
رُؤَى دوستويفسكي الجَمَاليّة
إعداد: ناظم وهبي الديبو (طالب ماجستير دراسات عليا). بإشراف: أ.د. أحمد سيف الدين (أستاذ في قسم اللّغة العربيّة – جامعة البعث). مقال نشر في مجلة جيل الدراسات الادبية والفكرية العدد 48 الصفحة 99.
ملخّص البحث:يهدف هذا البحث إلى تقديم الرؤى الجماليّة للأديب الروسي المفكّر والفيلسوف ف. م. دوستويفسكي، هذه الرؤى التي تجلت في رواياته، ولا سيما في «الأبله» و«الإخوة كارامازوف» و«الشياطين» على الترتيب. وقد تمّ عرض هذه الرؤى في محاورَ خمسة، ويمكننا بيان سيرورة ومضامين هذه المحاور كالآتي:
- المحور الأوّل: (الجمال حاجة)؛ يبيّن مدى حاجة الإنسان إلى الجمال كضرورة لاستمراره.
- المحور الثاني: (الجمال لغز ووعي)؛ يوضح مفهوم الجمال لدى دوستويفسكي، كما يشير إلى كون الجمال وعياً عميقاً وإدراكاً حادّاً.
- المحور الثالث: (الجمال كمال وانسجام)؛ يتحدّث عن علاقة الجمال بالكمال والانسجام كشرطين ضروريّين للجمال حتّى يكون فعّالاً.
- المحور الرابع: (الجمال عذاب)؛ في هذا المحور نبيِّن كيف يكون الجمال عذاباً؛ عذاباً في الوصول والحصول عليه، وعذابًا لصاحبه؛ وذلك إن كان جمالاً غيرَ كاملٍ أو ملوّثاً.
- المحور الخامس: (الجمال قوّة إنقاذ وبناء)؛ هنا نشرح كيف يكون الجمال قوّة تخليص، كما أنّنا نذكر الشروط التي يجب أن تتوفّر فيه ليكون كذلك.
الكلمات المفتاحيّة (Key words):
أدب – رواية – رؤيا – جمال – قيْمة – محبّة – انسجام (هارمونيا) – تطهير – إنقاذ.
المقدّمة:
إنّ الأدب الروسي أدب قد أخذ مكانه بين آداب العالم، ومن المعلوم أنّ هذا الأدب هو أدب إنساني بامتياز، ومعلوم -أيضاً- أنّه أدب ينزع إلى أنسنة الثقافة العالمية، وبناءً على هذا لا غرْوَ أن نجد لدى أبرز روّاد هذا الأدب (فيودور دوستويفسكي) نزوعاً إنسانيّاً فلسفيّاً، ونحن في هذا البحث سنبرز اعتناءه بالجانب الجمالي بشكل خاص.
إنّ الإشكاليّة التي يشتغل عليها هذا البحث والفرضيّة التي يعمل على إثبات صحّتها يمكن أن تتّضح بوِساطة أسئلة عدّة يطرحها هذا البحث، وهذه الأسئلة هي:
- ما هو مفهوم الجمال من منظور دوستويفسكي؟
- ما مدى أهميّة الثقافة الجماليّة في رفع سويّة المجتمع الإنسانيّ؟
- إلى أيّ مدى تمتلك رؤى دوستويفسكي الجمالية القدرة على تنمية وعينا الجماليّ؟
- ما الطريقة التي قدّم بها دوستويفسكي رؤاه الجماليّة؟
وهذه الأسئلة سيجاب عليها في أثناء البحث، كما أنّها ستصاغ كنتائجَ مكثّفة في خاتمته.
وفيما يخصّ منهج البحث، فإنّه قد أصبح من المسلَّم به أن أيّ اشتغال نقديّ على نصّ ما لا يمكن أن يكون اشتغالاً موضوعيّاً إذا ما قيَّد نفسه بمنهج واحد، وتجاهل المناهج الأخرى؛ لذا تركنا طبيعة البحث هي التي تحدّد مناهجه، وعموماً يمكن القول: إنّ الدراسة الجماليّة غالباً ما تكون أقرب إلى المقاربة الفلسفيّة. كما أنّنا نزعم أنّ هذا البحث المتواضع ينماز بجِدته وراهنيته، وكذلك بأصالته العلميّة.
التمهيد:
ليس بخافٍ النزوع الفلسفيّ لدى دوستويفسكي وبالتالي ليس مستغرَباً أن نجدَ لديهِ رؤى جماليّة؛ أفلم يجعل ((باومغارتن علمَ الجمال (…) فرعاً من الفلسفة))؟([1])
ونريد أن نشيرَ ها هنا إلى أنّ دالّ الجمال يفتح الأبواب على مدلولات متعدّدة بتعدّد المجالات التي يُستعمَل فيها هذا الدالّ؛ فالجمال في مجال الفلسفة يختلف عنه في مجال الطبّ أو العمارة أوغيرهما، لذا ارتأينا أن نوضحَ معنى (الجمال) لغةً واصطلاحاً؛ فقد جاء في (لسان العرب) عن الجمال: ((الجمال: مصدر الجميل، الفعل جَمُل، وقوله عز وجل: “ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون”([2])؛ أي بهاء وحسْن، ابن سِيْدهْ؛ الجمال الحسْن يكون في الفعل والخلُق)).([3]) أمّا اصطلاحاً فقد جاء في المعجم الفلسفيّ: الجمال: صفة في الأشياء تبعث في النفس سروراً ورضاً، وهو تناسُبٌ واعتدالٌ يُريحانِ النفس، والجميل يكون متوازناً منسجماً؛ بحيث يميل إليه الطبع وتقبله النفس.([4])
كما نريد أن نشير هنا إلى استعمالنا مصطلحَ (رؤى) الذي مفرده (رؤيا) وليس (رؤية)؛ إذ إنّ الأُولى تكون عقليّة أو فكريّة وتُنسَب على (رؤياوي) أما الثانية فهي آلية بصرية وتنسب على (رؤيوي).
بالإضافة إلى هذا وذاك نودّ أن نقدّم تعريفاً موجزاً بدوستويفسكي: اسمه الكامل هو فيودور ميخايلوفيتش دوستويفسكي Фёдор Миха́йлович Достое́вский. وُلد في موسكو، وعاش بين عامَي 1821 – 1881م. وهو من أعظم الروائيّين الروس في القرن التاسعَ عشرَ، وعلى الرغم من اهتمامه بالأدب في سنّ مبكّرة، إلّا أنّه درس الهندسة العسكريّة في بطرسبرغ، ثمّ عاد إلى الأدب، حيث حقّق نجاحاً في روايته الأولى «أناس فقراء» 1846م. ثمّ تتالت رواياته، وأشهرها «الجريمة والعقاب» 1866م، «الأبله» 1869م، «رجل السرداب» 1871م، «الشياطين» 1872م، «الإخوة كارامازوف» 1880م، وهي آخر رواياته.([5])
أوّلاً- الجمال حاجة:
“تستطيع البشريّة أن تحيا بلا علم وبلا خبز، ولكنّها لا تستطيع الحياة بلا جمال”
في مقام (الجمال حاجة) نتذكّر قول أحدهم: ((لا بدّ من الجمال حيّاً كان أو حلماً))([6])، يتقاطع هذا الكلام مع قول دوستويفسكي على لسان الشيخ فيرخوفينسكي في رواية «الممسوسون»(*): ((تستطيع البشريّة أن تحيا بلا علم وبلا خبز، ولكنّها لا تستطيع أن تحيا بلا جمال. إنّ السرّ كلّه هناك وكلّ التاريخ)).([7])
من هذا الكلام نفهم مدى إصرار دوستويفسكي على كون الجمال حاجة بل ضرورة لا غنى عنها من أجل استمرار البشريّة، وقد تأكّدت هذه الفكرة جيّداً لدى دوستويفسكي في روايته (الممسوسون): حيث يقول: ((إذا احتفظت أمّةٌ بفكرةِ الجمال فهذا يعني أنّ بها حاجة للصحّة وسلامة المقاييس، وهذه الحقيقة نفسها تضمن التطوّر نحو الأفضل لهذه الأمّة)).([8])
ويؤكّد دوستويفسكي مدى حاجة الإنسان إلى الجمال واستسلامه له ((خلال مناقشة جرَت بينه وبين الناقد دوبروليوبوف متحدّثاً عن أهميّة الـمَثل الأعلى للجمال في حياة الإنسانيّة [يقول]: إنّ الحاجة إلى الجمال والإبداع المجسِّد له ترتبط دائماً بالإنسان، وبدون الجمال يفقد الإنسان رغبته بالحياة، والإنسان ظامئٌ إلى الجمال، وهو يجده ويتقبّله دون(*) شروط، وينحني الإنسان أمام الجمال باحترام وتبجيل؛ لأنّه جمال فقط، ولا يَسألُ الإنسان عن فائدته، أو عن قيمته الماديّة)).([9]) ويبيّن دوستويفسكي أنّ الحاجة إلى الجمال تشتدّ عند الإنسان المنفصل عن الواقع؛ إذ إنّه يكون في حال عدم انسجام واصطراع مع هذا الواقع، فيشعر بتعطّش ورغبة بالانسجام؛ وهذا الانسجام موجود في الجمال.([10])
ثانياً- الجمال لغز ووعي:
“أفظع ما في الجمال ليس أنّه مخيف بل أنّه سرٌّ لا يُفهم ولغز لا يُحَلُّ”
إنّ اضطّراب مفهوم (الجمال) أمر معلوم حتّى في وقتنا الراهن، وقد لمسنا هذا الأمر لدى دوستويفسكي أيضًا؛ إذ يختلط هذا المفهوم بين الشر المعبّر عنه لدى دوستويفسكي بـــــ (سدوم)(*) وبين الخير المعبر عنه بـــــ (مادونا)(*)؛ يقول ديمتري مخاطباً أخاه أليوشا في «الإخوة كارامازوف» معبراً عن كون الجمال سراً وشيئاً مخيفاً ورهيباً وأنّه مختلط بين الشرّ والخير: ((الجمال شيءٌ رهيب مخيف؛ هو رهيب لأنّه لا يُدرك ولا يٌفهم… لقد ملأ الله الأرض ألغازاً وأسراراً. الجمال! هو شطآن اللانهاية تتقارب وتختلط، هو الأضداد تتحد ويَحلُّ بينهما الوئام والسلام)).([11])
بادٍ -حسب كلام ديمتري- أنّ الرهبة في الجمال نابعة من كونه سرّاً مستعصياً على الفهم، ويعود ديمتري ليقول: ((هل في سدوم جمال؟ ثق أنّ الجمال في نظر أكثر الناس لا وجود له إلّا في الخطيئة والضياع. هل كنت تعرف هذا السر؟ أفظع ما في الجمال ليس أنّه مخيف، بل أنّه سرٌّ لا يفهم ولغز لا يُحَلّ))([12])؛ يريد ديمتري بالجمال المرتبط بالشر (سدوم) يريد به (حشرة اللذة) على حدّ تعبيره؛ أي الجمال الذي يجده الإنسان في لذّته (المتعة) هذه اللذة التي ربّما تكون بعيدةً كلَّ البعد من الخير؛ إذاً ((وجود حشرة اللذة هذه (…) يبدو أنّه يلقي ظلال الشكّ على مثال الجمال، فربّما لم يكن انجذاب الإنسان إلى الجمال طاهراً ونزيهاً)).([13]) وفي مقام الحديث عن غموض الجمال نشير -أيضاً- إلى جمال ناستاسيا فيليبوفنا وآجلايا إيفانوفا اللتين كانتا تتمتّعانِ بجمال جسديٍّ رائع، هذا الجمال الذي ما إن بدا لباصرة الأمير ميشكين حتّى أدهشه، فبدأ يتأمّله ويتفحّصه؛ فعندما رأى ميشكين صورة ناستاسيا، كان أثرها فيه كبيراً ، فعاد إليها يتفحّصها مرّة ً أخرى، وكأنّها لغزٌ متخفٍّ يريد حلّه، وهذه الأحجية التي يلقيها جمال ناستاسيا يتضمّنها لقب ((الغامضة)) ((Dvosmyslennyy)) الذي غالباً ما وصفت به، وكذلك فإنّ ثمّة لغزاً في جمال آجلايا([14]) ويمكن أن نؤكّد هذا بشاهدين من رواية «الأبله» يدلّان على كون الجمال شيئاً رهيباً مخيفاً ولغزاً؛ يقول ميشكين: ((أنت آية من الجمال يا آجلايا إيفانوفا، إنّك تبلغين من الجمال أن المرء لا يجرؤ أن ينظر إليك)) ([15])، وعندما سُئل عن رأيه في جمالها قال: ((يصعب على المرء أن يقضي في الجمال برأيي، لم أتهيّأ لهذا بعد، الجمال لغز)).([16]) إنّ هذا الذهول في مقام الجمال والعجز عن الحكم الارتجالي عليه دليل كافٍ على كون الجمال لغزاً. أما عن كوْن (الجمال وعياً) فقد ظهرت هذه الفكرة لدى دوستويفسكي بوصفه مفكراً جمالياً صاغ تجربته الفكرية صياغة جمالية ولاسيما في روايته «الأبله» «Idiot»؛ إذ نلحظ أنّ ((هذا الجمال هو “وعي للذات” (…) إنه حالة من أعلى حالات الوعي، يشعر خلالها ميشكين -[بطل رواية الأبله]- بالحياة شعوراً حادّاً. إنّ مِثل حالة الإدراك المحتدّ هذه التي تحدُث بالتأثير الصوفي للجمال هي التي يبشر بها ميشكين (…) هذه اللحظة التي يدعو فيها إلى النظر وإلى تذوق جمال العالم الخارجي للوصول إلى السعادة والاطمئنان إلى كل الموجودات تنقطع بوقوعه في نوبة صرع([17]) إن حالة الانسجام والجمال التي يتلمَّحها ميشكين في لحظة وعيه المحتدّ قبْل نوبة الصرع هي كشفٌ أو بصِيرة (…) والبحث عن هذا الجمال هو الذي يشغله طوال الرواية)).([18])
إنّ الجمال الذي لا يفتأ الأمير ميشكين يذكّرنا بأنّه أُحجية يَعجز العقل المنطقي الرياضي عن حلّها، كان لابد لها من طريق آخر لحلّها، وكان ذلك الطريق هو ((الكشف الصوفي حيث ينكشف الجمال لميشكين أثناء فترة الهالة من الانتعاش التي تسبق نوباته)).([19]) وبإمكاننا أن نتلمّس لحظة هذا الكشف والوعي الحادّ التي كان يشعر فيها ميشكين بالجمال في رواية الأبله؛ حيث يقول دوستويفسكي:)) إن إحساساً خاصاً اجتاحه في تلك اللحظة (…) هو الشعور بتحقّق النبوءة هذا الشعور قد حاصر قلبه وملأ نفسه برهبة (…) بدا له أن كل شيء يتسع من حوله وأن الرهبة تتبدد أمام إحساس بالضياء والفرح والنشوة والوجد. انقطعت من ذلك أنفاسه… لكن ذلك لم يَدُمْ طويلاً)).([20])
إنّنا نريد أن نلمِح ها هنا إلى أمر؛ فنحن نتساءل لماذا يسقط ميشكين في نوبة صرع كلما حاول عرْض أفكاره الجمالية؟ فنجد أن هذا كله لم يأتِ عبثاً؛ إذ إنّ دوستويفسكي المفكر الفذ والروائي البارع كان يوقِع بطله في هذه النوبة؛ ليقول للقارئ: إن ميشكين عاجز عن العيش والاستمرار بحسب مقتضيات هذه الأفكار؛ فوعيه الجمالي لم يكن منسجماً؛ إذ إنه يمتلك مثالين جماليين متناقضين؛ هما ناستاسيا الساقطة وآجلايا العذراء؛ وبالأساس فإن ذيْنِكَ المثالين الجماليين ليسا كاملين ولا منسجمين؛ والانسجام هو شرط ضروري من شروط الجمال الصحي لدى دوستويفسكي، وهذا ما سنلاحظه في المبحث الآتي (الجمال كمال وانسجام).([21])
ثالثاّ- الجمال كمال وانسجام:
“الجمال متغلغلٌ في كل شيءٍ صحيٍّ سليم… إنه انسجام وهو يشتمل على ضمان الطمأنينة”
إننا بقولنا: (الجمال كمال) نريد أن نقدم رؤيا دوستويفسكي للجمال الكلي الخالص؛ حيث يشترط دوستويفكسي في الجمال أن يكون صافياً نقياً من الشائبات؛ حتى يكون قادراً على الاضطلاع بمسؤولياته. وما إن يُدنَّس هذا الجمال بأي ملوِّث، حتى يفقد قدرته على النهوض بأعبائه؛ ولإيضاح هذا الطرح نقول: إن دوستويفسكي قدم نمطين من الجمال؛ الأول: الجمال الظاهري البصري، والثاني: الجمال الباطني الأخلاقي.
وقد دعا دوستويفسكي إلى إحداث تلاؤم بين شقي الجمال الخارجي والداخلي، وهو بذلك لم يلغِ الجمال الظاهري إلا أنه قد أعطى الأهمية الكبرى للجمال الأخلاقي الروحي، ولتأكيد هذا نورد مقطعاً من «الإخوة كارامازوف» يصف فيه ميتيا(*) جمالَ فتاةٍ كان قد رآها؛ يقول: ((إنها جميلة جمالاً رائعاً، ولكن ليس وجهها الذي بدا لي جميلاً (…) لقد كانت (…) جميلةً بنُبلِ نفسِها وعظمة روحها (…)، كانت جميلةً بالتضحية التي تقدّمُها في سبيل أبيها)).([22])
فنحن نلاحظ أن دوستويفكسي ((لم يَسِم بطلاتِه إلا بجمال روحي صرْف، وعندما يكون الأمر على عكس ذلك، فإنّ ذلك الطعم الجسدي الذي يَحمِلْنه يكون بالنسبة لهنّ عِبئاً ثقيلاً))([23])؛ فنحن نجد في «الأبله» ناستاسيا وآجلايا(*) اللتين كانتا تتمتعان بجمال جسدي رائع، إلا أن هذا الجمال قد أهلكهما؛ لأنهما تفتقران إلى الجمال الروحي الأخلاقي. بينما نجد في «الجريمة والعقاب» سونيا تلك الفتاة التي كانت تمتلك جمالاً روحياً، وقد أنقذها هذا الجمال بالرغم من عدم امتلاكها جمالاً جسدياً. كما نجد في الرواية نفسها مثالاً للجمال المتوازن الذي يتكامل فيه الجمال الجسدي مع الجمال الأخلاقي وذلك في شخصية دونيا، هذا الجمال المتكامل كان قادراً على إنقاذها أيضاً.
وقد آخى دوستويفسكي بين الجمال والانسجام؛ إذ إن ذلك الاعتدال والتوازن (الانسجام) يبعث الشعور بالجمال، وهذا الجمال بدَوره يحقّق الطمأنينة للإنسان؛ ((ولقد كتب دوستويفسكي ذاتَ مرة في (فريميا(*) سنة 1864): الجمال متغلغل في كل شيءٍ صحي سليم… إنه انسجام وهو يشتمل على ضمان الطمأنينة))([24])؛ إذاً ((فالانسجام ملازم للجمال (…)، والجمال يبعث إحساساً بالاعتدال والطمأنينة، إنه بكلمة أخرى المِزاج الشديد الهدوء الذي اكتشفته آجلايا في فلسفة ميشكين)).([25])
وفي هذا الصدد يشار إلى أن فكرة الانسجام هذه لم تتحقّق حتى عند بطل رواية «الأبله» (الأمير ميشكين) وهذا ما يفسّر لنا المصير المأساوي الذي أوصله إليه دوستويفسكي. إنّ عدم الانسجام لدى ميشكين يظهر في التعارض بين أفكاره السامية وحركته المضطربة؛ ((فمن الناحية الجسدية يفتقر الأمير إلى اللطف والرشاقة؛ فحركاته كثيراً ما وصفت بأنها خبط عشواء كما أن هندامه المشوش يلفت النظر (…)، إن ميشكين ذاته يقرّ بأنه يفتقر إلى المناقب التي يمجدها))([26])؛ فها هو ميشكين يقول معبّراً عن خوفه من عدم الانسجام بين فِكْره وحركته. ((ما زِلْتُ أخشى أن تُفسِد هيئتي المضحكةُ فِكْري (…)؛ إن حركاتي وإشاراتي غيرُ موفَّقة، إنها تجيءُ في غير وقتها وأوانها، فتثير الضحك وتُفسِد الفكرة، يَنقُصني أيضاً حسْنُ الاعتدال والقصْد، وذلك أمرٌ خطير، بل هو أخطر شيءٍ)).([27])
ونحن نلتمس براعة دوستويفسكي في توظيف أسماء شخوصه في التعبير عن فكرته؛ فاسم (الأمير ليف ميشكين) لم يأتِ عبثاً؛ فهو يُعبِّر عن ذلك الاضطراب واللاانسجام لدى ميشكين؛ حيث إن ثمة تعارضاً بين أجزاء هذا الاسم؛ إذ إن (ليف) تعني (الأسد)؛ و(ميش) تعني (الفأر)؛ فكيف يجتمع (الأمير الأسد) من جهة مع (الفأر) من جهة أخرى؟!([28])
ما نريد أن نقوله ها هنا: إن دوستويفكسي أكّد على التماهي بين الجمال والانسجام؛ حتى لكأنهما صارا شيئاً واحداً، وبناءً عليه فإن أيّ جمال خالٍ من الانسجام لا يمكن عدُّه جمالاً حقيقياً (فعَّالاً)، وبالتالي فإنّ مصير من يحمل هذا الجمال الناقص سيكون مصيراً تراجيدياً.
رابعاً- الجمال عذاب:
“لا بدّ من العذاب للوصول إلى الجمال”
ربما يكون مستغرَباً اجتماع الجمال والعذاب، ولكن ذلك أمر لابدّ منه بالنسبة لدوستويفسكي؛ حتى لقد رُسِمت في ذاكرة دوستويفسكي منذ الطفولة صورة (بستان المرضى)؛ إذ كان يتأمل في هذين النقيضين المجتمعين آلام البشر وعذابهم إلى جانب جمال الطبيعة المتمثل في (البستان) كان يفصل بين بيت دوستويفكسي الطفل وبين (بستان المرضى) سياجٌ عالٍ، إلا أنه لم يقوَ على الحيلولة بينه وبين جمال الطبيعة وعذاب الإنسان؛ إذ كان يتسلل إلى ذلك البستان بالرغم من تهديد والده له بالعقاب إن كرر هذا السلوك، إلا أن دوستويفسكي كان يرحب بهذا العقاب؛ وكأنه وجد فيه عذاباً يقربه من المعذبين الذين يعيشون وسْط الجمال! ولعل هذه المفارقة قد أوحت إليه منذ الصغر بأنه لابدّ من العذاب للوصول إلى الجمال.([29])
إن الجمال لدى دوستويفسكي مرتبطٌ بالعذاب؛ إنه عذاب يكابده الإنسان في طريقه إلى الجمال؛ حيث يخوض صراعاً مع ذاته ومع الآخر في بحثه عن مَثله الجمالي الأعلى؛ وهذا ما حدَث مع الأمير ميشكين في «الأبله»، وذلك في علاقته المضطربة بين ناستاسيا وآجلايا تلك العلاقة المطبوعة بالعذاب الذي نشأ بسبب الاختلاف والتفاوت في تجسُّدات الجمال في النساء اللواتي يبحث فيهن عن مَثله الجمالي الأعلى، وهو لم يصل إلى مَثلٍ جماليٍّ واحد، إنما ظل متأرجحاً بين ناستاسيا المرأة الساقطة وآجلايا الفتاة العذراء.([30]) ومما كان يعذبه -أيضاً- عدم الانسجام بين أفكاره الجمالية الراقية وبين سلوكه الحركي المضطرب.
كذلك فإن الجمال الملوّث يسبب عذاباً لصاحبه؛ أفليس الذي قتلَ ناستاسيا هو جمالها الملطخ بالعار؟! ولنستمعْ إلى ما يقوله ميشكين، وهو يتأمل صورة ناستاسيا شاعراً بالعذاب الذي يحمِله وجهُها الجميل: ((في هذا الوجه ألمٌ كبير وعذابٌ عظيم…)).([31]) إن مصدر العذاب في جمال ناستاسيا وآجلايا هو أن جمالهما لم يحقق شروط (التكامل والتوازن والانسجام)؛ لذلك أمسى عذاباً لهما؛ وعذابُ ناستاسيا وشقاؤها واضحان أكثر مما هما عند آجلايا، والفرق بينهما أن ناستاسيا -بالرغم من كِبَر قلبها- تفتقر إلى العقل،([32]) ولنستمعْ إلى حديث ناستاسيا مع آجلايا في رواية «الأبله» ،تقول ناستاسيا: ((إن الحمقاء التي لها قلبٌ وليس لها ذكاء، لا تقلُّ شقاءً عن حمقاءَ لها ذكاءٌ وليس لها قلب، هذه حقيقة قديمة؛ فأنا الحمقاء التي لها قلب وليس لها ذكاء، وأنت الحمقاء التي لها ذكاء وليس لها قلب، وذلك هو السبب في أننا كلتينا شقيّتان، وفي أننا كلتينا نتألّم ونتعذب)).([33])
إذاً يريد دوستويفسكي أن يقول لنا: إنّ الجمال إنْ لم يحقّق شروط (التكامل والتوازن والانسجام)، فلن يكون اطمئناناً وسعادة لصاحبه، بل سيكون عذاباً وهلاكاً؛ والذي يؤكد قولَنا هذا هو مصير ميشكين وناستاسيا وآجلايا المأساوي.
خامساً- الجمال قوةُ إنقاذٍ وبناءٍ:
“الجمال سينقذ العالم”
هذا هو شِعار الأمير ميشكين في رواية «الأبله»، ونحن نتساءل -بعد أن وصلنا إلى المحطة الأخيرة في هذا البحث-: ما الجمال الذي سينقذ العالم؟ ما نوعه، وكيف سينقذ العالم؟ : إن الجمال الذي سينقذ العالم -حسب رؤيا دوستويفسكي- هو جمال التواضع؛ أوليس دوستويفسكي هو من أطلق النداء الآتي: ((ارضَخْ أيها الإنسان المتشامخ))([34])؛ إن هذا النداء موجَّه إلى الذات وإلى الآخر في آنٍ واحد، إنه نداءٌ يحمل معانيَ عدة منها: تذويب (الأنا) الفردية في (أنا) الجماعة؛ ليحدث ذلك الادِّغام والانسجام الذي طالما ركّز عليه دوستويفسكي كشرط من شروط الجمال الفعَّال.
إن ميشكين يركز على فكرة التواضع كقوة جمالية قادرة على الإنقاذ؛ فبعد أن أطلق شعاره الأول: (الجمال سينقذ العالم) أعقبه بشِعار ثانٍ هو: (التواضع قوّة هائلة). وقد ركّز دوستويفسكي على أهمية هذه المقولة وثبتها في رواية «الأبله»، حتى إنه يمكن تحسس هذه الفكرة في اسم الأمير ميشكين نفسه؛ فقد أشرنا سابقاً إلى أن اسم (الأمير ليف ميشكين) يعني: (الأمير الأسد الفأر)، وهو بالإضافة إلى ذلك رجل أبله؛ فإنه لَمِن المدهش أن تجتمع الإمارة والأسد من جهة مع الفأر والبلاهة من جهة ثانية!؛ ولكن هذا لم يكن عبثاً، إنما كان مقصوداً من قِبَل دوستويفكسي؛ وذلك ليقول لنا: إن اسم ميشكين ومركزه الاجتماعي كليهما صفتان ضروريتان عند تصوير ميشكين؛ إذ توحيان بأنه تجسيد لقوة التواضع الهائلة؛ إن هذا التواضع قد أوصله إلى الإمارة، وإن الفأر أسد في الحقيقة، وإن أدنى الأخلاق هي العليا؛ هذا هو التواضع الذي يجعل الإنسان خادماً للإنسانية، وهذا ما لمسناه لدى ميشكين وفيرا ليبيديف في «الأبله».([35])
كذلك فإنّ الجمال الذي سينقذ العالم هو جمال المحبّة والتضحية والإيمان؛ محبّةِ الحياة والأرض والناس؛ هذه المحبّة التي وجدناها لدى كلٍّ من ديمتري وأليوشا وإيفان في «الإخوة كارامازوف» وكذلك لدى كيريللوف في «الشياطين» وأيضاً عند ميشكين في «الأبله»؛ إذ كانوا جميعاً يرَون في الطبيعة أملاً، ويجدون فيها باعثاً على الحياة، حتى في ورقة الشجر، وكذلك في أعين الأطفال كانوا يتحسّسون الجمال والسعادة؛ فها هو ميشكين يقول: ((اعلموا أنني لا أفهم أن يمرّ امرؤٌ بشجرة دون أن يشعر لمرآها بالسعادة، أو أن يكلّم إنساناً دون أن يسعد بحبه (…) ما أكثر الأشياء الجميلة التي نراها! (…) والتي يحس بجمالها أيُّ إنسان مهما يكن متدنيّاً، انظروا إلى الطفل، انظروا إلى فجر الإله الخالق، انظروا إلى العشب الذي ينبتُ في الأرض، انظروا إلى الأعين التي تتأمّلكم وتحبّكم…)).([36]) إنّ عاطفة المحبّة هذه تعدّ طاقةً جمالية تشحن الإنسان بقوة تُعيْنه على الاستمرار، وهذا ما حدَث مع إيفان في «الإخوة كارامازوف» الذي أنقذته محبته ولو إنقاذاً جزئياً؛ وقد تنبّه أخوه أليوشا إلى ((أنّ هذا الجانب العاطفي الجمالي من إيفان هو النصف الآخر من طبيعته الذي سوف ينقذه)).([37])
كذلك فإنّ الجمال الذي سينقذ العالم هو جمال التضحية، التضحية في سبيل الآخر، هذه التضحية التي وجدناها عند ديمتري في «الإخوة كارامازوف» وقد كانت تضحيةً نابعةً من الإيمان؛ ذلك الإيمان الذي كان الأب زوسيما يستمدّ تعاليمه من الإنجيل؛ إذ اِستُخدِمَ في «الإخوة كارامازوف» مقبوسٌ من الإنجيل يحثّ على التضحية ويرغِّب فيها، وهو: ((الحقّ الحقّ أقول لكم: إن لم تقعْ حبّة الحنطة في الأرض وتَمُت فهي تبقى وحدَها. ولكن إن ماتت تأتي بخيرٍ كثير)).([38])
ولا يزال يتردّد في آذاننا صدى صوتِ الأبِ زوسيما وهو يصدَح بتعاليمه في المحبة في «الإخوة كارامازوف»؛ حيث يقول: ((أحبّوا بعضكم بعضاً (…)، وعندئذٍ سيجد كلٌّ منكم في نفسه القدرة على غزو العالم كلِّه بالحب)).([39])
إنّنا نتحسَّس في قوله الطاقة الجمالية التي تحملها المحبة، تلك الطاقة القادرة على فتح العالم. إنّ فكرة قدرة الجمال على تغيير العالم موجودة في أكثر من موضع في رواية «الأبله»، وبإمكاننا أن نقتبس منها قول آديلائيد وهي تتحدث عن جمال ناستاسيا؛ إذ تقول: ((إنّ جمالاً كهذا الجمال له قوة، إن جمالاً كهذا يمكن أن يقلب العالم!)).([40])
كذلك فإنّ الجمال الذي سينقذ العالم هو الجمال الروحي الأخلاقي، وقد ((استعمل دوستويفسكي المعايير الجمالية كبديل لمعايير الأخلاق، فأصبح وكأنه يقول: إن الجمال هو قوة أخلاقية ذات طاقة عالية باستطاعتها تخليص العالم)).([41]) إن الجمال الروحي الأخلاقي هو الذي أنقذ سونيا وراسكولينكوف في «الجريمة والعقاب»؛ وذلك بعذاب الضمير الذي أوصلهما إلى التطهير، ونحن نذكر قول راسكولينكوف: (إنني قَمْلة جمالية)؛ أليس في قوله هذا دليل على تعذيب (الأنا) بالجمال الروحي وبإبرة الضمير؟ نعم إنّ جماليّات راسكولينكوف تعني وخزات الندم، وبالتالي فإن العقاب عنده هو نظرية جمالية؛ إنّ جماليات راسكولينكوف هي اسم مختلف للحب والضمير والحياة؛ إن جمالياته هي الجزء الأقوى من شخصيته؛ تلك هي جماليات الروح التي لا يمكن استئصالها، وهذه الجماليات هي التي ستساعد في النهاية على إنقاذه وإحيائه؛ إنها ستنتشِله من وُحُول الجريمة إلى فضاءات التطهير والسعادة.([42])
والجمال الذي سينقذ العالم -أيضاً- هو جمال الوعي والانسجام، ذلك الجمال الذي كان ميشكين يستخلص تعاليمه في لحظات الكشف الصوفي وحِدَّة الوعي التي يتمكن خلالها من تشكيل فلسفته الجمالية؛ فكان يرى أن الجمال محيطٌ بنا وباستطاعته إثارة إحساس من الانسجام والسعادة في ذهن المتطلع اليقظ.([43])
وفي هذا الصدد يشار -أيضاً- إلى أن مثالَي الجمال ناستاسيا كمثال ديني وطني وآجلايا كمثال دنيوي سياسي هما مثالان ((ربما كانا قادرين على جلب الانسجام والجمال والسعادة للجنس البشري؛ فوراء الجمال الخارجي للمرأتين يختفي أمل نظري بالانسجام العالمي الكلي؛ عالم مُخلَّص إما بمثَلٍ أعلى ديني وطني، أو بمَثلٍ أعلى دنيوي سياسي)).([44])
إذاً هذا الكلام ينبِّئُنا بأن دوستويفسكي يريد بنَاء العالم على أسس جمالية، أو يريد إعادة تشكيله تشكيلاً جمالياً.
فأمّا إن كان الجمال ناقصاً أو ملوثاً بقبحٍ ما، فلن ينقذ العالم ولا حتّى نفسه، بل سيكون هو نفسه بحاجة إلى إنقاذ؛ أفلم تكن ناستاسيا ضحية جمالها الملطَّخ المضطرب؟ أولم تقل معبّرةً عن استسلامها وعن تخليها عن العالم: ((لقد علمْتُ أن أختكِ آديلائيد قالت ذات يوم، وهي تنظر إلى صورتي: إن المرء يستطيع بجمالٍ كهذا الجمال أن يحدث في العالم ثورة. ولكنني عَدَلتُ عن العالم، عَزَفتُ عن العالم)).([45])
أولم تطلب هي نفسها من راغوجين هذا المجرم الذي قتلها فيما بعد، أولم تطلب منه أن ينقذها؛ حيث جاء في «الأبله» مشهدٌ يصوّرُها وراغوجين وهي تستنجد به وتلتجئ إليه: ((فركضت إليه كالمجنونة، وأمسكتْ يديه، وقالت له: أنقذني! خذني! خذني إلى حيث تشاء! حالاً! …)).([46])
نعم إن هذا الجمال المشُوْب بالقبح عاجزٌ تماماً، ولقد كتب دوستويفسكي نفسُه قائلاً: ((إن الفكرة الجمالية قد تلوّثتْ لدى البشر))؛ أفلم يقل فيرخوفينسكي -وهو أحد شخوص روايات دوستويفسكي-: ((إنّني عَدَميّ، ولكني أُحِبُّ الجمال)).([47]) كيف هذا؟!؛ ولسان حال المنطق يقول: ما كان للإلحاد والجمال أن يجتمعا. إنّ هذا التلويث للجمال سيُفقِده قدرته على الإنقاذ، وكذلك فإنّ التلوّث والاضطراب في الوعي والحكْم الجمالي بيْن العقل والقلب سيؤول بالجمال إلى نفس النتيجة، وقد أتى في «الإخوة كارامازوف» أن ما ينظُر إليه العقل على أنه مُخجِل يبدو للقلب ذا جمالٍ طَهور.([48])
الخاتمة:
في النهاية لا نقول إلا كما قال الأمير ميشكين بطلُ «الأبله» المحمَّلُ برؤى دوستويفسكي والناطقُ الرسمي بها، نقول: لا فائدةَ من الكلام مالم يقترن بالتطبيق العملي، وكما يقول المثل الإنجليزي: ”العِبرة بالأفعال لا بالأقوال“؛ إذاً إن المزِية كلَّها للفعل وبه؛ فلابُدّ لنا -لكي نستفيد من آراء دوستويفسكي الجمالية- أن نسلك سلوكاً جماليّاً، وهذا السلوك بدوره يجب أن يكون إماماً مؤهلاً لأنْ يُقتدى به؛ إذ إنّ أفضل طرق تعليم السلوك -حسب مدارس علم النفس ونظرياته- هي الاقتداء والتنميط السلوكي، وليس الإرشاد والتوجيه الكلامي.
ومن النتائج التي خرج بها هذا البحث المتواضع ما يأتي:
1- إن مفهوم الجمال لدى دوستويفسكي هو مفهوم عامّ؛ (جسدي- أخلاقي- روحي- ديني…)، مع الإشارة إلى أن جمالية دوستويفكسي هي أقرب ما تكون إلى الجمالية الأخلاقية التي تهدف إلى تنظيم السلوك وفقاً لمقتضيات الجمال والانسجام.
2- إن آراء دوستويفسكي الجمالية سارِيَة الصلاحية؛ لكونها مرتبطةً بأحوال الناس وأوجاعهم في كل زمان ومكان.
3- إن دوستويفسكي -باعتباره مفكراً جمالياً- قدّم لنا رؤى جمالية يمكن جعلها قوانينَ سلوكيةً واستثمارها عملياً.
4- قدّم لنا دوستويفسكي رؤاه الجمالية تقديماً إرشادياً وعظياً؛ إذ لا يخلو من الترغيب والترهيب؛ وذلك بتقديم الشيء ونقيضه؛ لتتضح أمامنا المفارَقة؛ فكما أنّ الجمال منقِذٌ (إن كان كاملاً خالصاً منسجماً)، فهو كذلك مُهلِك (إذا كان ناقصاً ملوَّثاً مضطرباً).
ومما يُوصي به بحثنا -في هذا المقام، وانطلاقاً من مقولة دوستويفسكي: (الجمال حاجة)- تكثيف البحوث والدراسات الجمالية الهادفة والموجهة؛ للارتقاء بالوعي الجمالي لدى الإنسان؛ لتحقيق مقولة دوستويفسكي: (الجمال انسجام وفيه ضمانٌ للطمأنينة والسعادة)، لاسيَّما في زمنٍ قَد امتلأَ بالتنافر والصراع والقلق والشقاء.
المصادر والمراجع:
- القرآن الكريم.
- إنجيل يوحنّا، دار الكتَاب المقدّس، مصر، ط.1، 2006م.
- بورسوف، (بوريس): (شخصيّة دوستويفسكي): تر. نزار عيون السود، الهيئة العامّة السوريّة للكتاب، وزارة الثقافة، دمشق، ط.1، 2017م.، عدد الصفحات 916.
- پيس، (ريتشارد): (دوستويفسكي – دراسة لرواياته العظمى): مطابع كليّة القيادة والأركان، د.م، د.ط، د.ت، تاريخ المقدّمة 1970م.، عدد الصفحات 531.
- دوستويفسكي، (فيودور): (الأبله): ج.1، الأعمال الكاملة مج.10، تر. سامي الدروبي، الهيئة المصريّة العامّة للتّأليف والنشر (المطبعة الثقافيّة)، د.ط، 1970م.، عدد الصفحات 630.
- دوستويفسكي، (فيودور): (الأبله): ج.2، الأعمال الكاملة مج.11، تر. سامي الدروبي، الهيئة المصريّة العامّة للتّأليف والنشر (المطبعة الثقافيّة)، د.ط، 1970م.، عدد الصفحات 550.
- دوستويفسكي، (فيودور): (الشياطين): ج.2، الأعمال الكاملة مج.13، تر. سامي الدروبي، الهيئة المصريّة العامّة للكتاب، د.ط، 1972م.، عدد الصفحات 523.م.
- دوستويفسكي، (فيودور): (الإخوة كارامازوف): ج.1، الأعمال الكاملة مج.16، تر. سامي الدروبي، دار الكاتب العربي، مصر، د.ط، 1969م.، عدد الصفحات 524.
- صليبا، (جميل): (المعجم الفلسفي): ج.1، دار الكتاب اللبناني، بيروت – لبنان، د.ط، 1982م.، عدد الصفحات 765، ص 407 – 408.
- كارياكين، (ي.): (دوستويفسكي – إعادة قراءة): تر. خليل كلفت، كومبيونشر، بيروت، ط.1، 1991م.، عدد الصفحات 206.
- كليب، (سعد الدين): (المدخل إلى التجربة الجماليّة): الهيئة العامّة السوريّة للكتاب، وزارة الثقافة، دمشق، ط.1، 2011م.، عدد الصفحات 224.
- مادول، (جاك): (دوستويفسكي): المؤسّسة العربيّة للدّراسات والنشر، بيروت – لبنان، د.ط، 1975م.، عدد الصفحات 185.
- ماري شايفر، (جان): (وداعاً علم الجمال): تر. زبيدة القاضي، الهيئة العامّة السوريّة للكتاب، وزارة الثقافة، دمشق، ط.1، 2015م.، عدد الصفحات 120.
- (مجموعة من المؤلّفين): (دوستويفسكي – دراسات في أدبه وفكره): تر. نزار عيون السود، وزارة الثقافة، دمشق، د.ط، 1979م.، عدد الصفحات 295.
- مراد، (حلمي): (دوستويفسكي – الروائي الذي تغلغل إلى أعماق النفس البشريّة): “كتابي” كتاب شهري، ع.29، القاهرة، 1954م.، صفحات المقال 108_____119.
- ابن منظور: (لسان العرب): ج.1، دار صادر، بيروت، د.ط، د.ت، عدد الصفحات 742.
- هيرلاندز، (ليليان)، و ج. د. بيرس، وسترلنج، أ. براون: (دليل القارئ إلى الأدب العالمي): تر. محمّد الجورا، دار الحقائق، بيروت – لبنان، دمشق – سورية، ط.1، 1986م.، عدد الصفحات 637.
- ويليك، (رينيه): (دوستويفسكي): تر. نجيب المانع، مؤسّسة فرنكلين، بيروت – نيويورك، د.ط، 1967م.، عدد الصفحات 287.
([1]) ماري شايفر، (جان): (وداعاً علم الجمال): تر. زبيدة القاضي، الهيئة العامّة السوريّة للكتاب، وزارة الثقافة، دمشق، ط. 1، 2015م.، عدد الصفحات 120، ص9.
([3]) (ابن منظور): (لسان العرب): مج. 11، دار صادر، بيروت، د.ط، د.ت، عدد الصفحات 742، مادة (جَمَلَ).
([4]) ينظر: صليبا، (جميل): (المعجم الفلسفي): ج.1، دار الكتاب اللبناني، بيروت – لبنان، د.ط، 1982م. عدد الصفحات 765، ص 407 – 408.
([5]) ينظر: هيرلاندز، (ليليان)، و ج. د. بيرس، وستيرلنج. أ. براون: (دليل القارئ إلى الأدب العالمي): تر. محمّد الجورا، دار الحقائق، بيروت – لبنان، دمشق -سورية، ط.1، 1986م.، عدد الصفحات 637، ص146.
([6]) كليب، (سعد الدين): (المدخل إلى التجربة الجماليّة): الهيئة العامّة السوريّة للكتاب، وزارة الثقافة، دمشق، ط.1، 2011م.، عدد الصفحات 224، ص5.
(*) الممسوسون: الاسم الأشهر لها هو (الشياطين).
([7]) ويليك، (رينيه): (دوستويفسكي): تر. نجيب المانع، مؤسسة فرنكلين، بيروت – نيويورك، د.ط، 1967م.، عدد الصفحات 287، ص230.
(*) دون: الصحيح بدون أو من دون.
([9]) (مجموعة من المؤلّفين): (دوستويفسكي – دراسات في أدبه وفكره): تر. نزار عيون السود، وزارة الثقافة، دمشق، د.ط، 1979م.، عدد الصفحات 295، ص48.
(*) سدوم: اسم قرية فسقت فنزل بها العذاب، وغدت رمزاً للشرّ.
(*) مادونا: كلمة ترمز إلى السيّدة مريم العذراء، وهذه الكلمة رمز للخير.
([11]) دوستويفسكي، (فيودور): (الإخوة كارامازوف): ج.1، الأعمال الكاملة مج.16، تر. سامي الدروبي، دار الكاتب العربي، مصر، د.ط، 1969، عدد الصفحات 524، ص 260.
([13]) پيس، (ريتشارد): (دوستويفسكي – دراسة لرواياته العظمى): تر. عبد الحميد الحسن، مطابع كليّة القيادة والأركان، د.م، د.ط، د.ت، تاريخ المقدّمة 1970، عدد الصفحات 531، ص 346.
([15]) دوستويفسكي، (فيودور): (الأبله): ج.1، الأعمال الكاملة، مج.10، تر. سامي الدروبي، الهيئة المصرية العامّة للتأليف والنشر (المطبعة الثقافية)، د. ط، 1970، عدد الصفحات 630، ص 158.
([17]) پيس، (ريتشارد): (دوستويفسكي – دراسة لرواياته العظمى): ص 117.
([19]) پيس، (ريتشارد): دوستويفسكي – دراسة لرواياته العظمى): ص 149.
([20]) دوستويفسكي، (فيودور): (الأبله): ج.2، ص 421.
([21]) للتوسع يُراجَع: پيس، (ريتشارد): (دوستويفسكي – دراسة لرواياته العظمى): ص 114 – 115.
(*) ميتيا: اسم التصغير والتحبُّب لـ (ديمتري) في اللغة الروسيّة.
([22]) دوستويفسكي، (فيودور): (الإخوة كارامازوف): ج.1، ص 272 – 273.
([23]) مادول، (جاك): (دوستويفسكي): المؤسّسة العربيّة للدراسات والنشر، بيروت – لبنان، د.ط، 1975م.، عدد الصفحات 185، ص 51.
(*) آجلايا: اسم روسي، يعني: (الجمال والسطوع).
(*) فريميا (Время): كلمة روسيّة تعني (الوقت)، وهي اسم مجلّة لدوستويفسكي.
([24]) ويليك، (رينيه): (دوستويفسكي): ص 229.
([25]) پيس، (ريتشارد): (دوستويفسكي – دراسة لرواياته العظمى): ص 116.
([27]) دوستويفسكي، (فيودور): (الأبله): ج.2، الأعمال الكاملة، مج.11، تر. سامي الدروبي، د.ط، 1970م.، عدد الصفحات 550، ص 428.
([28]) ينظر: پيس، (ريتشارد): (دوستويفسكي – دراسة لرواياته العظمى): ص 106.
([29]) ينظر: مراد، (حلمي): (فيودور دوستويفسكي – الروائي الذي تغلغل إلى أعماق النفس البشريّة): “كتابي” كتاب شهري، ع.29، القاهرة، 1954م.، صفحات البحث 108ــــــــــــــــــــــــــــ119، ص 109.
([30]) ينظر: پيس، (ريتشارد): (دوستويفسكي – دراسة لرواياته العظمى): ص 121.
([31]) دوستويفسكي، (فيودور): (الأبله): ج.1، ص 165.
([32]) ينظر: پيس، (ريتشارد): (دوستويفسكي – دراسة لرواياته العظمى) ص: 125.
([33]) دوستويفسكي، (فيودور): (الأبله): ج.1، ص 167.
([34]) بورسوف، (بوريس): (شخصيّة دوستويفسكي)، تر. نزار عيون السود، الهيئة العامّة السوريّة للكتاب، وزارة الثقافة، دمشق، ط.1، 2017م.، عدد الصفحات 916، ص168.
([35]) ينظر: پيس، (ريتشارد): (دوستويفسكي – دراسة لرواياته العظمى): ص 106 – 152.
([36]) دوستويفسكي، (فيودور): (الأبله): ج.2، ص 431.
([37]) پيس، (ريتشارد): (دوستويفسكي – دراسة لرواياته العظمى): ص 353.
([38]) إنجيل يوحنّا، الإصحاح الثاني عشر، 24، دار الكتاب المقدّس، مصر، ط.1، 2006 م.
([39]) دوستويفسكي، (فيودور): (الإخوة كارامازوف): ج.1، ص 390 -391.
([40]) دوستويفسكي، (فيودور): (الأبله): ج.1، ص 166.
([41]) پيس، ريتشارد: (دوستويفسكي – دراسة لرواياته العظمى): ص 102.
([42]) ينظر: كارياكين، (ي.): (دوستويفسكي – إعادة قراءة): تر.خليل كلفت، كومبيونشر، بيروت، ط.1، 1991م.، عدد الصفحات 206، ص 97 – 98.
([43]) ينظر: پيس، (ريتشارد): (دوستويفسكي – دراسة لرواياته العظمى): ص 102.
([45]) دوستويفسكي، (فيودور): (الأبله): ج.2، ص 252 -253.
([47]) دوستويفسكي، (فيودور): (الشياطين): ج.2، الأعمال الكاملة مج.13، تر. سامي الدروبي، الهيئة المصريّة العامّة للكتاب، د.ط، 1972، عدد الصفحات 523، ص63.