عديدا من المشكلات والضغوط النفسية مثل: فقدان الهوية وتدهور القيم والعنف والأنانية وضعف الانتماء.
حذَّر علماء وباحثون من إدمان الشباب لأجهزة التكنولوجيا – خاصة شبكة الإنترنت – وبالخصوص صفحة “الفايس بوك”؛ حيث إنها تعزلهم عن محيطهم الاجتماعي، وتجعلهم يتعاملون مع أصدقاء افتراضيين.
وقد كانتْ غُرفة الدَّردشة في السابق المتنفَّس الوحيد للشباب للتواصُل مع الشباب الآخرين، حتى ظهر الفايس بوك، وجعلهم أكثر إدمانًا للإنترنت وأكثر عزلة عنْ أسرهم؛ لأسبابٍ عديدة منها: الفضول، محاولة إظهار المستخدِم لشخصيته وبأنه حاضر دائمًا في الإنترنت، إذ يعرض صوره، ويطَّلع على صور الآخرين، كما أنه يكتب تعليقات، ويطّلع على آخرين وهذا يتطلَّب منه الكثير مِن الوقت، إلى درجة أنه لا يجد فُرصة للحديث مع أي شخص!
لا يُمكن أن نتغاضى عن التأثيرات الجمّة للهواتف المحمولة على الأطْفال الصغار بسبب مكوثهم لساعات طويلة في مُشاهدة أفلام كرتونيَّة والتي تساهم في ابعادهم عن والديهم؛ خاصة إذا أدمن الأطفال مشاهدة أفلام الكرتون، ولعل الكبار يشجِّعون هؤلاء الأطفال على مُشاهدَة هذه الأفلام كوسيلة للالهاء وكي يتخلَّصوا من مُشكلاتهم وأذيَّتهم في المنزل. والمفارقة أنّ أولياء الأمور بدأوا يشكون من هذه الأجهزة، التي سلبت منهم أولادهم، وجعلتهم يفضِّلونه على الدراسة اليومية وكتابة الواجبات المنزليَّة.
الإدمان الإلكتروني:
بات الإدمان الرقمي، في عصرنا الحالي، أحد الاضطرابات النفسية الشائعة في مختلف بلدان العالم، فهو حالة نظرية من الاستخدام المرضي لشبكة الانترنت الذي قد يؤدي إلى اضطرابات في السلوك. يرجع هذا الادمان لعدة أسباب: الملل، الفراغ، الوحدة والمغريات التي يوفرها الانترنت للفرد وغيرها الكثير حسب ميول الفرد.
أول من وضع مصطلح إدمان الإنترنت هي عالمة النفس الأميركية كيمبرلي يونغ Kimberly Young، التي تعد من
أول أطباء علم النفس الذين عكفوا على دراسة هذه الظاهرة في الولايات المتحدة منذ عام 1994. وتعرّف «يونغ» «إدمان الإنترنت» بأنه استخدام شبكة الإنترنت أكثر من 38 ساعة أسبوعياً.
ركز العلماء على علاقة الدوبامين بالإدمان وهي مادة كيميائية تشبه الهرمون وتعتبر المحرك الأساسي لحالات السرور الإنساني. وينقل الدوبامين معلومات تتعلّق بالشعور بحالات الانتشاء والألم، فمثلا الشعور بالبهجة نتيجة لتناول وجبة طعام لذيذة، أو الفوز في مباراة -أي شيء يجلب السعادة – يتم حمله ولو جزئيا عن طريق الدوبامين. ويُنتج هذا الاخير في خلايا المخ بمعدلات ثابتة نسبيا تحت الظروف الطبيعية. ويؤدي الادمان بمختلف انواعه إلى إنتاج كميات عالية من الدوبامين التي تساهم بتنشيط جميع المستقبلات في الحال. ويشعر المدمن بغبطة شديدة نتيجة لذلك، ولكن التأثير يكون عكسيا على خلايا المخ التي تحاول إلغاء بعض مستقبلات الدوبامين. لذلك عندما يزول تأثير مادة الادمان تضمر بعض مراكز استقبال الدوبامين في خلايا المخ، ويؤدي ذلك لتعكير مزاج المدمن، ويضطر لزيادة كمية الادمان ليصل لنفس الإحساس من البهجة والسعادة الزائفة، وهكذا تبدأ الحلقة السلبية اللانهائية التي تؤدي إلى الإدمان في النهاية.
تتضح علاقة هذا الهرمون والادمان وفق فهم الطب النفسيّ، غير أن علاقته والادمان تمّ تفسيرها أيضًا وفق علم وظائف الأعضاء، حيث يشير علم الوظائف إلى أنّه عند القيام بأيّ نشاط مٌفرح مثلًا، فإن جميع كميات هذا الهرمون المنتشرة في الدماغ تتركّز في مناطق السعادة والعاطفة.
تحفل البيئة الرقمية بمواد كثيرة قابلة للإدمان والمؤدية الى تدمير البنية الجسدية والنفسية لدى الانسان وتجعله عُرضة” للوقوع في براثن الامراض الجسدية والنفسية، ربما تكون المواقع الإباحية أو مواقع التواصل الاجتماعي أو ربما يكون هذا الإدمان ممثلا في الولع المبالغ بالهواتف الذكية وشبكة الإنترنت نفسها.
ان استخدام وسائل التواصل الاجتماعي عبر الإنترنت يحدُث بشكل مُفرط، وبصورة تؤثر بشكل سلبي على المهام اليومية التي يقوم بها المُستخدِم خاصة” الأشخاص المراهقين؛ إذ تُشير الدراسات إلى أن المراهقين الذي يُدمنون استخدام الإنترنت يحتلون مراكز مُتقدمة بالإصابة في بعض الأمراض النفسية كالوسواس القهري أو الاكتئاب أو حتى الشعور بالقلق، وغيرها من الأمور السلبية الأُخرى كنقص الانتباه والعُزلة والانطواء.
العاب الكترونية متنوعة يقدمها اليوم عالم الانترنت والتي تكون مُصممةً غالباً لتدفع بالمستخدمين الى الإدمان عليها، فاصبح من السهل قضاء وقتٍ كبيرٍ جداً في استخدامها دون القيام بأيّ نشاطٍ مُنتج على الإطلاق (سيتمّ تخصيص فقرة تفصيلية عن ادمان الالعاب الالكترونية لاحقا”)، كما يسهل أيضاً على الشخص الذي يقوم بنشاط مُنتج أن يتشتت من أمرٍ لآخر على الإنترنت حيث ينتهي به المطاف بإضاعة كلّ وقته.
كشفتْ دراسةٌ حديثة أنَّ الإقلاع عن التدخين والكحول أصعب مِن تَرْك موقع “تويتر“، وقد أجرى الدراسة فريقٌ بحثي من جامعة شيكاغو الأمريكية تابعوا فيها إرادة 205 أشخاص تراوحت أعمارهم بين 18 و85 في مدينة ألمانية حيث تبين أنه مع مرور الوقت تضعُف الإرادة الإنسانيةُ تدريجيًّا، وكانتْ إرادة الإنسان أقوى في مُقاوَمةِ رغبةِ ممارسةِ التمارين الرياضية، والحاجة الجنسية، والرغبة الشرائية. وأضاف هوفمان أن مقاومة وسائل التواصل الاجتماعي اصبحت في غاية الصعوبة لسهولة الوصول إليها ولتوافر الأجهزة الذكية دون أن تكلِّف الكثير من المال. (“جريدة الأنباء 7/2/2012 نقلاً عن جريدة غارديان البريطانية).
تُيسّر التكنولوجيا الطريق أمام من يريد ممارسة السّلوكات الخاطئة حيثُ تعزلهم عن النّاس وتجعلهم في حالة هروب من الواقع الحقيقي، وتخلقُ لهم واقعاً افتراضياً؛ ممّا يزيد حياة الفرد تعقيداً ويوقعه في مشاكل لا حصر لها.
تعتبر التكنولوجيا مدخل لنشر ثقافة الانحلال الخلقي والفساد؛ لانَّ هذه الوسائل ولا سيَّما الفايس بوك كونه مجتمع مفتوح أمام كل الثقافات حتى تلك تهتم بترويج قيم الفساد والانحلال.
أدّى انتشار التكنولوجيا إلى توفير موادّ تعرض العنف بين الأفراد في المجتمعات سواء أكانت مُسلسلات أم ألعاباً إلكترونيّة موجّهة للكبار والصّغار، ويتأثّر الصّغار بشكلٍ كبيرٍ بهذه الألعاب والمسلسلات الكرتونية التي تعرض العنف بأسلوبٍ مباشر أو غير مباشر الأمر الذي أثّر على سلوكياتهم. وتُشكّل مكان مناسب للتخطيط لنشر الجريمة والتطرف أحياناً، حيث تمثل هذه الوسائل فرصة خصبة يجتمع عبرها المتطرّفون ويعززون خبراتهم وتجاربهم الإجراميَّة.
كلّ ما سبق ذكره من سلبيات على مستوى الاستخدام المُفرط للاجهزة الالكترونية هو مُثبت على مستوى نتائج العديد من الدراسات العلمية. نذكر بعض النتائج على سبيل المثال لا الحصر: وجود تأثير للإدمان على الصحة النفسية للأطفال والمراهقين، وجود ارتباط ايجابي بين الاكتئاب والقلق وعدم الرضا عن شكل الجسم وبين الإفراط في استخدام الأجهزة والتقنيات الرقمية.
إدمان ألعاب الفيديو:
انتشرت ألعاب الفيديو ودخلت كل بيت، كما أصبحت جزءً من حياتنا وحياة أبنائنا، مما يعني قدرتها على تشكيل الدماغ بسبب المداومة المستمرة عبر سنوات البناء. تؤثر ألعاب الفيديو على أهم مناطق في الدماغ، وهي ذاتها المناطق المسؤولة عن التعلم والدراسة هي: القشرة الجبهية Prefrontal cortex، الحصين Hippocampus، اللوزة Amygdala. والاكثار من فترات اللعب من قبل الأطفال يؤذي الدماغ من الداخل.
تساهم ألعاب الفيديو في رفع مستوى إفراز هرمون الدوبامين، مما يجعل الشخص عرضة للإدمان، فيفقد القدرة على التركيز والانتباه، والتحكم بانفعالاته، كما يؤثر في قدرته على التعاطف ومرونته وسلوكه الأخلاقي، ويقتل الإبداع، ويؤثر على الصحة أيضاً من خلال اضطرابات النوم والنظام الغذائي، وضعف النظر، وتضرر العمود الفقري والرجلين والأصابع، والسمنة، كما أن له أثر في تدمير الكثير من العلاقات الشخصية، فيصبح الإنسان عرضة لاضطرابات نفسية مثل العزلة والاكتئاب. أكثر من ٩٠ دراسة وجدت أن مدمني الانترنت يعانون من نفس تغيرات الدماغ التي تحصل لدى مدمني المخدرات والكحول.
تأتي دراسات حديثة لتتحدث عن مسؤولية شبكة الإنترنت وتطبيقات الأجهزة الإلكترونية “الذكية” في حدوث ما يزيد عن 25 في المائة من حالات الانتحار في صفوف الأطفال والمراهقين نتيجة تعرضهم للترهيب والابتزاز الإلكتروني! تماما كما يحدث مع المشتركين في ألعاب “مريم” و”الحوت الأزرق” و”الطماطم” وغيرها… تطبيقات من العوالم الافتراضية تمجد المنتحرين على اعتبار أن فعل الانتحار يتسم بالشجاعة! وتحصد أرواح أطفال تاهوا في صراعات لم ينتبه إليها أولياء أمورهم.
السمات النفسية والانفعالية للمدمن على الالعاب الالكترونية:
- الشعور بالقلق والتوتر إذا لم يتمكن من اللعب.
- كثرة التفكير بما تم تحقيقه في اللعبة، أو بما سيفعله في المرة القادمة التي سيلعب بها.
- الكذب ومحاولة إخفاء الحقيقة في الوقت الذي يقضيه في العاب الفيديو خاصة على الأهل والأصدقاء.
- العزلة والانطوائية وتفضيل اللعب على الحياة الاجتماعية والعائلية.
- فقدان الاهتمام بممارسة الهوايات.
- الإرهاق والتعب العام والصداع.
- ألم متزايد في رسغ وأصابع اليد.
- إهمال الصحة والنظافة الشخصية.
إن لم يكن الشخص مدمناً ولكن متعلقاً باللعب بدرجة عالية، فإنه أيضاً سيواجه بعض الأخطار الشبيهة بالإدمان وهي عدم تركيزه في الدراسة والشعور بأنها مملة وغير جاذبة، كما يؤثر اللعب بساعات كثيرة على صلاته، صحته وحركته، أولويات حياته، وسيكون أسيراً في قفص اللعب مما يجعل تطوره يتجمد في ميادين أخرى مثل التطور الجسدي، الإيماني، العلمي، الثقافي، والاجتماعي.
عدم التوافق النفسي:
مشكلة عدم التوافق النفسي هي من أهمّ المشاكل وأخطرها التي من الممكن أن يتعرّض لها المراهق فتجعله متخبّطاً وهائجاً، وينتج عنها الكثير من المشاعر السلبية؛ كحالات البكاء والحزن، والقلق، والضيق المستمر، وغياب الاستقرار والأمان، وشدّة الاستجابات الانفعاليّة المبالغ بها. كل ذلك قد يكون بسبب الادمان الرقمي الذي يسبب عدم استقرار العَلاقات مع الآخرين وتذبذبها، ويترتّب عن كلّ ما سبق فُقدان الشعور بدوره في الحياة، وشعوره بالفراغ والعزلة والوحدة، وافتقار التوازن والعزلة الوجدانيّة.
ومن المعلوم، أنّ الخلل في التوافق النفسي يؤثّر بشكل سلبي ومُباشر على الأشكال الأخرى للتوافق؛ كالتوافق الاجتماعي، والتربوي، والعضوي؛ فالمطلوب في هذه المرحلة هو تحقيق حالة من الاتزان الذاتي، والنفسي، والاجتماعي، والانفعالي عن طريق التنشئة الاجتماعية والأسريّة السويّة، والتدريب على عمليّات التطبّع والتكيف، فكلما كان المراهق قادراً على تفهّم وتقبّل ذاته كان أكثر قدرةً على التكيُّف والتوافق مع الذات والبيئة.
التنمر:
لم يُعد مفهوم التنمُر مُقتصراً على مُضايقة وتخويف أحدهم وجهاً لوجه، فبعد ظهور وسائل التواصل الاجتماعي أصبح من المُمكن ممُارسة هذا التخويف وهذه المُضايقة عبر الإنترنت ومن قِبل أشخاص غير معروفين. أوجدت وسائل التواصل الاجتماعي الفرصة لبعض الأشخاص المُجرمين لكي يتمكنوا من كسب ثقة بعض المُستخدِمين، ثم مُضايقتهم والتشهير بهم ونشر الاشاعات الكاذبة والمهينة ودون الكشف عن هويتهم الحقيقية. وتجدر الإشارة إلى أن مواقع التواصل الاجتماعي سهّلت للأشخاص المُحتالة العثور على ضحايا لاحتيالهم، ويُعتبر التنمُر الذي يحدث عبر هذه المواقع أمراً ذا تأثير سلبي على الأشخاص البالغين وليس فقط على الأطفال، وقد تصل درجة هذا التأثير السلبي إلى ترك علامات سلبية في ذهن المرء وعقله ومن ثمّ إمكانية اللجوء الى الانتحار على غرار ما حدث مع عدد من المراهقات في الولايات المتحدة وكندا وأيضًا فرنسا، وقد أشارت إحدى الدراسات إلى أن واحدًا من كل خمسة أشخاص يصل به التفكير إلى الانتحار أو إلحاق أذى أو إصابة بنفسه، وهو سلوك دائم الحدوث بين الأشخاص الذين يشعرون بالإهانة والذل.
التحرش الجنسي الالكتروني:
تعد شبكة الإنترنت بيئة باثولوجية لانتشار التحرش الجنسي الإلكتروني، وذلك لارتباطها بغياب الهوية التي تعد من أبرز المحفزات على انتشار هذا النوع من التحرش الذي قد يحدث في غرف الدردشة، منتديات الإنترنت، مواقع التواصل، الرسائل الفورية، البريد الإلكتروني، الصور الرمزية…
ولا يمكن اغفال المضاعفات الاجتماعية والنفسية للتحرش الالكتروني على الافراد. إذ أنّ الكثير من الضحايا ينعزلوا عن محيطهم ويهربون من المجتمع وقد تمتد هذه المضاعفات وآثارها النفسية لسنوات حيث أوضحت نتائج دراسة نشرت في دورية جمعية الطب الأميركية أن ضحايا مثل هذه الممارسات يصبحن أكثر عرضة من غيرهن للإصابة بالقلق والاكتئاب والرهاب والهلع. وهذا ما أكّدته أيضا” نتائج دراسة ثانية طُبّقت في الولايات المتحدة الأمريكية ( 2011) التي هدفت الى كشف مخاطر التحرش الإلكتروني التي تهدّد المراهقين على الإنترنت، إذ توصلت إلى أن التحرش الالكتروني يهدد المراهقين ويترك فيهم تأثيرات نفسية سلبية تمتد لفترة طويلة.
كما توصلت الدراسة التي أجرتها شركة الأمن الرقمي “نورتون Norton” في استراليا، إلى وقوع واحدة من بين كل عشر نساء دون سن الـ 30، ضحية الابتزاز بالمعلومات الحميمة وإجبارهن على دفع مبالغ مالية. ولا تعد هذه هي الآثار الوحيدة التي قد تنجم عن التحرش بكل أشكاله سواء كان ذلك في العالم الافتراضي أو في عالم الواقع، نظرًا لأن الأمور ربما تصل إلى ما هو أسوأ من ذلك حيث تتحول الضحية مستقبلاً إلى شخص عدائي تقوده رغبة كبيرة في الانتقام.
من زاوية أخرى، إن شيوع الثقافة الجنسية في الأقمار الصناعية التي تدور حول العالم في كل لحظة، وتتسلّل الى البيوت وعقول الناشئين والافراد، ترفع من نسبة تكوين الشخصية الشهوانية أكثر من الشخصية المحافظة، وسيؤدي الى تحولات مجتمعية خطيرة في المستقبل عبر تعاقب الاجيال.
الاكتئاب:
تزداد الحياة تعقيدا وتزداد مشاغلها يوما بعد يوم، وفي ظل النظام المعولم الذي نحياه، يشعر الفرد بالانسحاق واللاقيمة أمام النظم الاقتصادية والسياسية الضخمة والصارمة، وفي كنف الانصياع وراء الشبكات الالكترونية والتواصل السلبي البعيد عن الانفعالات والمزيّن بالوحدة، زادت نسب احتمالات السقوط في براثن الاكتئاب؛ الاضطراب الذي يسوّد الحياة أمام صاحبه ويمنعه من الاستمتاع بالعيش. إذ يعيش الفرد والمراهق خاصة” داخل القصص، والخيال مع شخصيات غير معروفة، وقد تكون هذه الشخصيات مُتخفيّة بأسماء غير حقيقية ممّا يتسبب في الوصول إلى نتائج خطيرة. إضافة” الى زيادة نسبة الشعور بالوحدة والعزلة عن العائلة والأصدقاء. وهذا ما اثبتته نتائج الدراسات العلمية؛ إذ توصّل الباحثون إلى وجود ارتباط وثيق بين استخدام الفرد المتواصل والمتكرّر للإنترنت وشعوره بالوحدة، فمن المُحتمل أن يكون الأفراد الذين يستخدمون الإنترنت لفترات طويلة جداً أكثر عرضةً للاكتئاب والشعور بالوحدة، مقارنةً بالأشخاص الذين يستخدمون الإنترنت باعتدال، وقد أشار الباحثون إلى أنّ سبب هذه الحالة يعود إلى قلّة وجود الدعم الاجتماعي المتواصل للفرد، بسبب استخدامه المتواصل للإنترنت وانعزاله الدائم عن الآخرين.
كما يُمكن أن يؤدي استخدام الأفراد لوسائل التواصُل الاجتماعي، خاصة الأطفال والمراهقين، إلى عدم تقدير ذاتهم بطريقة ايجابية حيث يلجؤون الى مقارنة واقعهم الجسدي والنفسي والاجتماعي والمادي وبين ما يرّونه في العالم الفضائي التكنولوجي الافتراضي المزيّن بأبهى حالاته. بالتالي اللجوء الى تقييم ذاتهم وواقعهم المعاش بصورة سلبية الأمر الذي قد يؤدي بهم الى الوقوع في طيّات الأضطرابات والامراض النفسية والانفعالية والاجتماعية.