في الثقافة والاختلاف… نحو مقاربة سوسيوثقافية للمسألة النسائية
On Culture and Difference … Towards a Sociocultural Approach to The Issue of Women
ط.د. إبراهيم بلوح/جامعة سيدي محمد بن عبد الله، المغرب
Brahim Boulouh. Doctoral Cycle Researcher /University of Sidi Mohamed Ben Abdillah, Morocco
مقال نشر في مجلة جيل العلوم الانسانية والاجتماعية العدد 62 الصفحة 155.
ملخص:
تحاول هذه المقالة تسليط الضوء على منجز يتناول “المسألة النسائية” على نحو مغاير لما اعتادته العديد من الدراسات والأبحاث ذات الاهتمام الأمبريقي/العملي. ويتميز هذا الأخير بكونه ينصرف إلى دراسة تحليلية تولي أهمية كبيرة لمحاولة الإسهام النظري في الجدل الفكري والاجتماعي والسياسي لقضايا ومشكلات وأوضاع النساء، من خلال اقتراحه لعناصر منظورية ومنهجية للتفكير في أبعاد ودلالات هذه المسألة. وهو ما نعتقد في قدرته على إنتاج وتطوير المعرفة الإبستمولوجية والمنهجية المعنية بالقضية المعروضة.
الكلمات المفتاحية:المدخل السوسيوثقافي- الموقف النقدي الحواري- المنهج النقدي المتعدد الأبعاد.
Abstract
This article attempts to shed light on a book that addresses the “women’s issue” differently from what many studies and research of empirical / practical interest are used to. The latter is distinguished by being devoted to an analytical study that attaches great importance to attempting the theoretical contribution to the intellectual, social and political controversy of women’s issues, through its proposal to theoretical and methodological elements to think about the dimensions and implications of this issue. This is what we believe in its ability to produce and develop epistemological and methodological knowledge on the issue presented.
Keywords: The sociocultural approach- the critical dialogue attitude – the multidimensional critical approach
تمهيد:
قبل أن نعرض ضمن هذا المقال بالتناول والتحليل لما تضمنته مباحث المنجز، والذي يقع في 176 صفحة من الحجم المتوسط، والصادر عن المركز الثقافي للكتاب بالدار البيضاء- المغرب لسنة 2018 لصاحبه الدكتور مصطفى محسن والموسوم ﺑ ” في الثقافة والاختلاف.. نحو مقاربة سوسيوثقافية للمسألة النسائية”، من المفيد إطلاع القارئ، بشكل موجز جدا، بمضامين الكتاب. ولعل أول ملاحظة تتشكل في ذهن القارئ هو التزام الكاتب وحرصه منذ البدء على أن يطلع المتلقي بقضية الكتاب وبمنهج النظر والمقاربة، وهو ما ضمنه في تصديره في بداية المنجز. وتوخى عبر هذا التصدير إحاطة القارئ بملاحظات شخصية تخص السياق الاجتماعي للقضية، وما يرتبط بها من مواضيع ذات الصلة. وقد أتبع هذا التصدير بتمهيد حرص من خلاله الباحث على التأكيد بأن “المسألة النسائية”، وما يرتبط بها من إشكالات ومفاهيم، هي ذات بعد كوني، وما تزال تحتل حيزا محوريا في الفكر الاجتماعي والسياسي المعاصر للدول المتقدمة والمتخلفة معا.
عرض الكاتب من خلال مباحثه الثلاثة الأولى سؤال القضية النسائية، من خلال ما تحيل عليه من مفارقات في التناول والبحث والنقاش الدائر داخل فصائل الخطاب السياسي والاقتصادي والثقافي، بدءا من ثنائية مجتمع الحداثة وثقافة المجتمع الرجولية، ومرورا عبر سؤال الموضوعية الاجتماعية والاستلاب الإيديولوجي، وانتهاء بإشكالية التقاطب الدائر بين شعارات الخطاب وبؤس الواقع، مفردا لكل ثنائية وجهة نظره النقدية والتحليلية استنادا إلى منظوره المتسم بالتعدد والاختلاف. أما مبحثه الرابع فحاول فيه تقديم مقترحات نقدية، وآفاق ممكنة للتفكير من خلال مقتربه المنهجي للمسألة النسائية باعتبارها بدائل للتفكير والتحاور. بينما شكل المبحث الخامس حجر الزاوية ومبلغ هدف الباحث ضمن منجزه هذا، إذ بين ثناياه يكشف لنا بشكل واضح عن الإطار الموجه للنظر والمقاربة من خلال خلفيته المقترحة، وكذا أهدافه، فضلا عن غرضه الأساس وما يؤكد عليه في تناول هذه القضية.
وقد ذكر الباحث في مختتم منجزه بأن أي مقاربة أو منظور أو رؤية أو إطار منهجي أو إرشادي كيفما كان في تعاطيه مع المسألة المعنية، يفترض فيه أن يتناولها وفق مقاربة شمولية منفتحة على مختلف الرؤى والمداخل المقاربية والمعرفية والنظرية التي تتكامل فيما بينها، بما يسهم في إنتاج وتطوير المعرفة الإبستمولوجية والمنهجية المعنية بالقضية المعروضة. وتكشف لنا الملاحق[1] التي ذيل بها الكاتب منجزه عن اطلاعه الواسع بكل ما كتب حول الموضوع، ما يمنح القارئ أيضا فرصة الإفادة من سجلات ومباحث أخرى، تغيى من خلالها الباحث أن تعمل على توسيع مجالات وأبعاد فهم القارئ انسجاما مع ما يطرحه من قضايا وإشكالات، خاصة وأن المتلقين/ القراء تختلف فهومهم وتأويلاتهم باختلاف مرجعياتهم الفكرية والاجتماعية الموجهة. وقد ضمن الباحث ملاحقه بعضا من تصورات ومواقف باحثين وجهات ومنظمات حكومية وغير حكومية تعنى بقضايا المرأة/ النوع، والتي يرى فيها ملاحق كفيلة، ضمن شروط وحدود معينة، بالمساهمة في النهوض المتكامل بأوضاع النساء.
تلكم إذن هي مضامين الكتاب وفق قراءة عمودية أولية. أما يلي هذا التمهيد فنعرض فيه قراءة أفقية تبتغي محاورة المنجز عبر ثلاث عتبات أساسية: تتعلق العتبة الأولى بعرض قضية الكتاب ورهاناته. بينما تتعرض العتبة الثانية للخلفية النظرية والمقاربية التي اعتمدها الكاتب. أما العتبة الثالثة فنفرد من خلالها تصورات الكاتب النقدية، وكذا اقتراحاته للتجاوز، والتي يعرضها علينا باعتبارها آفاقا للفعل والتغيير الراميان للنهوض بوضع المرأة.
قضية الكتاب ورهاناته
أشار الباحث إلى أن القضية المعروضة: “المسألة النسائية” صارت موضوع جدل وحوار وبحث بامتياز سواء بالمجتمعات الثالثية والعربية أو المجتمعات المعاصرة، ما يجعلها مسألة كونية ما تزال تحتل حيزا محوريا في الفكر الاجتماعي والسياسي المعاصر للدول المتقدمة والمتخلفة معا. فإذا كانت مختلف أشكال الهيمنة الذكورية والتسلط الرجولي ما تزال جلية في كثير من القيم والتصورات والمواقف والسلوكات بالدول المتخلفة، فهذا لا ينفي حضورها أيضا، ولو بأشكال رمزية مختلفة بحسب اختلاف الثقافات السائدة، بالمجتمعات المتقدمة. ويرجئ الكاتب ثبات هذه القيم إلى أن كل المجتمعات تجر خلفها تاريخا مثقلا “بالقهر الأنثوي” وبكل أشكال الوصم والعسف والإقصاء.. فعلى الرغم من خصوصيات السياقات السوسيوحضارية لكل مجتمع، ففي مجمل هذه المجتمعات، وبحسب ما تكشف عنه مختلف الدراسات السوسيولوجية والأنثربولوجية، يعاد إنتاج الاختلاف والتراتب الجنسي عبر العلاقات الاجتماعية والتبادلات المادية والرمزية بين الجنسين كما لو أن الأمر مألوف وطبيعي.
غير أن المتغير الذي يؤكد عليه الباحث يتمثل في أن المجتمعات الغربية تعمل على إعلاء شأن العنصر البشري، باعتباره رأسمالا منتجا وفاعلا في الدينامية المجتمعية. وهو ما أسهم في إعطاء “المسألة النسائية” منحى قيم التحرر والمساواة بين عموم البشر بصرف النظر عن اختلافاتهم الجنسية أو الطبقية أو الإثنية[2]. وينطلق الباحث من هذا المعطى الحضاري الهام محاولا بذلك إعمال مقارنة بين أوضاع المرأة بمجتمعات الشمال وبين أوضاعها في مجتمعات الجنوب. مقارنة سرعان ما تميط اللثام عن بون كبير على الرغم من مختلف المجهودات المبذولة من قبل هذه الأخيرة.
ولعل الطابع المأزمي هو ما يخيم على واقع النساء بهذه البلدان، إذ ما تزال النساء ترزح تحت وطأة هذا الواقع لاعتبارين اثنين خص أحدهما الكاتب: في الإرث الناتج عن مخلفات الاستعمار التي عملت على تأبيد وإدامة شروط إنتاج وإعادة إنتاج التبعية والتخلف والارتهان لمراكز القوى العالمية.[3] بينما ضمن الاعتبار الثاني في الإرث الماضوي التقليدي الذي لم يستثمر منه إلا جوانبه المظلمة، وذلك على حساب الجوانب المشرقة من التراث العربي الإسلامي. وهو ما ينعكس أيضا في كثير من فصائل الخطاب النسائي عند تناولها للمسألة النسائية وانتقادها للتيارات الدينية من خلال الفتاوى والأحكام الفقهية التي عملت على تأويل النص الديني بوضع كل تلك الاجتهادات في سلة واحدة بعمومية مثيرة للاستغراب[4]، باعتبارها تحيل على أصولية منغلقة متبنية لفكر ظلامي يقصي ويصادر حقوق المرأة، مستندة في ذلك على “أضيق التأويلات الفقهية وأعسر المذاهب في حق المرأة”[5]، وإغفالها لبعض المفكرين الإسلاميين الذين جلوا بدراساتهم[6]، صورة حياة النساء المؤمنات على عهد النبوة هي أبعد ما يكون عن فقه سد الذرائع الذي حشر المسلمة في ركن حرج.[7] الأمر الذي يحيل على النهج الانتقائي عوض الاستقرائي أو الاستقصائي، وعلى تغليب الخلفية الإيديولوجية عما تقتضيه الدراسة والقراءة العلميتين.
إن هذا الواقع المتسم بثنائية مجتمع الحداثة وثقافة المجتمع الرجولية جعل جل دول الجنوب تنحصر في مجتمعات “البين بين”، أي بين مطرقة التقليد المتحجر وسندان الحداثة المستوردة، الأمر الذي لم يجعلها قادرة على تطوير وتحديث ميراثها السوسيوحضاري انسجاما مع مقتضيات السياق الحضاري الكوني. ويؤكد الباحث على أن هذا الواقع، الذي تعكسه العديد من المعتقدات والقيم السائدة بالوطن العربي اتجاه وضع المرأة الحالي، هو الذي يقف كحائط صد في وجه المرأة، ويحول دون أن تنتزع الاعتراف الاجتماعي والثقافي الذي ما يزال مؤجلا، على الرغم من الانخراط المطرد للنساء عبر مختلف الأصعدة والميادين المجتمعية، وما حققه هذا الانخراط والحضور من نجاح في مختلف القطاعات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والمدنية.
ويرجئ الباحث سبب هذه المفارقة إلى “الذهنية التقليدوية” التي لا تزال تتخذ من “الاستبدادية الرجولية” مرتكزا لها في كل علاقة اجتماعية للجنس. صحيح أن الرجل اليوم لم يعد له اعتراض على تعلم المرأة وعملها ومشاركتها في الشأن العام، وارتيادها أيضا لمناصب مهنية عليا، لكن عندما يتعلق الأمر بشريكة هذا الأخير أو إحدى قريباته تنبري رواسب الماضي لتكشف عن مواقف وسلوكات سرعان ما تنكر كل تلك الشعارات العامة الداعمة التي رفعها سابقا، وهو ما يناقض بنظره، قيم الديمقراطية والحداثة. إنها بنيات ذهنية متحكمة في الوعي من خلال تجدرها في الواقع السوسيوثقافي القائم. هذا التجذر هو ما يجعلها قادرة على مقاومة كل أشكال التغير التي أحدثها الحضور النسائي بالفضاء العام. فلا غرو إذن بأن تكتنف تلك المفارقة الخطاب التحديثي للمسألة النسائية، وهو ما يجعله أشبه ما يكون بشعارات جوفاء تفتقد لأهداف ومقاصد واضحة، ولا تستند بالمقابل على رؤية علمية داعمة للقضية النسائية. لذلك يعتقد الباحث أن سمة العديد من البرنامج أو المبادرات أو الخطابات أو التعديلات القانونية أو التشريعية هي مفارقتها للواقع ومناقضتها للأهداف والوظائف.
إن رهانات هذه الدراسة التحليلية، الذي ما فتئ الباحث يؤكد عليها بدءا من تصديره ومرورا بمباحثه الخمس وبعدا في اختتامه، لا تستهدف الإلمام الشمولي بكل الأبعاد والدلالات السوسيولوجية والسيكولوجية والفلسفية والسياسية.. ﻟ ” المسألة النسائية”، وإنما تكمن في محاولة اقتراح زاوية مقاربية نوعية للإطلال على جوانب ومظاهر وتجليات هذه القضية. إنها عبارة عن محاولة للمشاركة في الجدل الفكري والاجتماعي والسياسي لقضايا ومشكلات وأوضاع “المسألة النسائية”. وتسعى هذه المحاولة جاهدة إلى اقتراح وتقديم عناصر منظورية ومنهجية للتفكير في أبعاد ودلالات المسألة النسائية باعتبارها قضية اجتماعية، وذلك بغرض إنتاج وعي نقدي وتأسيسي جديد للمسألة النسائية من خلال الخلفية السوسيولوجية الثقافية كإطار موجه للنظر، وتأسيسا على منظور نقدي حواري منفتح ومتعدد الأبعاد، وهو ما سنتعرض له في العنصر الموالي.
الخلفية النظرية والمقاربية للكتاب
أكد الكاتب في تصديره بأن زوايا النظر ومناهج التحليل التي تعنى بمقاربة “المسألة النسائية” تتعدد من جهة أولى، بتعدد المداخل المقاربية كمدخل مقاربة النوع، والمدخل السياسي، ومدخل تنمية الموارد الإنسانية، والمدخل الاقتصادي، والمدخل الحقوقي القانوني والتشريعي، والمدخل الديني، فضلا عن المدخل السوسيوثقافي الذي يعتمده الكاتب ضمن مقاربته للقضية، ومن جهة ثانية، باختلاف التخصصات المعرفية التي تقارب “المسألة النسائية” كعلم النفس، وعلم الاجتماع، والقانون، والأنثربولوجيا، والشريعة.. ومن جهة ثالثة بتعدد المنطلقات الإيديولوجية لكل باحث حداثية كانت أو محافظة أو توفيقية…
وفي سبيل إطلاع القارئ على مجمل الدواعي والاعتبارات التي دفعت بالكاتب لاتخاذ المدخل السوسيوثقافي كمنهج للنظر والمقاربة، فقد أفرد خمسة عوامل نوجزها فيما يلي:
- أهمية الثقافة بمفهومها السوسيوأنثربولوجي لقدرتها على مقاومة التغير السريع ومقدرتها على توجيه القيم وأنماط التفكير والفعل؛
- عدم قدرة مجتمعاتنا الثالثية على إفراز ثقافة حداثية مستوعبة لمجمل قيم الحداثة والحرية والكرامة والمساواة وتقدير الإنسان؛
- استمرار ثقافة “المجتمع الأبوي” و”الهيمنة الذكورية” داخل منظومات القيم والمعتقدات الاجتماعية؛
- التأثير البالغ لمنظومات القيم وأنساق الثقافة على تمثلات ووعي الجنسين، وهو ما لا تزال تؤكده العديد من الدراسات السيكولوجية والسوسيولوجية والأنثربولوجية؛
- ضرورة عودة الباحث السوسيولوجي إلى مكونات “الثقافة الذكورية” وإلى ” تقليدانية المجتمع الأبوي” حتى يتأتى له فهم أوليات الصراع وأشكال التوتر بين الرجل والمرأة.
غير أن كل هذه المبررات التي يدفع بها الكاتب لجعل المدخل السوسيوثقافي مقترحا مقاربيا للقضية المعروضة لا ينبغي، على حد تعبيره، أن يفهم على أنه رؤية منهجية سوسيوثقافوية sociologisme تفترض إقصاء باقي المقاربات/ المداخل. بل على العكس من ذلك، ينبغي على الباحث الموضوعي في مقاربته ﻟ “المسألة النسائية”، وفي رصده لها وتفسيره لعواملها وأبعادها ودلالاتها، بما هي ظاهرة ديناميكية دائمة التغير، أن يعتمد ” منظورا تحليليا نقديا تكامليا”، لذلك فقد عمد الكاتب إلى استدعاء المنهج المشكل لمشروعه العلمي، والمتعلق بالمنهج المتعدد الأبعاد، والذي يؤكد من خلاله على ضرورة التحوط المنهجي وعدم الانزلاق لاختزال المسألة النسائية في أحد مكوناتها أو عناصرها، فكل طرح لهذه الأخيرة يستدعي تلازمها وتجادلها العلائقي مع المسألة الاجتماعية.
إن الأمر يستوجب اتخاذ “موقف نقدي حواري مرن متعدد الأبعاد” يقطع مع “الكاست المعرفي”، ويفسح المجال لاستدعاء مختلف المعارف والمناهج والنظريات ونماذج التحليل والمقاربة والعمل أيضا على “تنسيبها” تنسيبا موضوعيا وعقلانيا. ويؤكد الكاتب على أن هذا الأمر لا يجب أن يفهم على أنه مصادرة لحق الباحث في اختيار المرجعية النظرية والمنهجية التي تناسب انتماءه العلمي وموقفه المعرفي، طالما أن هذا الأخير يمتلك مبررات دقيقة وواضحة “لاختزاله المنهجي” ذاك في أي مقاربة علمية له، ويعي نظريا ومنهجيا أبعاد وخلفيات ورهانات الخطاب النسائي في مجتمعاتنا، مع استحضار الخلفيات المؤطرة والموجهة لهذه الخطابات. وهو ما يستوجب اتخاذ المسافة اللازمة بين الذات الباحثة والموضوع المبحوث، تماما كما تعلمنا إياه ابستيمولوجيا وسوسيولوجيا المعرفة.
ويستطرد الباحث في توضيحه لمنهجه النقدي ليفرد لنا أهم أسس ومقومات هذا النقد من خلال أبعاده التالية:
- نقد للذات/ الأنا/ النحن، فردا كان أو إثنية أو جماعة أو مجتمعا بأكمله، في كافة أبعاد هذه الذات المعرفية والثقافية والحضارية المتعددة؛
- نقد ثان للآخر/ الغير/ الغرب المغاير.. أيضا في كل مقوماته وإنتاجاته المعرفية والتقنية والحضارية؛[8]
- نقد ثالث للحظة التاريخية المشكلة للإطار السوسيوحضاري، والذي تتفاعل فيه الذات مع الآخر، إذ أن الشروط التاريخية للتفاعل تختلف من سياقات سوسيوتاريخية إلى أخرى.
إن هذا المنظور النقدي، في اعتقاد الكاتب، كفيل بأن يجنبنا تلك المنظورات الاختزالية أو الإسقاطية أو الانتقائية، ما من شأنه أن يؤسس لثقافة حداثية جديدة تقبل بالتمايزات وتتفهم الاختلافات، وتتفاعل معها بشكل إيجابي في إطار كونية منفتحة تسعى لتحقيق القيم الإنسانية الأصيلة.
مقترحات نقدية وآفاق ممكنة للتفكير
في محاولة نقده وتحليله لبعض فصائل الخطاب السياسي والاقتصادي والثقافي السائدة في مجتمعاتنا في تعاطيها للمسألة النسائية، استغرب الباحث من احتفاء هذه الفصائل إلى درجة السذاجة بقيم مجتمع المعرفة والعولمة والمواطنة وغيرها من القيم التي لا تنسجم بل وتتعارض أحيانا وواقع الحال بمجتمعاتنا التي ترزح تحت نير التبعية والارتهان وتعطيل التفكير والإبداع. والحال أن فئات عريضة من المجتمع تعاني نفس الوضع، وهو ما ينسحب أيضا على وضع النساء. إنه خطاب مستلب طالما أنه لا يمتلك قدرة ممنهجة على إعلاء شأن العنصر البشري ومحاولة استثماره في مسيرة التنمية الإنسانية الشاملة. لذلك فإن المسألة النسائية بدورها، والتي لا تنفصل عن المسـألة الاجتماعية، ما لم يُعنى الخطاب الفكري أو الاجتماعي أو الحقوقي الذي يدافع عنها هو الآخر بقضايا التحرر والعدالة والمساواة بين كل فئات وشرائح المجتمع فسيظل ينتج ويعيد إنتاج التضليل والاستلاب الإيديولوجي الذي تمارسه بعض الأطراف والجهات التي سماها الباحث ﺑ”سماسرة الأزمات” داخلية أو خارجية موظفة قضايا اجتماعية بعينها نسائية أو إثنية أو لغوية أو دينية.. إنها خطابات وقضايا بقدر ما لا تخدم المسألة النسائية بقدر ما تستنزف، بشكل مجاني، طاقات المجتمع البشرية والاقتصادية والسياسية. ففي اعتقاد الكاتب تعد المسألة النسائية إحدى أهم القضايا الاجتماعية والحضارية، ولذلك وجب التعاطي معها بشكل عقلاني استنادا إلى المعرفة الدقيقة بواقع المرأة في مجتمعاتنا، وما يتسم به هذا الواقع من خصوصية ثقافية وعقدية وحضارية.
ولم يكتف الباحث في تناوله للقضية النسائية عند تقديم انتقادات بشأن مفارقات التناول والبحث والنقاش الدائر داخل فصائل الخطاب السياسي والاقتصادي والثقافي، بدءا من ثنائية مجتمع الحداثة وثقافة المجتمع الرجولية، ومرورا عبر سؤال الموضوعية الاجتماعية والاستلاب الإيديولوجي، وانتهاء بإشكالية التقاطب الدائر بين شعارات الخطاب وبؤس الواقع، وهو ما تكتفي به العديد من الدراسات النسائية، بل حاول في المبحث الرابع تقديم آفاق ممكنة للتفكير من خلال مقتربه المنهجي للمسألة النسائية باعتبارها، على حد تعبيره، بدائل للتفكير والتحاور، وقد ضمنها الباحث في ملاحظاته المنهجية التالية:
- يؤكد الكاتب في ملاحظته الأولى على ضرورة الوعي بالتعدد النظري والمنهجي للمسألة النسائية نظرا لتعقد هذه الأخيرة من حيث أبعادها الاجتماعية والثقافية والاقتصادية، فضلا عن أبعادها الإنسانية التي تتجاوز المجتمع المحلي الواحد لتؤثر في وتتأثر بباقي المجتمعات، دون نسيان البعد الديني الذي ما يزال مشكِّلا ومتحكما في نفس الآن للعديد من قيم ومعتقدات وسلوكات وأنماط فعل المجتمعات العربية والإسلامية.
- يمضي الباحث خلال ملاحظته الثانية في التأكيد على أنه بالرغم من وجود قواسم مشتركة بين المجتمعات العربية والإسلامية من جهة وعموم دول الجنوب من جهة أخرى إلا أن ثمة اختلافات وتمايزات تخص وضع المرأة ضمن سياقات سوسيوثقافية مختلفة من بلد لآخر. وهو ما لا يمكن رصده إلا من خلال بحوث نظرية[9] وأمبريقية من شأنها أن تحقق ذلك التراكم العلمي الذي يثري أبعاد ودلالات المسألة النسائية.
- وخلال ملاحظته الثالثة يكشف الباحث عن مرجعيته الموجهة للنظر والتحليل أي المنظور السوسيولوجي الذي لا يفصل بين المسألة النسائية والمسألة الاجتماعية، الأمر الذي يجعلها دائمة الصلة بالمسار الديمقراطي التنموي للمجتمع. ومن ثمة فقضية المرأة هي قضية سياسية بالأساس[10]. وإذا ما نحا تناولها هذا المنحى فذلك من شأنه أن يؤسس لنسق سوسيوقيمي مؤطر للوعي المجتمعي، وموجه لمختلف التفاعلات الاجتماعية داخل المؤسسات أو في المجال العام بكل مكوناته ومقوماته المادية والرمزية.
- ويسترسل خلال ملاحظته الرابعة بالقول بأن إقامة الديمقراطية في مجتمعاتنا لا يمكن أن تتحقق في ظل ممارسة نخبوية لهذه الأخيرة؛ تستفرد بممارستها وتبريرها والاستفادة من عوائدها نخب اجتماعية واقتصادية وسياسية وفكرية، من دون إشراك للآخر في حق اتخاذ القرار وتدبير الشأن العام. وهو ما ينسحب أيضا على المرأة في بلوغ هذه المناصب والمشاركة الفاعلة والاشتغال الواعي بقضايا ومشكلات وتفاعلات المجتمع.
- وعن التنمية الاجتماعية بمنظورها الشمولي الحديث، وبحسب مؤشرات التنمية الحالية المستندة إلى الرأسمال الاجتماعي لكل مجتمع، والممثل في البشر، باعتباره الثروة الحقيقية لكل المجتمعات، أكد في ملاحظته الخامسة أن لا حديث يستقيم عن هذه التنمية ووضع نصف قوى مجتمعاتنا أو يزيد، كما هو وضع النساء، لا يزال يعكس واقعا سمته الأساسية التهميش والإقصاء والحرمان من ممارسة فاعليتهن داخل المجتمع. ولذا فإن هذا الواقع يعد أحد أبرز العوامل التي تجعل جل المشاريع التنموية معطلة أو معاقة.
- في ملاحظته السادسة، لم ينكر الباحث إسهام الخطاب النسائي في الوطن العربي، عبر مجمل مساهماته البحثية، في قراءة وتحليل ومواكبة مختلف التحولات العميقة التي شهدها هذا الأخير، إلا أن الباحث يوجه النظر أيضا إلى فصائل أخرى من الخطاب النسائي الذي اتسم بالاختزال الشديد للمسألة النسائية أجملها في ثلاث نقط:
- أولها يتمثل في سقوط بعض الخطابات النسائية في منزلق “منطق نسواني” مغال عندما حصرت المسألة النسائية في مشكلات وقضايا المرأة، أو شرائح نسائية فقط، مرتكزة بذلك على إيديولوجيا تغذيها “ميتافيزيقا اختلافية أو خلافية” تنظر من زاوية خصائص الجنسين باعتبارها خصائص ثابتة ومستمرة عبر الزمان والمكان، بينما ينظر إلى هذه الخصائص في العلوم الاجتماعية على أنها بناء اجتماعي (construit social) يتم إنتاجه وإعادة إنتاجه من خلال الأوضاع السوسيوثقافية للمجتمع، والتي تتعرض للتغير باستمرار.
- أما الاختزال الثاني للمسألة النسائية فيتمثل في حصرها في قطاعات بعينها، كمشكل التعليم أو الشغل أو الممارسة والحضور السياسي أو بعض القضايا الحقوقية والقانونية.. وهو ما يتأكد من خلال الرجوع إلى حصيلة سوسيولوجيا النوع بالمغرب.[11]
- فيم عبر عن الاختزال الثالث في زاوية النظر أو المدخل المقاربي الذي يعتمده الباحث في اشتغاله على المسألة النسائية سوسيولوجيا كان أو سيكولوجيا أو أنثربولوجيا، أو باستدعاء اتجاه نظري أو منهجي ما، وهنا يعطي مثالا بمقاربة النوع التي تقدم نفسها كما لو أنها المقاربة الوحيدة الممكنة. وقد تسبب التداول الواسع لمفهوم النوع في فقدانه لفعاليته النقدية والتحليلية، بل إن انتشاره تجاوز الدوائر النسائية وصار أداة عملية في يد المنظمات الدولية[12]. والحال أن المسألة النسائية بما هي ظاهرة اجتماعية إنسانية متعددة الأبعاد تفترض اعتماد أكثر من زاوية نظر أو مدخل مقاربي.
- أما عن ملاحظته ما قبل الأخيرة، والتي يعدها أهم ملاحظاته تلك، فعبر عنها بتفشي بعض الخطابات السائدة حول المسألة النسائية التي تتبنى بعض التصورات الإسقاطية؛ كأن تسقط على الحاضر بعض مفاهيم وتصورات الماضي، أو أن تسقط على هذا الحاضر مفاهيم أنتجها سياق سوسيوثقافي ومعرفي غربي مغاير. وهي بذلك تسقط إما ضحية نزعة مركزية ذاتية، أو ضحية منظور استشرافي متعال يحاول إخضاع الواقع للنظرية، وبالتالي هو ما يبعد الباحث عن روح الممارسة العلمية التي تضع في الاعتبار الأول الاسترشاد بالنظرية لفهم الواقع المبحوث مع استحضار خصوصية الواقع، وذلك مغبة السقوط في كل توجه استغرابي مستلب.
- وقد أفرد ملاحظته المنهجية الأخيرة لما أسماه آنفا ﺑ “المنطق النسواني”، والذي يفضي في آخر المطاف، في تعاطيه مع المسألة النسائية إلى منطق انتقائي وإقصائي يخطئ فهم الذات/ الأنثى والآخر المختلف/ الرجل. وهو ما لا يسهم في تدبير وحسن استثمار اختلافات وتمايزات المجتمع الجنسية أو العرقية أو الثقافية أو العقائدية..، وبالتالي عوض أن تصير هذه التمايزات أساس ثراء المجتمع، تستحيل أساس كل هيمنة أو إقصاء.
آفاق التجاوز والفعل
لم يكتف الباحث بعرض تصوراته النقدية للمسألة النسائية فقط، بل اقترح علينا آفاقا للتجاوز والممارسة للنهوض بأوضاع المرأة في المجتمعات العربية والنامية وفق منظور مقاربي تنموي شمولي. وليتم تجاوز هذه العقبات إيجابيا يفترض، في اعتقاد الكاتب، في النظام السياسي للمجتمع أن يعمل على بلورة عقد اجتماعي جديد في إطار جماعي وتوافقي يكون بمثابة مرجعية موجهة لتدبير كل أشكال الاختلاف والتعدد داخل المجتمع. ويشكل مبدأ المشاركة الديمقراطية تدبيرا ومساهمة في الشأن العام أساس هذا العقد الجديد، بكل ما تقتضيه هذه المشاركة من ضمان للحقوق والواجبات، ومن تكافؤ حقيقي للفرص والمواقع والأدوار، وهو الواقع الذي سبقنا إليه الغرب، ويعمل باستمرار على تجذير هذه المشاركة عبر مختلف مؤسسات المجتمع، الأمر الذي ما تزال مجتمعاتنا الثالثية مطالبة بالعمل عليه، بما لا يختلف ويناقض مقومات هذه المجتمعات وقيمها وخصوصياتها.
ويقتضي فعل النهوض بأوضاع المرأة، الذي يقترحه علينا الباحث، العمل المتكامل على واجهات ومجالات مترابطة، يعتبرها آفاقا للفعل والتغيير، وقد ضمنها في الواجهات التالية:
- الواجهة التربوية: باعتبارها دعامة أساسية تعمل على تحرير المرأة من مختلف أشكال الجهل والتبعية والارتهان، باستفادتها من حقها في التعلم والتكوين والتأهيل والتمكين، حتى يتسنى لها ممارسة جملة من التأثيرات الفاعلة في التحديث والتنمية الاجتماعية الشاملة التي صار يستلزمها اليوم “مجتمع المعرفة”.
- الواجهة السوسيواقتصادية: بما هي واجهة تتغيى ضمان كرامة المرأة وصيانة حقها في العيش الكريم، من خلال توفير مختلف الشروط المادية والمعنوية لإدماجها في سوق الشغل ودورة الإنتاج، بما يسهم في تمكينها الاقتصادي بعيدا عن كل أشكال الاستغلال الاقتصادي والقهر الذي ما يزال يمارس على العديد من النساء خاصة القرويات منهم. ولن يتأتى هذا التمكين الاقتصادي إلا من خلال تملك رؤية سوسيواقتصادية واضحة المعالم بالاستناد على منهجية عقلانية ونظامية مؤطرة لمختلف أنماط التدخل والفعل.
- الواجهة القانونية: بالسعي إلى تجاوز تلك الرواسب الثقافية المتمثلة في التشبث ببعض الأعراف والتقاليد والقوانين التقليدية المرتبطة بتوزيع الأدوار والسلط والمواقع ومختلف الخيرات المادية والرمزية التي ما تزال النساء يعانين من عدم امتلاكها مقارنة مع الرجال. صحيح أن دولا مثل المغرب وتونس ومصر قد أبانت عن مجهودات في هذا الباب من خلال الأوراش التي مهدت لإصلاحات قانونية وتشريعية تبلورت عمليا في مدونة الأسرة والشغل..، لكن هذه “القفزة القانونية النوعية” غير كافية، ويجب أن تسند من خلال وسائط سوسيوثقافية أخرى تشتغل بشكل أساس على أنساق القيم وتمثلات الجنسين السائدة في مجتمعاتنا.
- الواجهة السياسية: بقدر ما تبدو هذه الواجهة حاسمة في تغيير الوضع النسائي، وعلى الرغم من أن المشهد السياسي للعديد من الدول العربية قد شهد تحولات على مستوى بنياته وهياكله وآليات اشتغاله مما سمح للتمثيلية النسائية في الازدياد المطرد، إلا أن هذا الحضور السياسي النسائي لم يكن له تأثير واضح على الوضع المأزوم للنساء في هذه البلدان[13]. وينتظر منه خلق مناخ ديمقراطي تعاقدي منفتح يتيح مزيدا من الفرص المتكافئة، بالاستناد على التنمية البشرية في كافة أبعادها السوسيواقتصادية المتكاملة.[14]
- الواجهة السوسيوثقافية: يعتقد الكاتب بأن التحرك على مستوى هذه الواجهة يستلزم الاستنهاض الشمولي لكل مكونات المجتمع: جمعيات ونواد ونقابات وأحزاب ومجالس منتخبة.. باعتبارها مدارس/مؤسسات تربوية موازية للنظام التربوي القائم. وينتظر منها ممارسة وظائف التربية والتثقيف والتوجيه وتنشئة الأفراد على قيم ومعايير المجتمع تكوينا وإعدادا وتأهيلا، يتجاوز الاستلاب وينافي الانغلاق على الذات، ويتجذر داخل الثقافة المحلية بالتشاوج والتواصل أيضا مع مقومات وقيم المحيط الكوني الإنساني. ضمن هذا الإطار إذن ينبغي تحرير المرأة وتمكينها داخل المجتمع وإدماجها في مسارات وعمليات التنمية والتحديث.
على سبيل الختم :
إن قضية بهذا الحجم والتأثير في مختلف مناحي ومفردات الحياة الاجتماعية تستلزم، بحسب الكاتب، تكاملا للرؤى والمنظورات وأساليب التدخل والفعل. وهو ما يفترض مشاركة مختلف الفاعلين في إصلاح مجتمعي شمولي وفق رؤية واضحة المعالم والمقاصد والمكونات، لتجاوز مختلف جوانب القصور وتشتت الجهود وتناقض المصالح والأدوار والمواقع. ويؤمن الباحث بقدرة هذا التصور الإصلاحي المجتمعي على تكريس الوعي بمختلف التحديات والرهانات، والدفع به للفعل في أفق تعزيز الطموح البشري الرامي لترسيخ ثقافة كونية جديدة، تعترف باختلاف الذوات، وتستوعب كل القيم الديمقراطية، وتنبذ في نفس الآن كل أشكال الإقصاء والتهميش والاستبعاد المنبنية على أسس هوياتية أو فكرية أو سياسية أو جندرية[15]… والتي تقع القضية النسائية في صميم تفاعلاتها. إن ذلك الطموح البشري الرامي إلى إنجاح مختلف مشاريع التنمية والتطوير والتحديث أولا، وتحقيق التحول الديمقراطي المأمول بعدا، لا يمكن أن يتحققا ويتجذر إلا من خلال الرأسمال البشري الذي تشغل فيه النساء حيزا مهما جدا.
وفي سياق استحضاره لأهمية هذه الطاقات البشرية النسائية، يؤكد الباحث على أنه بالنظر إلى ما تشكله النساء عدديا من كثلة سكانية هامة في بلداننا، وفي ظل مجمل التصورات والمواقف النمطية المبخسة لوضع المرأة وحضورها داخل المجتمع، فإن القطع مع هذه الرؤى ونماذج التفكير فكرا وممارسة من خلال إعداد وتأهيل النساء باعتبارهن رأسمالا اجتماعيا إنسانيا فاعلا من شانه أن يعمل على تحقيق التنمية والتحديث المجتمعي. ولعل حضور النساء إلى جانب القوى الاجتماعية الحية في مختلف أشكال الاحتجاج المجتمعية لبلدان ما بات يدعى بالربيع العربي لدليل على استماتة ومقاومة النساء[16]، وهو ما يؤشر عن حس مواطني عال معبر عن دور المرأة واستحقاقية مشاركتها في العمل السياسي والاقتصادي والثقافي، على الرغم مما تعيشه من أوضاع ومشكلات الإقصاء والتهميش. إلا أن هذا “الحس المواطني”، باعتباره رأسمالا إنسانيا، يلزم أن يؤهل ويستثمر ضمن توجهات تصحيحية ومشاريع نهضوية وتجديدية منبنية على رؤية تربوية وثقافية هادئة وموازية لمسارات الاحتجاج الثوري، وذلك حتى يصير رأسمالا فاعلا ومؤثرا في مختلف مسارات التنمية والتحديث والبناء الحضاري، وهدفا أيضا للتنمية ومركز ثقلها الأساس، ومحور ضمانة استمراريتها واستدامتها.
قائمة المراجع :
المراجع باللغة العربية
- أبو شقة عبد الحليم محمد، تحرير المرأة في عصر الرسالة، الطبعة السادسة، دار القلم للنشر والتوزيع، القاهرة، 2002.
- بنعدادة أسماء، المرأة والسياسة، دراسة سوسيولوجية للقطاعات النسائية الحزبية، منشورات المعهد الجامعي للبحث العلمي، سلسلة أطروحات (2)، الطبعة الأولى، 2007، الرباط.
- بورديو بيير: الهيمنة الذكورية: ترجمة د. سلمان قعفراني، المنظمة العربية للترجمة، بيروت، الطبعة الأولى، 2009.
- بوخريص فوزي، حصيلة السوسيولوجيا في المغرب وسؤال النوع، مجلة عمران، العدد 3/11، شتاء 2015
- محسن مصطفى، المشاركة السياسية وآفاق التحول الديمقراطي في المغرب المعاصر، المجلة العربية للعلوم السياسية، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، العدد 17 شتاء 2008، ص ص: (26-9).
- محسن مصطفى، في الثقافة والاختلاف.. نحو مقاربة سوسيوثقافية للمسألة النسائية، الطبعة الأولى: 2018، المركز الثقافي للكتاب- الدار البيضاء- المغرب
- الهادي الهروي، الأسرة، المرأة والقيم، تساؤلات سوسيولوجية في قضايا المرأة، أفريقيا الشرق، المغرب، 2013
- ياسين عبد السلام ، تنوير المؤمنات، الجزء الأول، الطبعة الأولى، دار البشير للثقافة والعلوم- طنطا- مصر.
المراجع باللغة الأجنبية
- ButlerJudith, Fassin Éric, Wallach Scott Joan, « Pour ne pas en finir avec le « genre »… Table ronde », Sociétés & Représentations, 2007/2 (n° 24), p. 285-306. DOI : 10.3917/sr.024.0285. URL : https://www.cairn.info/revue-societes-et-representations-2007-2-page-285.htm
- Fraser Nancy, Le féminisme à l’ère du néolibéralisme, Dialogue global, Volume 8/Numéro 3/ Décembre 2008.
- Méda Dominique, le temps des femmes : pour un nouveau partage des rôles, op cit, p : 151- 152 et 168-169
- Touraine Alain, Le Monde des femmes (Paris: Fayard, 2006)
[1] أثار انتباهنا حجم الملاحق الذي شكل ثلث المنجز من حيث الحجم، ما يؤكد على الأهمية التي أولاها الكاتب لها.
[2] تجربة دولة هولندا التي تتوجه نحو مجتمع بدوام جزئي. وهو مجهود أسهمت فيه خلال التسعينات مختلف القوى المدنية: (جمعيات ونقابات وأوساط سياسية ) فضلا عن النقاش الذي قادته نساء باحثات في السوسيولوجيا والجغرافيا وتخطيط المدن، والذي أدى إلى مراكمة معارف ملموسة حول المعاناة التي تعانيها النساء الإيطاليات في إطار المصالحة بين عملهن المنزلي و المهني. كل ذلك دفع بالإدارات والشركات والمقاولات والتنظيمات النقابية ومختلف الفاعلين الاجتماعيين إلى محاولة التوفيق بين أوقات العمل وحاجيات النساء وعموم المواطنين، وهو ما أدى إلى ما صار يصطلح عليه بمدينة ميلان بداية ” زمن المدينة”. للمزيد من الاطلاع، أنظر:
Dominique Méda, le temps des femmes : pour un nouveau partage des rôles, op cit, p : 151- 152 et 168-169
[3] لم تكتف الظاهرة الاستعمارية بتخريب العمران وقتل البشر ونهب الثروات المادية والرمزية، وهذه الخسائر بأكملها أمر هين إذا ما قورنت بالنكاية العظمى التي أصابت أجيالا متعاقبة فتحت أعينها على النموذج الغربي، وما فعله في كيان الأمة الإسلامية والعربية من تغريب وسلب للهوية والذات، وتشويه لمقومات هذه البلدان الدينية والفكرية والثقافية، ما أسهم في تأبيد وإدامة الشروط المعيدة لإنتاج شروط إنتاج التبعية والتخلف والارتهان، قرارا ومصيرا، لمراكز القوى المهيمنة على المستوى الكوني. للمزيد من الاطلاع، أنظر:
- عبد السلام ياسين، تنوير المؤمنات، الجزء الأول، الطبعة الأولى، دار البشير للثقافة والعلوم- طنطا- مصر، ص: 29
[4] الهادي الهروي، الأسرة، المرأة والقيم، تساؤلات سوسيولوجية في قضايا المرأة، المرجع السابق، ص: 56
[5] عبد السلام ياسين، تنوير المؤمنات، الجزء الأول، الطبعة الأولى، دار البشير للثقافة والعلوم- طنطا- مصر، ص: 31
[6]على سبيل المثال لا الحصر ، وللمزيد من الاطلاع، أنظر: عبد الحليم محمد، أبو شقة، تحرير المرأة في عصر الرسالة، الطبعة السادسة، دار القلم للنشر والتوزيع، القاهرة، 2002.
[7] عبد السلام ياسين، تنوير المؤمنات، المرجع السابق، ص: 31
[8] هذا النقد الموجه للآخر نادرا ما نجده في الكتابات والأبحاث التي تعنى بالمسألة النسائية، إذ تنبري هذه الأخيرة إلى تداول براديغمات برانية المنشأ إلى حد الاحتفاء عوض إعمال النقد فيها، وتحرير المفاهيم التي تستند إليها من النزعة الغربية.
[9] يلاحظ على العديد من الدراسات والأبحاث العربية أنها تنحو منحى أمبريقيا عمليا، على الرغم من أهميته العلمية، ولا تكثرت بالقضايا النظرية والإبستمولوجية المحايثة لكل بحث علمي، الأمر الذي لا يسهم في إنتاج وتطوير المعرفة الإبستمولوجية والمنهجية المعنية بالقضية المعروضة. ولذلك نعتقد في الأهمية النظرية لهذا المنجز ولمساهمته العلمية في ملء هذا النقص. للمزيد من الاطلاع على هذا الإشكال، أنظر، على سبيل المثال:
فوزي بوخريص، حصيلة السوسيولوجيا في المغرب وسؤال النوع، مجلة عمران، العدد 3/11، شتاء 2015
[10] يقترح بيير بورديو أيضا الفعل السياسي كمدخل جوهري لكسر التواطؤ الموضوعي بين البنى المستدمجة وبنى المؤسسات الكبرى، والمساهمة في الأفول التدريجي للهيمنة الذكورية من داخلها. للمزيد من الاطلاع، أنظر: بيير بورديو: الهيمنة الذكورية: ترجمة د. سلمان قعفراني، المنظمة العربية للترجمة، بيروت، الطبعة الأولى، 2009.
[11] فوزي بوخريص، حصيلة السوسيولوجيا في المغرب وسؤال النوع، المرجع السابق.
[12] Butler Judith, Fassin Éric, Wallach Scott Joan, « Pour ne pas en finir avec le « genre »… Table ronde », Sociétés & Représentations, 2007/2 (n° 24), p. 285-306. DOI : 10.3917/sr.024.0285. URL : https://www.cairn.info/revue-societes-et-representations-2007-2-page-285.htm
[13] خلصت الباحثة أسماء بنعدادة في دراستها الموسومة ﺑ “المرأة والسياسة” بأن الانتماء الحزبي للمرأة ينحصر في وجودها داخل تنظيم خاص بالنساء، ويظل نشاطها السياسي مرتبطا أساسا بالقضايا المتعلقة بالمسألة النسائية. فبالرغم من مرور أزيد من ثلاثة عقود على أول تنظيم نسائي حزبي، وأمام تمثيلية النساء الباهتة في مراكز القرار السياسي، فلم تستطع بعد القطاعات النسائية من أداء الوظيفة التي وجدت من أجلها أي فك القطيعة بين المرأة والسياسة بما ينعكس إيجابا على واقع المرأة وحقوقها. للمزيد من الاطلاع، أنظر: أسماء، بنعدادة، المرأة والسياسة، دراسة سوسيولوجية للقطاعات النسائية الحزبية، منشورات المعهد الجامعي للبحث العلمي، سلسلة أطروحات (2)، الطبعة الأولى، 2007، الرباط.
[14] فصل الباحث فيها في مقال له معنون ب “المشاركة السياسية وآفاق التحول الديمقراطي في المغرب المعاصر. بالمجلة العربية للعلوم السياسية، الصادرة عن مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، العدد 17 شتاء 2008، ص ص: (26-9).
[15] تعتبر الفيلسوفة الأمريكية نانسي فريزر (Nancy Fraser) في شأن انتقادها لفصائل الخطاب النسائي خاصة ذات التوجه الليبرالي، أن النسوية التي تقول: «نحن لن ننظر إلى هذه القضايا، بل سنقتصر على الحديث عن النساء»، ستنتهي إلى أن تحصر حديثها في شريحة محظوظة من النساء. للمزيد من الاطلاع، المرجو العودة إلى:
Nancy Fraser, Le féminisme à l’ère du néolibéralisme, Dialogue global, Volume 8/Numéro 3/ Décembre 2008. P :7
[16] باتت النساء اليوم، بحسب آلان تورين، أشبه ما يكون بالطبقة العمالية التي تحارب على واجهتين: إحداهما تتمثل في مواجهة للحتميات والسلط السياسية والاجتماعية التي ترزح تحتها النساء، والواجهة الأخرى تتمثل في صراع النساء في مطالبتهن بالحقوق والحريات. للمزيد من الاطلاع، أنظر:
Alain Touraine, Le Monde des femmes (Paris: Fayard, 2006), p. 37.