
اِسْتِثْمَارُ اَلْخِطَابِ الْأُصُولِيِّ فِي الْفِكْرِ النَّقْدِيِّ الْمُعَاصِرِ.
Investment of fundamentalist discourse in contemporary critical thought.
الدكتور: رابح أوموادن، تخصص الدراسات الأدبية، جامعة مولود معمري – الجزائر.
الدكتورة: بهجة أوموادن، تخصص اللغة والأدب العربي، جامعة مولود معمري – الجزائر.
Dr/ Rabah Oumouadene, Specialized in literary studies,
Dr/ Bahdja Oumouadene, Specialized in Arabic language and literature,
University of Mouloud Mameri – Algeria.
مقال نشر في مجلة جيل الدراسات الأدبية والفكرية العدد 53 الصفحة 101.
Abstract:
This article attempts to understand the relationship between fundamentalist discourse and contemporary critical discourse through a fateful entry related to: (the question of methodology), as heritage sources still need to be continually explored in order to open up their knowledge stocks and methodological competencies to participate in contemporary criticism issues , either by highlighting and bypassing the shortcomings, or by deriving mechanisms and investing them , our aim is to try to contribute to the establishment of what can be termed: (awareness of systematic rooting), that awareness that passes through the channels of continuous examination of the cognitive and methodological accumulation provided in the field Thought, criticism and philosophy, we have chosen two models: the first is ideological, represented by Mohammed Abed al-Jabri in the Arab Mind Criticism Project, the second conceptual theorizing the destination, represented by Taha Abdul Rahman in the project of philosophical creativity, both projects reflect the dynamism of the contemporary Arab mind, which is always trying to provide an antidote to the situation and create intellectual pathways that will realise a rising civilized leap.
keywords: principles of Islamic jurisprudence, Vision, Method, Criticism, Model, Mechanisms, Modernity, Heritage, West, Speech, Ideology, Rooting, Knowledge, Revelation, Reason, Philosophy, Language.
ملخّص:
هذا المقال محاولة لفهم العلاقة القائمة بين الخطاب الأصولي والخطاب النّقدي المعاصر من خلال مدخل مصيري يتعلّق بـ: (سؤال المنهج)، إذ لا تزال المصادر التّراثية بحاجة إلى استكشاف مستمرّ لفسح المجال أمام مخزونها المعرفي وكفاياتها المنهجية للمشاركة في المشهد النّقدي المعاصر، إمّا بإبراز مواطن القصور وتجاوزها، وإمّا باستمداد الآليات واستثمارها، وهدفنا من هذا الطّرح هو محاولة الإسهام في التّأسيس لما يمكن تسميته: (الوعي بالتّأصيل المنهجي)، ذلك الوعي الذي يمرّ عبر قنوات الفحص المستمرّ للتّراكم المعرفي والمنهجي المقدّم في مجال الفكر والنّقد والفلسفة، وقد وقع اختيارنا على نموذجين: الأوّل إيديولوجي المنحى، ويمثّله محمّد عابد الجابري في مشروع نقد العقل العربي، والثّاني تأصيلي الوجهة، ويمثّله طه عبد الرحمن في مشروع الإبداع الفلسفي، وكلا المشروعين يعكسان دينامية العقل العربي المعاصر الذي يحاول دائما تقديم ترياق للوضع المأزوم، وخلق مسالك فكرية كفيلة بتحقيق قفزة حضارية نهضوية.
الكلمات المفتاحية: أصول الفقه، الرّؤية، المنهج، النّقد، النموذج، الآليات، الحداثة،التّراث، الغرب، الخطاب، الإيديولوجيا، التّأصيل، المعرفة، الوحي، العقل، الفلسفة، اللّغة.
مقدمة:
إنّ إطلالة سريعة على الوضع العام الذي يشهده العالم العربي اليوم تكشف لنا عن وجود أزمات خانقة داخل مختلف المؤسسات التربوية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية؛ إذ دبّ إلى كيانات الأمّة الإسلامية العربية الضعف والوهن، وفشت فيها ألوان الانحطاط فشو الوباء المميت، ومن ثمّ كان لزاما أن يستجيب بعض أفراد هذه الأمة لندائها الخافت بعدما أصغى إليه وعيهم العميق، فأدلى كلٌّ منهم بدلوه بحثا عن ترياق لذاك الدّاء العضال.
لقد انتهت مختلف المطارحات والمناقشات حول تشخيص الوضع المأزوم إلى أنّ الأمة الإسلامية تعاني اليوم من أزمة في التّفكير، أزمة في المنظومات المعرفية المتحكّمة في نشاطها العقلي، أصابتها بلون من الجمود والتّقليد والخمود، فلا بدّ من تجديد مسالك التّفكير، ولا بدّ من تجديد مرجعياته.
والواقع أنّ ذلك العطب بقي مستمرّا إلى أن ظهرت دراسات حديثة، انتبهت إلى مقاتل ذاك الجمود ورمقت فجواته داخل خطاب الفكر الإسلامي، فانبرت بشكل لافت لمواجهة هذه الإشكالية، وبادرت بطرح سؤال المنهج ذاهبة بفضل إيقاظ الفكر من سباته الطويل، لكنها في الوقت ذاته لم تجر على مهيع واحد في مشاريعها الفكرية.
لقد أسفرت جملة هذه البحوث، عن تأسيس مجال جديد في الفكر العربي، يُعنى بالمرجعيات الثقافية والمنظومات الفكرية المستعارة والأصيلة، انطلاقا من مقاربة مجموعة من الإشكالات المعرفية والمنهجية شديدة التّعقيد؛ كالعلاقة بين الفكر والثّقافة والعقل؛ “ذلك أنّ التّفكير بواسطة ثقافة ما، معناه التّفكير من خلال منظومة مرجعية تتشكّل إحداثياتها الأساسية من محدّدات هذه الثّقافة ومكوّناتها، وفي مقدّمتها الموروث الثّقافي، والمحيط الاجتماعي، والنّظرة إلى المستقبل، بل والنّظرة إلى العالم والكون والإنسان كما تحدّدها مكوّنات تلك الثقافة”[1]، وهي المداخل المنهجية التي ينبغي أن يتوجّه إليها التحليل، ما دامت تتأسس عليها آليات التفكير والنّظر، وتبنى على شروطها مبادئ ومناهج العلوم الإنسانية خاصة.
نحاول في هذا المقال بيان صلة التّفكير النّقدي المعاصر بالموروث الأصولي الذي خلّفه العلماء المسلمون عبر حلقات التّاريخ المليء بالأحداث والوقائع والفلسفات والتّيارات الفكرية، هذه الصلة يمكن تفسيرها وفق علائق مختلفة ومتضادة فيما بينها؛ فالوضعية التي يشغلها الفكر النّقدي المعاصر تؤطرها رؤى الاتّصال والانفصال التي تعمل دائما على استثمار التّراث الأصولي من مواقع إبستيمولوجية مختلفة، منها المنحى الذي يقصد إلى توظيف الخطاب الأصولي من أجل بناء منظومة فكرية تستجيب لمتطلبات الأسئلة الراهنة وتقدّم للنّاقد المادة الخام لإعادة بناء موقف جديد، ومنها –في المقابل- المنحى الذي يهدف إلى نقد الخطاب الأصولي من أجل هدم النّظام القديم وإحلال نماذج بديلة تقوم مقام مسالكه الاستدلالية ومنطقه في فهم الظّواهر وتفسيرها.
إنّ هذه الوضعية التي يشغلها الفكر الأصولي لتجعل منه مصدرا أصيلا في صناعة المشهد النّقدي المعاصر استثمارا وفحصا ونقدا، وإيجاد فضاء للفعالية الإبداعية التي بإمكانها إثارة أسئلة حقيقية، وتقديم أجوبة رصينة طالما انتظر الفكر النّقدي إيجاد مزيد من التّفكير المنهجي حولها، وهو ما يمكن نعته بظاهرة استثمار الخطاب الأصولي في الفكر النّقدي المعاصر، وفيما يلي نموذجان متقابلان من الاستثمار للخطاب الأصولي.
أوّلا: الخطاب الإيديولوجي (محمّد عابد الجابري)
وكما لا يخفى على القارئ، فإنّ هذه المشاريع إنّما تصدّت للبحث عن أسباب الإخفاق في تحقيق المشروع الحضاري، والتّفتيش عن العلل والأدوية للنّجاة من هذا العطب. في هذه الإحداثية من الخطاب النّقدي، تقع كتابات النّاقد المغربي محمد عابد الجابري؛ إذ يدّعي هذا الرّجل معرفة سبب الإخفاق والتّخلّف عن الرّكب الحضاري؛ فبعد مراجعة طويلة لما أنتجه الخطاب العربي المعاصر حول المشاريع النّهضوية والثّورية والإصلاحية، وإبراز ضعفه وتشخيص عيوبه وثغراته، انتهى الجابري إلى أنّ مكمن العطب في كلّ ذلك، إنّما هو الأزمة التي يعانيها العقل العربي[2].
اعتنى الجابري، في معرض تشريحه لبنية العقل العربي، عناية فائقة بمختلف القطاعات المشكّلة للثّقافة العربية الإسلامية مؤكّدا على الأهمية المحورية التي يحتلّها الفقه، إذ طالما شغلته “طريقة الإنتاج النّظري في الفقه، نقصد: علم أصول الفقه. والحقّ إنّ أصالة الفقه الإسلامي، وبالتّالي خصوصية العقل المنتج له، العقل العربي، إنما ترجع إلى هذا العلم المنهجي الذي لا نجد له مثيلا في الثّقافات السّابقة أو اللّاحقة”[3].
إنّ هذا المنحى المنهجي الذي يسير وفقه علم أصول الفقه هو الذي استقطب الجابري الباحث الشغوف بالتّنقيب عن الآليات والطّرق التي تقوم عليها مبادئ العلوم، فإذا “كانت مهمّة الفقه هي التّشريع للمجتمع فإنّ مهمّة أصول الفقه هي التّشريع للعقل، ليس العقل الفقهي وحده بل العقل العربي ذاته كما تكوّن ومارس نشاطه داخل الثّقافة العربية”[4]. وهذا يعني بالضّبط أنّ المهمّة التي ندب لها علم أصول الفقه نفسه هي مهمّة منهجية من الطّراز العقلاني، يجب تثمينها والالتفات إليها؛ “إنّ القواعد التي وضعها الشّافعي لا تقل أهمية بالنّسبة لتكوين العقل العربي الإسلامي عن قواعد المنهج التي وضعها ديكارت بالنّسبة لتكوين العقل الفرنسي خاصّة والعقلانية الأوروبية الحديثة عامة”[5].
لقد كان لزاما على الجابري أن يواصل مشروعه الفكري في نقد هذا العقل، والبحث عن البنيات المعرفية التي أثّرت على طريقته في التّفكير والتّحليل، “لأنّ نقد العقل، جزء أساسيّ وأوّليّ من كلّ مشروع للنّهضة، ولكنّ نهضتنا العربية الحديثة، جرت فيها الأمور على غير هذا المجرى، ولعلّ ذلك من أهمّ عوامل تعثّرها المستمرّ إلى الآن، وهل يمكن بناء نهضة بعقل غير ناهض، عقل لم يقم بمراجعة شاملة لآلياته ومفاهيمه وتصوّراته ورُؤاه؟“[6]. هنا ينتقد الجابري الأداة المنتجة للمعرفة بدلاً من نقد المنتجات المعرفية، وهو ما يعبّر عنه بقوله: “سلاح النّقد يجب أن يسبقه ويرافقه نقد السّلاح”[7].
في هذا المضمار يقدّم الجابري تقريرا وافيا عن هيمنة ثلاثة أنظمة معرفية متصارعة على طريقة اشتغال العقل العربي وهي: البيان، والعرفان، والبرهان. إنّ الذي يهمّنا في هذا الموضع هو النّظام البياني الذي يشير بشكل عام إلى “الحقل المعرفي الذي بلورته وكرّسته العلوم العربية الإسلامية الاستدلالية الخالصة، ونعني بها النّحو والفقه والكلام والبلاغة”[8].
لقد عمل هؤلاء البيانيون من اللّغويين والنّحاة والبلاغيين وعلماء أصول الفقه وعلماء الكلام، كما يرى الجابري، على تقنين ذلك الحقل المعرفي بــ: “تحديده وحصر أقسامه وضبط آليات التّفكير داخله والإفصاح عن نوع الرّؤية التي يحملها عن العالم”[9].
يقوم الجابري في إطار النّموذج البياني بتحليل وفحص شامل لعلم أصول الفقه من خلال مباحث عديدة كمباحث الدّلالة، والقياس، والإجماع، منوّها بمزالق وتعثرات الجادّة التي سلكها الأصوليون في بناء الهيكل العام لمباحث أصول الفقه، وفي استراتيجيات استمدادهم من العلوم الأخرى، ذلك المسلك الذي أطّر العقل العربي الإسلامي بأطر ضيّقة حالت بينه وبين النّظرة العلمية ذات البعد الحضاري.
يؤكّد الجابري على أنّ أهمّ ما يلفت “نظر الباحث الإبيستيمولوجي في علم أصول الفقه هو أنّ النّشاط العقلي داخَلَه نشاط وحيد الاتّجاه: يتّجه دائما من اللّفظ إلى المعنى كما في علم اللّغة وعلم النّحو وعلم البلاغة. صحيح أنّ الأحكام الشّرعية إنما تؤخذ من أدلّتها، وأهمّ هذه الأدلّة وأصلها جميعا القرآن، غير أنّ الأصوليين انساقوا انسياقا كبيرا مع إشكالية اللّغويين والنّحاة، إشكالية اللّفظ والمعنى، فجعلوا من الاجتهاد اجتهادا في اللّغة التي نزل بها القرآن فكانت النّتيجة أن شغلتهم المسائل اللّغوية عن المقاصد الشّرعية”[10].
فالنّظام المعرفي البياني أثّر سلبيا على صناعة الأدوات وبناء الآليات الاستدلالية الأصولية، إذ صيّرها أسيرة ثنائية اللّفظ/المعنى، مُغرقةً في الجزئيات على حساب المقاصد الكلّية التي جاءت بها الشّريعة! يجب أن نقرّ، أنّنا لا نتقصّد ابتداء نقد طروحات الجابري، لكن رغم ذلك لا يجمل بنا مغادرة هذا الموضع قبل الإشارة إلى أنّ “المتتبّع للسّياق النّقدي الذي أورد فيه الجابري هذه الآراء اللّغوية، لن يخرج برؤية متماسكة، كما عهدنا في بعض مواضع المشروع حين مناقشة بعض القضايا الفلسفية، فالجابري في أحكامه اللّغوية يتحدّث مرّة عن فقر لغة الأعراب وهو يعدها في الوقت نفسه أوسع من لغة الواقع، ويرى اللّغة مرة أخرى (محصورة الكلمات)، ويستقبح في مكان آخر (التّضخّم في الكلمات)”[11].
لم تكن أحكام الجابري تصدر عن وعي متماسك بحقائق الظّاهرة اللّسانية، بل سذاجة الموقف وهجانته حولت الجابري “من ناقد إبيستيمولوجي إلى كاتب تقرير، اختزل الدّرس اللّغوي في تحليل وجداني ساذج! وإلّا كيف يعقل أن يحتجّ الجابري على خلو قاموس لسان العرب من الأشياء الطّبيعية والصناعية والمصطلحات وأسماء الأدوات وغيرها، وهو قاموس لغوي أصلا، متجاهلا قواميس اصطلاحية متخصصّة مثل: مفاتيح العلوم للخوارزمي، وكتاب التّعريفات للشّريف الجرجاني، وكتاب كشّاف اصطلاحات الفنون للتّهانوي، ومعجم الجامع لمفردات الأدوية والأغذية لابن البيطار، والجامع للعجب العجاب للأنطاكي، والكتاب الكبير للموسيقى للفارابي؟”[12].
في تحليله المسهب بشأن الخبر وتواتر الرّوايات وحجيتها، يؤكّد الجابري على مركزية الإجماع، فـ “هو الذي يؤسّس الخبر، متواترا كان أو غير متواتر. الإجماع يمنح خبر التّواتر العلم والعمل، كما يمنح خبر الآحاد سلطة إيجاب العمل به”[13].
لقد باتت سلطة الإجماع مؤرّقة للجابري في هيمنتها على نمط التّفكير لدى الفقيه الأصولي، إذ تستمدّ جل المباحث الأصولية شرعيتها من هذه الآلية؛ لكن الحقيقة التي يؤكدّ عليها الجابري، هي أنّ “الوضع الإبيستيمولوجي لــ (الإجماع) في الفكر البياني وضع معقّد تماما.
لقد بذل البيانيون، والأصوليون والمتكلّمون منهم خاصة، جهودا فكرية كبيرة، منذ الشّافعي إلى اليوم، من أجل تقنينه وضبطه، ولكن النّتيجة في نهاية الأمر كانت وما تزال جملة من الآراء مختلفة ومتشعّبة ومتضاربة”[14].
ينتهي الجابري بعد جولة تحليلية لتاريخ الإجماع والمبادئ التي يقوم عليها، إلى “أنّ كلّ المناقشات والخلافات والاعتراضات التي عرفها تاريخ الفقه الإسلامي حول (الإجماع) كانت نتيجتها الملموسة، ولربما الوحيدة، هي تمييع فكرة الإجماع وبالتّالي إقرار الاستبداد”[15].
إنّ هذا الإقرار بالاستبداد لا يعني فقط التّشريع السياسي للأنظمة الحاكمة، بل يعني كذلك الاستبداد المعرفي لهيئة الإفتاء، “فكان الاستبداد الذي عانى منه العقل البياني استبدادين: استبداد الحكّام بالسّياسة واستبداد السّلف بالمعرفة، ومن دون شكّ فإنّ الوقوع في الثّاني إنّما كان بسب الهروب من الأوّل، بسبب عدم القدرة على مواجهته والتّصدّي له”[16].
لم يكن هذا الموقف من الإجماع إلّا النّتيجة النّهائية التي توصّل إليها الجابري بعد رحلة تنقيب مضنية وجريئة إلى حدّ بعيد، تملّص فيها الباحث بسهولة من كثير من الحقائق التي تخصّ الإجماع من حيث تطوّر دلالته الاصطلاحية وحقيقته العرفية، “بمعنى أنّ حقيقة الإجماع من النّاحية الواقعية في نظر الجابري، ليست إلّا هذه الصّورة: عدم العلم بوجود خلاف على عهدي أبي بكر وعمر، وبهذا يستبعد الجابري كل الدّلالة الاصطلاحية للإجماع ويغفل التّأسيس النّظري لحجيته وأنّه أساسا السّمع وليس العقل”[17].
وفي معرض بسطه لامتدادات ثنائية الأصل/الفرع، يؤكّد الجابري أنّها الأساس الذي قامت عليه الآلية القياسية، حيث يؤطّر التّفكير الأصولي بهذه العقلية القياسية التي تؤول وتنتهي دائما إلى الأصل، إنّها “عملية عقلية تتمّ في اتّجاه معاكس ويطلق عليها في الاصطلاح البياني: (القياس)، قياس فرع على أصل أو غائب على شاهد. وهو غير القياس المنطقي الذي ينطلق فيه الفكر من مقدّمتين وأكثر يربط بينهما حدّ أوسط ليصل إلى نتيجة تلزم عنهما: في القياس البياني حيث يعطى الأصل والفرع معا يتّجه التّفكير إلى البحث عن (العلة) التي تربط بينهما في الحكم والتي هي بمثابة الحدّ الأوسط في القياس المنطقي. أمّا في هذا الأخير فالحدّ الأوسط معطى في المقدّمتين ولذلك يتّجه الفكر إلى البحث عن (النتيجة)“[18].
يبدو أنّ الذي يضايق الجابري في الآلية القياسية هو سلطة الأصل ورقابته التي يريد التّحرر منها وتعويضها بمنطق المقاصد، إضافة إلى ظنّية الحكم المتوصّل إليه عن طريق القياس. وإذا كنّا لا نتغيّا في هذا الموضع الكشف عن ضعف هذا الحكم فإنّنا نحيل القارئ على البحوث التي نقضت من قبلُ المنطق الأرسطي، وبيّنت تناقضاته وقصوره[19].
إذا قمنا باستدعاء مجموع البراهين بشأن طبيعة العلاقة القائمة بين الموقف النّقدي للجابري وعلم أصول الفقه، فإنّنا سنلحظ أنّ الجابري قد غلب عليه المنهج الإبستيمولوجي البنيوي؛ كما يشهد له ولعه الشّديد بالإبستيمولوجيا في المجال الفلسفي. وبالرّغم من أنّه اشتهر بمشروعه “نقد العقل العربي”، فإنّ كتبه الفلسفية المغمورة هي الأهمّ –كما يرى مختار الفجاري– وخاصةً تلك التي جعلها مدخلاً إلى فلسفة العلوم، ودرس فيها نصوص في الإبستيمولوجيا المعاصرة[20].
والمطّلع على هذه الكتب، يُدرك تماما أنّ الجابري طبّق في خطابه عن العقل العربي ما أورده فيها نظرياً؛ ذلك أنّ مفهوم القطيعة الإبستيمولوجية عند باشلار ونظرية التّعميمات العلمية عند أوغست كونت، وغيرها من المقولات الإبستيمولوجية، وأفكار الفلسفة الوضعية قد وجدت طريقها إلى التّطبيق في خطاب نقد العقل العربي، ليصبح تاريخ هذا العقل تاريخ قطائع إبستيمولوجية متتالية[21].
يعوّل الجابري في قراءته على مفهوم الإبستيمات(Epistémes)الذي استخدمه الفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكو في إطار دراسته لأنظمة الخطاب المعرفي، ليقوم بمقاربة إبستيمولوجية يعيد من خلالها تفحّص الأنطمة المعرفية الأساسية التي تقوم عليها بنية العقل، وما تنطوي عليه هذه البنية من الأنساق والمفاهيم والأدوات الإجرائية التي تمنح لمعرفة هذا العقل، في مرحلة تاريخية ما، بنيتها اللّاشعورية. ولمّا كانت هذه المقاربة ذات منحى بنيوي، فإنّها تجاوزت الإطار الخارجي، كالظّروف الاجتماعية، أو السياسية، أو التاريخية، بل من منطلق زمن هذه البنية الثّقافي، الذي لا يخرج عن إطار المعايير المرتبطة بإشكاليات هذا العقل، وأدوات إنتاجه للمعرفة[22].
وإذا كانت مجهودات الجابري، قد اتّجهت إلى نقد العقل أي الأداة المنتجة للأفكار-ومن ثَمَّ الوقوف على العمليات الذّهنية والمنهجية التي يقوم بها العقل العربي أثناء اشتغاله في الصّناعة الفكرية- فإنّ هذا المنهج لم يستطع الصّمود أمام النّقد الصّارم، فانكشفت تناقضاته وانزلاقاته الإيديولوجية، بل والتّوظيف غير العلمي للمفاهيم من غير نقد واختبار، ويكفي للتّدليل على صحّة هذه الدّعوى في الحكم على مشروع الجابري بالتّهافت، الرجوع إلى ما أورده صاحب “تجديد المنهج في تقويم التراث”[23] لهدم نموذج الجابري، وهي الانتقادات الأساسية التي يمكن أن توجّه لمشروع الجابري، وما دار في فلكه من المشاريع التي ركبت الإيديولوجيات، ودعت إلى الانقطاع عن التّراث.
كانت هذه إذاً طبيعة الخطاب الإيديولوجي في علاقته بالمنهج وقراءة التّراث عموماً وموقفه من علم أصول الفقه خصوصا، إذ قصارى جهده، تنطق به محاولته “تلقيح العقل العربي بمستجدات العتاد المنهجي والمفاهيمي الغربيين، وهي معرفة أُنتجت خارج الأفق الفكري والمعرفة الإسلاميين، فغاب عن هذا الخطاب النقد الأصيل، والتّقويم السّديد بله الإبداع والإنتاج؛ إذ بقي سجين الإبستيمولوجيا الباشلارية التي تحوّلت بدورها إلى عائق إبستيمولوجي أمام الإبداع العربي الإسلامي، فلم يزد هذا الخطاب سوى تكريس الفقر الإبستيمولوجي داخل المجال التّداولي التّراثي”[24].
وقد انعكس هذا الخطاب سلبيا على علم أصول الفقه، فلم ير فيه أصحاب التّوجّه الإيديولوجي سوى عائق أمام التّفكير المنهجي والتقدّم المعرفي، يتجلّى ذلك مع الجابري حين ادّعى أنّ الشّاطبي قد “دشّن بمشروعه قطيعة إبستيمولوجية حقيقية مع طريقة الشّافعي وكلّ الأصوليين الذين جاؤوا بعده، وكان الشّاطبي واعيا تمام الوعي بذلك”[25].
يتشبّث الجابري بهذا الرأي، ويكرّره في كتاباته بصيغ متقاربة “كادّعائه أنّ التّفكير الذي أنضجه ابن رشد في مجال الفلسفة والكلام، سيتبنّاه الشّاطبي في محاولة تأصيل أصول الفقه. فالجابري يريد ربط مشروع الشّاطبي بابن رشد، هذا الأخير هو رمز البرهان وشارح أرسطو الذي تبنى الجابري منطقه وأسماه منهجا، واتّخذ فلسفته رؤية. ومن هذه الخلفية الفلسفية الأرسطية، ذات الطابع البرهاني قرأ الجابريُّ الشّاطبيَّ، وربطه بابن رشد. وسيصبح الشّاطبي وفق نظرة الجابري الأرسطية برهانيا أي مؤسّسا للشّريعة على البرهان، أي منطق وفلسفة أرسطو، أو ما أسماه الجابري المنهج والرؤية”[26].
وإذا كان الجابري يشيد بالشّاطبي في مواضع محدّدة، فإنّ هذا لم يكن ليجعل من الجابري في قراءته يقدّم معرفة، “بقدر ما كان في النّهاية يستكمل بناءً إيديولوجيا ضخما، ابتدأ في تكوين العقل، وانتهى في بنيته”[27]، طُمست معه في نهاية المطاف كلّ ملامح المعرفة الإسلامية الأصيلة التي يُعدّ أصول الفقه أحسن ممثّل لها على الإطلاق.
ثانيا: الخطـاب التّأصيـلي (طه عبد الرحمان):
يُعدّ طه عبد الرحمان واحداً من المتفرّدين السبّاقين إلى فحص مشاريع قراءة التّراث الإسلامي، وسدّ ثغراتها وتجاوزاتها المنهجية والمعرفية. يؤسّس طه عبد الرحمان منظومة معرفية وشبكة مفاهيمية، أسهم من خلالها في إنتاج خطاب منهجي أصيل، حرّ وناقد، مزوّد بأحدث أدوات العتاد المنهجي المأصول والمنقول، في إطار رؤية معرفية متكاملة ومتماسكة.
أمام الوضعية الفكرية المزرية التي آل إليها تقويم التّراث، جرّاء انقلاب القيم الذي أحدثه الصّدام بالحضارة الغربية، وما ترتّب عليه من جهل بفقه التّراث والتّطاول عليه تزييفًا وتمويهًا، توالت كتابات طه عبد الرحمان تترا، كلّها تحمل همًّا واحدًا، هو: “الكشف عن خفيَّ الأوهام ودقيق التّلبيسات التي انبنى عليها التّقويم السّيّء للتّراث العربي الإسلامي”[28].
ولعلّ أخطر ما قدّمه طه عبد الرحمان حول مسألة المنهج وقراءة التّراث، هو كتابه “تجديد المنهج في تقويم التّراث“، حيث يقدّم لنا تصوّراً متكاملاً لقراءة التّراث، وفق منهجية أصيلة، القصد منها “إنشاء نظرية مستقلّة في تقويم التّراث”[29]. وسنركّز في هذا المقال على تبيان المعالم الأساسية لهذه النّظرية، ويمكن إجمالها في النّقاط الآتية:
1/ هدم مشاريع القراءات السّابقة:
إنّ بناء نظرية جديدة في قراءة التّراث روحاً ومنهجاً، يقتضي الاعتراض على تلك المشاريع التي توالت خلال الفترة الأخيرة بتمحيصها، والتحقّق منها علمياً ومنهجياً، وذلك بالنّظر في حقائقها ووسائلها. فقد لاحظ طه عبد الرحمان أنّ “أغلب المنهجيات والنّظريات المأخوذ بها في نقد التراث، يصعب قبول مسلّماتها، وإنّ بعضها، وإن قبلنا جدلاً مسلّماته، فمن الصّعب قبول نتائجه، وإنّ بعضها الآخر، وإن قبلنا نظرياً نتائجه، فمن الصّعب قبول أغلب تطبيقاته؛ ترجع هذه الصّعوبة إلى وقوع هذه المنهجيات والنّظريات في أخطاء صريحة بصدد مضامين التّراث. فقد استعمل أصحابها إصدار الأحكام على هذه المضامين، مع أنّ واجبهم الأوّل، هو أن يطلبوا معرفتها على حقيقتها، كما ترجع هذه الصّعوبة إلى ضعف قدرة هؤلاء على امتلاك ناصية الأدوات المنهجية العقلانية والفكرانية التي توسّلوا بها في نقد التراث”[30].
يبدو أنّ طه عبد الرحمان قد وُفّق في اختيار النّموذج الأمثل لخطاب الإيديولوجيا/الفكرانية بكلّ تجنّياته على التّراث باختيار نموذج الجابري ليورد اعتراضاته، بالنّظر في الأدلّة التي استند إليها، عاملاً بآداب التّراث الراسخة في الاعتراض. ومن ثمّ، لم يقابل الهدم بالهدم، بل صار إلى مقابلة الهدم بالبناء؛ فجعل اعتراضاته على الدّعوة إلى الانقطاع عن التّراث، طريقاً ممهّدًا لإنشاء نظرية مستقلّة، في تقويم التّراث[31].
إنّ مميّزات المشاريع التّقويمية للتّراث العربي الإسلامي التي قام طه عبد الرحمان بنسفها وهدمها وبيان تهلهل كيانها، يمكن تحديد أهمّ مواطن العطب فيها، في النّقاط الآتية:
1-الجهل بحقيقة التّراث روحاً ومنهجاً:
والمتمثّل أساساً في “القصور في التّحقيق بمعاني التّراث، وقلّة اطّلاع هؤلاء على معارفه، وضعف استئناسهم بمقاصده”[32]، فالوقوف على المعاني الحقيقية لتقويم وقراءة التراث، لا يغني عنه تراكم معلومات، بل يحتاج إلى فقه في التراث.
2-استجلاب المنهج واقتباسه من خارج التّراث تقليداً وجموداً:
للقارئ حقّ التسّاؤل عن مدى تحكّم تلك المشاريع في المناهج، من حيث صياغتها واستعمالها أثناء الممارسة التّقويمية للتّراث، والواقع – كما يقول طه عبد الرحمان– ” أنّ التمكّن من هذه المناهج لم يكن من نصيبهم، ولا التفنّن في استخدامها كان طوع أيديهم، ولا ينكر ذلك إلَّا من هو دونهم تمكّناً في العلم، ودونهم تفنّناَ في العمل، ولا أدلّ على ذلك من أنّهم عاجزون عن الاستقلال عن تلك المناهج، والإتيان بما يقابلها ولو على نمطها”[33].
فأصحاب تلك المشاريع توسّلوا بأدوات البحث التي اصطنعها غيرهم، واستلذّوا الاقتباس والتّقليد وتبنّي النّظريات والمفاهيم، بل ولم يتمّ هضم تلك المناهج ولا تمثّلها ولا امتلاك ناصية تقنياتها.
3-الانقطاع عن التّراث وهدمه:
هي نتيجة توسّلهم بآليات عقلانية إيديولوجية غريبة عن التّراث الإسلامي، واهتمامهم بالمضامين، وبالنّظرة الانتقائية التّفاضلية التّجزيئية، وركوبهم الإيديولوجيا المسيّسة في نقد التّراث بإخضاع النّصوص للقيم التّسييسية تحقيقاً للتّدافع من أجل بلوغ السّلطة.
4-الفصل بين المعرفة والسّلوك:
وهو أخطر ما تكنّه هذه المشاريع، حين قطع أصحابها الصّلة بالشّرع وبالسّلوك وبالعمل. “فإذا كان التّراث الإسلامي ثمرة التّسديد بواسطة الشّرع –فكيف يهتدي إلى إدراك حقائقه، وتحصيل أصحّ السّبل في تقويمه من قطع الصّلة بالشّرع، وترك العمل بما جاء به؟”[34]، وهذا الاعتبار العلمي الصارم يسبب لكثير من المشاريع حرجا علميا يحول دون الوفاء به، لعجز السّواد الأعظم منها عن تحقيقه.
2/ بناء مشروع جديد لتقويم التّراث العربي الإسلامي:
إذا كان طه عبد الرحمان قد شدّ الإزار لهدم أباطيل المتطاولين على التّراث، فإنّه في المقابل، وتباعاً لذلك، عمد إلى الكشف عن أدواته في تقويم التّراث، سالكاً في ذلك منحى غير مسبوق ولا مألوف، وبناءً على هذا، لا يمكن أن يُلّمّ بقيمة هذا المشروع إلّا القارئ الصّبور المتجرّد من الأهواء، يقول طه: “ولمّا كنّا قد خالفنا المتداول من أعمال تقويم التّراث فيما سرنا فيه من منحى متفرّد، فإنّنا نهيب بالقارئ إلى الصّبر على التّجرد من شائع الأحكام، وسابق الآراء في التّراث، وإلى الاصطبار لقراءة هذا الكتاب، حتى يأتي على تمامه. فإن كان غرضه تحقيق مذهبنا في التّقويم، فإنّنا على يقين من أن يظفر فيه بما لم يظفر به في غيره من أعمال التّقويم، إن توسيعاً لمناهج النّظر، أو استثماراً لمسالك العمل، فضلاً عن سبرٍ لأعماق غير مطروقة في التّراث، وفتح آفاق غير مرتادة في التّقويم”[35].
لا شكّ أنّ القارئ لمشروع طه الممثّل في كتابه “تجديد المنهج في تقويم التراث” لا يجد بدًّا من أن تستوقفه المنهجية البديعة، فلا يكاد فصل من فصول الكتاب “يخلو من ممارسة منهجية، إمّا وضعاً لمفاهيم، أو إنشاءً لتعاريف، أو صوغاً لدعاوى، وتقريرا لقواعد، وتحريراً لأدلّة أو إيراداً لاعتراضات، كأنّما الكتاب كلّه ممارسة حية للمنهاج التّراثي، لا مجرّد خطاب نظري في المنهاج التّراثي“[36].
إنّ ما يهمّنا في مشروع تجديد المنهج في تقويم التّراث هو خطوطه العريضة التي ترسمها الأسس المعرفية الآتية:
1-المعرفة المستقاة من الوحي والمرتكزة على العقيدة الإسلامية:
لهذا يؤكّد طه عبد الرحمان على ضرورة وصل العقل بالغيب[37]، والتوسّل بالعقيدة[38] في بناء المعرفة. وانطلاقاً من هذه المعرفة يصوغ طه عبد الرحمان نظريته التّداولية، التي تحدّد المجال التّداولي على أنّه “مقام التّواصل والتّفاعل بين أفراد المجتمع باعتبارهم صانعين لتراث مخصوص، وأنّ هذا المقام يقتضي أصولاً ثلاثة هي: العقيدة واللغة والمعرفة“[39].
تمثّل هذه الأصول الثلاثة مظاهر الإنتاجية في التّراث، وكلّ مظهر منها حامل لخاصية العمل، مع اتّصاف هذا العمل بأوصاف ليست في غيره، إذ هو “عمل من أجل منفعة الغير، فضلاً عن منفعة الذات، وعمل من أجل منفعة الآجل فضلاً عن منفعة العاجل”[40]، فالملاحظ هنا أنّ طه يعيد الاعتبار للبعد الغيبي، ويبيّن فعاليته في توجيه الواقع الحيّ، ومن ثمّ لا بدّ من توسيع مصادر المعرفة، وإدخال الوحي عنصرا موجّها وفاعلا في القراءة والفهم.
2-تداخل المعارف التّراثية:
بعيدا عن التّصوّرات المؤسّسة على انفصال المعارف واستقلاليتها، يلحّ طه على خاصية تداخل المعارف التراثية، وبناءً على هذا، “تشترك المعارف التّراثية اشتراكاً في وسائل إنشاء مضامينها ونقلها ونقدها، كما تشترك في وسائل العمل بها، حتى أنّ أحكامنا على مضامينها لا يمكن أن تصحّ إلاّ بإقامتها على النّتائج التي نتوصّل إليها بصدد وسائل هذه المعارف التّبليغيّة والعملية”[41].
فلا بدّ من ملاحظة تداخل العلوم والمعارف في الممارسة التّراثية وتفاعلها قبل إصدار أيّ حكم من الأحكام بشأنها.
3-الاعتناء بآليات النّص التّراثي:
وقد بذل الباحث أقصى الجهد في استكشاف الآليات التي تتصنّع بها مضامين النّصوص التّراثية، وسمّاها الآليات الإنتاجية؛ بوصفها الوسائل والكيفيات اللّغوية والمنطقية المنتجة للمضامين. هذه الآليات ينبغي التوسّل بها في فهم المضامين؛ فقراءة طه إذًا، تطالب النّص أن يدلّ على وسائله ومضامينه. يقول طه عبد الرحمان: “وإذا تمّت العناية بهذه الأدوات التّراثية، استكشافاً واستعمالاً، فلا محالة أنّ الطّريق سوف تتمهّد لأن تتكوّن لدى دارسي التّراث -نقّاداً ومنظّرين- رؤية تقويميّة مغايرة للرّؤية التي اتّخذوها إلى حدّ الآن في أغلب الدّراسات المتداولة”[42]، وهذه مزيّة من مزايا المنهج الطّهائي في قراءة التراث، إذ يفسح المجال أمام النصّ التراثي لترسيم آلياته الأصيلة ورسم حدودها وأهدافها في البحث والنّظر، دون تبعية أو تقليد.
4-النّظرة التّكاملية للتّراث:
وهي نتيجة التّمسّك بالنّظرة التّداولية والتّوكيد على البُعد التّداخلي لمعارف التّراث الذي يفرض على الباحث النّظر في الآليّات الإنتاجية التي لا يستقيم الحكم على مضامين التّراث إلاّ بالعودة إليها. وإنّ هذا “التّقويم الذي يتولّى استكشاف الآليات التي تأصّلت وتفرعت بها مضامين التراث، كما يتولّى استعمالها في نقد هذه المضامين، يصير لا محالة إلى نظرة تكاملية”[43].
إذا كان الغالب على الأعمال السّابقة تقسيم التّراث أقساما متعدّدة (نظرة تجزيئية)، وتفضيل بعضها على بعض(مفاضلة)، ثمّ الانتهاء إلى حفظ أقلّ قسم منها بحجّة أنّه هو الذي يستجيب لمتطلّبات الحداثة، فإنّ عمل طه عبد الرحمان لا يقسّم، ولا يفضّل، ولا ينتهي إلى حذف، ولا إلى استثناء تسليماً منه بأنّ “الخطأ التّراثي لا يقلّ فائدةً لنا من صوابه ما قمنا على طلب أسبابه”[44].
ومن الجدير بالذّكر أنّ هذه النّظرة التّكاملية، فضلا عن تماشيها وروح التّنظير الذي يفرض إقامة الجسور بين حقول معرفية متعدّدة، فإنّها تؤدّي إلى نتائج مغايرة تماما لنتائج القراءة التّجزيئية، بل قد تصل إلى حدّ التناقض معها أحيانا.
5-التّأصيل المنهجي:
إذا كان جلّ مشاريع الحداثيّين قد وقع في فخّ التوسّل بمناهج غريبة عن التّراث العربي الإسلامي، فإنّ طه عبد الرحمان اجتهد في أن لا ينزّل على النّص التّراثي أدوات منقولة من تراثات أخرى، قديمة كانت أم حديثة، بل طلَب هذه الأدوات من داخله، أي إنّه يتّجه إلى صناعة الأدوات وبناء الآليات من داخل الخصوصيات المنهجية للتّراث العربي الإسلامي، وقد لجأ طه عبد الرحمن إلى هذه الاستراتيجية “حرصاً على استيفاء المقتضى المنطقي الذي يجب أن يكون المنهج مستمدًّا من الموضوع ذاته لا مسلّطاً عليه من خارجه، وقد سمّى تلك الأدوات باسم الآليات المأصولة في مقابل الآليات المنقولة“[45]، فاستحقّ هذا الخطاب أن يوصف بأنّه خطاب تأصيليّ.
6-الموقف الواعي أثناء التّعامل مع تراث الآخر:
إنصافاً من طه عبد الرحمان في تعامله مع المنجزات الغربية، فإنّه لا يعدّ كلّ أداة منقولة مذمومة أو غير صالحة؛ لكنّه في الآن ذاته يستثمر فائدة الآلية المنقولة ومناسبتها للموضوع التّراثي حيث ينبغي إجراء النّقد والتّمحيص الكافيين لكلّ آلية مقتبسة من تراث أجنبي قبل تنزيلها على التّراث الإسلامي العربي، حتى نتبيّن كفايتها الوضعية والتّفسيرية. يمثّل طه لهذا بآلية العقلانية، فيقول:” لا يمكن أن نحكم هل في هذا التّراث عقلانية، حتّى نتأكد ما إذا كان مفهومها المأخوذ عن الثّقافة الغربية صالحاً لأنّ نقوِّم به تراثنا. والحقيقة التي توصّلت إليها، أنّ هذا المفهوم لا يصلح لهذا التّقويم، لأنّ العقلانية الغربية مبنية على التّجريد النّظري، بينما العقلانية التي تحكم تراثنا مبنية على التّسديد في العمل”[46]، فلا بدّ من إجراء عملية اختبار كافية للآلية المنقولة قبل التوسّل بها في عملية القراءة، مع الملاحظ هنا أنّ طه يشدّد على ضرورة كون الاختبار أو التمحيص كافيا، إذ لا يفيد الاختبار القاصر شيئا في عملية القراءة، بل سيكون حينئذ عاملا مدمّرا للتّراث.
إنّ اليقظة المنهجية عند طه عبد الرحمان أثمرت موقفا إيجابيا تجاه التّراث عامّة وأصول الفقه خاصّة، فالباحث على تمرّسه في التّعامل مع التّراث الإسلامي العربي وامتلاكه لزمام المنجزات الغربية، استطاع أن يبرهن عن إمكانية تحقيق الاستقلال الذّاتي في صناعة المناهج وبناء النّظريات، فقد أشار مثلا إلى إمكانية اشتقاق نظرية لفهم وتحليل النّصوص، حيث يقول :”لن نجانب الصّواب إذا ادّعينا أنّ أوائل الأبحاث في تحليل الخطاب يجب طلبها في ما أفاض فيه الأصوليّون من مقدّمات في تحديد الدّلالات وتصنيفها، وما أفردوه من أبواب في بيان الاستدلالات وطرق التّأويل. ولن نزداد بعدا عن الصّواب إن قلنا بأنّ في أبحاث الأصوليين ما يمكن أن نستفيد منه في إنشاء نظريّة صالحة لمقاربة أنواع الخطاب الطّبيعي، وينهض دليلا على ذلك ما أثبتوه في باب “الاقتضاء” و“المفهوم” من قواعد خطابية تفاجئنا بمضاهاتها لما يُعرَض اليوم في سياق نظريات التّخاطب المعاصرة؛ وكأنّه فتح علميّ جديد.”[47]، ثمّ يشير طه إلى الأصل المنطقي الذي يمكن أن يحتضن تلك النّظريات فـ” الإنتاج الأصولي يحتوي على عناصر ضرورية لبناء منطق الاستدلال الخطابي”[48].
لم تتوقّف عبقرية طه في استفادته من أصول الفقه عند حدّ الانتباه إلى النّظريات والمناهج؛ بل تجاوزت ذلك إلى نطاق أكثر سعة وشمولا؛ تمثّل في إنشاء أداة التّفكير وفلسفة الباحث؛ هذا ما يدعوه طه: “فقه الفلسفة”؛ ويعني بذلك: “العلم بطرق الفلسفة في الإفادة وبطرق استثمارها في إحياء القدرة على التّفلسف”[49].
وإذا تساءلنا عن منهج أداة التّفلسف هذه، فإنّ طه عبد الرحمان يجيب عن ذلك، مبيّنا الكفاية المنهجية لعلم أصول الفقه، قائلا: “إذا كان لنا أن نقارن منهج فقه الفلسفة بغيره من مناهج العلوم، فلا منهج يبدو صالحا لهذا الغرض مثلما يصلح له منهج “أصول الفقه”؛ فمعلوم أنّ المنهج الأصوليّ هو عبارة عن نسيج متكامل من الآليات المقرّرة والأدوات الإجرائية التي وقع استمدادها من علوم كثيرة، فتجد من بينها الآلات المنطقية والكلامية واللّغوية والنّحوية، كما نجد من ضمنها أبوابا من الفقه والحديث والتّفسير والقراءات؛ وعلى الرّغم من انتساب هذه الوسائل المقتبسة إلى علوم مختلفة، فإنّ هذا الاختلاف لم يكن مانعا من أن تقوم بين هذه الوسائل أسبابٌ تجعل بعضها ينصهر في بعض، فتُشكِّلَ بذلك مجموعا واحدا عرف باسم المنهج الأصولي“[50].
ولعلنا لن نجانب الصّواب إذا أرجعنا سرّ نجاح مشاريع طه الفكرية والنّقدية والفلسفية إلى استمدادها من أبواب أصول الفقه المنهجية والنّظرية؛ فمن الأبواب النظرية والمنهجية التي يتضمّنها علم أصول الفقه –كما ينتبه إلى ذلك طه عبد الرحمان- “باب علم المناهج (أو الميتودولوجيا) الذي ينظر في الأدلّة الشّرعية، تعريفا وترتيبا، كما يدرس قواعد الاستنباط وقوانين الأحكام، وباب الاستدلال الحجاجي، وهو يُعنى بقوانين الجدل والمناظرة، وباب فقه العلم (أو الإبستيمولوجيا) الذي يبحث في فلسفة التّشريع، وباب اللّغويات، وهو يختصّ بدراسة أصناف دلالات الألفاظ، ومن الأبواب العملية والمضمونية التي اشتمل عليها علم الأصول ما وقع اقتباسه من العلوم الإسلامية، مثل علم الحديث، وعلم التّفسير وعلم القراءات وعلم الكلام، فضلا عن الفقه الذي جاء علم الأصول لاستخراج مبادئه وتحديد مناهجه وترتيب قواعده”[51].
ويستطيع القارئ لكتابات طه أثناء تعامله مع بعض الإشكاليات الفلسفية أو اللّسانية أو المنطقية، أن يلاحظ بيسر حضور أدوات وآليات علم الأصول، وهو حضور يعكس الخصوبة المنهجية التي يتمتّع بها هذا الحقل المعرفي.
إنّ هذا المسلك المنهجي له تبريراته المقنعة عند طه حيث يقول: “…المنهجية الأصولية حاضرة في إنتاجي حضورا بارزا، وذلك للأسباب الآتية: “أوّلها، أنّي أعُدّ هذه المنهجية هي العطاء المنطقي الإسلامي غير الأرسطي البارز في عموم التّراث الإسلامي العربي …والثاني، أنّ هذه المنهجية أسهمت في دراسة الظّاهرة الخطابية بما يثير الإعجاب، وتضمّنت أدوات علمية ما زالت تحتفظ بفائدتها الإجرائية. والثالث، أنّ هذه المنهجية ذات طابع موسوعي، حيث تتداخل فيها علوم متعدّدة وتتعاضد فيما بينها حتى كانت أوسع المنهجيات الإسلامية على الإطلاق. والرابع، أنّي أقصد في أبحاثي المختلفة إلى تجديد واستئناف العطاء المعرفي الإسلامي، ومعلوم أنّ مثل هذا الاستئناف يقتضي الصّلة بالعطاء المعرفي الماضي من غير جمود عليه، وما وجدت في جوانب المنهجية الإسلامية عموما، أصلح للقيام بهذه الصّلة من المنهجية الأصولية، لما تتميّز به من إبداع وتكامل وانفتاح”[52].
فخطاب التّأصيل عند طه لا يقتصر على النّظر في قضية الأدوات والمنهج، بل يمتدّ إلى عمق معرفي شديد التّماسك، يبحث في فلسفة الظّواهر وطرق تناولها، وقد لعب علم أصول الفقه دورا مهمّا في إمداد طه بالمحدّدات المنهجية، وتزويده بالعدّة المعرفية لتقديم هذا المنجز الإبداعي غير المألوف، والمثير للإعجاب في الوقت ذاته.
وفي الختام، يمكننا أن نقرّ، ومن دون شكّ، أنّ حضور الخطاب الأصولي في النّقد المعاصر كان له دور فعّال في تنامي الطّروحات وبلورة الإشكاليات، وهو البريد الذي أذكى جذوة المشاريع النقدية والبدائل التي قدّمتها لحلّ أزمة الفكر وتحقيق نهضة حضارية تحت قضية جوهرية ومصيرية هي: سؤال المنهج.
وقد اتّضح لنا جليّا التّفاوت بين مواقف الخطابات التي تعاملت مع علم أصول الفقه، من حيث تماسك الرّؤية وقوّة الطّرح وسلامة المنهج؛ فالخطاب الإيديولوجي عند الجابري انطلق من مسلّمة تربط بين العقل والعلوم التي أنتجها المسلمون وتجعل سبب إخفاق العقل العربي اليوم في تقديم تحليل علمي للظواهر هو أنظمة تلك العلوم التي تحكم مسالكه الاستدلالية، وهي مقدّمة مؤسسة على جملة من المفاهيم المقتبسة من مقولات الفلسفة المعاصرة والمناهج النّقدية الشائعة في العلوم الدّقيقة والعلوم الإنسانية، هذا المسلك جعل طرح الجابري يتلون بضرب من الإسقاطية التي تتنكّر للمعرفة التّراثية في الوقت الذي تبني صرحا أيديولوجيا، في حين انطلق الخطاب التّأصيلي في مبدأ رصين يشترط ضرورة صناعة أداة التّفلسف التي تؤهّل النّاقد لاتّخاذ موقف واع بشأن اختياراته المنهجية، وقد ترتّب عن هذا التّأكيد على أهمية العودة إلى التّراث الأصولي والاستمداد منه لصياغة الآليات ووسائل النّظر، وكان الموروث الأصولي معينا ثرّا في إمداد طه عبد الرحمن بالمادّة الخام التي أغنته عن تقليد المناهج الغربية واقتباس مفاهيمها دون عرضها على محكّ النّظر، واختبار كفايتها المنهجية.
إنّ عملية استثمار الخطاب الأصولي تتوقّف أساسا على الخلفية الفلسفية التي ينطلق منها القارئ لهذا القطاع المعرفي، وتتطلب كذلك قدرة على النّفاذ إلى حقائق البنية التّراثية، علاوة على امتلاك الأدوات والآليات النّاجعة لاستكناه الجانب الإبداعي في إطار نظرة شمولية تكاملية للحضارة العربية الإسلامية، لا تتجاهل السّياقات العامّة والظّروف التّاريخية وخصوصيات النّسق الثقافي الذي أنتجها.
قائمة المصادر والمراجع:
- الجابري محمد عابد، الخطاب العربي المعاصر: دراسة تحليلية نقدية، ط5، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 1994.
- الجابري محمد عابد، بنية العقل العربي، ط9، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 2009.
- الجابري محمد عابد، تكوين العقل العربي، ط10، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 2009.
- خلفي وسيلة، المصطلح الأصولي في مشروع محمد عابد الجابري (نقد العقل العربي)- الإجماع نموذجا، مقال، مجلة الصراط، العدد26، الجزائر، يناير2013.
- طه عبد الرحمان، اللسان والميزان أو التكوثر العقلي، المركز الثقافي العربي، المغرب، ط1، 1998.
- طه عبد الرحمان، تجديد المنهج في تقويم التراث، ط3، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، 2007.
- طه عبد الرحمان، حوارات من أجل المستقبل، ط1، الشبكة العربية للأبحاث والنشر، بيروت، 2011.
- طه عبد الرحمان، فقه الفلسفة-1-الفلسفة والترجمة، ط1، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، 1995.
- الفجاري مختار، الفكر العربي الإسلامي، ط1، جدارا للكتاب العالمي، عمان، 2009.
- همام محمد، المنهج والاستدلال في الفكر الاسلامي، ط1، دار الهادي، بيروت، 2003.
- همام محمد، جدل الفلسفة العربية، ط1، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، المغرب، 2013.
[1]همام محمد، المنهج والاستدلال في الفكر الاسلامي، ط1، دار الهادي، بيروت، 2003، ص15.
[2] ينظر: الجابري محمد عابد، الخطاب العربي المعاصر: دراسة تحليلية نقدية، ط5، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 1994، ص193.
[3] الجابري محمد عابد، تكوين العقل العربي، ط10، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 2009، ص99.
[4] المرجع نفسه، ص100.
[5] المرجع نفسه، ص100.
[6]الجابري محمد عابد، تكوين العقل العربي، ص5.
[7] الجابري محمد عابد، الخطاب العربي المعاصر، ص9.
[8] الجابري محمد عابد، بنية العقل العربي، ط9، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 2009، ص13.
[9] المرجع نفسه، ص13.
[10] المرجع نفسه، 63.
[11] همام محمد، جدل الفلسفة العربية، ط1، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، المغرب، 2013، ص33.
[12] المرجع نفسه، ص34.
[13] الجابري محمد عابد، بنية العقل العربي، ص125.
[14] المرجع نفسه، ص125.
[15] المرجع نفسه، ص135.
[16]الجابري محمد عابد، بنية العقل العربي، ص135.
[17] خلفي وسيلة، المصطلح الأصولي في مشروع محمد عابد الجابري (نقد العقل العربي)- الإجماع نموذجا، مقال، مجلة الصراط، العدد26، الجزائر، يناير2013، ص137،138.
[18] الجابري محمد عابد، بنية العقل العربي، ص114.
[19] يراجع: ابن تيمية أحمد، كتاب الردّ على المنطقيين، وكذلك: طه عبد الرحمان، تجديد المنهج في تقويم التراث، وكذلك: النّشار علي سامي، مناهج البحث عند مفكري الإسلام، وكذلك: يعقوبي محمود، مسالك العلّة وقواعد الاستقراء، وكذلك: يعقوبي محمود، ابن تيمية والمنطق الأرسطي، وكذلك: حلمي مصطفى، مناهج البحث في العلوم الإنسانية، وغيرها.
[20] يمكن مراجعة الجزء الأول: تطور الفكر الرياضي والعقلانية المعاصرة، الجزء الثاني: المنهاج التجريدي وتطور الفكر العلمي، وكذلك كتابه: مدخل إلى فلسفة العلوم.
[21] ينظر: الفجاري مختار، الفكر العربي الإسلامي، ط1، جدارا للكتاب العالمي، عمان، 2009، ص246.
[22] ينظر: الجابري محمد عابد، تكوين العقل العربي، ص37.
[23] أهمّها :
- إبطال تقويمه التفاضلي للتّراث وبيان وقوعه في فخّ التّجزيئية.
- مطبّات الآليات التي توسّل بها في قراءته للتّراث.
- القصور في فقه الآليات.
[24] همام محمد، المنهج والاستدلال في الفكر الإسلامي، ص16.
[25] المرجع نفسه، ص115.
[26] المرجع نفسه، ص116.
[27] المرجع نفسه، ص116.
[28]طه عبد الرحمان، تجديد المنهج في تقويم التراث، ط3، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، 2007، ص11.
[29] المرجع نفسه، ص12.
[30] المرجع نفسه، ص17،18.
[31] ينظر: المرجع نفسه، ص12.
[32] طه عبد الرحمان، تجديد المنهج في تقويم التراث، ص10.
[33] المرجع نفسه، ص11.
[34] المرجع نفسه، ص20.
[35] طه عبد الرحمان، تجديد المنهج في تقويم التراث، ص12،13.
[36] المرجع نفسه، ص13.
[37] ينظر: المرجع نفسه، ص10.
[38] ينظر: المرجع نفسه، ص246.
[39] المرجع نفسه، ص270.
[40] طه عبد الرحمان، حوارات من أجل المستقبل،ط1، الشبكة العربية للأبحاث والنشر، بيروت، 2011،ص30.
[41] ينظر: طه عبد الرحمان، حوارات من أجل المستقبل، ص30.
[42] المرجع نفسه، ص81.
[43] المرجع نفسه، ص81.
[44] المرجع نفسه، ص22.
[45] طه عبد الرحمان، حوارات من أجل المستقبل، ص22.
[46] المرجع نفسه، ص23،22،20.
[47] طه عبد الرحمان، اللسان والميزان أو التكوثر العقلي، المركز الثقافي العربي، المغرب، ط1، 1998، ص292.
[48] المرجع نفسه، ص292.
[49] طه عبد الرحمان، فقه الفلسفة-1-الفلسفة والترجمة، ط1، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، 1995، ص26.
[50] المرجع نفسه، ص20.
[51] طه عبد الرحمان، تجديد المنهج في تقويم التراث، ص93.
[52] طه عبد الرحمان، حوارات من أجل المستقبل، ص66،67.