الدلالة الرمزية للحراك الشعبي الجزائري من خلال فن الغرافيتي–
مقاربة سيميولوجية-
The symbolic significance of the Algerian popular movement through the graffiti
– A semiotic approach–
ط.د.عائشة قرة /جامعة محمد لمين دباغين، Aicha Guerra /Setif 2 University | ط.د.عبد الرؤوف وشان/جامعة الجزائر 03 Abderraouf Ouchen/Alger 3 University |
مقال نشر في مجلة جيل العلوم الانسانية والاجتماعية العدد60 الصفحة 73.
ملخص:
شهد فن الغرافيتي انتشار واسعا في العقد الأخير، إذ رافق التحولات السياسية والاجتماعية التي شهدها العالم، وقد ربطته العديد من الدراسات بالحراك الشعبي الذي شهدته المنطقة العربية، إذ ركزت معظمها على بعده السوسيولوجي، من هذا المنطلق تحاول الدراسة استنطاق رمزية فن الغرافيتي خلال الحراك الشعبي في الجزائر بالاتكاء على مقاربة التحليل السيميولوجي للباحثة مارتن جولي، بهدف الكشف عن الدلالات الضمنية لهذا الفن الذي يحظى باهتمام فئة معتبرة من شباب الحراك.
الكلمات المفتاحية: الدلالة الرمزية/الحراك الشعبي/فن الغرافيتي/ السيميولوجيا، الجزائر.
Abstract:
The graffiti Accompanied by political and social transformations by the world, it has been linked by many studies to the popular movement witnessed in the Arab region where most of them focused on its sociological dimension
From this point, the study tries to study the symbolism of the art graffiti during the popular movement in Algeria by the approach of the semiological analysis.
Keywords: The symbolic significance, popular movement, the art graffiti, semiotic, Algeria.
الإشكالية:
يتميز فن الغرافيتي عن غيره من الفنون بطابعه الشبابي، إذ نشأ هذا الفن بشكله المعروف حاليا في شوارع وأحياء المدن الكبرى، وهو فن متمرد يعكس وضعية الفئات المهمشة من المجتمع، التي تحاول التعبير عن رأيها من خلال الأشكال، الرموز، الألوان والرسائل الألسنية المحملة في جداريات الفضاء العام، والتي تتضمن خطابا سوسيو-سياسي مجهول المصدر في كثير من الأحيان، لكنه بالغ الدلالة. كما أضحى الغرافيتي ذو أهمية بالغة أفرزتها طبيعة الحدث، إذ ازدهر هذا الفن في شوارع المدن الكبرى وكذا الأرياف محاولا مواكبة الحدث وإبراز نظرة فناني الغرافيتي تجاه ما يفتعل في بلدهم، وبذلك امتزج المرئي والألسني ليكون حقلا دلاليا متنوعا يعنى برصد دلالات المرحلة ويؤرخ لها بطابع فني رمزي يعبر عن نبض الشارع وآماله.
منذ فيفري 2019 والجزائر تعيش ظاهرة جديدة وهي الحراك الشعبي الجزائري ضد السلطة القائمة الذي يعد وليد أزمات متراكمة في الذهن الجماعي للشعب، حيث تتمثل أسمى طالب الشعب التي نادى بها هي بمغادرة الفاسدين والظالمين المتواجدون في الحكم نتيجة خروجهم عن الإرادة الشعبية، إذ اعتبر حجم الحراك الشعبي غير مسبوق في تاريخ الجزائر منذ الاستقلال، كونه عم أغلب المدن الرئيسية للوطن، وبلغت أعداده أرقاما هائلة (وصلت الملايين حسب تقارير إعلامية)، وجمع جميع فئات الشعب المتنوعة، وهو ما منح الحراك السلمي قوة وفاعلية،كما تمثلت معظم مطالب الحراك الشعبي في المطالب السياسية بالدرجة الأولى، وقد استعان الشباب المحتج بكافة الوسائل المتاحة للمطالبة بالتغيير، حيث برز فن الغرافيتي في هذا السياق كفن رافق الحراك الشعبي محاولا إبراز دلالته وحشد الشباب للمشاركة في فعالياته.
بناء على ما سبق تسعى الدراسة للخوض في دلالة فن الغرافيتي من خلال تحليل رسمة غرافيتي متداولة في وسائل التواصل الاجتماعي، وبما أن السيميولوجيا تعنى بدراسة الأنساق المرئية الألسنية للكشف عن دلالاتها التضمينية، يجدر الاستعانة بهذه المقاربة لدراسة هذا الفن نظرا لقصور الدراسات الأكاديمية ضمن هذا السياق، وبذلك يكمن التساؤل الرئيسي من هذا المنظور حول: ما هي الدلالات الضمنية التي تضمنها غرافيتي الحراك الشعبي في الجزائر؟
ولمعالجة هذه الإشكالية يجدر تفكيكها إلى المحاور التالية:
– أولا: الكتابات الجدارية بحث في الماهية والتطور.
– ثانيا: الكتابات الجدارية: فن للتعبير عن الاحتجاج والمقاومة.
– ثالثا: التحليل السيميولوجي لعينة الدراسة.
أهمية وأهداف الدراسة:
انتشر الحراك الشعبي العـربي في السنوات الأخيرة في معظم بلدان الـوطن العـربي ابتـداء مـن تونس ثم مصر ثم ليبيا واليمن وسوريا ثم الجزائر ولبنان مؤخرا، وبـدأت الاحتجاجـات الشـعبية بالمطالبة بالإصـلاحات الاجتماعية ومحاربـة الفسـاد والديمقراطيـة والحريـة والمشـاركة في الحياة السياسية، لكن المميز في الحراك الشعبي الجزائري أنه بدأ بسلمية وسار بها طوال التسع أشهر ما جعله حراكا مميزا على غرار يافي البلدان العربية التي حدث فيها سفك وإراقة للدماء، ومـن هنـا تكمـن أهميـة هـذه الدراسـة في تنـاول مرحلة الحراك الشعبي الجزائري خـلال الكشف عن الدلالات الرمزية التضمينية في فن الغرافيتي من خلال ما تم تداوله من رسومات في الحراك الشعبي الذي عرفته الجزائر منذ فيفري، ومعرفة الأفكار والمعاني المراد ايصالها، انطلاقا من مجمل الدلالات التضمينية والإيحائية المنتجة عبر رسائلها، وذلك من خلال اختيار عينة من أبرز ما تم تداوله كشعار للمطالبة بالحرية والتحرر.
منهـج الدراســة:
في البحوث العلمية تتعدد مناهج البحث وتتنوع وذلك وفقا لنوع الدراسة والهدف المراد الوصول إليه من خلالها، لذا يتحتم على الباحث اختيار المنهج المناسب الذي يوجه بحثه توجيها علميا وبمنهجية سليمة، ومن البديهي أن أي بحث علمي يتطلب منهج معين من أجل الوصول إلى الأهداف المسطرة في بداية البحث[1]، كما أن طبيعة الدراسة وخصوصيتها تفرض على الباحث المقاربة التي يقترب بها من الموضوع المعالج، وبالنظر إلى كون موضوع الدراسة يرتكز حول علاقة فن الغرافيتي بالحراك الشعبي الجزائري وما يحمله من دلالات أيقونية وألسنية ورموز، ومن منطلق أن الدراسة تسعى للكشف عن الدلالات العميقة للوحة المختارة “عينة الدراسة” توجب استخدام المقاربة السيميولوجية.
إذ يقتضي توصيف اللوحة عينة الدراسة وما تحمله من معاني ضمنية ومقاربتها سيميولوجيا، وعليه تندرج هذه الدراسة ضمن الدراسات الوصفية ذات المنحى التحليلي، فمن خلال استخدام مقاربة التحليل السيميولوجي تخوض هذه الدراسة في دلائل ومعاني اللوحة من خلال التحليل السيميـولوجي، وفي هذا الصدد قدمت الباحثة “جوليا كرستيفاJULIA KRISTEVA ” تعريفا للتحليل السيميولوجي: “بأنه مجموعة من التقنيات والخطوات المستخدمة للبحث في صيغ اكتمال حلقة الدلالة في نسق معين، هو الأسلوب العلمي الذي يكشف ويحلل وينقد المعنى في نظام ما، وينقد العناصر المكونة لهذا المعنى وقوانينه”[2].أما اللغوي الدنماركي هايمسلفلويسLOUIS HJEMSLEF فيعرف التحليل السيميولوجي: بأنّه: “مجموعة من التقنيات والخطوات المستعملة لوصف وتحليل شيء باعتبـار أن له دلالة في حد ذاته، وبإقامة علاقات مع أطراف أخرى من جهة أخرى”[3].
مفاهيم الدراسة:
- الكتابات الجدارية: تعتبر أسلوب قديم متجدد في الكتابة وايصال الأفكار باستخدام الأسطح أو الجدران، وهي محررة بخط اليد وبلغة الشارع حيث يفهمها العام والخاص لأهداف غير ربحية وغير تجارية، وتتراوح ما بين إضفاء الجمالية الفنية أو الإساءة القيمية لأدبيات المدينة، يعدها بعض الباحثين شكلا من أشكال العنف الرمزي، الناتج عن تحولات العنف المادي، وهو تحول مصاحب للتغيرات الاجتماعية والسياسيةوالاقتصادية والثقافية للمجتمع الجزائري وقد أصبحت لشريحة الشباب والمراهقين عبارة عن تعبير حر على الواقع المعاش[4].
- وتعرف أيضا بأنها: نوع من الخطاب الكتابي اللا مشروع اجتماعيا، والذي يتخذ من الجدران وما يمكن أن يحل محلها مكانا للتعبير عن نفسه، ويتضمن كل ما من شأنه أن يلحق ضررا معنويا أو ماديا بالمرافق والأشخاص والمجتمع كله، ويكون نتاج دوافع عديدة ذاتية واجتماعية. وقد أطلق عليها اسم الكتابات الجدارية لتواجدها على الجدران بغض النظر عن المان المتواجدة فيه، وتجمع فيها كلمة كتابات ورسومات للإلمام بمعناها، وفي اللغة الاجنبية تسمى ب: Graffitiنسبة إلى كلمة Graff وتشير كلمة “غرافيتيgraffitti في اللغات الأوروبية إلى أي رسـم أو نقش أو كتابة على الجدران، والتي قد تتراوح بين نقش بسيط ولوحة فنية معقدة. وكلمة غرافياتوgrafiato التي تعني خَدش أو َخَمش أو َحك سطحا[5].
- يعرفها Bilodeau بأنها: عبارة عن كلمات ورموز وإشارات أو شفرا تتجسد في معناها جملة من المضامين المختلفة والتي كتبها أصحابها بغية إيصال رسالة ما أو التعبير عن أشياء معينة، ولفهم الكتابات الجدارية يجدر فهم وفك تلك الرموز، وهي عادة ما تعبر عن عادات وتقاليد وأعراف المجتمع الذي ينتمي إليه كاتبه، ويضيف بأن: “الكتابات الجدارية هي تعبير عن الثقافة الحضرية، وتعتبر تدريجيا أكثر شعبية عند الشباب وعند معظم الطبقات الاجتماعية”[6].
- الحراك الشعبي: يعرف بأنه “جهود منظمة يبذلها عدد من الناس المؤثرين تهدف إلى تغيير جانب أساسي أو أكثر في المجتمع، بعبارة أخرى هي الجهود المنظمة التي يبذلها مجموعة من المواطنين بهدف تغيير الأوضاع، أو السياسات، أو الهياكل القائمة لتكون أكثر اقترابا من القيم الفلسفية العليا التي تؤمن بها الحركة”[7].
كما يعرف بالحركة الاجتماعية تسعى إلى إحداث التغيير الاجتماعي من خلال جماعات من الأفراد، وعادة ما تقوم الثورات الاجتماعية ضد الحكومات، فالحركة الاجتماعية هي حركة جمعية مقصودة لإحداث تغيير في أي اتجاه وبأي وسيلة، كما تضم الحركات العنيفة غير القانونية، والثورات التي تعمل من أجل التغییر الكلي في بنیة المجتمع. فالتزام الحركة الاجتماعية بالتغيیر والتنظيم الذي يميزها إنما يرتكزان على الإرادة الواعية والالتزام المعياري بأهداف ومعتقدات الحركة الاجتماعية[8].
ويرى الباحث صالح عبد الرزاق فالح الخوالدة أنه: “موجة الاحتجاجات والمظاهرات والاضطرابات التي عمت العديد من الدول العربيـة مـع بداية عام 2010م وبدايـة عـام 2011م ، وكانـت تـدعو إلى مزيـد مـن الديمقراطيـة والحريـة والتعددية السياسية وتحقيق العدالة الاجتماعية، وكانت في بدايتها سلمية وبدون عنف في تونس وفي مصر واليمن، ونتج عنها تغيير النظام السياسي القائم، ثم أصبحت أكثـر عنفـاكما في ليبيا وسوريا ونتج عنها تغيير النظام السياسي في ليبيا، ومازالت المعارضة السورية المسلحة تحارب النظام وتطالب بإسقاطه وهنـاك مظـاهرات ودعـوات مـن أجـل المزيـد مـن الإصلاحات السياسية في عمان والأردن والمغرب والبحرين[9]“.
أولا: الكتابات الجدارية بحث في الماهية والتطور.
برز مؤخرا فن الغرافيتي بشكل كبير في شتى البلدان على اختلافها وتنوعها وتباينها من بلدان متقدمة ومتخلفة، ويعد هذا الفن من أقدم الفنون الذي مارسه الانسان منذ تواجده على الأرض، وهو جملة الكتابات والرسومات أو حتى النقوش المجسدة على الجدران الحجرية أو الطينية أو الإسمنتية، وهو بمعنى آخر كل الخربشات المعبرة عن الآراء والأفكار المقهورة، فهناك من يفسره على أنه عنف رمزي موجه للعامة من المجتمع والخاصة منه كرد فعل على ما يمارس عليهم[10]، ففن الغرافيتي أو الكتابات الجدارية تراث إنساني عرف منذ القدم، حينما كان يدون ما يقوم به من نشاطات وما يفكر فيه من آمال وتطلعات ويعبر من خلالها عن مشاكله وهمومه، وكذلك تجسيد لعادات وتقاليد عرفها الفرد خلال الحقب الزمنية، وبالتالي فهي إرث إنساني مشترك وإن كان يختلف من مجتمع لآخر تبعا لطبيعة البيئة الجغرافية والثقافية السائدة.
ويعود الاهتمام بهذه الظاهرة إلى البحوث الأثرية التي قام بها علماء الآثار، حيث بينت هذه الدراسات أن الكتابات والرسومات الجدارية ارتبطت زمانيا بميلاد الإنسان ما قبل التاريخ حين أعلن عن تواصله مع الطبيعة، وجسد اتصاله بالعالم المحيط به من خلال تلك الرسوم والنقوش التي حفرها على جدران الكهوف والمغارات التي كان يسكنها، وهذا ما أكدته المكتشفات الأثرية ومثال ذلك: النجوم الثلاث المرسومة على جدران كهوف ” لاسكو” في فرنسا والتي تعود إلى ما يقارب 16500عام خلت، كذلك الأمر بالنسبة لكهوف التاسيلي في الجزائر حيث وجد في تلك الكهوف نقوشا ورسومـات عجيبة يعود تاريخها إلى 20000 سنة[11].
وتعود أسباب تنامي ظاهرة الكتابة الجدارية في العالم إلى العديد من المصوغات والأهداف المختلفة والتي تتنوع بين أسباب سوسيو-اقتصادية كتراجع الأدوار التقليدية التي كانت حكرا على الأسرة والمدرسة، وغياب الرقابة والتوجيه يحدد سلوك المراهق واختياراته، وتقلص الفضاءات للأبناء للتعبير عن آرائهم في أسرهم قبل المدرسة والمجتمع يجعل الجدران الملاذ للتعبير الحر. بالإضافة إلى الأسباب السياسية التي حفزت بعض الشباب للكتابة على الجدران لأهداف دعائية أو ترويجية لبرامج ومخططات قادة رأي السياسيين، أو للتعبير عن سخطهم عن الوضع السياسي الذي يعايشونه، كذلك هناك العامل الثقافي لا طالما اعتبرت الكتابة الجدارية على أنها خارج إطار الرسمي للثقافة لأنها نمت وتبنتها جماعات هامشية هي في العرف الثقافة الرسمية الخارجة عن محورها، كحركة مضادة لحركة التنظيم الآخر فتنعت أنها ثقافة فلكلورية هامشية مضادة. على الرغم من أنها “متوج وموروث ثقافي حضري” يعكس ثقافة شعبية غير نخبوية، وأيضا للأسباب النفسية دور مهم في تنامي هذا الفن والتي تفسر بأنها تجسيد الصراع الأنا والأنا الآخر، ومحاولة الفرد للبحث عن تحقيق الذات في المجتمع[12].
وعليه هناك العديد من نماذج الكتابة الجدارية التي تولدت عن هذا الفن وقد عددها الباحثون في الأنواع التالية[13]:
- نموذج تاغ :(Tag) هو امضاء سريع يرافق الغراف ويحمل اسما أو اسما مستعارا، يمكن أن يكون تسجيلا بأحرف كبيرة، غالبا ما تكون بالأسود، يطلق عليها الفرنسيون عبارة “ثرثرة الشوارع”.
- نموذج الغرافيتي بالرسم (Le graffiti dessin) : نموذج يستعمل رذاذا وبخاخات لونية يمكن أن تصل فيها الكتابة والرسم شكل قطعة فنية باستخدام مفرط للألوان ويتطلب إنجازها الكثير من الاحترافية.
- نموذج الهزلي (La maquette ou spaetcho): نموذج يرسم غالبا بقلم الرصاص بصورة هزلية كاريكاتورية مضحكة لشخصية ما وفيها الكثير من روح الدعابة.
- النموذج الثلاثي الأبعاد: (3D) هو عبارة عن كتابات لأحرف بأشكال مثلثات أو مربعات باستعمال لونين فقط وتضامن بين مكونات القطعة مما يعطي انطباعا بالثقل، وهو الطبع الأسهل والميسور للقرارة لا يحتاج تصميمه الى خلفية، هذا النوع موجود بطريقة أكثر حداثية، تعرف باللغة الانجليزية stylo.
- نموذج TTB: يكتب من الأعلى إلى الأسفل ويدون على جميع أنواع الأسطح والمساحات ويستلزم تصميمه القليل من الألوان والمؤثرات.
- نموذج الغرافيت الحر (wild style and free): يوصف بأنه نموذج متوحش، وهو نوع يستعمل فيه الحروف وتظهر بصورة ديناميكية متحركة يمكن أن تتحول الحروف إلى نقاط أو أسهم يصعب فك شفراتها ورموزها، وبالتالي تحليلها مع حرية تامة في التعبير، الكتابة في هذا النموذج تكون بصفة شبه مقروءة، تحمل عبارات بذيئة ونابية.
- نموذج الفقاعات أو البخاخات: (Bubble style or throwup) يعرف على أنه كتابات بأحرف مكورة أو مستديرة شبيهة بالفقاعة يقترب من نموذج التاغ، يمكن أن يستعمل الحرف لمرة واحدة بصورة دائرية، مع بعض مؤثرات التقنيات.
ثانيا: الكتابات الجدارية: فن للتعبير عن الاحتجاج والمقاومة.
تتمركز الكتابات الجدارية خاصة في الشوارع الشعبية أكثر من المدن الكبرى وهذا راجع إلى أن الشوارع الشعبية عادة أكثر فقرا ومعاناة من غيرها، لذلك يعد ممارسو الكتابات الجدارية كمجال للتنفيس عن حياتهم اليومية ومكانا للمطالبة بحقوقهم وتسوية وضعياتهم، فالكتابات الجدارية تعبر عن مكبوتات وشخصية فاعلها، وتحاكي مشاكهم المتعددة ووضعياتهم اجتماعية، اقتصادية، نفسية…، وقد فسر بعض الباحثين أن الكتابات الجدارية هي أداة تفريغ وتخفيف عن التوترات والمشاكل ومحاولة الوصول على الراحة النفسية من خلال تفريغ المشاعر السلبية والمكبوتات الدفينة،
حيث معظمها تأخذ طابع المطالبة بالحقوق المسلوبة.
من جهة أخرى يعمد البعض لمكافحة ظاهرة الكتابات الجدارية من منطلق ومبدأ أنها محاولات تخريب للممتلكات الخاصة والعامة، من طرف أفراد مجهولين، يحاولون ترك بصماتهم عليها، وبالتالي ينادون برفضها وتجريم مرتكبيها ومعاقبتهم، يعتبر الكثير ظاهرة الكتابات الجدارية شكل من أشكال التلوث البيئي، والإيذاء المعبر عن تدني الفهم والإدراك والثقافة المدنية، فضلا عن الثقافة الذاتية التي تدعو إلى إماطة الأذى عن الطريق، فالكثير من الكتابات الجدارية تعكس جهل صاحبها بقواعد اللغة العربية، وخاصة قواعد الإملاء، كما أن أغلب العبارات المكتوبة تثير نوعا من الاشمئزاز والسخرية، بينما يرى البعض الآخر أنها هوايات، وممارسات فنية بما سموه فن الغرافيتي أو فن الشارع، فدافعو بذلك عن هواتها، بل وبادروا إلى تنظيم معارض خاصة بها[14].
ثالثا: التحليل السيميولوجي لعينة الدراسة:
1: الوصف
أول ما يلفت انتباهنا في الغرافيتي قيد التحليل؛ شكل بشري يمثل المركز البصري للصورة، يظهر الجزء العلوي من جسد شاب يرتدي العلم الجزائري حتى الجزء السفلي من فمه، يبدو رأسه جانبيا قليلا إلى اليسار، فيما يظهر أن عيناه مغلقتان وفمه مفتوح، يضع على رأسه قبعة رياضية سوداء يتخللها اللون الأصفر، وتظهر تحته مباشرة عبارة باللغة الفرنسية تمتد من اليمين إلى اليسار كتبت بخط غليظ امتزجت فيها الألوان الثلاث الأخضر الأحمر والأبيض، وهي عبارة la liberté، على اليمين أعلى الصورة يُلاحظ شكل معماري مقوس على شكل الحرف V مقلوب، وفي الجهة المقابلة (اليسار) تلفت انتباهنا عبارة الحرية التي وردت بشكل عمودي، وجاءت خلفية الصورة مزيجا منعدة ألوان على شكل طبقات تظهر أحيانا وكأنها مكعبات، هي الأحمر والأخضر والأصفر والبرتقالي، كما تتخلل الصورة عدة نجوم بعضها خضراء اللون والبعض لونها أصفر.
2: المستوى التعييني
- الرسالة التشكيلية:
الحامل: ورد هذا الغرافيتي على جدار إحدى العمارات وقد تم تداوله على صفحة ART.
الإطار: جاءت الصورة محدودة فيزيائيا بإطار ذو مقياس 550×400 pixels
التأطير: تم التركيز في هذه الصورة على الشكل الأيقوني في مركز الصورة، وكذا الأشكال المعمارية والرسالتان الألسنيتان، فهي العناصر الرئيسية التي ركز عليها رسام الغرافيتي لنقل الفكرة الجوهرية.
زاوية التقاط النظر واختيار الهدف: تبدو الصورة في شكل مقابل للقارئ لإثارة اهتمامه، إلاّ أنّ زاوية اختيار المشهد فيها جانبية قليلا من اليمين إلى اليسار، ففي الصورة نلاحظ أن الشكل البشري أكثر جلاء ووضوحا، لأنه محور الموضوع وأساسه، فقد تم وضعه في زاوية التقاط مناسبة ومواتية.
شكل يمثل زاوية اختيار المشهد
التركيب والإخراج: إن أشكال الصورة واضحة بسيطة مركبة بشكل عادي، تدركها العين مباشرة، ليتم الانتقال إلى الرسالة اللغوية، بحيث توجه قراءة هذه الصورة على حسب أهمية الأشكال والعناصر المكونة للصورة كما يلي:
- شكل بشري
- شكل معماري
(2)
(1)
شكل يوجه قراءة الغرافيتي
الأشكال:
- أشكال هندسية (مستطيلات ومربعات) تمثل مباني.
- شكل هندسي (مثلث) يمثل مبنى.
- شكل هندسي (عشاري) نجوم.
- خطوط منحنية تعبر عن الحركة (مؤثرات كرتونية).
الألوان والإضاءة: جاءت أشكال الصورة متعددة الألوان حيث تمايزت بين الأحمر، الأخضر، الأصفر والبرتقالي وهي تمثل لون الخلفية، والبني المائل إلى الصفرة مَثَل لون المبنى أعلى يمين الصورة، كما وردت الألوان (الأبيض الأخضر والأحمر) في الرسائل الألسنية وفي العلم الجزائري بالتحديد، كما يظهر اللون الأسود في قبعة الشكل البشري، أما فيما يخص مصدر ورود الضوء إلى الصورة فهو الجهة العلوية من اليمين كما يوضحه الشكل أدناه:
شكل يوضح مصدر ورود الضوء.
- الرسالة الأيقونية
الدوال الأيقونية | المداليل في المستوى الأول | التضمين في المستوى الثاني |
شكل بشري | الشباب الجزائري | الوطنية-تحمل المسؤولية-المواطنة- الأمل-الحرية. |
أشكال هندسية | مقام الشهيد نجوم العلم الجزائري | الثورة التحريرية، شهداء الجزائر-القوة، الصلابة والأمان. مظاهر الاحتفال، الأمل- الغد المشرق. الشموخ، الافتخار بالانتماء. |
- الرسالة الألسنية:
أُرفق الغرافيتي برسالة ألسنية تمثلت في العبارتين التاليتين:
- La liberté : جاءت هذه العبارة باللغة الفرنسية بالبنط العريض على شكل عنوان تحفيزي في أسفل الصورة، وردت بثلاث ألوان الأخضر، الأحمر والأبيض، وهي تشير إلى مسعى الشعب الجزائري في فك القيود المفروضة عليه ونيل حريته.
- الحرية: جاءت هذه العبارة باللغة العربية بخط أبيض عريض وبشكل عمودي.
بالرغم من أن الصورة تبدو دون الرسالة الألسنية تحيل مباشرة إلى الحراك الشعبي، إلا أن الرسالة اللغوية قد وضحت مغزى الصورة، والذي مفاده أن مطلب الشعب الجزائري الأساسي في حراكه هو الحرية، إذ أنها قامت بأداء وظيفتي المناوبة والترسيخ، كذلك أدت وظيفة التوجيه والتبليغ.
3: المستوى التضميني
يعبر هذا الغرافيتي عن الحراك الشعبي الذي تعيشه الجزائر في خضم المسيرات والاحتجاجات التي يشهدها البلد منذ 22 فيفري 2019، جراء تنامي الفساد السياسي والاقتصادي وتنامي الظواهر الاجتماعية السلبية من قبيل البطالة والهجرة غير الشرعية، إذ انتشرت مشاعر الإحباط والأسى في الفضاء العام الجزائري قبل الحراك، ذلك أن الوضعية المتأزمة للبلد شكلت عقبة في مسار بناء دولة ديمقراطية، وسرقت جزءا من شبابها وأحلامها وسط شعور عام بالسخط بسبب الحصيلة الهزيلة التي تحققت في ظل نظام الرئيس السابق (عبد العزيز بوتفليقة)، وارتفاع عدد العاطلين عن العمل، وتفاقم مظاهر الفقر وعدم تحقيق المطالب الأساسية للمواطن خاصة السياسية والاجتماعية منها، فالمواطن البسيط لا يرى تغييرا في الوضع، وعلى المستوى السياسي تعالت الانتقادات الموجهة للنظام السياسي الذي اتهم بفشله في تسيير المرحلة.
لقد باتت الحرية بمثابة أهم مطلب للشباب المحتج بعد قيام حراكه، إذ شهدت البلاد عديد المسيرات والوقفات الاحتجاجية المطالبة برحيل النظام السابق ورموزه، وتغنى الشباب بأهازيج شعبية تدعو إلى الحرية، كما حملوا شعارات منادية في أغلبها بالديمقراطية، وهذه الفكرة التي يحاول الرسام تمريرها في صورته؛ فالشكل الأيقوني الذي يرتدي العلم الجزائري يحيل إلى فئة الشباب الجزائري، إذ أن ملامح وجهه والقبعة الرياضية التي يرتديها تدل على كونه شاب في مقتبل العمر كما تحيل بشكل آخر إلى ديناميكيته وتعطشه للحرية، وترمز في سياق دلالي مكثف إلى وطنية الشاب الجزائري وتعلقه بوطنه، حيث لطالما ارتبط حب الوطن في المخيال السوسيو ثقافي للمجتمعات على اختلافها بحمل أو ارتداء العلم الوطني، واعتبر هذا الفعل بمثابة رمز للانتماء والوطنية، كما حددت بعض السياقات المتأزمة من قبيل الحركات والاحتجاجات الإيحاء الرمزي لهذا الفعل باعتباره سلوك احتجاجي ونسق مقاوماتي يعبر من خلاله المواطن عن مطالبه عبر شعارات ضمنية تختزلها صورة العلم باعتباره رمز مقدس يحمل تناصا تاريخيا عابرا “للزمان” ويحيل إلى الثورة التحريرية بالتحديد ليؤرخ للماضي، ويستشهد ضمنيا بالثورة التحريرية وشهدائها الذي ضحوا بحياتهم من أجل أن يبقى العلم الوطني شامخا (أي في سبيل الوطن)، لذلك فإن ارتداء شاب للعلم الجزائري أثناء احتجاجه في “المكان” يعبر عن مدلول جوهري مفاده ” أنا أحتج علنا”، كما يوحي بأن الوطن (الجزائر) هو المتضرر الوحيد من سياسات النظام الجزائري، وهذا ما تعمد الرسام الكاريكاتوري إظهاره من خلال شخصية هذا الشاب المحتج، مما يوحي بتضرر الوطن والشعب على حد سواء من الفساد المتفشي في الأوساط السياسية، ولقد حاول الفنان إثبات ديناميكية ورغبة الشاب في إيصال رسالته وكذا شخصيته النضالية من خلال ملامح وجهه (عيناه المغمضتان وحركة فمه المفتوح بشدة) ليحيلنا هذا المشهد على دلالات ومعاني مترابطة ومرتبطة برمزية الصراخ كفعل احتجاجي يعبر عن الخيبة والاستياء والغضب، ويحيل بصورة ضمنية إلى الكبت الذي يعاني منه الشباب بسبب الانتقاص من حريتهم والتغاضي عن حالتهم المتأزمة، إذ أن رمزية هذا الفعل الاحتجاجي تتجاوز حدود ردة الفعل لتنتج نسقا مقاوماتيا يندرج تحت منظور أنا أصرخ في وجهك/النظام، ويعيد إنتاج مفهوم هذا الفعل ويصبغه بمقومات التحدي والصلابة لينتج قيمة رمزية أخرى مفادها :”أنا لا أخاف منك/منكم”، وبذلك فإن الصراخ بدل أن يعكس معاني الخوف والقلق الشديد تحول في هذا النسق المرئي الألسني إلى صرخة قوية تنم عن الشعور بالثقة والأمل في تغير أوضاع البلد والصمود في وجه الطغيان.
أما فيما يخص وضعية جسد الشاب، فهي تحمل دلالات بليغة؛ فالجسد ككل وكأجزاء في نفس الوقت، يُولِّد معطى انفعالي وغريزي وثقافي عام، ولكن هذا المعطى لا يدرك إلاّ من خلال الأجزاء، ولا يستقيم وجود هذه الأجزاء إلا من خلال اندراجها ضمن هذا الكل الذي هو الجسد…”[15]، فالجسد والهوية هي الثنائية التي وظفها الفنان في رسمه؛ جسد الشاب الذي يستوطنه العلم الجزائري هو جسد الطهارة، وهو يرمز لآلام الوطن وحبه وحنانه.
كما يتجلى مطلب الحراك في الرسائل الألسنية الواردة la liberté-الحرية والتي تعبر عن الهدف الأساسي للحراك، فلفظ الحرية شحنت على مدى الحقب والثقافات بدلالات خصبة وملتبسة، وترددت في خطابات فلسفية ودينية واجتماعية وسياسية… كما وردت بحمولات دلالية متفاوتة بين الإطلاقة والتحديد، بين النظرية والتطبيق، وقد رفعت الحرية شعارا بوصفها مثلا أعلى وحلا للمعضلات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية[16].
أما بخصوص عبارة liberté الواردة بألوان العلم الوطني، فاللون الأخضر فيها هو لون يرمز للخير والنماء والحياة واستمراريتها[17]، وهويُستخدم كلونٍ قومي للدين الإسلاميّ، إذ ورد في القرآن الكريم في قوله تعالى: {عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ ۖ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا}[18]، فهو يدل في هذا الموضع على البدايات الجديدة، والكثرة، والصحة الجيدة، والأرض، والنقاء، والطبيعة، والنمو، والتفاؤل، والتجديد المستمر، والقوّة، والنشاط، والحيويّة، والخير، والسلام، بالإضافة إلى الحبّ، كما يرمز للجزائر فهو مبعث للأمل في مستقبل أفضل للبلد يتجاوز عثرات الحقبة الراهنة، واللون الأحمر ورد في الشطر الثاني من العبارة وهو لون متعدد الدلالات على اعتبار أنه من أوائل الألوان التي عرفها الإنسان في الطبيعة، فهو من الألوان الساخنة المستمدة من وهج الشمس واشتعال النار والحرارة الشديدة، ويستساغ معناه في هذه الصورة بدلالة الوطن بما أنه يمثل أحد ألوان العلم الجزائري. كما يشير هذا اللون في السياسة إلى الإثارة أو الدفع نحو تغيير اجتماعي سياسي جذري[19]، وتتجلى الأبعاد الإيحائية للون الأحمر في كونه يرمز للحب الذي يكنه الشعب لبلدهم الجزائر، أما الشطر الثالث من العبارة فقد ورد باللون الأبيض الذي يعد من ألوان العلم الوطني ليوحي بالطهارة والنقاء وسلمية الحراك.
سيميولوجيا دائما، ينشد هذا الغرافيتي طاقة تأويلية عبر اللون الأبيض في لفظة الحرية، فهو يبدو بسيطا وسهلا إلاّ أنه يخفي في العمق الكثير من الحذاقة وتقنيات التشكيل الفني، مما يكثف الرموز اللونية الثقافية ويزيد من الميل البصري، فالألوان حسب مارتين جولي هي “علامات مشحونة تشكل ضمانا لقراءة أمثل”[20]، لذا يمكن القول بأن اللون الأبيض يوحي إلى النقاء والطهر، ويوجه القارئ إلى قراءة أفضل للغرافيتي والتركيز على الغاية، دون أن يلهيه عن الغوص بمدلولات أخرى ليست ذات أهمية، فاللون الأبيض حسب فناني الرسم: “غيبوبة الألوان، إنه يشبه الصمت الذي يحتوي على كل إمكانيات المباشرة، يمكن استعماله كلون خلفي لإبراز أهمية الألوان الأخرى[21]، وتتنوع دلالة المدونات اللونية المتعددة في هذا الغرافيتي لتنتج حقل دلالي يحاجج في سيميولوجية الغرافيتي ووظيفته التواصلية، فلقد تعددت ألوان الخلفية وتدرجت بين الأحمر والأخضر والأصفر والأصفر القاتم وكذا البرتقالي لتعكس المشاعر وتبرز العمق والمستويات وتوحي بالحالة النفسية كما تجعل القارئ يركز على الرسالة الأيقونية.
أما النجوم في الرسم تجمل دلالتين تتعلق الأولى بالعلم الجزائري والذي تشير فيه النجمة إلى أركان الإسلام الخمس، كما تتراءى النجمة هنا كعلامة سيميائية تشير إلى مظاهر الفرح والاحتفال في أعياد الميلاد، هذه الدلالات المختلفة تقود إلى فكرة أساسية مفادها أن الحراك الشعبي في الجزائر ذو طابع سلمي تميز عن غيره بمظاهر الفرح والتكافل بين جميع مكونات الشعب، وهو ما تؤكده الأهازيج والأغاني المتداولة بما تحمله من سخرية وما تضفيه من سرور في أوساط المحتجين.
لقد كان للمكان دور دلالي في هذه الصورة إذ “يعد المكان عنصرا له دلالته الرمزية، فالمكان ليس مجرد ديكور لتزيين المشهد بل هو عنصر حقيقي فرض وجوده في النص والصورة”[22]،فقد جاءت المستطيلات والمربعاتفي هذا الرسم الجداري لترمز للامتداد، التطاول والنمو، واستمرار هذه الأحداث (الحراك) من جهة، كما ترمز من ناحية أخرى لمباشرة عملية بناء الوطن ذلك أنها تحيل إلى دلالة ترتبط ببنايات عديدة متراصة قرب بعضها البعض لترمز بذلك إلى عملية بناء البلد من جديد وتنشد تحسن أوضاعه.
سيميولوجيا دائما يحيل الشكل المعماري الذي يعد أيقونة لمقام الشهيد (رياض الفتح) على دلالة ثورية باعتباره نصبا تذكاريا مخلدا لنضال وتضحيات الشعب الجزائري في ثورته ضد المستعمر الفرنسي، فهو يرمز للمقدس ويستعير تناصه ليقدم حمولة دلالية بالغة الأهمية تحاجج في كون الحراك الشعبي في 2019 يعد امتدادا ونفسا آخر لثورة التحرير 1954، فـالنضال ضد المستعمر/الفاسد/المستبد يتحدد في هذا السياق رغم اختلاف الأزمنة كضرورة للحفاظ على الوطن وكمطلب أساسي لازدهاره.
أما النزعة التفاؤلية والأمل في غد أفضل تتحسن فيه الأوضاع فقد عبر عنه الرسام من خلال جل مدوناته اللونية ورسائله الأيقونية التشكيلية والألسنية الواردة في هذا الغرافيتي، ليقدم لنا مشهد مبطن يسترعي اهتمام المتلقي عند قراءته، كما يستحضر الرسام صورة الشاب الحامل للعلم الوطني كرمز جمالي لدى الشعب الجزائري وكرمز ثوري أخذ معناه من ثورة التحرير وحراك 2019 الناعم الذي اتسم بالسلمية.
خاتمة:
من خلال التحليل السيميولوجي يتبين أن الغرافيتي محل الدراسة يحمل في طياته العديد من المعاني السيميولوجية، وهو يرسم بشكل عام صورة متفائلة للوضع في الجزائر وتمفصلاته من حيث أن الشباب الجزائري يحبون بلدهم ويسعون لازدهاره، وأن النسق المقاوماتي لدى هؤلاء يرتكز على حقهم في الحرية، والفعل الاحتجاجي الذي يرافق مطالبهم ذو طابع سلمي يحمل رغبة صريحة في تجاوز الأوضاع المتردية التي يعيشها البلد والمرور بالجزائر إلى بر الأمان. فالصورة وإن بدت شحيحة الأشكال الأيقونية إلا أنها بالغة الدلالة خاصة وأنّ الرسام يحاول ترسيخ فكرة الصمود والسلمية في ذهن المتلقين، ويوظف حججه الدلالية ليطمئنهم على مستقبل بلدهم الذي سيعاد بناءه بسواعد شبابه.
ولعله من نافلة القول الإقرار بأن فن الغرافيتي ذو قدرة تعبوية تواصلية تتوائم مع الأحداث الفارقة من قبيل الحركات الشعبية، إذ يسعى هذا الفن لتمرير خطاب مقاوم يوظف النسق المرئي الألسني المضمر بحمولة دلالية تعبر فيها الخطوط والألوان والأشكال والإضاءة وغيرها من الدلائل التشكيلية والأيقونة ، عن الواقع بعيدا عن التنميق والمغالطات الإعلامية، فخصائص هذا الفن تتيح للفنان والمتلقي التواصل بلغة يفهمها كليهما وتعبر عن وضعهما بطريقة فنية ساخرة، تستعين بقدرة هذا الفن في الإفلات من سلطة الرقيب وقدرته في التطرق للمواضيع الحساسة دون الكشف عن اسم صاحب الرسمة.
قائمة المراجع:
- القرآن الكريم.
- أماني جمال عبد الناصر، “دلالة الألوان في شعر الفتوح الإسلامية في عصر صدر الإسلام”، مذكرة ماجستير غير منشورة،) الجامعة-الإسلامية غزة، كلية الآداب، 2010.
- حسين نايلي: تجدد الخطاب الاسلامي في ظل تطبيقات مواقع التواصل الاجتماعي -قراءة لعينية من الصور الدينية عبر شبكة التواصل الاجتماعي فيسبوك، مجلة الحكمة للدراسات الاعلامية والاتصالية، المجلد6، العدد1، 2018
- جبار كنزة: اتجاهات الطلبة الجامعيين نحو الكتابات الجدارية، دراسة ميدانية لعينة من الطلبة الجامعيين بجامعة الحاج لخضر باتنة، رسالة ماجيستير تخصص علم النفس الاجتماعي، كلية العلوم الانسانية والاجتماعية، جامعة محمد خيضر بسكرة، 2013-2014.
- زیام عبد النور: الاحتجاجات الشعبية في شمال إفريقيا وتأثیرها على عملیة التحول الدیمقراطي: دراسة حالة مصر 2011-2013، مذكرة مقدمة ضمن متطلبات نیل شهادة الماجستير في العلوم السیاسیة والعلاقات الدولية، تخصص: دراسات إفريقية، قسـم الدراسات الدولية، كلیة العلوم السیاسیة والعلاقات الدولیة، جــامعة الجـزائـر3، 2013/2014.
- سعيد بنكراد، “الجسد اللغة وسلطة الأشكال”، مجلة علامات، ع04، (1995).
- صالح عبد الرزاق فالح الخوالدة: أثر الحراك الشعبي العربي على الإصلاح السياسي في الأردن 2011-2014، العدد5، جانفي2016.
- طاهر سعود، عبد الحليم مهورباشة: المدينة الجزائرية والحراك الاحتجاجي مقاربة سوسيولوجية، مجلة عمران، العدد 8/15، خريف 2016.
- عامر نورة: التصــورات الاجتمـاعيـة للعنف الرمـزي من خـلال الكتـابـات الجدارية، مذكــرة مـكملــة لنيل شهادة الماجستير في علـم النفــس وعلـوم التربية، تخصص علـم النفـس الاجـتمـــــــاعـي، كلية العــلـــوم الإنسانية والاجتماعية، جامعـــــة الإخـــــوة منتـوري – قـسنطینة،2005-2006.
- عبدا لله توام،”دلالات الفضاء الروائي في ظل معالم السيميائية رواية الآن…هنا أو شرق المتوسط مرة أخرى لعبد الرحمان منيف -نموذجا”، مذكرة ماجستير غير منشورة،) جامعة أحمد بن بلة وهران، كلية لآداب والفنون، 2016.
- قنيفة نورة: الكتابات الجدارية في الوسط الجامعي…الوجه الآخر للعنف الرمزي… دراسة استطلاعية بجامع العربي بن مهيداي أم البواقي.
- كريم محمد: الكتابة الجدارية دراسة سوسيولوجية بمدينة مستغانم، مذكرة تخرج لنيل شهادة الماجستير في علم اجتماع -2012 2013 مستغانم، جامعة مستغانم.
- كهينة سلام (2005): الصورة الكاريكاتورية في الصحافة الجزائرية المستقلة دراسة سيميولوجية لصحيفتي ليبرتي والخبر أثناء الحملة الانتخابية –تشريعيات 2002-، مذكرة ماجستير غير منشورة، كلية العلوم السياسية والاعلام، جامعة الجزائر.
- مجموعة مؤلفين، “الحرية في الفكر العربي المعاصر، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، ط1، 2018.
- مليح مرد، “الألوان والإنسان”، مجلة حراء، العدد-2، مارس 2006.
- هند سعدوني «التشكيل المعماري في رواية الأسود يليق بك لأحلام مستغانمي”، مجلة مقاليد، العدد 08، 2015.
- Martine Joly, “Introduction à l’analyse de l’image”, (Paris : Edition Nathan, 1994)
[1]سمير محمد حسين: بحوث الإعلام، الأسس والمبادئ، ط2، عالم الكتب، القاهرة، 1995، ص13.
[2]حسين نايلي (2018): تجدد الخطاب الاسلامي في ظل تطبيقات مواقع التواصل الاجتماعي -قراءة لعينية من الصور الدينية عبر شبكة التواصل الاجتماعي فيسبوك، مجلة الحكمة للدراسات الاعلامية والاتصالية، المجلد6، العدد1. ص230)
[3]كهينة سلام (2005): الصورة الكاريكاتورية في الصحافة الجزائرية المستقلة دراسة سيميولوجية لصحيفتي ليبرتي والخبر أثناء الحملة الانتخابية –تشريعيات 2002-، مذكرة ماجستير غير منشورة، كلية العلوم السياسية والاعلام، جامعة الجزائر. ص13)
[4] كريم محمد: الكتابة الجدارية دراسة سوسيولوجية بمدينة مستغانم، مذكرة تخرج لنيل شهادة الماجستير في علم اجتماع -2012 2013 مستغانم، جامعة مستغانم، ص80 .
[5]قنيفة نورة: الكتابات الجدارية في الوسط الجامعي…الوجه الآخر للعنف الرمزي… دراسة استطلاعية بجامع العربي بن مهيداي أم البواقي، مجلة دراسات وأبحاث، المجلد5، العدد10، 2013، ص152.
[6] عامر نورة: التصــورات الاجتمـاعيـة للعنف الرمـزي من خـلال الكتـابـات الجدارية، مذكــرة مـكملــة لنيل شهادة الماجستير في علـم النفــس وعلـوم التربية، تخصص علـم النفـس الاجـتمـــاعـي، كلية العــلـــوم الإنسانية والاجتماعية، جامعـــــة الإخـــــوة منتـوري – قـسنطینة،2005-2006، ص 110.
[7]طاهر سعود، عبد الحليم مهورباشة: المدينة الجزائرية والحراك الاحتجاجي مقاربة سوسيولوجية، مجلة عمران، العدد 8/15، خريف 2016، ص97.
[8]زیام عبد النور: الاحتجاجات الشعبية في شمال إفريقيا وتأثیرھا على عملیة التحول الدیمقراطي: دراسة حالة مصر 2011-2013، مذكرة مقدمة ضمن متطلبات نیل شهادة الماجستير في العلوم السیاسیة والعلاقات الدولية، تخصص: دراسات إفريقية، قسـم الدراسات الدولية، كلیة العلوم السیاسیة والعلاقات الدولیة، جــامعة الجـزائـر3، 2013/2014، ص14.
[9]صالح عبد الرزاق فالح الخوالدة: أثر الحراك الشعبي العربي على الإصلاح السياسي في الأردن2011-2014، العدد5، جانفي2016،ص15.
[10] عامر نورة: مرجع سبق ذكره، ص5.
[11] عامر نورة: المرجع نفسه، ص118.
[12] عامر نورة: المرجع نفسه، ص224، 225.
[13]عامر نورة: المرجع نفسه، ص81.
[14]جبار كنزة: اتجاهات الطلبة الجامعيين نحو الكتابات الجدارية، دراسة ميدانية لعينة من الطلبة الجامعيين بجامعة الحاج لخضر باتنة، رسالة ماجيستير تخصص علم النفس الاجتماعي، كلية العلوم الانسانية والاجتماعية، جامعة محمد خيضر بسكرة، 2013-2014، ص70.
[15] سعيد بنكراد، “الجسد اللغة وسلطة الأشكال”، مجلة علامات، ع04، (1995)، ص52.
[16] مجموعة مؤلفين، “الحرية في الفكر العربي المعاصر، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، ط1، 2018.
[17]أماني جمال عبد الناصر:”دلالة الألوان في شعر الفتوح الإسلامية في عصر صدر الإسلام”، مذكرة ماجستير غير منشورة،الجامعة-الإسلامية غزة، كلية الآداب 2010، ص 23.
[18] سورة الإنسان: الآية21.
[19]مليح مرد، “الألوان والإنسان”، مجلة حراء، العدد-2،) مارس 2006 (، ص. 29
[20]– Martine Joly, “Introduction à l’analyse de l’image”, (Paris : Edition Nathan, 1994), p88.
[21]– هند سعدوني،”التشكيل المعماري في رواية الأسود يليق بك لأحلام مستغانمي”، مجلة مقاليد، العدد 08، 2015، ص192.
[22]– عبدا لله توام،”دلالات الفضاء الروائي في ظل معالم السيميائية رواية الآن…هنا أو شرق المتوسط مرة أخرى لعبد الرحمان منيفنموذجا”، مذكرة ماجستير غير منشورة،) جامعة أحمد بن بلة وهران، كلية لآداب والفنون، 2016 (، ص30.