
الذات والآخر من خلال المركزيات الثقافية
The self and the other through Cultural Centrism
الباحث عبد الحق بلڤيدوم، طالب دكتوراه في الأدب العام والمقارن، جامعة باجي مختار عنابة، الجزائر. Researcher Abdelhak Belguidoum, is a PhD student in General and Comparative Literature, in University of Badji Mokhtar Annaba, Algeria. مقال نشر في مجلة جيل الدراسات الأدبية والفكرية العدد 52 الصفحة 37.
الملخص:يُعَد مفهوم “المركزية” من أهم المفاهيم التي ارتبطت بمصطلح الهوِيَّة حين تنزع الذات إلى الانغلاق على نفسها، بإعلاء شأنها وإقصاء الآخر؛ إذ إن علاقتهما يطبعها التوتر والسجال. وهي بؤر مشحونة تتكون بفعل نمط من السرود عن الذات والآخر. وقد ظهرت على مرِّ التاريخ مركزيات ثقافية، ارتبط ظهورها بدورة الـحضـارة. فالتمركز في الثقافات، إذن، يرتبط دائما بفترات التفوق الحضاري، التي تقدم لحاملي هذه الثقافات إحساسا بالتميز والاختلاف والتعالي عن بقية الأمم، باعتبارها المؤهَّلة تاريخيا وإنسانيا لبناء حضارة.
الكلمات المفاتيح: المركزيات الثقافية، الهوِيَّة، الذات، الآخر، المركزية الإسلامية، المركزية الغربية.
Summary:
The concept of “centrism” is one of the most important concepts associated with the term “identity” when the self tends to confin itself, by lifting it and excluding the other. Their relationship is characterized by tension and controversy. They are charged foci, formed by a pattern of narratives about the self and the other. Throughout history, Cultural Centrism have emerged, whose appearance has been associated with the cycle of civilization. Centrism in cultures, therefore, is always linked to periods of cultural superiority, which give the people of these cultures a sense of distinction, superiority, and transcendence from the rest of nations, as historically and humanly qualified to build a civilization.
Key Words: Cultural Centrism, Identity, Self, Other, Islamic Centrism, Western Centrism.
مــقـــدمــة:يُعَد مفهوم “المركزية” من أهم المفاهيم التي ارتبطت بمصطلح الهوِيَّة، وهو مشتق من “التمركز”؛ الذي يعبِّر في أبسط معانيه عن الارتباط بالمركز. وهذا المصطلح ذو معانٍ متموجة، فهو يقتضي الشرح والتعريف، طالما أنه يرتبط بالهوِيَّة ومقتضياتها. إن الهوِيَّة هي كل ما يميز الذات عن الآخر، وهذه العلاقة بينهما تمثل إشكالية يطبعها التوتر والسجال؛ لهذا فإن دراسة هذه الإشكالية تتيح لنا فهم خصوصية “الذات” حين تنزع إلى التمركز حول نفسها، والتي “تتشوه حين تقوم على تعظيم الذات، وتنطلق من نظرة واحدة إقصائية، تحتقر كل من يختلف معها”[1].
يعرِّف الباحث عبد الله إبراهيم التمركز بأنه: “نمط من التفكير المترفع الذي ينغلق على الذات، ويحصر نفسه في منهج معين، ينحبس فيه ولا يقارب الأشياء إلا عبر رؤيته ومقولاته. ويوظف كل المعطيات من أجل تأكيد صحة مقولاته”[2]. فالتمركز، إذن، هو حالة من التقوقع على الذات بإعلاء شأنها، وإضفاء لون من التعالي والكمال عليها، وهو في المقابل إقصاء للآخر ورفضه، ورؤيته بنظرة احتقارية وسلبية؛ بناء على الـمُطْلَقات المسبقة والأحكام القيمية، التي تصبح ثوابتا يقاس بها الآخر، ويتحدد الموقف منه “فالآخر حسب هذا الخطاب شر مطلق، وما من رؤية وسط أو تقويم وسط يُعتد بهما”[3].
لا يتجلى “التمركز” في الهوِيَّة الفردية فقط، بل في الهوِيَّة الجماعية بصفة أوسع[4]، فلا تكون صورة الأمم، نتيجة لذلك، حاصل توحيد مختلف الصور التي يرسمها أحد أفراد أمة عن أمة أخرى، بل تمثل جزءاً من سلوك أمة تجاه أمة أخرى، وينتج عن هذه العلاقة الجدلية بين الذات والآخر خطاب أحادي الاتجاه “لا يعترف بالمحيط والهامش، مركزي، ينطلق مما يعتقد أنه المنشأ والبداية. هذا الخطاب مليء بالتناقضات وأحكام القيمة، مثير للنزاع والصراع والاختلاف”[5]. والتمركز يتجلى في عدة مظاهر، بما يتناسب مع مكونات الهوِيَّة الجماعية، فهناك التمركز الديني؛ باعتبار الدين مكونا رئيسا في بناء الهوِيَّة، وهناك التمركز العرقي، والتمركز اللغوي. لكن هذه الصور تشكل كلاًّ متكاملا داخل المركزيات الثقافية الكبرى، كمعبِّر عن ثقافة هذه الحضارة التي تمثلها هذه المركزية أو تلك.
المركزيات الثقافية:
ظهرت على مرِّ التاريخ مركزيات ثقافية كبرى، ارتبط ظهورها بدورة الحضارة؛ إذ إن التمركز في الثقافات يرتبط دائما بفترات التفوق الحضاري، التي تقدم لحاملي هذه الثقافات إحساسا بالتميز والاختلاف والتعالي عن بقية الأمم، باعتبارها المؤهَّلة تاريخيا وإنسانيا لبناء حضارة[6]. وهذه المركزيات كما يعرِّفها الباحث عبد الله إبراهيم: “بؤر فكرية وعرقية ودينية محتقنة ومشحونة بالتوتر، تتكون بفعل نمط من السرود عن الذات والآخر، تنعقد حول حبكة معينة”[7]
وترتبط هذه المركزيات الثقافية ارتباطا محكما بالسرد، الذي تَمثَّل في المتون والمرويات الكبرى، على غرار الأدب الجغرافي[8]، وبخاصة نصوص الرحلات. ويبرز في هذا السياق، وعبر التاريخ الطويل لسجال الشرق مع الغرب، مثالان عن هذه المركزيات الثقافية الكبرى، هما: “المركزية الإسلامية”، و”المركزية الغربية”. وما يميز هاتين المركزيتين أنهما اتسمتا بالتضاد والسجال، والتأثير المتبادل، وارتكزت كلتاهما على مبدأَي “المطابقة” و”الاختلاف”؛ أي أن تتطابق مميزات وخصائص الهوِيَّة الجماعية بين الأفراد الذين ينتمون إليها، وأن تختلف هذه الخصائص المميزة لــ”الذات” عن مميزات “الآخر”، الذي يجب-في نظرها-أن يُقصى ويُبعد “فمن الصعب أن نتصور كيف سنحدد أنفسنا كمجموعة (نـحن) بأي طريقـة كانت دون آخـر مغايـر”[9]، كمـا تـتـسـم هاتان المركزيتان بهيمنة محدداتها الأيديولوجية[10].
1-المركزية الإسلامية:
لقد تدخلت الأحكام القيمية، والمرجعية الدينية في رسم صورة الآخر، في القرون الأولى لمملكة الإسلام[11]؛ سواء في ذلك الآخر المسلم أو الآخر غير المسلم. وصدرت هذه الأحكام والصور، التي تمثِّل معيارا لرفع قيمة ما أو خفضها، عن مرويات ثقافية مختلفة (سردية ووصفية وعجائبية). والمقصود بالمرويات “كل تعبير يقوم بوظيفة تمثيلية للمرجعيات الثقافية والعرقية والدينية، بغض النظر عن الصيغة”[12]، وقد وجَّهت هذه المرويات أفكار الجغرافيين والإخباريين والرحالة والمؤرخين والفقهاء والمفكرين والأدباء، وكل من يصوغ الصور الذهنية الجماعية المتعلقة بالآخر[13].
تعبِّر رؤية المسلمين لإمبراطورتيهم التي يسمونها: مملكة الإسلام، عن المركزية الإسلامية في أقوى صورها؛ فقد ارتبطت هذه المملكة بالدين ارتباطا وجوديا، فهو يمثل إشراقا نورانيا ربانيا على الأرض، وفي نفس الوقت يمثل نسقا ثقافيا “يضطلع بدور في حياة البشر الروحية والاجتماعية”[14]، وهذا الدين هو المحرك الرئيس (وليس الوحيد) في خلق الصور النمطية عن الآخر، وخاصة الآخر غير المسلم، فالدين غير السماوي في نظر الإسلام ليس دينا بل وثنية لا يعترف بها؛ لهذا كان أتباع المسيحية واليهودية لهم وضع خاص في هذه المملكة: وضعية أهل الذمة.
ارتبطت معاني الإنسانية بالتالي باتِّباع الأديان السماوية؛ لذلك ارتبطت صورة السود الوثنيين، ونظرائهم الشقر من سكان المناطق الشمالية، الوثنيين كذلك (في نظر سكان مملكة الإسلام وليس في نظر الإسلام كدين)، بالهمجية التي تقربهم من أنواع السباع والوحوش، ومع هذا يستدرك ابن حوقل بأن يستثني أهل الحبشة والنوبة في قوله: “غير أن بعض السودان المقاربين هذه الممالك
المعروفة يرجعون إلى ديانة ورياضة وحكم، ويقاربون أهل هذه الممالك كالنوبة والحبشة فإنهم نصارى يرتسمون مذاهب الروم”[15]. واستثناؤه هذا يرمي به تبيان رفعة مملكة الإسلام؛ إذ شرُفت أقاليم النوبة والحبشة، لما دخلها الإسلام وصارت تحت حكم مملكته، وابن حوقل كغيره من أصحاب المرويات كان مشدودا إلى “المركزية الإسلامية التي تصدر عن اعتقاد راسخ أن مملكة الإسلام هي قلب العالم المتحضر ومركزه الذي يشع على العالم نورا”[16].
لقد صدرت استنادا إلى هذه المرويات صور مشوشة وغير منصفة عن الآخر، ترسبت في المتخيل العربي الإسلامي في القرون الوسطى، توصف بأنها صور تبخيسية، تحكمها عقلية الإقصاء. وطالما أن النظام الفكري للقرون الوسطى-كما يرى عبد الله إبراهيم -يتسم بثبات المعايير وتكرارها، فإن “دار الإسلام” احتفظت لنفسها بكل قيم النقاء والتعالي والسمو[17]؛ فــ”الذات” مفعمة بقيم الحق والعدل، و”الآخر” مفتقر لهذه القيم، فهو بهذا المعنى: غفل مبهم وبعيد عن الحق “وهو في انتظار عقيدة صحيحة لإنقاذه من ضلاله”[18].
تكاتفت، إذن، هذه المرويات ضمن آليات مزدوجة الفاعلية، لتمثيل “الذات” و”الآخر”، وأخذت نتيجة لذلك شكلين: فــــ”الذات” (دار الإسلام) أخذت كل القيم الرفيعة؛ من النقاء والتعالي والحيوية إلى الصواب المطلق والحق الدائم، “لأن المعمورة تنتهي على الدوام عند تخومها، وهذا يعني أنها أفضل ما في الدنيا”[19]، فيما يأخذ “الآخر”، ضمن صورة ملتبسة ومتوترة ومنفعلة، كل قيم التشويه والضلال والكسل والخمول، وحتى الوحشية والحيوانية، ما يقصي بالتالي كل قيمة أخلاقية قد تكون لديه، فحُـمِّل هذا الآخر “من خلال تفسير خاص، بقيم رُتِّبت بتدرج لتكون في تعارض مع القيم الإسلامية”[20].
1-1-دار الإسلام ودار الكفر:
ترتكز المركزية الإسلامية في نزعتها المتعالية على مفهوم “دار الإسلام”، الذي يناقض مفهوما آخر هو “دار الكفر” أو “دار الحرب”، ويختصر أحد الباحثين دار الإسلام في سكانها، فيقول: “ديار الإسلام هي المسلمون، في مقابل دار الحرب أو بلاد المشركين المستباحة من قبل المسلمين حيث لا أمن ولا سلام”[21]، ويُستشف من هذين المصطلحين، أن علاقة “الذات” بــ”الآخر” يعتريها توتر شديد، يصل بها حد الصدام قصد الإلغاء، وهذا المعنى؛ أي “دار الإسلام” قد وضعه الفقهاء للتمييز بين الأراضي التي يسكنها المسلمون، أين يأمن المسلم على نفسه ودينه وماله، في مقابل “دار الحرب”، وهي أراضي “الآخر العدو” المتاخم لحدود “دار الإسلام”، وهي دار غربة ومَهلكة، لا يأمن فيها المسلم على نفسه ودينه وماله.
ومن المهم في هذا السياق، الإشارة إلى أن مفهوم المركزية الإسلامية، قد تبلور في حقب اتسمت بالسجالات الدينية بين الأمم .
خلال القرون الوسطى، وارتكز على مفهوم “دار الإسلام” كتعبير عن “الذات” التي تمثل الحق، في مقابل كل الشعوب التي تسكن خارج هذه الدار “باعتبارها شعوبا ضالة ينبغي أن تمتثل للشريعة الإلهية، ويجب أن يبسط الإسلام فيها قيمه الأخلاقية”[22]. فــ”الآخر”، إذن، بالنسبة إلى “دار الإسلام” يبقى دائما مصدرا للريبة “لذلك فإن ما نراه سرعان ما يتحول إلى شيء متطرف في إيجابيته أو سلبيته، ويجري التعامل معه على هذا الأساس”[23]. والعلاقة بين “دار الإسلام” و “دار الحرب” هي علاقة حرب في أغلبها، لأنه لا سبيل إلى السلام طالما أن كلا من الدارَيْـن يناقض بعضها بعضا؛ فــ”دار الإسلام” هي الحق المطلق، في رؤية المركزية الإسلامية، فيما الدار الأخرى هي الضلال والشر المطلق، فلا سبيل إذن إلى السلام بينهما.
1-2-دار الصلح (دار العهد):
لقد طبع الصراع العلاقة بين “دار الإسلام” و “دار الكفر”، إذ إن المسلمين داخل مملكة الإسلام، وبحكم الموجِّهات الفكرية النابعة من المركزية الإسلامية، إضافة إلى الانتصارات التي حققوها لنشر الإسلام، باتوا مقتنعين بأن معنى الآية: ﴿إن الدين عند الله الإسلام﴾[24] تُلزم الناس كافة الدخول فيه، وبأن “الآخرين عليهم التسليم بهذه الحقيقة، إما بالعنف، أو بالتفاوض، أو بالتساكن، المهم أن يقبل الآخر، بتفوق المشروع الإسلامي، دينا واجتماعا وحضارة”[25]، فكان السجال هو سيد الموقف، ولن يدع المسلمون، بالتالي، الجهاد مادام هناك خارج حدود “دار الإسلام”، من هو في ضلال ويحارب ضد انتشار فكرة الحق والعدل.
لم تكن حدود مملكة الإسلام، والحال كما وصفنا، ثابتة يوما، فكانت هذه الحدود دائما بؤرا للصراع مع الممالك الأخرى، المتاخمة والرافضة للدخول تحت حكم هذه المملكة، فكان الجهاد في هذه الثغور-كما كانت تسمى-قائما بشرعيته الدينية، وشرعيته السياسية كذلك، ولم تُستثنى من هذه الحروب، من الممالك سوى الحبشة؛ لموقفها الإيجابي من الإسلام في أول أمره. والحق أن منطق القوة كان هو الغالب في علاقات الممالك بعضها ببعض، وانسحب ذلك على حدودها؛ فالقوي يأخذ لنفسه من أراضي غريمه ويضمها لمملكته، تحت مسوِّغ القتال المقدس بين الدارَيْن؛ إذ حتى “دار الكفر”، التي غالبا ما كانت تمثل أوروبا، استندت كذلك إلى مركزية دينية، محركها الفكري والديني هو الديانة المسيحية، ومسوِّغها الشرعي هو الدفاع عن مسيحيي الشرق من بربرية الإسلام؛ تجلى ذلك في الحروب الصليبية التي تتالت حملاتها على “دار الإسلام”.
أفضى هذا المد والجزر بين “دار الإسلام” و “دار الكفر” المتاخمة لها، بخصوص اكتساب الأراضي، ورسم الحدود بينهما، إلى ظهور ما اصطلح على تسميته: “دار الصلح” أو “دار العهد”؛ وهي مجال فاصل بينهما، أفرزه النزاع المستمر والسعي الحثيث للهيمنة على أراضي التخوم من كلتا الدارَيْن. و”دار الصلح” تعبِّر عن حالة تكافؤ في الغَلَبة، واستقرار مبدأ: “لا غالب ولا مغلوب”؛ فهذه الدار، والحال هذه، مزدوجة الولاء بين الدارين “هشة التكوين، ضبابية الهوِيَّة، مخترَقة دائما من إحدى القوتين المحاذيتين لها، تقوم بدور التخوم الفاصلة، حينما تغيب التخوم الطبيعية المانعة لتقدم هذا أو ذاك”[26]، وهي كذلك حربائية الانتماء،
فسيفسائية النسيج الاجتماعي والثقافي والديني، لا تعرف الثبات، ولا يقر لها قرار؛ فهي دائما في شدٍّ وجذبٍ، وأخذٍ وردٍّ بين “دار الإسلام” و “دار الكفر”.
2-المركزية الغربية:
لعل أول ما يلفت الانتباه في هذا المصطلح هو كلمة: “غربية”؛ نسبة إلى الغرب. فإذا كانت “المركزية الإسلامية” نَسبت نفسها أو نُسبت إلى أكبر مكون سيطر على هوِيَّة المسلمين الأوائل؛ ألا وهو الدين الإسلامي، فما هو الداعي إلى نسبة “المركزية الغربية” إلى “الغرب” كاتجاه جغرافي؟ من وجهة نظر الباحث عبد الله إبراهيم فإن ذلك مرده إلى تمخضات حقبة العصر الوسيط؛ وهي الفترة نفسها التي شهدت تقلبات، طورت مجموعة من العناصر الاجتماعية والسياسية والدينية والثقافية، لتشكل مندمجة “هوِيَّة أوروبا”، وبانتهاء هذا العصر “ظهر للعيان مفهوم (الغرب) بأبعاده الأولية، وسرعان ما ركِّب من المفهومين المذكورين مفهوم جديد هو (أوروبا الغربية)”[27].
وهناك رأي آخر، يميل إلى الأخذ بالمعنى الحقيقي للغرب، كموقع جغرافي يعبِّر عن اتجاه من اتجاهات الأرض الأربعة؛ وذلك بالنظر إلى تموقع “أوروبا” غرب اليونان التي كانت تمثل في القديم حضارة العالم، ومهد العلوم والفلسفة، وفي هذا يقول الباحث أنريكي دوسال: “ما أصبح يُدعى اليوم: أوروبا الحديثة، كان ينام بعيدا عن أفق اليونان، وليس بالإمكان، إذن، الخلط بينها وبين اليونان الأصلية. أوروبا الحديثة تقع شمال غرب اليونان، وكانت تُعد، بكل بساطة: همجية، غير متحضرة، وغير إنسانية”[28]. وهو رأي يرى أيضا أن أوروبا الغربية هي الوريث الشرعي لحضارة “أثينا” وعلومها وفلسفتها[29].
وهذا الرأي يختلف، نوعا ما، مع رأي عبد الله إبراهيم الذي ينفي امتثال مفهوم “أوروبا الغربية” للمعنى الجغرافي، بل تقصَّد-حسبه-الدلالات الثقافية والدينية والسياسية[30]، وعليه تشكلت هوِيَّته (المفهوم) نتيجة تثبيته لخصائص ومميزات عرقية وحضارية، اتُخذت كركائز ثابتة. وبهذا تشكل مفهوم “المركزية الغربية” بناء على تأسيس وجهة نظر حول “الغرب” ترمي الاستحواذ على الإرث التاريخي، بإعادة إنتاجه كامتداد تاريخي خاص به، ما يجعله الوريث الشرعي والوحيد لكل الإنتاجات الحضارية القديمة “وقاطعا أواصر الصلة بينها والمحاضن التي احتضنت نشأتها”[31]، وبهذا يصبح كل شيء يدور في هذا الفلك الذي يمثل “الغرب” المركَز فيه، فيُقصى بالتالي، كل ما لا ينتمي إلى “الغرب”[32].
ويقابل مصطلح “المركزية الغربية” مصطلح آخر هو: “المركزية الأوروبية”، وقد وصفتها موسوعة “ويكيبيديا” (Wikipedia) بصفة ملازمة لها، تعبِّر عن التمركز الغربي: “تتصف المركزية الأوروبية بمتلازمة اعتبار الثقافات راقية إذا كانت أصولها أوروبية، ويضيق هذا المعنى أحيانا، بحصر هذه الثقافات في القارة الأوروبية، ويتسع أحيانا أخرى، ليشمل التفرعات المختلفة للحضارة الغربية”[33].
استطاعت “أوروبا” أن تؤصِّل لفكرها وتُطوره، وأن تنتج نسقا ثقافيا جديدا، يقول بالخصوصية المطلقة لتاريخ الغرب؛ وذلك عبر تثبيت الفكر الفلسفي اليوناني. فاستمدت “المركزية الغربية”، بالتالي، نظرتها الإقصائية للآخر من التراث اليوناني؛ فالثقافة الغربية فيها “من مظاهر التمركز حول الذات ما لا يمكن إغفاله أو نكرانه، فهي في عمومها ثقافة متعالية، متمحورة حول نفسها، قوامها النظر إلى الآخر نظرة دونية منذ الفلسفة الإغريقية إلى الآن”[34]، واستندت هذه المركزية في بناء الغرب المتعالي إلى بُعدين، شكَّلا دعامتين أساسيتين لمفهوم التمركز الغربي، هما: التمركز الديني وتجلياته الفلسفية أولا، والتمركز العرقي وإلغاء الآخر ثانيا[35].
ويتجلى الـبعـد الأول لهذا التمركز، مع فيلسوف حديث هو “هيجل”، الذي تناول الدين بمنهج فلسفي؛ فهو يستند في تحليله للدين إلى فرضية ترى أن الدين له القدرة في كل مرحلة على التعبير عن الروح المطلق، “ولهذا تعد الديانة المسيحية في نظر هيغل الديانة المطلقة بامتياز”[36]، وهي في رأيه الديانة الوحيدة التي استوعبت الديانات السابقة، وانصهرت فيها كل أشكال التعبير الديني، فصار مضمونها بهذا هو “الحق المطلق”. وبعيدا عن الخوض في تفاصيل تَشكُّل الجوهر والذات الإلهية، في المسيحية، عبر مملكة الأب ومملكة الابن ومملكة الكنيسة، فإن “هيغل” قد نظر إلى الديانات الشرقية، على أنها قاصرة عن إنتاج تصور الجوهر الإلهي على شكل ذات واعية ومستقلة، فبقيت نظرتها ملتبسة بالطبيعة، وظلت الحقيقة الإلهية في نظرها صورة من صور الاستبداد الشرقي[37]. وبهذه الرؤية، نسب “هيغل” إلى المسيحية وحدها، سلامة المنهج في رؤية تفاعل الجوهر مع الروح، وسلب ذلك من كل الديانات الأخرى، فتكاتفت نتيجة لذلك مجموعة من الخطابات، تمركزت فيها المعطيات الفكرية، لتنتج مقولة واحدة مفادها: أن الغرب هو الحقيقة المطلقة نفسها. أُعيدَ-في ضوء هذه المركزية-إنتاج الماضي وصياغته بما يوافق حاضر الغرب المتفوق، بما أنه في قمة دورة الحضارة، “والأهم من كل ذلك فقد تمت صياغة شعورا موحدا بالهوِيَّة الفكرية والوعي المتماسك، بحيث ظهر الغرب الحديث على أنه الوعي بأسمى أشكاله”[38]، فيما بقي العالم-حسب هذه الرؤية-يتخبط في تناقضات وتعارضات عبثية.
لقد اقترنت هذه المركزية بظهور مفهوم جديد، هو مفهوم “الحداثة”، الذي تجلى في ميادين المعرفة والابتكارات العلمية والاكتشافات الجغرافية، وتمخضت هذه “الحداثة”، بالتالي عن ولادة “العصر الحديث” الذي أنتج بدوره “الدولة الحديثة”، وما رافقها من تطوير للنُّظُم السياسية والاقتصادية والعسكرية، وهـذا ما يقرره الباحث سمير أمين حين يؤكد أن “المركزية الأوروبية ظاهرة متعلقة بالحداثة تحديدا؛ إذ لا تمتد جذورها لأبعد من عصر النهضة، ثم ازدهرت في القرن التاسع عشر”[39].
وارتبط مفهوم “الحداثة” بالأيديولوجية الغربية، وما يتوافق مع منظورها للعالم والإنسان، “وأفضى كل ذلك إلى نوع من التمركز حول الذات بوصفها المرجعية الأساسية لتحديد أهمية كل شيء وقيمته، وإحالة (الآخر) إلى مكون هامشي، لا ينطوي على قيمة بذاته، إلا إذا اندرج في سياق المنظور الذي يتصل بتصورات الذات المتمركزة حول نفسها”[40].
يعطي التعريف الذي أطلقته موسوعة ويكيبيديا على مفهوم “المركزية الأوروبية” تفسيرا وافيا للبعد الثاني الذي بنيت عليه المركزية الغربية، المتمثل في التمركز العرقي وإلغاء الآخر؛ إذ إن “المركزية الأوروبية” حسب هذا التعريف تكرس المفهوم الذي يقول بأن: أوروبا-الغرب مركز العالم، وذلك باعتبارها الثقافات راقية إذا كانت أوروبية حصرا. وفي هذا يرى الباحث نبيل سليمان أن الفكر الغربي في الفترة المعروفة بــــ “المركزية الغربية” بدا متمحورا حول ذاته، ولا يرى الآخر إلا عبر موشورها “الأمر الذي عني أن لا يبصر في الآخر إلا صورة ذاته. وبالتالي فإن تشخيص الفكر الغربي في هذه الفترة للفكر البدائي البربري الوحشي في الآخر، لم يكن غير تشخيص لذاته”[41].
لقد شكل عصر النهضة منعطفا تاريخيا حاسما بالنسبة لأوروبا في ظل هذه المركزية الغربية؛ إذ معه سيبدأ التحول الجذري الذي سيشكل العالم الحديث في بعدين أساسيين: “تبلور المجتمع الرأسمالي في أوروبا، وغزو العالم بواسطته”[42]، فارتكزت هذه المركزية، إذن، على ثقافة متعالية مبنية على التمايز والتراتبية بين الغرب والعالم الآخر؛ ففي الوقت الذي ترفض المركزية الغربية الأنظمة الشمولية؛ طالما أنها-كما يرى الباحث سمير أمين-لا تأبه باكتشاف القوانين المحتملة لتطور الشعوب، فإنها تقدم نفسها كنظـام شامل، إذ تقتـرح على كل الشعوب “محاكاة النموذج الغربي كمخرج وحيد لكل تحديات العصر”[43].
وبهذا يتجلى التمركز الغربي واضحا للعيان: عالم مركزه الغرب وأطرافه بقية العالم، واستنادا إلى هذا المنطق اختلق هذا “الغرب” نظيرا مضادا له هو “الشرق”، وقد كان هذا الاختلاق ضروريا من أجل تأكيد غلبة عناصر التطور المستمر في “الغرب” وغلبة عناصر الثبات في “الشرق”[44]، وهذا ما يؤكده الباحث مايك كرانغ بقوله: “المصطلحات مثل: الشرق والغرب، ليست مجرد كلمات، وإنما هي أسماء مميزة تبني هوِيَّات أصبحت أقاليم، وأصبحت هذه الأقاليم في النهاية واضحة بالنظرة الغربية المحدقة الشاملة التي تبني نفسها من خلال النظر إلى الشرق، بينما يوجد الشرق من خلال تلك النظرة المحدقة فقط”[45].
لقد كرَّست الفلسفة الغربية هذه النظرة من خلال مقولات فلاسفتها؛ فهذا الفيلسوف فريديريك سكينر يقول: “مثلما أن تطور الأنواع والصراع من أجل البقاء أفضى إلى سيادة نوع من الأنواع، كذلك فإن تطور وصراع الثقافات يفضي طبيعيا إلى سيادة الثقافة الأفضل”[46]؛ ويقصد هنا الثقافة الغربية، وهي دعوة صريحة للمجتمعات غير الغربية لقبول هيمنة النموذج الغربي في الثقافة والحياة.
مع استقرار النموذج الرأسمالي في الاقتصاد بأوروبا، أدت هذه الرؤية المتمثلة في: سمو ونقاء الديانة المسيحية، وتعالي النموذج الثقافي الغربي وتميزه، والنظرة الملتبسة والإقصائية إلى الشرق؛ الذي مثَّل النظير المضاد والغامض، أدى كل هذا إلى اتخاذ أوروبا قرارا تاريـخيا: يجب غزو بقية العالم، والشرق تـحديدا، وتحريره من ثقافاته البالية ودياناته الوثنية. وكان هذا الخيار الخطير نتيجة حتمية؛
لأنه كما يقول تودوروف: “إن من يؤمن بالأحكام المطلقة، إذن العابرة للثقافات، يكون عرضة لأن يرى في القيم التي اعتاد عليها قيما عالية، وأن يمارس نوعا من التمركز السـاذج والدوغمائية العمياء، لكونه مقتنعا بأنه يمتلك بشكل دائم الحقيقة والصواب”[47].
توسلت أوروبا في تحقيق هذا الهدف بثلاثة وسائل: “التبشير”، “الاستشراق”، و”الاستعمار”، متخذة تمدين العالم البربري ذريعة لذلك: “ويُخشى أن يصبح خطيرا حقا يوم أن يُقرر أن العالم بأسره يجب أن يفيد من المزايا الخاصة بمجتمعه، وأنه من أجل تنوير سكان البلدان الأخرى يحق له أن يحتلها”[48]. لقد تمكن “الغرب” بما امتلكه من عناصر القوة الحضارية، أن يجعل من نفسه مشروعا يتحرك صوب العالم (خارج الغرب)، ويتمدد في مختلف بقاعه مستخدما في ذلك البعثات الجغرافية والإرساليات التبشيرية والحملات العسكرية[49]، “وهكذا سنحت الفرصة للمحتل كي يتبجح بأنه يقوم برسالة نشر الحضارة”[50].
2-1-التبشير:
لقد انطلق “الغرب” في نظرته إلى الشعوب الأخرى من مبدأ الإقصاء، وعدم الاعتراف-في بعض الأحيان-حتى بإنسانية بعضها؛ حيث يذكر كافين رايلي أن الإسبان بعد اكتشاف أمريكا بعثوا بلجان لتبحث فيما إذا كان للهنود نفوسا، ليتمكنوا من عدهم بشرا أم لا[51]، وهو أسلوب غاية في الهمجية، لأنه كما يقول كلود ليفي شتراوس: “هذا الموقف العقلي الذي يخرج “الهمج” (أو أي شعب يقرر الإنسان أن يعده همجيا) من عداد الجنس البشري، هو بعينه أخص خصائص هؤلاء الهمج أنفسهم”[52]. وبهذا المنطق نُظِر إلى أديان هذه الشعوب أيضا، فطالما أن المسيحية-في رأي المركزية الغربية-هي الحق المطلق، والدين القويم فعلى كل هذه الشعوب اعتناقها.
لقد اختلفت أساليب الغرب الحديث في إدخال الناس إلى المسيحية، عن أساليب أسلافه أيام محاكم التفتيش في الأندلس؛ أين كان يُـفرض التنصير قسرا على المسلمين واليهود[53]، فاتخذت من التـرغيب أسلـوبا جديدا، يعتمد على نقض وهدم أُسُس أديان هذه الشعوب، وتعويضها بتعاليم المسيحية، فأطلق قساوسة النصارى اسم “التبشير” على عملية دعوة الناس إلى المسيحية، وانبرى لهذه “العملية المقدسة” في نظر “الغرب”، رجال ونساء “سواء أكانوا من العاملين أو العاملات في السلك الكنسي أو المتطوعين والمتطوعات من ذوي الاختصاصات الأخرى، وذلك عن طريق الدعوة إلى النصرانية صراحة، أو عن طريق التعليم المنهجي، أو التثقيف العام، أو الخدمات الصحية، أو الاجتماعية أو غيرها”[54]. ارتبط هذا التبشير بانتقال القساوسة إلى كل البلدان التي استطاعت
أن تصلها حملات الغزو التي شنتها أوروبا على العالم، وسُمي هؤلاء المبشرون بـــ”الآباء البيض”. ويرى محمد عابد الجابري أن هذه الحملات التبشيرية التي نادت بها البابوية، لم تكن في الحقيقة لنشر قيم الدين المسيحي السمحة؛ قيم المحبة والإخاء “وأن الطموح إلى إنشاء دولة مسيحية عالمية تحت سلطة البابا لم يكن في الحقيقة سوى تعبير عن الرغبة الدفينة والجامحة في إحياء الإمبراطورية الرومانية القديمة، الإمبراطورية التي كرست حكم أوروبا للعالم”[55].
2-2-الاستشراق:
لقد سيطرت المركزية الأوروبية على وعي الناس في أوروبا، فهي التي صاغت حياتهم وأطَّرت مفاهيمهم عن تفوق “الغرب” بجنسه الآري، وأن كل الشعوب الأخرى إنما هي منحطة وخاملة، وزرعت فيهم بمقولات فلاسفتها من منتسكيو إلى كانط إلى هيجل عن فلسفة التاريخ، أن روح الشعوب والحضارات بدأت طفولتها في “الشرق” المستبد والمنحط، وأتمت شبابها في أوروبا في كنف الحرية والمساواة. هذه المركزية الأوروبية “سيكرسها الاستشراق تكريسا بالتحرك على الوجه الآخر من العملة، إذ سيشيد لأوروبا ثقافة كاملة عـن الشرق تجعله الآخر بالنسبة إليها، لا الآخر الند، بل الآخر الأدنى الجامد المنحط المتخلف”[56].
لقد أصبح للفظة “الشرق” في أوروبا معنى واضحا وشائعا لدى الجميع “وكان المرء يستطيع أن يتكلم في أوروبا عن الشخصية الشرقية، أو الجو الشرقي، أو الحكاية الشرقية، أو الاستبداد الشرقي، أو عن أسلوب الإنتاج الشرقي، فيفهمه السامع”[57]، وهذا كان نتيجة للاختلاقات الغربية عن هذا “الشرق” البعيد السحري والمبتذل، اختلاقات نابعة من قصص الرحالة[58] والأدباء (كأنشودة رولان)[59] والتجار وموظفي الإمبراطورية، وقد استقر في الرؤى الثقافية لــ”الغرب” أن “الشرق” “مُعرَّض للفحص الدقيق لضعفٍ في طبيعته، وهذا الموضوع يعتبر حقيقة ثابتة، وحتى لو تطور وتغير أو حوَّل نفسه بنفسه على نحو ما تفعل الحضارات في أحيان كثيرة، فلا بد أن يظل على ثباته الجوهري بل والوجودي”[60].
إن الفحص الدقيق الذي عناه إدوارد سعيد هو تلك الدراسات المستفيضة التي كان “الشرق” موضوعا لها في كل مجالاته: الاجتماعية والدينية والتاريخية والجغرافية والأدبية والثقافية، فتشكل في نهاية المطاف علما قائما بذاته، سُمي نسبة إلى موضوعه بعلم “الاستشراق”، يحدده فخري صالح مترجم كتاب “الاستشراق؛ صورة الشرق في الآداب والمعارف الغربية” لضياء الدين ساردار بأنه: “معرفة ملتبسة تختلط فيها الرغبة الحقيقية في المعرفة والسعي إلى التعرف على الشرق بوصـفـه آخـر مختلفا، بالأيديولوجيا والتحيزات
العرقـية والثقافية والغايات الكولونيالية وخدمة الإمبراطورية”[61]، ويرى محمد فاروق النبهان بأن: “الاستشراق مرتبط كل الارتباط بالموروث التاريخي للشخصية الغربية في نظرتها للحضارة العربية والإسلامية، وهو موروث مثقل بالتراكمات النفسية، ومشاعر ضاغطة مسيطرة على حركة الفكر مؤثرة في السلوكيات والمواقف”[62].
كان الاهتمام بـــ”الشرق” ودراسته، إذن، مرحلة مهمة ولازمة في تاريخ “الغرب”، إذ إن الوعي بـــ”الذات” في الثقافة الأوروبية لابد له أن يمر عبر “الآخر” وذلك بتفكيكه وسلبه أنَاه وجعله مجرد موضوع، فيصبح الاستشراق بهذا المعنى: “ذلك النوع من المعرفة التي شيدها الغرب لنفسه عن الشرق بوصفه الآخر الذي لابد من عزله وتمييزه ليصبح في الإمكان بناء (الأنا) الأوروبي كذات وحيدة، كل ما عداها موضوع لها”[63].
ويضرب لنا خيري منصور مثالا عن ذلك بالمستشرق “دي بور” الذي درس الفلسفة الإسلامية وحاول سلب صفة الإبداع عنها، بأن نسب كل إنتاج الفلاسفة المسلمين وبحوثهم إلى المعارف اليونانية (طالما أن الغرب هو وريث اليونان حسب رؤى المركزية الغربية)؛ وفي هذا يقول منصور: “إنها نبرة متعالية، مشحونة بهاجس استباقي-كشفي، تذكرنا بتلك النبرة التي كتب بها (دوزي) مؤلفه عن مسلمي إسبانيا، وسنصادف في العديد من الدراسات الاستشراقية مثل هذا الوعد بالاجتراح، والدلالة الوحيدة لهذا في رأينا هي التسابق والتنافس الشديدين الذين اجتذبا عددا كبيرا من المهتمين بشؤون الشرق في فترة كان الغرب فيها قد وجد ضالته الجديدة، وفرصته الأثيرة في هذا الجزء من العالم الذي يشكل قاعدة جغرافية بالغة الحساسية للتاريخ”[64].
ومهمـا يـكن من أمر، فإن إنتاج المستشرقين كان دائما محل جدل من قِـبَـل الشرقيين أنفسهم: فريق يكيل المديح لهذا الإنتاج، ويرى فيه بعثا لأمجاد الحضارات الشرقية؛ خاصة الحضارة الإسلامية، وفريـق يتوجس، ويكيل التهم، ويرى فيه تشويها وانتقاصا من مآثر الحضارات الشرقية، وسلبا لأمجادها[65]؛ ذلك أن المستشرقين أنفسهم كانوا يمثلون تيارين متمايزين: فريق معجب بالحضارات الشرقية (الإسلامية على وجه أخص)، وسعى في إنصافها وإبراز محاسنها[66]، وفريق حاقد عليها، همه تشويه صورتـها وطمس بريقها. وعن أثر هذا الإنتاج على الحضارة الإسلامية يقول مالك بن نبي: “وبالتالي يتبيـن لنا أن الإنتاج، بكلا نوعيه، كان شرا على المجتمع الإسلامي، لأنه ركَّب في تطوره العقلي عقدة حرمان سواء في صورة المديح والإطراء التي حولت تأملاتنا عن واقعنا في الحاضر وأغمستنا في النعيم الوهمي الذي نجده في ماضينا، أو في صورة التفنيد والإقلال من شأننا بحيث صيرتنا حماة الضيم عن مجتمع منهار”[67].
2-3-الاستعمار:
يمثل الاستعمار الوسيلة الثالثة التي استعملها “الغرب” في تحقيق هدفه الأسمى: غزو العالم. والاستعمار: “تعبير أطلق على استيلاء شعب بالقوة العسكرية على شعب آخر، لنهب ثرواته، واستغلال أرضه، وتسخير طاقات أفراده لمصالح المستعمرين”[68]، وهو بهذا المعنى يعبر عن السلطة والهيمنة التي انتهجها “الغرب” غداة انفتاحه على العالم الآخر خارج أوروبا في العصر الحديث، منطلقا من رؤاه الثقافية المكونة للمركزية الغربية؛ خاصة مفهوم “السلب”: سلـب ونفي “الآخـر”. كانت معاملة الرجل الغربي المستعمِـر لغيره من البشـر خارج أوروبا معاملة السيد للعبد، وهذا الموقف هو ما يعبر عنه مالك بن نبي بالموقف الاستعماري: “إن الموقف الاستعماري ينشأ في نظر (منوني) كل مـرة ينعكس فيها اتصال (الأنا) الأوروبي خارج إطار أوروبا، أي كل مرة يقع فيها اتصال بين (الأوروبي) و(الأهلي)”[69]. وبتحليل نفسي لظاهرة الاستعمار يوضح مالك بن نبي أن النزعة العنصرية هي صفة أساسية في نفسية الاستعمار الأوروبي، وأن هذه الصفة تجزئ النوع البشري لدى المستعمِر إلى جزأين: “أحدهما له السلطة والسيادة، والآخر عليه السمع والطاعة، كما يعتقد من يدين بالعنصرية”[70]، وهذا ما تذهب إليه الباحثة كلارا إينوسينتي عندما تقول إن الاستعمار يشكل نوعا من لقاء الثقافات، ومع هذا “تهيئ العلاقات الاستعمارية-وغالبا بالقوة-مناخا من الهيمنة الثقافية، تعاني فيه الهوِيَّة نوعا من الصراع غير المتكافئ”[71].
شكَّل مبدأ سلب الآخر ونفيه في المركزية الأوروبية مبعثا لأحلام أوروبية بعالم خالٍ من البشر؛ وقد عبَّر الأدباء الأوروبيون عن هذا الحلم في عدة أعمال أدبية؛ منها قصة “روبنسون كروزو” للأديب دانييل دوفو (Daniel Defoe)، وهذه الصفة-حسب مالك بن نبي-هي صفة نفسية أوروبية شاملة تَسِم الروح الغربية بصورة عامة[72]، وهذا ما أكده باحث آخر هو علي حمدان من أن نظرية الأرض الفارغة النابعة من المركزية الغربية مكنت “للمشروع الاستعماري البريطاني في أستراليا ونفي الآخر وإلغائه عن طريق الإبادة”[73]. إن الاستعمار الأوروبي سيطر على معظم العالم خارج أوروبا، والعالم الشرقي بصفة أدق “ولكي نتعرف على مضمونها العنيف المكتنز بالموروث الافتراسي عبر التاريخ علينا أن نتذكر ببساطة أن بريطانيا كانت تملك قدر مساحتها (142) مرة وفرنسا (22) مرة وهولندا (57) مرة وبلجيكا (50) مرة وإيطاليا (19) مرة، ويكفي أن نتذكر بأن الكونغو تعادل مساحـة بلجيكا (77) مرة بينما هي قد خضعت لنفوذها، بحيث لم يكن للجغرافيا أي معنى أمام سطوة التاريخ”[74].
3-نقد المركزيات الثقافية الكبرى:
يبدو للوهلة الأولى من هذا الحديث أنه لا فرق بين المركزية الإسلامية ونظيرتها المركزية الغربية، لكن ذلك غير صحيح، وسنرى ذلك فيما يلي:
3-1-نقد المركزية الإسلامية:
لقد انطلقت المركزية الإسلامية في رؤيتها من وحدة وقوة مملكة الإسلام؛ إذ اعتبرت هذه المملكة-حسب المرويات الثقافية الإسلامية-مركز العالم، وأرض الحق والإيمان، ومنتهى إشراق النور الرباني على الأرض؛ ذلك لأنها تطبق في الأرض شريعة الله التي أنزل تعاليمها على نبيه محمد (ﷺ). وهذه المركزية انبنت في واقع الحال على الانزياح الذي وقع في تطبيقات هذه الشريعة وهذه التعاليم الربانية، خاصة فيما تعلق بتطبيقات نظام الحكم والإمامة، وكذلك في النظر إلى الآخر المسلم وغير المسلم (السود كمثال)؛ لذلك يقول عبد الله إبراهيم في معرض مقارنته بين هذه المركزية ونظيرتها الغربية: “الثقافة الإسلامية في القرون الوسطى قد نهجت الطريق نفسه، فقد نُظِر إلى (دار الإسلام) على أنها الحيز الكامل للخير فيما كانت (دار الحرب) مكانا للشرور والدونية”[75].
والواقع أن المركزية الإسلامية صبغت رؤيتها لــ”لآخر” بصبغة الغريب والعجيب كنمط من التفرقة والتراتبية، ولم تكن نظرتها لــ”لآخر” إقصائية أو سالبة؛ لهذا لم يُؤْثَر في تاريخ الحضارة الإسلامية على مَرِّ تاريـخها أنها انتهجت نهج الإبادة كأسلوب للتعامل مع “الآخر” مهما كان مضادا، وفي هذا السياق فإن الوقائع الدموية التي شهدها التاريخ كانت في الأغـلـب الأعـم وقـائـع حـرب، مبنية على مبدأ الندِّية، والمواجهة المباشرة. ولعل المأخذ الجدي الذي يؤخذ على المركزية الإسلامية أنها حبست نفسها “خلف حواجز لاهوتية، ورفضت ممارسة النقد، ولعل أول ما تحتاج إليه هو النظرة التاريخانية لتتخطى حُبسة الأنا للاعتراف بالآخر”[76].
3-2-نقد المركزية الغربية:
لقد كانت المركزية الغربية أشد تمركزا من نظيرتها الإسلامية؛ ذلك أنها شيدت رؤاها الثقافية على مبدأي الاختلاق والنفي: اختلاق الآخر النظير والنقيض في الآن نفسه، وإثبات الذات بنفيه وإقصائه، إنها ثقافة متعالية: “فقد جرى استبعاد للمؤثرات الخارجية، وبخاصة الشرقية، وأعيد إنتاج ثقافة غربية صافية لا تقبل المزاحمة والشراكة”[77]. لقد استفحل الاستعمار وتحولت الحضارة الغربية إلى حضارة غازية[78]، فقادها ذلك إلى اقتراف أهوال من الجرائم في حق شعوب العالم الأخرى، التي عُدت-حسب مبدأ السلب والنفي الغربي-همج تجب إبادتها، أو على الأقل “يجب أن يصبحوا مسيحيين حتى يمكن أن يُعَدوا بشرا”[79]، لقد عزز الفكر الاستعماري وما يزال “المركزية الغربية ويؤسس لهوِيَّة ضيقة الملامح، تعزز الصراع”[80].
تشابَه الشغف باختراق المسافات، بين الأوروبيين بفعل المركزية الأوروبية، والمسلمين الأوائل زمن مملكة الإسلام؛ شغفٌ غذَّته قوة الإمبراطورية، وشساعة أقاليمها، وتنوع شعوبها، ولكن “سِحر البُعد”، كما يسميه مالك بن نبي لا يختص بعصر دون عصر، ولا بأرض دون أخرى “بينما لا نجد أثر هذا التأثير الغريب على الاستعدادات النفسية كما أثر عليها في أوربا حتى بعث فيها الروح الاستعمارية، ونلاحظ بوجه خاص أن سحر (العالم البدائي) لم يعمل عمله لأول مرة في أوربا، بل نجد أنه أثر على مكتشفين كبار في عصور أخرى، ووجه أصحاب رحلات كبيرة، مثل ابن بطوطة، والمسعودي، وأبو الفدا فجابوا العالم المتوحش الخاص بزمنهم دون أن تستولي على عقولهم نزعة استعمارية بل كانوا يجوبون البلاد لمجرد المعرفة والفائدة العلمية”[81]، ولعل هذا هو الفرق الجوهري بين المركـزيـة الإسلامـيـة أيام مملكة الإسلام، وغريمتها المركزية الغربية التي مازالت ثابتة الأركان حتى اليوم؛ لهذا يؤكد عبد الله إبراهيم أن المركزية الغربية لم تكتف بمحاولة تقديم رؤية للعالم، بل إنها تقدمت بمشروع سياسي عالمي؛ يهدف إلى تعميم النموذج الغربي، من أجل التجانس المستقبلي للإنسانية، “وخطورة هذا المشروع أنه سوَّغ منطقيا التوسع الغربي، واحتلال العالم وإبادة الحضارات وأحيانا إبادة شعوب بأكملها كما حصل في حالة فتح أمريكا”[82].
خــاتمة:
يمكننا بعد هذا الحديث عن المركزيات الثقافية أن نخلص إلى أنها-كما يعبِّر عنها اسمها-نمط من التفكير المتمحور حول نفسه، والمعبَّر عنه بسلوك متعال من تعظيم الذات والنظر إليها بنظرة السمو والنقاء من جهة، واحتقار الآخر المنظور إليه كمضاد ونقيض، وتحميله كل صفات الدونية والدنس والهمجية، وبالتالي إقصائه. وقد ضربنا مثلين من أهم الأمثلة عن هذه المركزيات الثقافية: المركزية الإسلامية أولا؛ التي نزعت نحو التعالي في أيام مجدها في القرون الماضية ضمن مملكة الإسلام التي مثلت في شعورها الجمعي إشراق النور الرباني على الأرض، وعمدت بالتالي إلى تنميط العالم خارجها ضمن ما عُرف بالعجيب والغريب. وثانيا المركزية الغربية التي كرست نظرة غربية من خلال إعادة إنتاج كل التراث الإنساني باعتباره جذورا غربية خالصة، سعيا منها إلى الاستئثار بكل إشراقات الحضارات القديمة، وأقصت بالتالي كل ما لا يمت للغرب بصلة، ليبقى هذا الغرب مركز العالم، والمنتج الوحيد لقيم الإنسانية والتحضر، وليبقى هو الوحيد القادر على صياغة معايير التقدم والتخلف، والقادر كذلك على الحكم على أي مجتمع بالخروج من مرحلة التخلف والبربرية إلى مرحلة التقدم والرقي الإنساني.
قــائمة المصادر والمراجع:
أولا-المصادر:
(1) – القرآن الكريم، رواية ورش عن نافع.
ثانيا-المراجع:
1-المراجع العربية:
(1) – إبراهيم، عبد الله: المحاورات السردية، منشورات الاختلاف، دار الأمان، الدار العربية للعلوم ناشرون، الجزائر/الرباط/بيروت، ط1، 2011.
(2) – إبراهيم، عبد الله: المركزية الغربية؛ إشكالية التكون والتمركز حول الذات، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء/بيروت، ط1، 1997.
(3) – إبراهيم، عبد الله: المطابقة والاختلاف؛ بحث في نقد المركزيات الثقافية، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، ط1، 2004.
(4) – ابن حوقل، أبو القاسم محمد بن علي: صورة الأرض، دار مكتبة الحياة للطباعة والنشر، بيروت، 1992.
(5) – إدريس، جعفر شيخ: صراع الحضارات بين عولمة غربية وبعث إسلامي، مكتبة الملك فهد، الرياض، 2012.
(6) – الإبراهيمي، أحمد طالب: من تصفية الاستعمار إلى الثورة الثقافية 1962-1972، الشركة الوطنية للنشر والتوزيع، الجزائر، ترجمة: حنفي بن عيسى، الجزائر، 1972.
(7) – الجابري، محمد عابد: مسألة الهوِيَّة؛ العروبة والإسلام والغرب، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، ط4، 2012.
(8) – العودات، حسين: الآخر في الثقافة العربية من القرن السادس حتى مطلع القرن العشرين، دار الساقي، بيروت، ط1، 2010.
(9) – القريشي، علي: الغرب ودراسة الآخر؛ أفريقيا نموذجا، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، الدوحة، ط1، 2003.
(10) – الميداني، عبد الرحمان حسن حَبَنَّكة: أجنحة المكر الثلاثة وخوافيها؛ التبشير-الاستشراق-الاستعمار؛ دراسة وتحليل وتوجيه، دار القلم، دمشق، ط8، 2000.
(11) – النبهان، محمد فاروق: الاستشراق؛ تعريفه مدارسه آثاره، منشورات المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو)، الرباط، 2012.
(12) – النملة، علي بن إبراهيم: الالتفاف على الاستشراق؛ محاولة التنصل من المصطلح، مكتبة الملك عبد العزيز العامة، الرياض، 2007.
(13) – النملة، علي بن إبراهيم: الشرق والغرب؛ منطلقات العلاقات ومحدداتها، بيسان للنشر والتوزيع، بيروت، ط1، 2010.
(14) – بنحادة، عبد الرحيم وشگراوي، خالد: الرحلة والغيرية، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية، الرباط، ط1، 2008.
(15) – بن نبي، مالك: إنتاج المستشرقين؛ وأثره في الفكر الإسلامي الحديث، دار الإرشاد للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، ط1، 1969.
(16) – بن نبي، مالك: في مهب المعركة؛ إرهاصات ثورة، دار الفكر، دمشق، ط3، 2000.
(17) – حسين، محمد محمد: الإسلام والحضارة الغربية، دار الفتح، بيروت، ط2، 1973.
(18) – حمدان، علي: إشكالية الهوِيَّة والانتماء، المركز العربي للدراسات السياسية، سيدني، ط1، 2005.
(19) – حمود، ماجدة: إشكالية الأنا والآخر (نماذج روائية)، كتاب عالم المعرفة، منشورات المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، 2013.
(20) – درويش، أحمد: نظرية الأدب المقارن وتجلياتها في الأدب العربي، دار غريب للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة، 2002.
(21) – رزوق، محمد: الأندلسيون وهجراتهم إلى المغرب خلال القرنين 16-17، أفريقيا الشرق، الدار البيضاء، 1998.
(22) – سليمان، نبيل: وعي الذات والعالم، دار الحوار للنشر والتوزيع، اللاذقية، ط1، 1985.
(23) – كاظم، نادر: تمثيلات الآخر؛ صورة السود في المتخيل العربي الوسيط، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، ط1، 2004.
(24) – معاليقي، منذر: الاستشراق في الميزان، المكتب الإسلامي، بيروت، ط1، 1997.
(25) – منصور، خيري: الاستشراق الوعي السالب، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، ط2، 2005.
2-المراجع المترجمة:
(1) – تودوروف، تزفيتان: الخوف من البرابرة؛ ما وراء صدام الحضارات، ترجمة: جان ماجد جبور، هيئة أبو ظبي للثقافة والتراث (كلمة)، أبو ظبي، ط1، 2009.
(2) – دوبار، كلود: أزمة الهوِيَّات؛ تفسير تحول، ترجمة: رندة بعث، المكتبة الشرقية، بيروت، ط1، 2008.
(3) – رايلي، كافين: الغرب والعالم، القسم الأول، ترجمة: عبد الوهاب محمد المسيري وهدى عبد السميع حجازي، كتاب عالم المعرفة، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، 1985.
(4) – رايلي، كافين: الغرب والعالم، القسم الثاني، ترجمة: عبد الوهاب محمد المسيري وهدى عبد السميع حجازي، كتاب عالم المعرفة، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، 1986.
(5) – ساردار، ضياء الدين: الاستشراق؛ صورة الشرق في الآداب والمعارف الغربية، ترجمة فخري صالح، هيئة أبو ظبي للسياحة والثقافة (مشروع كلمة)، أبو ظبي، ط1، 2012.
(6) – سعيد، إدوارد: الاستشراق؛ المفاهيم الغربية للشرق، ترجمة: محمد عناني، رؤية للنشر والتوزيع، القاهرة، ط1، 2006.
(7) – سنغاس، دييتر: الصدام داخل الحضارات؛ التفاهم بشأن الصراعات الثقافية، ترجمة: شوقي جلال، دار العين للنشر، الإسكندرية، ط1، 2008.
(8) – فوك، يوهان: تاريخ حركة الاستشراق؛ الدراسات العربية والإسلامية في أوروبا حتى بداية القرن العشرين، ترجمة: عمر لطفي العالم، دار المدار الإسلامي، بنغازي، ط2، 2001.
(9) – كرانغ، مايك: الجغرافيا الثقافية؛ أهمية الثقافة في تفسير الظواهر الإنسانية، ترجمة: سعيد منتاق، كتاب عالم المعرفة، منشورات المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، 2005.
(10) – ميكيل، أندريه: جغرافية دار الإسلام البشرية؛ حتى منتصف القرن الحادي عشر، الجزء الثالث، القسم الثاني، ترجمة: إبراهيم خوري، منشورات وزارة الثقافة والإرشاد القومي، دمشق، 1993.
3-المجلات:
(1) – بلخيرة، محمد: براديغمات العلاقات الدولية المعاصرة؛ المركزية الغربية نموذجا، مجلة “الأكاديمية للدراسات الاجتماعية والإنسانية”، العدد 10، 2013.
(2) – عبد الحميد، سعد زغلول: الحياة الدينية في المدينة الإسلامية، مجلة “عالم الفكر”، الكويت، عدد أفريل-ماي-جوان 1980.
4-المراجع الأجنبية:
(1)- Amin, Samir : L’eurocentrisme, critique d’une idéologie, Anthropos-Economica, Paris, 1988.
(2)- Çelebi, Barbara Dell’ Abate : Orientalisme et identité de genre dans les écrits de voyage de Cristina di Belgiojoso, Synergies Turquie n° 5 – 2012.
(3)- Dussel, Enrique : Europe, Modernity, and Eurocentrism ; The Semantic Slippage of the Concept of ‘‘Europe’’, Nepantla : Views from South 1.3, Duke University Press, 2000.
(4)- Innocenti, Clara : Construction identitaire en situation coloniale, Colloque «Migration et identité », Université de FRIBOURG, Décembre 2011.
5-مواقع الإنترنت:
(1) – إبراهيم، عبد الله: التمركز والتمثيل السردي للآخر (الأدب الجغرافي أنموذجا)، مجلة “التسامح” الإلكترونية: www.altasamoh.net، بتاريخ: 10/11/2012.
(2) – بلقيدوم، عبد الحق: الأدب الجغرافي العربي؛ المفهوم، الأنماط والتطور، مجلة أنفاس الإلكترونية: www.anfasse.org، بتاريخ: 10 فيفري 2017.
(3) – بلقيدوم، عبد الحق: مملكة الإسلام من خلال الأدب الجغرافي العربي، مجلة أنفاس الإلكترونية: www.anfasse.org، بتاريخ: 24 فيفري 2017.
(4) – حما، الحسن: المركزية الغربية؛ أسئلة في الدعائم الفلسفية والمرجعية، موقع “الشهاب”: www.chihab.net، بتاريخ: 11/07/2016.
(5) – عماوي، إياد: الأنا والآخر ودورها في رسم وتحديد العلاقة بين الوطن العربي والغرب، موقع المنشاوي للدراسات والبحوث: www.minshawi.com، بتاريخ: 30/08/2014.
(6) – موقع: www.wikipedia.org
[1] . ماجدة حمود: إشكالية الأنا والآخر (نماذج روائية)، كتاب عالم المعرفة، منشورات المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، 2013، ص09.
[2] . عبد الله إبراهيم: التمركز والتمثيل السردي للآخر (الأدب الجغرافي أنموذجا)، مجلة “التسامح” الإلكترونية: www.altasamoh.net، بتاريخ: 10/11/2012.
[3] . حسين العودات: الآخر في الثقافة العربية من القرن السادس حتى مطلع القرن العشرين، دار الساقي، بيروت، ط1، 2010، ص22.
[4] . كلود دوبار: أزمة الهوِيَّات؛ تفسير تحول، ترجمة: رندة بعث، المكتبة الشرقية، بيروت، ط1، 2008، ص42.
[5] . عبد الرحيم بنحادة وخالد شگراوي: الرحلة والغيرية، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية، الرباط، ط1، 2008، ص07.
[6] . دييتر سنغاس: الصدام داخل الحضارات؛ التفاهم بشأن الصراعات الثقافية، ترجمة: شوقي جلال، دار العين للنشر، الإسكندرية، ط1، 2008، ص10.
[7] . عبد الله إبراهيم: المطابقة والاختلاف؛ بحث في نقد المركزيات الثقافية، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، ط1، 2004، ص07.
[8] . عن مفهوم الأدب الجغرافي ينظر: عبد الحق بلقيدوم: الأدب الجغرافي العربي؛ المفهوم، الأنماط والتطور، مجلة أنفاس الإلكترونية: www.anfasse.org، بتاريخ: 10 فيفري 2017.
[9] . مايك كرانغ: الجغرافيا الثقافية؛ أهمية الثقافة في تفسير الظواهر الإنسانية، ترجمة: سعيد منتاق، كتاب عالم المعرفة، منشورات المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، 2005، ص89.
[10] . ينظر: علي بن إبراهيم النملة: الشرق والغرب؛ منطلقات العلاقات ومحدداتها، بيسان للنشر والتوزيع، بيروت، ط1، 2010.
[11] . عن مفهوم مملكة الإسلام ينظر: عبد الحق بلقيدوم: مملكة الإسلام من خلال الأدب الجغرافي العربي، مجلة أنفاس الإلكترونية: www.anfasse.org، بتاريخ: 24 فيفري 2017.
[12] . عبد الله إبراهيم: التمركز والتمثيل السردي للآخر.
[13] . المرجع نفسه.
[14] . نادر كاظم: تمثيلات الآخر؛ صورة السود في المتخيل العربي الوسيط، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، ط1، 2004، ص113.
[15] . أبو القاسم محمد بن علي بن حوقل: صورة الأرض، (دون تحقيق)، دار مكتبة الحياة للطباعة والنشر، بيروت، 1992، ص19.
[16] . نادر كاظم: المرجع السابق، ص114.
[17] . جعفر شيخ إدريس: صراع الحضارات بين عولمة غربية وبعث إسلامي، مكتبة الملك فهد، الرياض، 2012، ص26.
[18] . عبد الله إبراهيم: المرجع السابق.
[19] . أندريه ميكيل: جغرافية دار الإسلام البشرية؛ حتى منتصف القرن الحادي عشر، الجزء الثالث، القسم الثاني، ترجمة: إبراهيم خوري، منشورات وزارة الثقافة والإرشاد القومي، دمشق 1993، ص214.
[20] . عبد الله إبراهيم: المرجع نفسه.
[21] . سعد زغلول عبد الحميد: الحياة الدينية في المدينة الإسلامية، مجلة عالم الفكر، عدد أفريل، ماي، جوان 1980، الكويت، ص31.
[22] . عبد الله إبراهيم: المرجع السابق.
[23] . حسين العودات: المرجع السابق، ص25.
[24] . سورة آل عمران، الآية 19.
[25] . إياد عماوي: الأنا والآخر ودورها في رسم وتحديد العلاقة بين الوطن العربي والغرب، موقع المنشاوي للدراسات والبحوث: www.minshawi.com، بتاريخ: 30/08/2014.
[26] . عبد الله إبراهيم: المرجع نفسه.
[27] . عبد الله إبراهيم: المطابقة والاختلاف، ص22.
[28] . Enrique Dussel : Europe, Modernity, and Eurocentrism ; The Semantic Slippage of the Concept of ‘‘Europe’’, Nepantla : Views from South 1.3, Duke University Press, 2000, p465.
[29] . Ibid, p467.
[30] . عبد الله إبراهيم: المرجع نفسه، ص22.
[31] . المرجع نفسه، ص22.
[32] . محمد بلخيرة: براديغمات العلاقات الدولية المعاصرة؛ المركزية الغربية نموذجا، الأكاديمية للدراسات الاجتماعية والإنسانية، العدد 10، 2013، ص77.
[33] . تعريف “المركزية الأوروبية” من موقع: www.wikipedia.org، بتاريخ: 15/02/2015
[34] . عبد الله إبراهيم: المحاورات السردية، منشورات الاختلاف، دار الأمان، الدار العربية للعلوم ناشرون، الجزائر/الرباط/بيروت، ط1، 2011، ص177.
[35] . الحسن حما: المركزية الغربية؛ أسئلة في الدعائم الفلسفية والمرجعية، موقع “الشهاب”: www.chihab.net، بتاريخ: 11/07/2016.
[36] . المرجع نفسه.
[37] . المرجع نفسه.
[38] . المرجع نفسه.
[39] . Samir Amin : L’eurocentrisme, critique d’une idéologie, Anthropos-Economica, Paris, 1988, p08.
[40] . عبد الله إبراهيم: المطابقة والاختلاف، ص22.
[41] . نبيل سليمان: وعي الذات والعالم، دار الحوار للنشر والتوزيع، اللاذقية، ط1، 1985، ص06.
[42] . Samir Amin : Ibid, p51.
[43] . Ibid, p08.
[44] . عبد الله إبراهيم: المرجع السابق، ص29.
[45] . مايك كرانغ: الجغرافيا الثقافية، ص90.
[46] . دييتر سنغاس: الصدام داخل الحضارات، ص10.
[47] . تزفيتان تودوروف: الخوف من البرابرة؛ ما وراء صدام الحضارات، ترجمة: جان ماجد جبور، هيئة أبو ظبي للثقافة والتراث (كلمة)، أبو ظبي، ط1، 2009، ص19.
[48] . المرجع نفسه، ص19.
[49] . علي القريشي: الغرب ودراسة الآخر؛ أفريقيا نموذجا، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، الدوحة، ط1، 2003، ص23.
[50] . أحمد طالب الإبراهيمي: من تصفية الاستعمار إلى الثورة الثقافية 1962-1972، الشركة الوطنية للنشر والتوزيع، الجزائر، ترجمة: حنفي بن عيسى، الجزائر، 1972، ص15.
[51] . كافين رايلي، الغرب والعالم، القسم الثاني، ترجمة: عبد الوهاب محمد المسيري وهدى عبد السميع حجازي، كتاب عالم المعرفة، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، 1986، ص82.
[52] . المرجع نفسه، ص82.
[53] . محمد رزوق: الأندلسيون وهجراتهم إلى المغرب خلال القرنين 16-17، أفريقيا الشرق، الدار البيضاء، 1998، ص50.
[54] . عبد الرحمان حسن حَبَنَّكة الميداني: أجنحة المكر الثلاثة وخوافيها؛ التبشير-الاستشراق-الاستعمار؛ دراسة وتحليل وتوجيه، دار القلم، دمشق، ط8، 2000، ص53.
[55] . محمد عابد الـجابري: مسألة الهوِيَّة؛ العروبة والإسلام والغرب، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، ط4، 2012، ص119، وينظر: كافين رايلي: الغرب والعالم، القسم الأول، ترجـمة: عبد الوهاب مـحمد الـمسيري وهدى عبد السميع حجازي، كتاب عالم المعرفة، الـمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، 1985، ص194.
[56] . محمد عابد الجابري: المرجع نفسه، ص126.
[57] . إدوارد سعيد: الاستشراق؛ المفاهيم الغربية للشرق، ترجمة: محمد عناني، رؤية للنشر والتوزيع، القاهرة، ط1، 2006، ص85.
[58] . Barbara Dell’ Abate Çelebi : Orientalisme et identité de genre dans les écrits de voyage de Cristina di Belgiojoso, Synergies Turquie n° 5 – 2012, p42.
[59] . أحمد درويش: نظرية الأدب المقارن وتجلياتها في الأدب العربي، دار غريب للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة، 2002، ص123.
[60] . إدوارد سعيد: المرجع نفسه، ص86.
[61] . ضياء الدين ساردار: الاستشراق؛ صورة الشرق في الآداب والمعارف الغربية، ترجمة فخري صالح، هيئة أبو ظبي للسياحة والثقافة (مشروع كلمة)، أبو ظبي، ط1، 2012، ص09.
[62] . محمد فاروق النبهان: الاستشراق؛ تعريفه مدارسه آثاره، منشورات المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو)، الرباط، 2012، ص128.
[63] . محمد عابد الجابري: المرجع السابق، ص128.
[64] . خيري منصور: الاستشراق الوعي السالب، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، ط2، 2005، ص137.
[65] . منذر معاليقي: الاستشراق في الميزان، المكتب الإسلامي، بيروت، ط1، 1997، ص61.
[66] . ينظر: يوهان فوك: تاريخ حركة الاستشراق؛ الدراسات العربية والإسلامية في أوروبا حتى بداية القرن العشرين، ترجمة: عمر لطفي العالم، دار المدار الإسلامي، بنغازي، ط2، 2001.
[67] . مالك بن نبي: إنتاج المستشرقين؛ وأثره في الفكر الإسلامي الحديث، دار الإرشاد للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، ط1، 1969، ص25، وينظر: علي بن إبراهيم النملة: الالتفاف على الاستشراق؛ محاولة التنصل من المصطلح، مكتبة الملك عبد العزيز العامة، الرياض، 2007، ص55.
[68] . عبد الرحمان حسن حَبَنَّكة الميداني: أجنحة المكر الثلاثة وخوافيها، ص54.
[69] . مالك بن نبي: في مهب المعركة؛ إرهاصات ثورة، دار الفكر، دمشق، ط3، 2000، ص19.
[70] . المرجع نفسه، ص18.
[71] . Clara Innocenti : Construction identitaire en situation coloniale, Colloque «Migration et identité », Université de FRIBOURG, Décembre 2011.
[72] . مالك بن نبي: المرجع نفسه، ص26.
[73] . علي حمدان: إشكالية الهوِيَّة والانتماء، المركز العربي للدراسات السياسية، سيدني، ط1، 2005، ص16.
[74] . خيري منصور: الاستشراق الوعي السالب، ص187.
[75] . عبد الله إبراهيم: المحاورات السردية، ص177.
[76] . المرجع نفسه، ص177.
[77] . المرجع نفسه، ص177.
[78] . محمد محمد حسين: الإسلام والحضارة الغربية، دار الفتح، بيروت، ط2، 1973، ص55.
[79] . Elisabeth Chalier-Visuvalingam : Littérature et altérité, op.cit, p133.
[80] . ماجدة حمود: إشكالية الأنا والآخر، ص14.
[81] . مالك بن نبي: المرجع السابق، ص27.
[82] . عبد الله إبراهيم: المركزية الغربية؛ إشكالية التكون والتمركز حول الذات، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء/بيروت، ط1، 1997، ص33.