
التطبيقات التكنولوجية بين الخصوصية والاستباحة المجتمعية
د. فداء المصري، الجامعة اللبنانية، الفرع الثالث .
مداخلة مشاركة في مؤتمر الخصوصية في مجتمع المعلوماتية المنعقد في طرابلس/ لبنان 19 و20 يوليو 2019
اطلع من هنا على توصيات مؤتمر الخصوصية في مجتمع المعلوماتية
حمل من هنا عرض المداخلة: التطبيقات التكنولوجية بين الخصوصية والاستباحة المجتمعية
اإن المجتمع التكنولوجي قد دمج الثقافات والشعوب في قرية واحدة مكشوفة على الجميع، رغم النواحي الإيجابية التي حققتها التكنولوجيا من تسهيل لحياة الإنسان واحتياجاته ولا سيما الاقتصادية منها عبر تطوير تكنولوجي للتطبيقات بمختلف أهدافها وغاياتها التجارية.
حيث ساهم التطور التكنولوجي بتبدلات كثيرة قضت على الخصوصية المجتمعية والفردية، وقد مرت بعدة تحولات ففي النصف الثاني من القرن العشرين قد أثارت معها مفاهيم العولمة وآثارها المزدوجة من انفتاح ثقافي وتبادل من جهة ومن آثار تدميرية عبر عنها الكثير من السوسيولوجين بالغزو والتفتيت الثقافي.
غير ان الثورة الثانية المتمثلة بالتطور التقني والتي امتدت مع الألفية الثالثة واشبكت الألياف الضوئية المعرفة بالويفي مع التلفونات والألواح الذكية قد كان لها آثاراً مباشراً على حياة الفرد وخصوصيته وخصوصية مجتمعه في آن معاً.
فأصبح الفرد مشرعاً أمام العيون المراقبة لتحركاته مع انتشار ظاهرة التصوير “السيلفي” الذي رافق ايادي البشر في كل احداثهم اليومية وتوثيقها عبر حساباتهم في مواقع التواصل والاتصال والجماهرية التي باتت تحتفظ بأدق المعلومات الشخصية عن كل فرد وتوثق لهم ضمن تطبيقات متعددة. اهم وأشهر التطبيقات الفيس بوك، غوغل، يوتوب، ويتس أب وما شابه منها التي تسمح للمستخدم بممارسة الاتصال والتواصل ضمن العالم الافتراضي. غير أن استخدامها فرضت عليه تسجيل لبياناته الشخصية بمختلف تفاصيلها عرضته الى انتهاك خصوصية بطريقة أو بأخرى.
وتبعاً لما لهذه الظاهرة من أهمية كبيرة فرضت نفسها في اختراق خصوصية مجتمعنا وخصوصية أمننا الشخصية كان لمؤتمرنا هذا جدواه في تناول هذه الظاهرة التي باتت تهدد كياننا وتهدد أمننا المجتمعي.
حيث ان التكنولوجية اخترقت خصوصية ثقافتنا المحلية
اخترقت خصوصية الحياتية للفرد
اخترقت خصوصية لغتنا المحلية
اختر قات خصوصية علاقاتنا الأسرية
فشرعت الأبواب على أدق تفاصيل حياتنا، مما سببت بتهديد حقيقي لكياننا وللعلاقات الاجتماعية المحيطة بناء بشكل مباشر وغير مباشر. كما فرضت تحديات كثيرة فرضت نفسها على المختصين تناولها وطرح تحدياتها في المحافل الدولية والمؤتمرات والدراسات الأكاديمية من أجل التلطيف بها والتخفيف من آثارها المجتمعية أو الفردي، ومن أبرز هذه التحديات التي يواجهها الفرد خلال استخدامه لمختلف التطبيقات التكنولوجية أو استخدامه لمواقع التواصل والاتصال الجماهرية، تتمثل في:
- اختراق المعلومات الشخصية واستغلالها بنشاطات إجرامية.
- اختراق السجل المتعلق بك واستغلاله لمآرب شخصية.
- احتكار السوق الرقمي.
- قرصنة الحساب واستغلاله بنشاطات غير أخلاقية.
ننوه هنا ببعض الأمثلة:
بَعد أزمة فيسبوك التي أثارت جدلاً عالمياً واسعاً، لم يعد يخفى على أحد قيام شركات التكنولوجيا باختراق الخصوصية على الإنترنت عبر تتبع نشاط المستخدمين وجمع وتخزين كافة البيانات المتعلقة بهم، تحت ذريعة تطوير المنتجات وتقديم الأفضل للعملاء.
وإذا أثارت أزمة فيسبوك قلقاً حول مصير البيانات الشخصية للمستخدمين المتاحة على الشبكة، فان شركة غوغل يعتبر أكثر خطراً على خصوصية المستخدم. وكذلك الأمر بالنسبة لتطبيق تويتر في الوقت عينه يساهم في حفظ البيانات للمستخدم ويعمل على احتكارها لمصلحة الشركة القائمة عليه. وعليه، لا يمكن لغوغل أو أي شركة تكنولوجية كبرى أخرى، تمتلك الكم الهائل من المعلومات عن مستخدميها أن تكون موضع ثقة كونها تمتلك الحق في الاستفادة من سجلات المستخدمين وبياناتهم لغايات ومآرب تجارية أو اجتماعية أو سياسية. خاصة ان هذه الشركات تتمثل بغايات تجارية صرف يكمن هدفها النهائي هو كسب المال، وبالتالي ستنظر إلى مستخدميها كمنتج يمكن الاستفادة منه عبر بيع معلوماته للآخرين.
وبهذا الصدد نشير الى سلسة تغريدات على توتير تم إعادة نشرها بنحو 150 ألف مرة تم من خلالها للمستشار التقني ديلان كوران الكشف عن البيانات التي تجمعها كل من غوغل وفيسبوك عن المستخدمين، واللافت أن موقع التواصل الاجتماعي يحتفظ بمعلومات يقدر حجمها بـ 600 ميجابايت، ما يعادل أربعمائة ألف كلمة، في المقابل يصل حجم ملف البيانات المخزنة في غوغل 5.5 جيجابايت، ما يوازي ثلاثة ملايين مستند وورد، أي عشرة أضعاف ما يحتفظ به فيسبوك.
بالمقابل تمتلك غوغل بحراً واسعاً من المعلومات حول المستخدمين، بدءاً من تحديد أماكنهم وسجل البحث الخاص بهم (صور، فيديوهات، مقالات، مواقع.)، والتطبيقات التي يستخدمونها وصولاً إلى اهتماماتهم وهواياتهم، وكذلك معرفة الأنشطة التي يحضرونها (غوغل كالندر)، وكل ما يحتويه غوغل درايف من ملفات قد تضمن السيرة الذاتية الخاصة بهم وميزانيتهم الشخصية. ما يعني أن أي ضغطة (نقرة) يتم حفظها بملفات الشركة.
خط سَيرك
تستثمر غوغل في صناعة الفضاء، وباستخدام الأقمار الصناعية تتعقب خط سيرك وتحدد موقعك الجغرافي لا إرادياً إذا فعّلتَ هذه الخاصية، ويظهر لك الرابط التالي google.com/maps/timeline?pb خارطة الأماكن التي قصدتها خلال السنوات الماضية والوقت الذي قضيته في التنقل بينها.
الأشياء التي تبحث عنها
إذا كنت تعتقد أن حذف سجل البحث الخاص بك، سيُخفي نهائياً عمليات البحث التي أجريتها على الشبكة فأنت مخطأ، مهما كان الجهاز الذكي الذي تستخدمه، فإن شركة غوغل ستخزن كل ما تبحث عنه.
معلوماتك الشخصية
وفقاً للمعلومات التي تجمعها عنك غوغل، تقوم بإعداد ملف شخصي خاص بك يضم عمرك وجنسك، ومكان تواجدك وتطلعاتك واهتمامك وهواياتك ووضعك الاجتماعي والوظيفي، ولك أن تتخيل أنه يحوي تقديرات لوزنك ودخلك، كل ما عليك هو الضغط على الرابط التالي google.com/settings/ads لتكتشف ذلك بنفسك!
التطبيقات التي تستخدمها
تخزن شركة غوغل البيانات التفصيلية عن أي تطبيق تستعمله، مثل الجهاز الذي تدخل من خلاله إلى التطبيق، مكان وتوقيت الاستخدام، نشاطك وتواصلك عبر هذه التطبيقات، وبالتالي أي إعجاب أو تعليق أو محادثة تقوم بها على فيسبوك هي مسجلة تلقائياً لدى غوغل، وسيتضح لك الأمر أكثر إذا زرت هذا الرابط myaccount.google.com/permissions.
سجل يوتيوب
طبيعة الفيديوهات التي تشاهدها على يوتيوب، تعطي لشركة غوغل فرصة لمعرفة توجهاتك الدينية والسياسية وحالتك النفسية، ويمكنك الاطلاع على سجل يوتيوب الخاص بك عبر الرابط youtube.com/feed/history/search_history.
تحميل ملف البيانات الخاصة بك
وتتيح شركة غوغل لمستخدميها مجلد كامل من البيانات التي يخزنها عنهم، ويمكن تحميله من خلال الرابط التاليgoogle.com/takeout والذي يعد نسخة أرشيفية بكل ما تجمعه عن مستخدميها.
وبزيارتك للرابط السابق ستظهر لك الصور التي قمت بتحميلها ومواقع الويب التي زرتها، ورسائل البريد الإلكتروني المحذوفة أو المصنفة على أنها غير مرغوبة (سبام)، وجهات الاتصال وملفات غوغل درايف حتى بعد قيامك بحدفها.
وإذا منَحت غوغل صلاحيات أكير من ذلك، فهي قادرة على تسجيل الصور والفيديوهات والمواقع التي تصفحتها، ومكان وزمان الصور التي التقطتها بهاتفك الذكي، وسلوكك الشرائي، وجدول مواعيدك والفعاليات التي شاركت أو لم تشارك بها، كما تستطيع حساب عدد الخطوات التي تمشيها يومياً.
هذا ما يحتويه سجلك على فيسبوك
فالتطبيق يمكنك تحميل المعلومات التي خزنها عنك الموقع، وستجد أنها تضم مكان وزمان وعبر أي جهاز دخلت إلى الموقع، والرسائل الصوتية والمكتوبة والملفات التي تبادلتها مع أصدقاءك، وكل المواضيع التي أثارت اهتمامك بتعليق أو إعجاب، حتى الملصقات والوجوه التي تعبر عن ردود أفعالك أثناء استخدام الموقع.
كما أن فيسبوك قادر على كشف توجهاتك وميولك في كافة المواضيع، عبر التطبيقات المرتبطة بحسابك على الموقع، مثل واتساب وانستغرام .
الحد من احتكار السوق الرقمي
وفقاً لما سبق، فإن عملاق التكنولوجيا غوغل وفيسبوك يواجهان صعوبات عدة مع تراجع ثقة الأفراد بصُنّاع التكنولوجيا في العالم، ومناداتهم بضرورة الحد من احتكار الشركات الكبرى للسوق الرقمي، فيرى أحد الخبراء أن تعقُب شركة غوغل لمستخدميها شكّل صدمة للكثيرين، فيما ترد غوغل بأنها طورت خيارات الخصوصية على الإنترنت، مثل ميزة “حسابي” التي تمكن المستخدمين من الاطلاع على معلوماتهم الشخصية، وبالتالي إلغاء خاصية التتبع والتحكم بالبيانات التي يودون مشاركتها.
ختاماً، في الوقت الذي نرفض فيه ملاحقتنا وتتبع خطواتنا من قبل السلطات أو الشركات الكبرى بأي وسيلة كانت، نحن نساعد على ذلك بأنفسنا عبر مشاركة تفاصيل حياتنا دون أي قيود، لذا احرص على زيارة الروابط السابقة وضبط إعدادات هاتفك الذكي وكافة التطبيقات والمواقع التي تستخدمها لتتحكم بالبيانات المنشورة عنك في الشبكة.