الخصاص الأسلوبيّة في شعر الملك الأمجد الأيّوبيّ (ت628ه) شعر النّاقة أنموذجاً
Stylistic properties in the poetry of The king Al-Amjad Al-Ayoubi (D628)
” The Poetry of ‘Alnaaqa’ is a model”.
تقديم طالب الماجستير: ثائر خالد الحسين – إشراف: أ.د فيصل أصلان
جامعة البعث: كلّيّة الآداب والعلوم الإنسانيّة.
Presentation by the master student: Thaeer Khaled Alhussein- Supervised by Professor Dr: Faisal Aslaan.
Foundation affiliation: Al-Baath University.–
مقال نشر في مجلة جيل الدراسات الادبية والفكرية العدد 54 الصفحة 41.
ملخّص :
تعدُّ الناقةُ ركناً أساسياً في بناء قصيدة الأمجد الشعرّية، فلا تكادُ تخلو قصيدة من ذكرٍ لها، ووصفٍ لمسيرها، وحديثٍ عن صفاتها، إلى أن أضحى أثرُ بروزها في شعره واضحاً وحضورُها جليّاً، وهو ما لم يلتفت إليه كثيرٌ من شعراء عصره، وممّا سوّغ التوجه نحو البحث توظيف الأمجد شعر النّاقة فيما يزيد على ستمئة وخمسين بيتاً في قصائده، إضافة إلى كونها أوَّل دراسة تتناولُ الخصائصَ الأسلوبيّة لشعر النّاقة في ديوان الأمجد، ولما لها من أهمّيّة كبرى فقد درس البحث بدايةً المستوى الترّكيبيّ لأبيات النّاقة؛ متحدّثاً فيه عن التّقديم والتّأخير والحذف، ثم فصّل في الحديث عن الأثر الفنّيّ لشعر النّاقة، ومن ثمّ أبرز التّناصّ في شعر النّاقة مع نصوص من الشّعر القديم، وذلك لإبراز الخصائص الأسلوبيّة الّتي تميّز شعر النّاقة في قصائد الأمجد.
الكلمات المفتاحيّة: التّقديم والتّأخير، الحذف، الصّور الفنّيّAbstract :
‘Alnaaqa’ is considered essential corner in constructing Al-Amjad’s capillarity Poem. Probably there isn’t any Poem without mentioning of it, description of it’s walking and talking about it’s qualities , until the impact of it’s emergence in his Poerty became clear and it’s presence became clear.
Which didn’t pay attention to many of the poets of his time, and the justifieation for the trend towards the research is when Al-Amjad hired ‘Alnaaqa’ in more than sixhundred and fifty verses in his poems.
In addition to being the first study dealing with the stylistic characteristics of the poetry of ‘Alnaaqa’ in Al-Amjad’s Diwan(collection of poems), and because of it’s great importance.
The research at the beginning examined the structural level of the verses ‘Alnaaqa’ , Speaking about submission delay and delete , Then he cleared up in the talk about the artistic effect in the poetry of ‘Alnaaqa’ , Then he highlighted the harmony in the poetry ‘Alnaaqa’ with texts of ancient poetry , In order to highlight the stylistic characteristics which characterize the poetry of ‘Alnaaqa’ in the poems of Al-Amjad.
Key words : Submission , Delay , Delete , Professional photos and Harmony.
تمهيد:النّاقةُ راحلةُ الأعرابي في العصر الجاهليّ، ووسيلةُ سيره في الفيافي والصّحاري، عليها ينقلُ أمتعتَهُ، وبوساطتها يحصلُ على تجارته، وبها يقاسُ غناهُ وفقرهُ، وعلى ظهرها تسيرُ محبوبته، فالحياة مرتبطة بهذه الرّاحلة، ومن المعروف أنَّ طرفةَ بن العبد(ت60 ق ه) أكثر من وصف راحلته حتّى أنّه لم يدع عضواً من أعضائها إلا وصفَهُ وأمعنَ النّظر فيه، وكذلك فعل غيره من الشّعراء؛ كزهيرٍ، والمتلمّس، وقد أولى النّقاد والرّواة عناية كبرى بالإبل فألّفوا العديد من الكتب الّتي حملت اسمها، ومن أشهرهم كما ذكر الجاحظ(ت255ه)، وأبو حاتم السّجستاني (000، 248)، والأصمعيّ (122، 216)، وأبو عبيدة (110-209)، والنّضر بن شُميل(122- 203)، وأبو زياد الكلابيّ، وأحمد بن حاتم الباهلي (000-231)[1]. ولما نزل القرآن الكريم ضرب الله بها مثلاً للتّمعّن والتدبّر في خلق الكون فقال تعالى ﴿أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت﴾[2]، دلالة على عظمتها وقدرتها على تحمّل حرّ الصّحراء وقيظ الهاجرة، وما تحمله من صفات جسديّة ونفسيّة ملائمة لطبيعة الحياة في ذلك العصر.
وفي العصر الأيّوبيّ تفرّد الملكُ الأمجد الأيوبّيّ (ت628) عن شعراء عصره بكثرة توظيفه شعر النّاقة؛ حتّى غدت عنصراً أساسياً في بناء قصيدته، فوصفها مفصّلاً في صفاتها، متحدّثاً عن أحوالها، حتّى أغنى معجمه اللّغويّ بالحديث عنها وأكسب شعره جزالةً في الألفاظ ومتانةً في العبارات، وقد تناولت الدّراسة الخصائص الأسلوبيّة الّتي تميّز بها شعر النّاقة في قصائد الأمجد ، لما للأسلوبيّة من أثر كبيرٍ في إظهارِ مكامن النّصوص، وإبراز البنى التّركيبيّة الّتي تُميّزُ الشّاعر وتبرزُ شاعريته، وتبينُ قدرته على تجاوز الاستعمال المألوف، وتركزُ على الأمور الّتي تلفتُ الانتباهَ وتثيرُ الدَّهشةَ في نفس المتلقّي، فضلاً عن أنّها تتيحُ للشّاعر التّعبيرَ عمّا في نفسه من دون تقييده بأحكامٍ مسبقةٍ أو معاييرَ جاهزةٍ، وفي هذا يرى فتح الله سليمان أنَّ “الأسلوبية تتعامل مع النّصّ بعد أن يولدَ، فوجودُها تالٍ لوجود الأثر الأدبيّ وهي لا تنطلق في بحثها من قوانينَ مسبقة أو افتراضات جاهزة كما أنّه ليس من شأنها الحكم على قيمة العمل المنقود بالجودة والرّداءة”[3]، فالأسلوبيّة إذن تأليف ثمّ إبداع، وقد وقف البحث بدايةً على التّراكيب الأسلوبيّة من ناحية التّقديم والتّأخير لإبراز أثرهما في البيت الشّعري، وتأثيرهما على العناصر الأخرى، ثمّ تحدّث البحث عن الحذف لبيان دوره في إظهار مكامن الجمال، وجعله المتلقّي يؤوّلُ المحذوف بما يتناسب مع ذائقته اللّغوية وفهمه الأمور، ثمّ يظهر البحثُ الأثرَ الفنّيّ لشعر النّاقة في قصائد الأمجد؛ مفصّلاً في أنواعها بإبرازِ الصّور الحسّيّة البصريّة، والسّمعيّة، والصّور المفردة، والمركّبة على المستوى الدّلاليّ السّياقيّ، ثم يبرز تناصّ أبيات فيها شعر النّاقة مع نصوص من الموروث القديم.
الملك الأمجد الأيّوبيّ:
الملك الأمجد مجد الدّين أبو المظفر بهرام شاه بن فَروُّخ شاه بن شاهنشاه بن أيوب بن شاذي[4]، نشأ في دمشق، ودرس كعادة أبناء الملوك على كبار علماء عصره، غير أنّ المصادر القديمة لم تذكر شيئاً عن حياة الملك الأمجد الأوّلى، فبقيت ولادته مجهولة،[5] ويرجّح أنّه درس في مدرسة والده في دمشق المعروفة باسم (الفروخشاهية) [6]، فاستقى من علمائها علماً وافراً، وقد بدا ذلك جليّاً من خلال قصائده الشّعريّة الّتي أنبأت بثقافته الواسعة، وباطّلاعه على الموروث الشّعريّ القديم.
ولّاه السّلطان صلاح الدين الأيّوبيّ على بعلبك[7] بعد وفاة أبيه إذ يقول صاحب النّجوم الزّاهرة : “كان السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب أعطاه بعلبك عند وفاة أبيه سنة ثمان وسبعين وخمسمائة، فأقام فيها خمسين سنة حتى حصَره الملك الأشرف، موسى بن العادل، أبي بكر بن أيّوب، وأخرجه منها، وساعده عليه ابن عمّه أسد الدين شيركوه صاحب حمص فانتقل الملك الأمجد إلى الشام، وسكنها حتى قتله بعض مماليكه غيلةً، وكان فاضلاً شاعراً فصيحاً كاتباً، وله ديوان شعر كبير”[8].وقد حقّق ناظم رشيد ديوانه في رسالة نال بها درجة الماجستير في جامعة بغداد طبعت عام (1983م)، عرض في مقدمتها دراسة عن حياته وشعره، وشرح في حواشي الدّيوان المفردات الغريبة.
وشارك الأمجد في الحروب ضد الصّليبين مع القائد صلاح الدّين الأيّوبيّ ومن المعارك الّتي شارك فيها معركة (برج الذّبّان) الّذي يقع عند ميناء عكا.[9] وأمّا وفاته عند معظم المؤرخين سنة 628ه، ومنهم صاحب النّجوم الزّاهرة إذ يقول: “السنة الثالثة عشرة من سلطنة الكامل محمد بن العادل أبي أيوب على مصر وهي سنة ثمان وعشرين وستمئة، وفيها توفي بَهْرَام شاه بن فروخشاه بن شاهنشاه بن أيوب، الملك الأمجد صاحب بعلبك“[10]، غير أنّ المقريزي ذكر تاريخ وفاة الأمجد سنه627ه.[11]
وقد تميّز عموم شعره بجملة من الخصائص منها اتّصافه بالجزالة اللّفظيّة والمتانة التّركيبيّة، وبناء قصائده وفق طابع غزليّ أدرج ضمنها موضوعات أخرى كالخمريّات والحماسة ووصف الخيل والإبل ماخلا قصيدة واحدة جاءت في رثاء أمّه، وقد تجاوز عدد قصائده الشعرية 140 قصيدة، وبلغ عدد أبياتها4270بيتاً، وجاءت بحوره الشعرية وفقاً للبحور الشّعريّة التّقليديّة، وقلّ ورد البحور المجزوءة فيها، وخلت من الفنون الشّعريّة المستحدثة ماعدا مقطوعة قصيرة على الدّوبيت.
وبالنّظر إلى الدّراسات السّابقة:
لم نجد كتاباً أو رسالةً أو بحثاً تناول الخصائص الأسلوبيّة في شعر الملك الأمجد الأيّوبيّ- شعر النّاقة أنموذجاً- فكان ذلك دافعاً إلى الشّروع في دراستها في شعره.
لديوان الأمجد تحقيقان الأوّل: تحقيق ناظم رشيد المطبوع سنة (1983م)ببغداد، شرح في حواشيه غريب المفردات، والثّاني: تحقيق غريب محمّد علي أحمد المطبوع سنة (1991م)بمصر. ولم يرد لديوان الأمجد أيّ شروح.
هدف البحث:
- دراسة الخصائص الأسلوبيّة لشعر النّاقة في قصائد الأمجد على المستوى التّركيبيّ.
- دراسة الأثر الفنّيّ لشعر النّاقة في قصائد الأمجد على المستوى الدلاليّ.
- دراسة التّناصّ في أبيات من شعر النّاقة مع الموروث القديم.
منهج البحث:
ستعتمدُ دراسةُ البحث على الاستفادة من الأسلوبيّة بمنهجٍ وصفيّ، إضافة إلى المنهج التّاريخيّ في معرفة حياة الشّاعر.
أولاً- المستوى التّركيبيّ:
يظهرُ المستوى التّركيبيّ قدرةَ الشّاعر على التّحكم في أساليب التّراكيب الّتي يبدعُها، وخرقه الرّتب المحفوظة الّتي وضعها النحويون، وأوّلها البلاغيون، ثمّ بحث عن مكامن جمالها الأسلوبيون، ويعدّ الجرجاني من أوائل الّذين تحدثوا عن المستوى التّركيبيّ، وذلك حينما ربط نظم الكلام بالنّحو إذ يقول: “فليس النّظم إلا أن تضع كلامك الوضع الّذي يقتضيه (علم النّحو) وتعمل على قوانينه وأصوله وتعرف مناهجه الّتي نهجت فلا تزيغ عنها” [12]. فجاء كلام الجرجانيّ تأكداً على أهمّيّة التّركيب النّحويّ للألفاظ لبيان حسنها واتّساقها وترابطها مع بعضها، فقبولُ الكلام لا يتمّ إلا وفق القواعد النّحويّة الّتي لا يجوز الخلل بها، ولكنّ الحسنَ يأتي من توخي معاني النّحو الّتي تبرز القضايا الجماليّة، والّتي تعطي النّصّ قيمته من خلال تركيبه الّذي يميّزه عن غيره من النّصوص كما ذكر الجرجانّي في حديثه عن النّظم فقال: “لست بواجد شيئاً يرجعُ صوابه إن كان صواباً وخطؤه إن كان خطأ، إلى النّظم، ويدخل تحت هذا الاسم إلا معنى من معاني النّحو قد أصيب به موضعه، ووضع في حقه= أو عومل بخلاف هذه المعاملة، فأزيل عن موضعه واستعمل في غير ما ينبغي له فلا ترى كلاماً قد وصف بصحّة نظمٍ أو فساده، أو وصف بمزيّةٍ وفضل فيه إلا تجد مرجع تلك الصحة وذلك الفساد وتلك المزيّة وذلك الفضل إلى معاني النحو وأحكامه”[13]. فيكون بذلك الجرجانيّ قد بيّن أساسيات المستوى التّركيبيّ، فالمراد من كلامه بمعاني النّحو ليس معرفة الأساسيّات الإعرابيّة الّتي لا مجال للخطأ فيها، ولكن معرفة ما ينبئ به التّركيب النّحويّ من قضايا جماليّة تبرز شعريّة النّصّ الأدبيّ.
ومن أهم النّقاد الّذين كان لهم السّبق في العصر الحديث في دراسة النّصوص دراسة تركيبيّة رولان بارت إذ يقول مؤلفا معجم المصطلحات: “يعتبر النّاقد الفيلسوف التّركيبيّ الفرنسي رولان بارت Rolan Barthes رائد النظرية التّركيبيّة في النّقد الأدبيّ وذلك خاصّة في كتابه عن راسين (1963)، وكتابه :الكتابة في درجة الصّفر”[14]. ومنهم أيضاً جان كوهن في كتابه بنية اللّغة الشّعريّة الّذي عبر عن التّقديم والتّأخير بمصطلح (القلب)، وعدّه من القضايا الأسلوبيّة التّي تميّز المستوى الترّكيبيّ إذ يقول: “ولكن إذا وجهنا نظرنا صوب اللغة الشعرية، فسنجد القلب يتحقق بنسبة أعلى. هذه الصورة إذن صفة تميز الشّعر”[15]. فاللّغة الشّعريّة أظهر ما تبدو في المستوى الترّكيبيّ لكون التّشابه في القول الشّعريّ يكثر في الصّور والتّعابير، ولكنه يندر في التّراكيب الّتي تميّز كلّ أديب عن الآخر.
يهدف المستوى التّركيبيّ إلى دراسة اللّغة الشّعريّة من وجهة نظر تركيبيّة تتعلق بترابط عناصرها، وتقديمها وتأخيرها، وحذفها وذكرها، وتعريفها وتنكيرها، فضلاً عن دراسة إحصائية للظّاهرة الأسلوبيّة الّتي تسيطر على النّصّ المدروس إذ يقول مؤلفا معجم المصطلحات: “ومن موضوعات علم الأسلوب عند أصحاب النّظرية التّركيبيّة الوظيفة الشّعريّة لتركيب الرسالة الشّعريّة، وتحليل نقل المعاني عن طريق مفتاح لغويّ يمكن اعتباره نظاماً تركيبيّاً للغة ومحاولة استخدام علم الإحصاء لاستنباط النّظم أو التّراكيب الأسلوبيّة للغة بحالها أو لنصّ أدبيّ معين فيها”[16]. ويعملُ المستوى التّركيبيّ على إظهار التّراكيب الّتي تتجاوزُ المألوفَ وتنحرفُ عن السّياق المعهود، وفي هذا يرى محمد عبد المطلب أنَّ “أيّ تغيّر في النّظام الترّكيبيّ للجملة يترتبُ عليه بالضّرورة تغيّر في الدّلالة وانتقالها من مستوى إلى مستوى آخر”[17]، إضافةً إلى أثره في إظهار أهمّيّة التّقديم والتّأخير ودوره في دراسة الحذف الذّي يردُ لأغراضٍ متنوّعةٍ، منها إدهاش المتلقّي، أو إثارة انتباهه، كما أنّه يبرزُ أهمّيّةَ الالتفات من أسلوب إلى آخر، ومن ضمير إلى آخر، ويبيّنُ مواطنَ الفصل والوصل الّتي تشكّلُ ظاهرةً أسلوبيّةً، وأمّا البحث فسيختصُّ في الحديث عن التّقديم والتّأخير والحذف على المستوى التّركيبيّ لإبراز أثرهما في إظهار الخصائص الأسلوبيّة.
التّقديم والتّأخير:
يعدُّ التّقديمُ والتّأخيرُ من أهمِّ الخصائص الأسلوبيّة الّتي تبرزُ قدرةَ الشّاعر على التّحكم في بنية التّركيب اللّغويّ، وذلك لما للتّقديم والتّأخير من أهميّة في إبراز خفايا النّصوص وإظهارِ دقائق الأمور، ويعدُّ عبد القاهر الجرجاني (ت474ه) من أبرز من تحدَّث عن التّقديم والتّأخير، فقد بيّن أثره في إظهار شعريّة الأبيات بقوله: “هو باب كثير الفوائد، جمُّ المحاسن، واسع التصرف بعيد الغاية، لا يزال يفترُّ لك عن بديعةٍ، ويفضي بك إلى لطيفة، ولا تزال ترى شعراً يروقك مسمعهُ ويلطف لديك موقعه، ثم تنظر فتجد سبب أن راقك ولطف عندك أنْ قُدّم فيه شيء، وحُوّل اللّفظ عن مكان إلى مكان”[18]، فحسنُ الأبيات وجمالُ الصّياغة قد يكونان من قدرة الشّاعر على تقديم ما حقّه التّأخير، وتأخير ما حقّه التّقديم، ولا يأتي الشّاعر بالتّقديم أو التّأخير الّذي يحقّق ظاهرة أسلوبيّة إلا لغاية معنويّة أو صوتيّة، أو للتّعبير عن رؤى فكريّة أو قضايا جماليّة.
فالتّقديمُ والتّأخيرُ يزيدُ من شعريّة الأبيات؛ لانزياحها عن اللّغة المألوفة والرّتبة المحفوظة، وعدولها عن المستوى المحدّد، ويرى سامح رواشدة في حديثه عن الانزياح التّركيبيّ أنَّ “الانزياح التّركيبيّ- التّقديم والتّأخير- لا يكسر قوانين اللّغة المعياريّة ليبحث عن قوانين بديلة، بل يخرق القانون باعتنائه بما يعدُّ استثناء أو نادراً فيه”[19]، فالخاصية الأسلوبيّة تظهر فيما يحقّقُ التّقديم والتّأخير من انزياح عن المألوف، وخرق المعهود، وكسر رتابة الإيقاع، وذلك للتّعظيم أو التّحقير، أو لإثارة انتباه المتلقّي، أو لفت انتباهه.
1- تقديم الجارّ والمجرور على الفاعل:
عُني الأمجد بتقديم الجارّ والمجرور على الفاعل، وتأخير الفاعل على فعله، وهو من الشعريّة، ممّا يدفع إلى إمعان النّظر في السّياق لاستجلاء المفاد، يقول[20]: [البسيط]
يُعيدُهنَّ، على رغم الرَّقيب، كما | قد كنتُ أعهدُ وخدُ الأينق الخُنُفِ | [21] |
ورد فاعل الفعل (يعيدهنَّ) في البيت مؤخّراً، وهو (وخدُ) النّاقة السّريعة الّتي تعيدُ الأحبّة، وقد فصل الشّاعرُ بين الفعل وفاعله بالجارّ والمجرور والمضاف إليه، والفعل النّاقص واسمه، والفعل التّام وفاعله، ممّا يدلُّ على قدرة الشّاعر على تجاوز المألوف، والانزياح عن الرّتبة المحفوظة الّتي وضعها النّحويّون، وأفاد منها البلاغيّون والأسلوبيّون، وفي هذا يرى أحمد ويس أنَّ المبدعَ ربّما لا يروقه هذا التحديد بعض الأحيان، فلا يكتفي بالوقوف عند حدود الرتب غير المحفوظة بل يتعداها إلى التّصرّف فيما يقال إنَّه رتب محفوظة، ويتأكّد هذا عند الشّاعر صاحب الفرديّة المتميّزة، فتراه لا يبالي بهذه الرّتب غير المحفوظة إذا ما رأى أنَّ التّصرف فيها مؤدّ إلى غاية فنّيّة لا تكون إلا به”[22]، فجاء تجاوزُ الأمجد الرّتبة المحفوظة بتأخيره الفاعل عن موضعه، وتقديم الجارّ والمجرور، فانزياح الشّاعر عن المعيار المألوف والقاعدة المتداولة بعدّة جملٍ متتاليةٍ يُبرزُ شعريّة البيت ويُبعدُهُ عن رتابة السّرد، وما ورد الفاعلُ مؤخّراً إلا لتّأكيد أهمّيّة النّاقة وسرعتها ورغبة الشّاعر في الوصول إلى الأحبّة، فالقضايا النّحويّة تساعدُ على فهم خفايا النّصّ الأدبيّ، وتبرزُ قدرة الشّاعر على تأخير المسند إليه، لتشويق المتلقّي، والتّأثير فيه.
2- تقديم الجار والمجرور على المفعول به:
ومن الأبيات التي ورد فيها تقديم الجارّ والمجرور على المفعول به قول الشّاعر[23]: [الطّويل]
يَطُسنَ بركبانِ الغرامِ على الوَجا | إلى جيرةٍ بالرَّقمتينِ، اليرامِعا | [24] |
بدأَ الشّاعرُ بيتَهُ بالفعل (يَطُسن)، وفصلَ بينه وبين مفعوله بأربعة مجرورات، تنوَّعت فيها حروف الجرّ (الباء، على، إلى)، ممّا أعطى البيت إيقاعاً متناغماً، وقد جاء تأخير الشّاعر المفعول به إلى آخر البيت لغايتين أسلوبيّتين، الأولى: جماليّة، والثّانية صوتيّة، فأمّا الجماليّة: فلإثارة انتباه القارئ ودفعه إلى إرصاد المفعولِ به من بداية الدّفقة الشّعريّة، وبذلك تعلو أصداء الإيقاع لتصلَ إلى ذروتها بالمفعول به، وأمّا النّاحية الثّانيّة: فهي الصّوتيّة، وقد أظهرت جانباً من براعة الأمجد الأسلوبيّة؛ بتأخيره المفعول به لرصد حروف القافية، ويرى الطّرابلسيّ أنَّ من دوافع التّقديم والتّأخير عند الشّاعر “أن يرصد لفظاً ما للقافية فيجعله مقطعاً ينتهي يه البيت ويتوّج به الكلام في غير مرتبته النّحويّة”[25]، وعلى ذلك فإنّ تأخير الشّاعر المفعول به لرصد حروف القافية يدلّ على قدرة الشّاعر النّحويّة، يقول أحمد الشّايب: “تراكيب الشّعر أكثر حريّة في تأليف كلماتها من حيثُ التّقديم والتّأخير، وذلك ناشئ عن قصد التّوفيق بين وزن الشّعر وحركة العبارة فتبدو الجمل في نظام غير طبيعيّ، على أنّ شيئاً من ذلك قد يكون لغرض معنويّ أو فنّيّ”[26]، وذلك لكون الشعر قد يدفع المبدع إلى تقديم الفضلى وتأخير العمدة، لإيصال ما يريد التّعبير عنه إلى قارئه، وقد يكون الهدف من التّقديم والتّأخير التّوفيق بين الإيقاع الخارجيّ والدّاخليّ للبيت الشّعريّ.
3-تقديم الحال على صاحبها:
ومن الأبيات الّتي تقدمت فيها الحال على صاحبها قول الأمجد وهو يصف حال نوقه في المراعي، ونوق خصومه[27]: [البسيط]
يحمي السّوامَ- إذا الأزوادُ أهملَها | رعاتُها، وأناخوها بِجَعْجاعِ | [28] | |
مُهَمّلاتٍ، غَدَتْ في كلِّ ناحيةٍ | مضاعةً، لم تَصُنْها سطوةُ الرّاعي | [29] |
قدم الشّاعر الحال منذ بداية البيت الشّعريّ، ليبرزَ حالَ النوق الّتي غدت مُهَمّلاتٍ ترعى حيث شاءت، فالرّتبة المحفوظة تتطلب من الشّاعر أن يقول “غدت في كل ناحية مُهَمّلاتٍ”، إلا أنّ الشّاعر انزاح عنها، بخرقه المألوف، وكسره رتابة الإيقاع، وقد ذكر هنريش بليت في أثناء حديثه عن التّقديم والتّأخير أنَّ ” العدول عن هذه الرّتب يمثّل نوعاً من الخروج من اللّغة النّفعيّة إلى اللّغة الإبداعيّة”[30]، فبتقديمه الحال أعطى البيت وظيفة جماليّة فنيّة، وذلك لأهميّة المقدّم، ولما يضفيه على البيت من معان، و لما للتّقديم والتّأخير من حسنٍ ومزيّةٍ، فقد قدّم الحال (مُهَمّلاتٍ)،لما تلقاهُ صاحبة الحال من رعاية وعناية، وهو في موضع فخر بنفسه ونوقه، وأبرز تقديمُ الحال المواقف البطوليّة الّتي تميّز الشّاعر وصحبه، من خلال ثنائيّة ضدّيّة[31] أظهرت التّضاد بين نوق الشّاعر ونوق خصمه، فنوق الشّاعر وصحبه راعية في مراعيها من دون راعٍ، تعيش في سعة من الأمن، دلَّ عليها لفظ الحال (مُهَمّلات)، وقد قدمها الشّاعر على صاحبها، لأنَّه مع صحبه أولو بأسٍ وقوةٍ، بينما أعداؤه في ضنك من العيش، وذلك لكون نوقهم قد ضُيّق عليها في مراعيها، وهو ما دلت عليه لفظة (الأذواد) في البيت الأوّل.
الحذف:
الحذف يطرأ على النّصّ الشّعريّ لأغراض معنويّة وأخرى صوتيّة، تبرزُ أهمّيّةَ الحذف، وتكسرُ رتابةَ الإيقاع، وتدفعُ المتلقّي إلى إعمال عقله، وتأويل المحذوف بما يتناسبُ مع ذائقته اللّغويّة، وتتعدّد مظاهر الحذف في النّصّ الشّعريّ، فقد يحذف الشّاعر (مسنداً أو مسنداً إليه أو فضلةً)، وقد يكون الهدف منه تشويق السّامع أو إثارة انتباهه، أو اختصار الحديث، أو تجنباً للتّكرار الّذي تملُّه الأذن، أو خشيةَ إفساد المعنى في حال التّصريح.
ولا يجوز الحذف إلا في حال وجود قرينة دالّة عليه سواء أكانت لفظيّة، أو معنويّة، أو صوتيّة، أو حاليّة، وما ذكر ابن جني(ت392) في كتابه الخصائص يوضّح ذلك إذ يقول: “قد حذفت العرب الجملة، والمفرد، والحرف، والحركة، وليس شيء في ذلك إلا من دليل عليه، وإلا كان فيه ضرب من تكليف علم الغيب في معرفته”[32]، وقد عدّ ابن جني الحذف من الأمور الّتي لا يتعرّض لها إلا من كان حاذقاً، وذلك حينما أدخل الحذف في باب شجاعة العربيّة. ومن أبرز من وقف على الحذف عبد القاهر الجرجانيّ بقوله: ” هو بابٌ دقيق ُ المسلك، لطيفُ المأخذ، عجيبُ الأمر، شبيهٌ بالسّحر، فإنَّك ترى به تَرْك الذِّكر، أفصحَ من الذِّكر، والصَّمتَ عن الإفادة، أزيد للإفادة، وتجدك أنطق ما تكون إذا لم تنطق، وأتمَّ ما يكون بياناً إذا لم تُبِن”[33]. فالجرجانيّ يؤكّد أهمّيّة الإيجاز بالحذف حينما يُخشى الإخلال بالمعنى وإفساده في حال الذّكر، ولا يتمُّ حسنُ الحذف في البيت الشّعري، إلا حينما تكون الفائدةُ منه قد تمَّت، والغايةُ المرجوّةُ قد تحقّقت.
وقد يحذف الشّاعر جملةً أو كلمةً أو حرفاً، بغيةَ دفع المخاطب إلى إعمال فكره للوصول إلى المراد، أو يشغلُ ذهنه فيما أراده الشّاعر، ويحضر هنا ما قاله الغذامي في المحذوف: “وهذا المفقود هو إمكانات يقترحها النّصّ على القارئ الّذي يتولّى إتمامها”[34]، فالنّصّ يترك للقارئ حريةَ الاختيار، وإعمال الذّهن في إيجاد المحذوف وتأويله، فالنّصُّ الشّعريُّ مفتوحٌ أمام القارئ يكمله بما يتناسب مع ذائقته اللّغويّة.
ويعدُّ الحذف من أبرز الظّواهر الأسلوبيّة على المستوى التّركيبيّ؛ لما له من أثر في إكساب الأبيات شعريّتها، وإبراز مقدرة الأديب على خرق المألوف، ويحسنُ في هذا المقام قول فتح الله سليمان: “الحذفُ – إذن- خروجٌ عن النّمط الشّائع في التّعبير أو هو خَرْق للسّنن اللّغوية ومن هنا كانت قيمته وتأثيره”[35]، فالحذف يثير الدّهشة في نفس المتلقّي ويجعله يؤول المحذوف بما يتناسب مع مخزونه الثّقافيّ. ومن أنواع الحذف الّتي وردت في شعر الأمجد:
1- حذف الجار والمجرور:
ومن الأبيات الّتي ورد فيها الجارّ والمجرور محذوفين قول الأمجد في حديثه عن ناقته[36]: [الطّويل]
وسرنَ، وقد كنَّ الأداني مودَّةً | يَخُضْنَ سراباً بالنجائبِ مَوّارا | [37] |
حذف الشّاعر الجارّ والمجرور اللذين يتعدَّى إليهما الفعل (سرن) وذلك لتحفيز ذهن القارئ، وجعله يتصوّر المحذوف، ويتخيَّل الجهة المسار منها وإليها، ولكسر رتابة الإيقاع والارتقاء بالبيت إلى أعلى مراتب الشّعريّة، ولتحقيق انزياحه عن اللّغة المألوفة، وأسهم الفعل (سرن) في تنبيه المتلقّي إلى المكان المسار نحوه بالجار والمجرور، أي: (سرن إلى)، لكن الشّاعر أحدث في البيت مفارقة سياقيّة، وأثار الدّهشة عندما حذف الجارّ والمجرور اللذين يبرزان وجهة مسير النّاقة بالأحبّة، يقول فتح الله سليمان: ” ويستمد الحذف أهمية من حيث إنه لا يورد المنتظر من الألفاظ ومن ثم يفجِّر في ذهن المتلقي شحنة فكرية توقظ ذهنه، وتجعله يتخيل ما هو مقصود”[38]، وهنا أثار الحذفُ فكر المتلقّي وتساؤلاته، لمعرفة وجهة الطّريق الّتي تسيرُ إليها النّوق إلا أنّه يعلم أنّ مسير النّوق سيكون في الصّحراء لما ذكره الشّاعر في تتمّة البيت من السّراب الّذي ينتشر فيها.
2- حذف الموصوف:
وقد حذف الشاعر الموصوف لإبراز جمال الأبيات، ومنها قوله[39]: [البسيط]
تثني الجرانَ إلى المشتاقِ شاكيةً | مُرَدَّداً بينَ إخفاءِ وإظهارِ | [40] |
يصوّر الشّاعر ناقته الّتي أضفى عليها مشاعرَ إنسانيّة، من خلال صورةٍ حسّيّةٍ، أبرزت صوت النّاقة وهي تشكو ما تعانيه من ألم وتعب، من خلال تركيب أسلوبيّ أظهرَ فصاحةَ الشّاعر وقدرته على تشكيل صورِهِ، فقد حذف الشّاعرُ موصوف الصّفة مردَّداً، وتحوَّل إعراب الصّفة مردَّداً إلى مفعول به لاسم الفاعل شاكيةً، وقد أفاد بحذفه الموصوف إثارة انتباه المتلقّي، وإعلاء شعريّة البيت بانحرافه عن المألوف وتجاوزه المعهود، والأصلُ: تثني الجران إلى المشتاق شاكيةً (صوتاً- ألماً- حنياً- شوقاً) مردَّداً بين إخفاء وإظهار، وإنّما جاء حذفه لإبراز قدرته على التّحكّم في بنية البيت التّركيبيّة، ومراعاة لحسن التّصوير وجماله، ولجعل المتلقي يتوقّع المحذوف، يقول فتح الله سليمان “إنَّ عملية التّخيّل هذه التي يقوم بها المتلقّي- تؤدي إلى حدوث تفاعل من نوع ما بين المرسل والمتلقّي قائم على الإرسال النّاقص من قبل المرسل، وتكملة هذا النّقص من قبل المتلقّي”[41]، فالمتلقّي يشارك في العمليّة الإبداعيّة من خلال لمحته الفطنة للمحذوف الّذي يثير انتباهه، ويستدعي الكلام عن حذف الموصوف ما ذكره ابن جني في هذا الباب بقوله: “وقد حُذف الموصوف وأقيمت الصفة مُقامه، وأكثر ذلك في الشعر. وإنما كانت كثرته فيه دون النثر من حيث كان القياس يكاد يحظره”[42]. وذلك لأنَّ الشّعر يتيح للشّاعر تخطّى الحدود والانزياح عن المألوف، ويحدث مفاجأة تدهش القارئ لخرقه الرّتب المحفوظة.
3-حذف المفعول به:
وقد حذف الشّاعر المفعول به لدلالات متعدّدة منها جماليّة، وأخرى صوتيّة، يقول الأمجد[43]: [الوافر]
متى رأتِ البروقَ بروقَ حُزْوَى | تَحِنُّ فلن تَعُبَّ ولن تَلُسّا | [44] |
عبّر الشّاعرُ عن الصّورة المعنويّة الّتي رسمها للناّقة ـ وهي الحنين عند رؤية البرق ـ بصورةٍ ماديّةٍ، اقتضت منه إضمارَ الفاعل لدلالة السّياق عليه، وحذف مفعولي الفعلين المضارعين في جملتين متعاطفتين جمع بينهما حرف العطف، وتكرار حذف المفعول به في فعلين متتاليين متعاطفين؛ يحتاج كلّ منهما إلى مفعول مختلف عن الآخر أثار انتباه السّامع ولفت انتباهه إلى تقدير المحذوف بما يتناسب مع ذائقته اللّغوية، وهنا يرى عبد القاهر الجرجانيّ “أنَّ ربَّ حذف هو قِلَادةُ الجيدِ، وقاعدةُ التَّجويد”[45]، وجاء حذف المفعوليين للتّركيز على الحدث دون المفعول به، لما لامتناع النّاقة عن مورد الماء وعن رعي النّباتات من أهمّيّة تظهر إثارة الانتباه نحو الفعل الّذي قامت به النّاقة، إذن الغاية من حذف المفعول التّركيز على الحدث، والمعنى مرتبط بالفاعل دون المفعول به، يرى الجرجاني أن الغاية من حذف المفعول في بعض الأنساق: “إثبات المعنى في نفسه للشّيء على الإطلاق وعلى الجملة من غير أن يُتعرَّض لحديث المفعول”[46]، أي جعل الأهمّيّة للنّاقة الّتي أعرضت عن ورود الماء وعن رعي النّباتات، وإثارة الانتباه إلى الفعل الّذي قامت به النّاقة لإظهار المعاناة النّفسية الّتي عبّرت عنها بطريقة حسّيّة بصريّة.
4-حذف حرف الجرّ قبل أنْ المصدرية:
يحذف حرف الجرّ من أنْ المصدرية قبل الفعل المضارع، “وهو حذف قياسيّ لكثرة وروده في اللّغة”[47]. وممّا جاء في ذلك قول سيبويه “واعلم أنّ اللّام ونحوها من حروف الجرّ قد تحذف مِن أن كما حُذفت من أنّ، جعلوها بمنزلة المصدر حين قلت: فعلت ذلك حَذَرَ الشّرِّ، [أي لِحذرِ الشّر]، ويكون مجروراً على التفسير الآخر، ومثال ذلك قولك: إنّما انقطع إليك أن تُكرِمَه، أي لأن تُكرِمَه”[48]، ومن الأبيات الّتي ورد فيها حرف الجرّ محذوفاً قياسيّاً من أنْ المصدريّة قول الأمجد[49]: [البسيط]
وفي الهوادجِ أقمارٌ، إذا سَفَرَتْ | تُغنيكَ أنوارُها، أنْ يَطْلُعَ القمرُ | [50] |
ورد تصويرُ الشّاعر المحبوبة في صورة حسّيّة بصريّة؛ أضفى عليها عنصر اللّون الّذي استعاره من نور القمر، وهو ما ساقه بأسلوب تركيبيّ اشتمل على نوعين من الحذف، أمَّا النّوع الأوّل: فهو حذف الخبر من قوله: (وفي الهوادجِ أقمارٌ)، فحذف الشّاعر خبر المبتدأ المؤخر أقمار، وجعل الجارّ والمجرور متعلّقين بخبر محذوف، فورد حذفه مُتَمَّماً بصورة بيانيّة أفصحت عمَّا تحمله الهوادج في داخلها من نساء جميلات أسرن قلبه، ويعدُّ هذا النّوع من الحذف حذفاً مطّرداً، أوّله البلاغيّون والأسلوبيّون، وبحثوا عن مكامن الجمال فيه، وأمَّا النّوع الثّاني الّذي جذب الانتباه: فهو حذف حرف الجرّ قبل حرف النّصب (أنْ) وهو من الحذف المعهود كما ذكره سيبويه، والّذي نبّه عليه في البيت هو الفعل المضارع (تغنيك) الّذي يتعدّى به، فالمتلقِّي يتوقع من الشّاعر المجيء بالجارّ والمجرور بعد الفعل تغنيك أنوارها، إلا أنَّ الشّاعر أثار الدَّهشة حينما جاء بالحرف النّاصب الّذي حذف منه حرف الجرّ، فالأصلُ إذاً أن يقولَ الشّاعرُ: (تغنيك أنوارها عن أن يطلع القمر). وهو من الحذف القياسيّ الّذي يلفت الانتباه، وما يؤيد ذلك الحذف ما ذهب إليه سيبويه حينما قال: “وتقول: ما منعك أن تأتينا، أراد من إتيانك، فهذا على حذف حرف الجرّ”[51].
وكذلك يصحُّ أن يقول الأمجد : (تغنيك أنوارها عن طلوع القمر)، فمجيئه بالحرف النّاصب والفعل المضارع المنصوب بعد الفعل المحتاج إلى التّعدي بالجارَّ والمجرور يحقّق الدَّهشة عند المتلقّي لعدول السّياق عن المتوقّع، فضلاً عن أنَّه يحقق النّصب المناسب لحركة الرّويّ، والإيقاع المناسب للوزن الشعريّ.
ثانياً- الأثر الفنّيّ لشعر النّاقة في قصائد الأمجد:
أسهمت الصّورُ الفنّيّةُ الّتي جاءت في قصائد الأمجد الشّعريّة في إبراز أثر شعره الجماليّ، وإضفاء طابع الشّعريّة على قصائده، وإظهار قوّة الألفاظ وبلاغة العبارات الّتي حملها شعر النّاقة، فغلب على صوره الطّابع الحسيّ لمجاراته الشّعراء الأقدمين في السّير على نهجهم، ويحسن في هذا المقام قول محمد مندور: “يخيّل إلينا أنَّ الشّعر الجيّد لا تستطيعه إلا النّفوس الوحشيّة الغفل القويّة، وإذا استطاعه أحد من المتحضّرين فهو في الغالب رجل أقرب إلى الفطرة منه إلى المدنيّة العقليّة المعقّدة،”[52]. وهذا ما ينطبق على الأمجد فتراه يذهب بخياله إلى عالم الصّحراء والبادية ليشكّل صوره منها باحثاً عمّا يجده من صورٍ تلائمُ ما يطمح إليه، فاشتملت صوره على مدركات حسيّة وفنون بلاغيّة متنوّعة، وممّا جاء في شعر النّاقة صورة تشبيهيّة مركّبة أبرزت خصائص شعره الأسلوبيّة حيثُ قال[53]: [مجزوء الكامل]
كم قصَّرتْ عنها فحولُ | البُزْلِ | حين تؤمُّ قَفْرا | [54] |
ووقفنَ دونَ لحاقِها | يبدينَ جرجرةً وهدرا | [55] | |
كشقائق الشّعراءِ | لمّا | فتّهُمْ نظماً، ونثرا | [56] |
بدت الصّورة التّشبيهية الّتي صنعَها الشّاعر بخياله الشّعريّ مركبة من أجزاء متعدّدة، فقد شبه الشّاعر ناقته الّتي تفوّقت على فحول البزل في سيرها بكبار الشّعراء الّذين لا يستطيعون اللّحاق بشعره لما يتميّز به من بلاغةٍ وفصاحةٍ، فدلّ التّشبيه على صفات القوّة والصّلابة الّتي تتمتّع بها ناقته، و أظهر حسنَ الأداء الشّعري الّذي تفرّد به الشّاعرُ عمّن سواه من الشّعراءِ، وما زاد التّشبيه حسناً الصّورة السّمعيّة من التّشبيه في جزئه الأوّل عندما أصدرت فحول البزل صوتَ المعاناةِ والمكابدةِ حين لحاقِها بناقة الشّاعر، ويعضد صورته بالتّشبيه التّمثيليّ الّذي يراه علي إبراهيم أبو زايد أنّه “يشهد للشّاعر بالبراءة والمقدرة على التّشكيل حيث أصبح ظاهرة بارزة في صنعته التّصويريّة، فتكوّن الصّورة من أجزاء متعدّدة في كلّ من طرفيها، حتّى يحقّق للمتلقّي الإمتاع الحسيّ والإشباع الفنّيّ”[57]. وعلى الرّغم من التّباعد بين جزأي التّشبيه تجد أنّك “إذا استقريت التّشبيهات، وجدت التّباعُد بين الشّيئين كلّما كان أشدَّ، كانت إلى النّفوس أعجب، وكانت النّفوسُ لها أطرب، وكان مكانُها إلى أن تُحدِث الأريحيّة أقرب”[58].فالهدف المنشود من التّشبيه إظهار ذات الشّاعر بما انفرد وتميّز به عن سائر شعراء عصره من بلاغة وبيان، فظهر ذلك من خلال إضفاء طابعه الشّخصيّ على ناقته الّتي حملت ملامح التّفرّد والغلبة.
ومن الصّور الشّعريّة الّتي وردت في شعر الأمجد تبرز أنفة النّاقة وعزتها ونزوع الشّاعر من خلالها لوصف نفسه قوله[59]: [الطّويل]
ودِعْلِبَةٍ صدَّتْ عن الوردِ بعدما | تراءتْ لها من دونِ أهلِ الحمى صدّا | [60] | |
كأنّي وإيّاها، وقد أمتِ الغَضا | إلى أربعِ الأحبابِ مسرعةً وَخْدا | [61] | |
شِهابٌ وسهمٌ بين أعوادِ كُورِها | رمتْ بي حنايا العيسِ قلبَ الفلا فَردا | [62] |
تبدو صورةُ الشّاعرِ حسيّة في تصويرِ مشهد النّاقة الّتي أعرضت عن ورود الماء، وذلك لشعورها وإحساسها بإعراض الأحبّة عن صاحبها، فيضفي الشّاعرُ على ناقته صفاته النّفسيّة الّتي يشعرُ بها، ليجسّدها في ناقته تشبيهاً لها بالإنسان الّذي يعرضُ ويصدُّ من خلال تركيب استعاريّ مكنيّ، وقد أسهم الفعلُ (تراءَتْ) في تخيّل المشهد الّذي يصوّره الشّاعر وهو صدود أهل الحمى عن صاحبها وكأنّه يجري الآن، ويعضد الشّاعر استعارته بالفنّ البديعيّ رد العجز على الصّدر، بتكرار كلمة صدّا في الشّطر الأوّل فعلاً وفي الشّطر الثّاني اسماً، فجاء صدود النّاقة نتيجة لصدود الأحبّة، وعلى الرّغم من استخدام الشّاعر للصّور الحسّيّة إلا أنّه لا يأتي بها جامدة خالية من إظهار الحركة، لكونه أضفى عليها صفاتٍ معنويّةٍ.
ويأتي فنّ التّشبيه في البيت الثّاني ليستكمل في البيت الثّالث، من خلال المشبّه والمشبّه به الحسّيين، ووجه الشّبه العقلي[63]، فقد شبّه الشّاعر نفسه وناقته بالشّهاب والسّهم ليجمع بينهما وجه الشّبه العقلي وهو الهداية إلى معالم الطّريق ليلاً والوصول إلى الغاية المقصودة والهدف المنشود، ويُظهِرُ التّشبيه أهمّيّة النّاقة من خلال اقتران ذكرها بذكر الشّاعر حتّى ظهرا كالشّهاب اللّامع الّذي يضيء الطّريق وكالسّهم السّديد الّذي لا يخطئ، رغبةً في وصول الشّاعر لمراده.
ومن صفات الشّاعر المعنويّة الّتي أضفاها على ناقته قوله[64]: [البسيط]
إذا قطعتُ بها بَهْمَاءَ مُقْفِرةً | بدتْ لديَّ موامٍ ذاتُ أقفارِ | [65] | |
تثني الجرانَ إلى المشتاقِ شاكيةً | مُرَدَّدا بين إخفاء وإظهارِ | [66] |
أضفى الشّاعر صفاته المعنويّة على ناقته، فجعلها تشكو ما تعانيه من خلال تركيب استعاريّ مكنيّ، عبّرت من خلاله عن شكواها بطريقتين الأولى: صورة حسيّة بصريّة وهي ثني النّاقة عنقها تجاه المحبوب لعلّه يشفع بالوصال، والثّانية: صورة حسيّة سمعيّة وهي الصّوت الّذي أصدرته النّاقة باثّة من خلاله مشاعر الشّاعر الّتي احتضنتها، وساندَ المحسّنُ المعنويّ الطّباقَ في إبرازِ جمالِ الاستعارةِ، وإظهارِ حياء النّاقة حين أصدرت شكواها بصوتها الخافت لخجلها من المشتاق، فمثل هذه الصّورة السّمعيّة تقدّم المشهد تقديماً بصريّاً[67].
وممّا جاء في شعر النّاقةِ وصفُ الشّاعر للآثار الّتي تبقيها النّاقةُ وراءَها في أثناءِ مسيرِها في الصّحراء من خلال صورة جماليّة حيثُ قال[68]: [الطّويل]
تُناثرُ في البيدِ ورداً خِفافُها | ويَنظِمُه الإرقالُ من خلفِها عِقْدا | [69] |
يرسمُ الشّاعرُ صورةً جماليّةً في البيئةِ الصّحراويةِ الّتي تسيرُ فيها ناقته، فيشبّه الأثرَ الّذي تتركُه مناسم النّاقة وأخفافها بالورد المتناثر في أرجاء البيد عبر صورة حسيّة بصريّة، تتحوّل إلى لوحة جماليّة من خلال إرقال النّاقة في سيرها حتّى تؤلّف عقوداً من الورد على طريق الصّحراء، فبدت استعارة الشّاعر حسنة في تعبيرها لأنّها كما يرى الجرجانيّ في حديثه عن الاستعارة “تعطيك الكثير من المعاني باليسير من اللفظ، حتّى تخرج من الصّدفة الواحدة عدّة من الدّرر، وتجني من الغصن الواحد أنواعاً من الثّمر”[70].ولعلّ الشّاعر أراد بالأثر الّذي تتركه النّاقة خلفها هداية النّوق الأخرى في مسيرها وتمهيد الطّريق لها.
ومن الصّور الفنّيّة الّتي أبرزت الأثر الفنّيّ لشعر النّاقة في قصائد الأمجد قوله بأسلوب استعاريّ مكنيّ[71]: [البسيط]
أحدو لها بقريضي، وهي جانحةٌ | تؤم مِن هضباتِ المنحنى حَضَنا | [72] | |
شعراً إذا لغبتْ أضحى يُعلِّلُها | به لسانُ فتىً فاقَ الورى لَسَنا | [73] | |
من كلِّ قافيةٍ أمستْ منزَّهةً | عن أنْ تصاحبَ لا عيّا ولا لَكَنا | [74] |
يحاول الشّاعر أن يضفي على ناقته صفاته النّفسيّة الّتي أراد الظّهور والبروز من خلالها، فتحضر صورة الشّاعر السّمعيّة عبر تركيب استعاريّ مكنيّ، تُبرِزُ ولوعَ النّاقة وطربَها بشعره الّذي باتَ يعلّلها، فيشبّه ناقته بالإنسان الّذي يطربُ عند سماع لغته الشّعريّة الّتي يعرّفها جابر عصفور بأنَّها “مجموعة من المثيرات الحسّيّة تثير في ذهن المتلقّي صوراً أو إحساسات وتحرّك انفعالاته ومشاعره”[75].
وقد ترد في شعر النّاقة الصّورة الفنّيّة الّتي اشتملت على مدركات الحسّ مع الصّورة الفنّيّة الّتي حملت صفات معنويّة أضفاها الشّاعر على ناقته ومنها قوله[76]: [الكامل]
وعرمسٍ ذَرَعَتْ مُلاءَ مفازةٍ | بعدَ الأحبَّةِ، في اليبابِ البلقَعِ | [77] | |
بُدْنٍ، يطيرُ مِنَ الوجيفِ لُغامُها | كالعُطبِ، مِن فوقِ الحصى، واليَرمَعِ | [78] | |
زَفَّتْ كما زفَّ النّعامُ إلى النّقا | في المَرْتِ تهزأُ بالرِّياحِ الأربَعِ | [79] |
رسم الشّاعرُ صورةً فنّيّةً للنّاقة وهي تسيرُ في الفيافي، فشبه لُغام النّاقة الّذي يتناثر في البيداء بالقطن الّذي ينتشر على الحصى والحجارة، فعملت الصّورةُ اللّونيّةُ على إبراز جمال التّشبيه في جزأيه وإظهار معاناة النّاقة من مناسمها في أثناءِ مسيرها على الحصى، فجاء تشبيه الشّاعر في صورة حسيّة بصريّة ذلك لتشبيهه سرعة سير النّاقة بسرعة سير النّعام في أثناءِ عودته لبيته عند حلول الظّلام فالصّورة كما يعرّفها على البطل “تشكيل لغويّ، يكوّنها خيال الفنّان من معطيات متعدّدة، يقف العالم المحسوس في مقدّمتها”[80]. كما أنّه أضفى على النّاقة صفات معنويّة فاستعار لها صفات إنسانيّة جعلها تهزأ بالرّيح الأربع لشدّة سرعتها، حتّى إنّه ليحسُن في هذا الموضع قول الجرجانيّ في حديثه عن الاستعارة: “لترى بها الجماد حيّاً ناطقاً، والأعجمَ فصيحاً، والأجسام الخرس مبينة، والمعاني الخفيّة جليّة”[81].
ويُحمِّل الشّاعر ناقته صفات نفسيّة إنسانيّة تُبِرزُ جمالَ الصّورة الفنّيّة الّتي يبدعُها بخيالها الشّعريّ مستمدّةً من مدركات الحسّ السّمعيّة والبصريّة فيقول[82]: [الطّويل]
إذا غرَّدَ الحادي تطيرُ كأنَّما | ترى أنفاً أن تُقتضَى العيسُ بالزجرِ | [83] | |
تعافُ المجاني غِبَّ كلِّ سحابةٍ | بدتْ وهي تُجلَى في غلائِلها الخُضرِ | [84] |
أضفى الشّاعرُ على الحادي والنّاقة صفتين من صفات الطّيرِ وهما (التّغريد والطّيران)، فالحادي عندما غرّدَ وأنشد كلماته جعل النّاقةَ تزدادُ نشاطاً وسرعةً في البيداء حتّى بدَتْ تطيرُ من شدّة سرعتها وذلك من خلال تركيب استعاريّ مكنيّ، ليأتي الشّطر الثّاني معلّلاً سبب نشاطها وسرعتها ذلك من خلال إضفاء صفة معنويّة إنسانيّة عليها وهي أنفةُ نفسِها فلا تبيح لحاديها أن يزجرها، فضلاً عن البيت الثّاني الّذي أظهر أنفةَ النّاقة من خلال إعراضها عن ورود الماء على الرّغم مما تعانيه في جوفها من شدّة العطش فأضفى الشّاعر الصّورة اللّونيّة ليزرع القوّة والأمل والحياة والحركة في ناقته.
ثالثاً- التّناصّ في شعر النّاقة مع الموروث القديم:
ينشأ النّصّ الشّعريّ في ذهن الكاتب معتمداً على مخزونه الثّقافيّ والفكريّ الّذي يكونه من خلال اطّلاعه على الموروث القديم، فمن المحال أن ينشأ نصٌّ شعريٌّ من فراغ دون اعتماده على أفكار وخبرات سابقة، ويرى الغذاميّ أنَّ “الكتابة لا تحدث بشكل معزول أو فرديّ ولكنّها نتاج لتفاعل ممتدّ لعدد لا يحصى من النّصوص المخزونة في باطن المبدع ويتمخّض عن هذه النّصوص جنين ينشأ في ذهن الكاتب ويتولّد عنه العمل الإبداعيّ الّذي هو النّصّ، وهذا التّفاعل بين النّصوص في توارثها وتداخلها ما يسمّيه رواد النّقد التّشريحيّ بتداخل النّصوص”[85]. وهذا ما تجده في تشكيلات قصائد الأمجد وتعالق نصوصه الشّعريّة مع النّصوص القديمة، وممّا جاء في شعر الملك الأمجد مقتبساً من آي القرآن الكريم قوله في وصف الناقة[86]: [الرّجز]
سارَتْ حِثاثاً بكمُ كأنَّها | الظّلمانُ | تنحو المهمهَ الشّسيعا | [87] |
غوارباً في حِندسِ اللّيل إذا | أغشى وفي رأْدِ الضّحى طُلوعا | [88] |
يضمّنُ الشّاعرُ بيته الثّاني آية من آي القرآن الكريم ليُكسبَ أبياته زيادةً في القبول والاستحسان في نفس سامعه، فيأتي تناصّه اقتباسيّاً كاملاً محوّراً، وذلك لأنّ الشّاعر استمدّ المعنى واللّفظ من الآية القرآنية في قوله تعالى ﴿ والليل إذا يغشى﴾[89] وأعاد ترتيبها بما يتناسب مع بيته الشّعريّ الّذي يتحدّث فيه عن ناقته الّتي تسيرُ في سائر الأوقات ولاسيّما حينما يشتدّ الظّلام ويغشى اللّيل، دلالة على جرأة ناقته وكثرة مسيرها، فاستفاد الشّاعر من تضمين الآية الّتي تدلّ على عظمة اللّيل ليستخدمها في تصوير ناقته، هذا على المستوى الفكريّ، أمّا المستوى التّركيبيّ فنرى أنّ الآيةَ القرآنيةَ جاءت مدعّمةً بأسلوب القسم الّذي أسهم في إظهار عظمة الّليل وما يبعثه في النّفس من تأمّل وتدبّر، في حين أنّ بيت الشّاعر جاء خالياً من أسلوب القسم، والفعل المضارع الّذي جاء في الآية دالّاً على عظمة اللّيل في سائر الأزمان، أصبح ماضياً في البيت الشّعريّ ليسرد الشّاعر ما عانته ناقته في ليالي الصّحاري.
ومن صور التّناص الشّعريّ في قصائد الأمجد الّذي يدلّ على أثر شعر النّاقة في التّعالق الفنّيّ مع الموروث الشّعريّ تناصه الاقتباسيّ الجزئيّ مع بيت عبيد بن الأبرص من خلال استدعائه المعنى الشّعريّ وبعض الألفاظ من مخزونه الثّقافيّ لحظة إبداعه الشّعريّ، وذلك حينما وصف الشّاعر ناقته بصفات جسديّة تناسب السّير في عرض الصّحراء، فامتزجت فيها صفات القوّة بالسّرعة، والصّلابة بالشّجاعة، والضّخامة بالضّمور في قوله[90]: [البسيط]
تؤمُّهنَّ عَلَنْداةٌ هملَّعَةٌ | مَوَّارةٌ أُجُدٌ عَيرانَةٌ دِفَقٌ | [91] | |
تَنْسَلُّ من هبواتِ المُورِ ناحلةً | مثلَ الهلالِ انجلى عن ضُمرِه الشفقُ | [92] |
غدت النّاقةُ وكأنّها تمثالٌ صنعه الشّاعرُ بنفسه ليجتازَ به الفيافي والصّحاري، فتراها تخرجُ من الغبارِ الكثيفِ الّذي تثيرُه الرّيحُ هزيلةً ضعيفةً، وكأنّها الهلال من خلال حمرة الشّفق عندما يظهر أول اللّيل، فساهمت الصّورة البصريّة في إظهار جمال الصّور الحسّيّة الّتي يراها وهب رومية أنّها “مهوى أفئدة الشّعراء ومحطّ أبصارهم وباعث السّحر على ألسنتهم أو ما يشبه السّحر”[93]، فيتناصّ بيت الشّاعر في صورته الحسّيّة الّتي تصوّر ضعف النّاقة بعد مسيرها في الصّحراء مع عبيد بن الأبرص حينما قال[94]: [الرّمل]
ثمّ أُبْرِي نِحاضَها فتراها | ضامراً بعدَ بُدنِها كالهلالِ | [95] |
جاء حديثُ عبيد عن نّاقته كيف كانَتْ مكتنزةً قبيل الرّحلة، ثمَّ أصبحَتْ كالهلالِ في ضمره وانحنائه، فاستمدَّ الأمجدُ من عبيد بن الأبرص صورتَهُ الفنّيّة في تشبيه ناقته بالهلال، وزاد على صورة عبيد عندما جعلَ ناقتَهُ تتعرّضُ للرّمال الكثيفة ثمَّ تبدو كالهلال نحيلةً لحظةَ الشّفق بلونه الأحمر، فأضفى الأمجد على الصَّورة جمالاً وتجديداً من خلال الصَّورة اللّونيّة الّتي أكسبَها ناقته من لون الشّفق.
وممّا يبرزُ التّناصّ مع الموروث القديم وصف الشّاعر لأعضاء ناقته في أبيات متناثرة، فتراه تارةً يصفُ سنامَها، وتارةً يصفُ عنقَها، ومرّةً يرسمُ ثفناتِها، وأخرى يصوّرُ ذراعيها، فيضمّن في أبياته كثيراً من أوصاف الموروث القديم حتّى إنّك لتجد قصيدته وكأنّها كما يقول محمد مفتاح “فسيفساء من نصوص أخرى أدمجت فيه بتقنيّات مختلفة”[96]. فمن صور التّناص الّتي اقتبس فيه الشاعرُ المعنى دون اللّفظ لإظهار أسلوبه الّذي تميّز به قوله في وصفه لسنام ناقته[97]: [الطّويل]
لئن حَجَزَتْ دونَ اللقاءِ مفاوزٌ | وصرَّحتِ الأيامُ لي بالموانعِ | ||
لأرتحلنَّ العيسَ بُدْناً توامِكاً | غواربُها تحكي هِضابَ مُتالع | [98] |
فرحلةُ الشّاعرِ ستكونُ على ناقتِهِ الضّخمةِ الجوانبِ، الممتلئةِ الأطرافِ، العظيمةِ السّنامِ، حتّى إنَّ سنامَها يشبهُ في ارتفاعه جبالَ نجدٍ، فاستمدَّ الشّاعرُ صورتَهُ الفنّيّةَ من شعرِ العصرِ الجاهليّ، وذلك حينما شبّهَ المرقّشُ الأكبرُ سنامَ ناقته بالجبل في قوله[99]: [السّريع]
بل عَزبَتْ في الشّول حتّى نوت | وسُوِّغَت ذا حُبُكٍ كالإرام | [100] |
تلحظُ في أثناء قراءة الأبياتِ أنَّ الأمجدَ اقتبس المعنى في شعره دون اللّفظ من بيت المرقّشِ، لأنّ كلا الشّاعرين أرادَ التّعبيرَ عن سنام ناقته المكتنزِ، فعبّر عنه الأمجدُ بالهضاب الّتي يحنّ إليها، وعبّرَ عنه المرقّشُ بالجبل الّذي يقصد من طرق متعدّدة، فأظهر البيتُ قدرةَ الأمجدِ على التّفاعلِ مع الموروث القديمِ بتوظيفه معانيَه من دون استخدام الألفاظ نفسِها ممّا يبرزُ جماليّةَ شعره، ويضفي طابع الشعريّة على أبياته.
خاتمة البحث ونتائجه:
- أسهم المستوى الترّكيبيّ في إبراز خصائص شعر الأمجد الأسلوبيّة، وفي تجاوز المنطوق الشّعريّ الظّاهر إلى مفاده المُضمر.
- زاد التّقديم والتّأخير في شعريّة الأبيات، بانزياحها عن اللّغة المألوفة، والرّتبة المحفوظة، وعدولها عن المعيار المحدّد.
- تعدّدت أنواع التّقديم والتّأخير في شعر الأمجد، فكان منها: (تقديم الجارّ والمجرور على الفاعل، وتقديم الجارّ والمجرور على المفعول به، وتقديم الحال على صاحبها).
- أسهمت الثّنائيات في إبراز الصَّراع الخفي والنقيض في السّياق، وفي إظهار المواقف البطوليّة الّتي تميّز بها الشّاعر وصحبه، من خلال التّقديم والتّأخير.
- تعدّدت مظاهر الحذف في شعر الأمجد فقد حذف الموصوف والمفعول والجارّ والمجرور، وحرف الجرّ، ممّا أسهم في كسر رتابة الإيقاع ودفع الفِكر إلى تأويل المحذوف.
- أسهم حذف المفعول به في التّركيز على الحدث والمعنى، كما أنَّ الحذف القياسيّ قبل أنْ المصدريّة أسهم في تشكّيل ظاهرة أسلوبيّة تثير انتباه المتلقّي.
- مثّلت النّاقة معادلاً موضوعيّاً للشّاعر، فاستخدم التّشبيه لإضفاء طابعه الشّخصيّ عليها، محمّلاً إيّاها إيحاءات التفرّد والغلبة.
- حمّل الشّاعرُ ناقته صفاتٍ إنسانيّةً، عبّر عنها بجمال التّصوير الّذي يربط الخيال بمدركات الحسّ البصريّة والسّمعيّة.
- يربط الشّاعرُ صوره الحسّيّة والتّجريديّة بالمحسّنات اللّفظيّة والمعنويّة الّتي تضفي على الأبيات إيقاعات مؤثّرة.
- تعدّدت أنواع التّناص في شعر الأمجد، ومنه الاقتباس الكامل المحوّر، والجزئيّ، فضلاً عن اقتباسه المعنى دون اللّفظ في بعض أشعاره.
- أبرز شعرُ النّاقة قدرةَ الأمجد على التّفاعل مع موروث الشّعر القديم والتّجديد فيه، وإضفاء طابع الشّعريّة على قصائده.
قائمة المصادر والمراجع:
- القرآن الكريم.
- أسرار البلاغة: عبد القاهر الجرجانيّ (ت474ه)، قدّم له وعلّق عليه: محمود محمّد شاكر، دار المدنيّ- بالقاهرة- بجدّة، د.ط، د.ت.
- الأسلوب دراسة بلاغيّة تحليليّة لأصول الأساليب الأدبيّة: أحمد الشّايب، مكتبة النّهضة المصريّة، ط8، 1991.
- الأسلوبيّة-مدخل نظريّ ودراسة تطبيقيّة: فتح الله أحمد سليمان، تقديم الدّكتور: طه وادي، النّاشر: مكتبة الآداب، القاهرة، د.ط، 2004.
- الانزياح في التّراث النّقديّ والبلاغيّ: أحمد محمّد ويس، اتّحاد الكتّاب العرب-دمشق، د.ط، 2002.
- البلاغة والأسلوبيّة: محمّد عبد المطّلب، الشّركة المصريّة العالميّة للنّشر-لونجمان، ط1، 1994.
- البلاغة والأسلوبيّة، نحو نموذج سيميائيّ لتحليل النّصّ: هنريش بليت، ترجمة وتقدّيم وتعليق: محمّد العمريّ، أفريقيا الشّرق-بيروت-لبنان، د.ط،1999.
- بنية اللغة الشعرية: جان كوهن، تر: محمد الولي، ومحمد العمري، تصوير وإعداد مكتبة الأدب المغربي، د.ط، 2015.
- تحليل الخطاب الشّعريّ (استراتيجية التناص): د.محمد مفتاح، المركز الثقافيّ العربيّ، الدّار البيضاء- بيروت، ط3، 1992.
- الحوادث الجامعة والتّجارب النّافعة في المائة السّابعة: كمال الدّين أبو الفضل عبد الرزاق بن أحمد الشيباني البغدادي (ت723ه)، تح: مُهدي النجم، دار الكتب العلميّة- بيروت ، ط1، 2003م.
- الحيوان: أبو عثمان عمر بن بحر الجاحظ، تح: عبد السّلام هارون، مطبعة المصطفى البّابي الحلبيّ وأولاده بمصر، ج1، ط2، 1965م.
- الخصائص: أبو الفتح عثمان بن جني، تح: محمّد علي النجار، ج2، د.ط، د.ت.
- خصائص الأسلوب في الشّوقيّات: محمّد الهادي الطّرابلسيّ، منشورات الجامعة التّونسيّة، د.ط، 1981م.
- الخطيئة والتّكفير من البنيويّة إلى التشريحيّة (قراءة نقدية لنموذج معاصر): د. محمّد عبد الله الغذاميّ، الهيئة العامة المصريّة للكتاب، ط4، 1998م.
- الدّارس في تاريخ المدارس: عبد القادر بن محمد النّعيميّ الدّمشقيّ، (ت978هـ)، أعدّ فهارسه: إبراهيم شمس الدين، دار الكتب العلميّة، بيروت-لبنان، ج1، ط1، 1990م، ص431.
- دلائل الإعجاز: عبد القاهر الجرجانيّ (ت474ه)، قرأه وعلّق عليه: أبو فهر، محمود محمّد شاكر، مكتبة الخانجي-القاهرة، ط5، 2004.
- ديوان عبيد بن الأبرص: شرح: أشرف أحمد عدرة، دار الكتاب العربيّ، لبنان، بيروت، ط1، 1994.
- ديوان المرقّشين، المرقّش الأكبر: عمرو بن سعد، والمرقّش الأصغر: عمرو بن حرملة، تح: كارين صادر، دار صادر، بيروت، ط1، 1998.
- ديوان الملك الأمجد الأيوبي: تح: تحقيق ناظم رشيد، مطبعة وزارة الأوقاف والشّؤون الدّينيّة- بغداد، د.ط،1983.
- الرّحلة في القصيدة الجاهليّة: وهب روميّة، مؤسسة الرّسالة-بيروت، ط2، 1979م.
- السّلوك لمعرفة دول الملوك: تقي الدّين أبو العبّاس البغداديّ المقريزيّ (ت845ه)، تح: محمّد عبد القادر عطا، ج1، دار الكتب العلميّة-بيروت، ج1، ط1، 1997م
- شذرات الذّهب في أخبار من ذهب لابن العماد: شهاب الدّين عبد الحي بن أحمد بن محمّد العكريّ الحنبليّ الدّمشقيّ (1032-1089)، تح: عبد القادر الأرناؤوط ومحمود الأرناؤوط، دار ابن كثير ، م7، ط1، 1991.
- الصّورة الفنّيّة في التّراث النقديّ والبلاغيّ عند العرب: د.جابر عصفور، المركز الثقافيّ العربيّ- بيروت، ط3، 1992.
- الصّورة الفنّيّة في شعر دعبل بن علي الخزاعيّ: د.علي إبراهيم أبو زيد، دار المعارف، ط1، 1981م.
- ظاهرة الحذف في الدّرس اللّغويّ: طاهر سليمان حمّودة، الدّار الجامعيّة للطّباعة والنّشر والتّوزيع- الإسكندريّة د.ط، 1998م.
- الفتح القسِّي في الفتح القدسي: أبو عبد الله محمّد بن محمّد عماد الدّين الكاتب الأصفهانيّ (ت597)، دار المنار، ط1، 2004م، ص225، 229.
- فضاءات الشعرية: د.سامح رواشدة، المركز القوميّ للنّشر- الأردن، د.ط، 1997.
- الكتاب: سيبويه أبو بشر عمرو بن عثمان بن قَنبر، تحقيق وشرح: عبد السّلام هارون، مكتبة الخانجيّ بالقاهرة، مطبعة المدني،ج3، د.ط، 1992م.
- لسان العرب، ابن منظور : أبو الفضل جمال الدّين محمّد بن مكرّم (ت711ه)، دار صادر، د.ط، د.ت.
- مرآة الجنان وعبرة اليقظآن في معرفة ما يعتبر من حوادث الزّمان: أبو محمّد عبد الله بن علي اليافعي اليمني المكيّ(ت768ه)، وضع حواشيه: خليل منصور، ج 4، دار الكتب العلمية، بيروت-لبنان، ج4، ط1، 1997م.
- معجم البلدان: شهاب الدّين أبو عبد الله ياقوت بن عبد الله الحمويّ الروميّ البغداديّ، دار صادر-بيروت، د.ط، 1977.
- المعجم الفلسفيّ: جميل صليبا، دار الكتاب اللّبناني- بيروت، ج1، د.ط، 1994.
- معجم المصطلحات العربيّة في اللّغة والأدب: مجدي وهبه، وكامل المهندس، مكتبة لبنان- بيروت، ط2، 1984م، ص97.
- النّجوم الزّاهرة في ملوك مصر والقاهرة: جمال الدّين أبو المحاسن يوسف بن تَغْري بَرْدي الأتابكي (813-874ه)، قدّم له وعلّق عليه: محمد حسين شمس الدّين، دار الكتب العلمية-بيروت، ج6، ط1، 1992م
- النّقد المنهجيّ عند العرب ومنهج البحث في الأدب واللّغة مترجم عن الأستاذيين لانسون وماييه: د. محمد مندور، نهضة مصر، د.ط، 1996م.
- وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزّمان: أبو العبّاس شمس الدّين أحمد بن محمّد بن بكر بن خلكان (608- 681ه)، تح: إحسان عباس، دار صادر- بيروت، م2، ج2، د.ط، د.ت.
[1] ينظر: الحيوان: أبو عثمان عمر بن بحر الجاحظ، تح: عبد السّلام هارون، مطبعة المصطفى البّابي الحلبيّ وأولاده بمصر، ط2، 1965م، ج1، ص14ـ 15.
[2] القرآن الكريم: الغاشية، آية 17.
[3] الأسلوبيّة: مدخل نظري ودراسة تطبيقيّة: فتح الله أحمد سليمان، تقديم الدّكتور: طه وادي، الناشر: مكتبة الآداب، القاهرة، د.ط، 2004، ص31.
[4] ينظر: وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزّمان: أبو العبّاس شمس الدّين أحمد بن محمّد بن بكر ابن خلكان (608- 681ه)، تح: إحسان عباس، دار صادر- بيروت، م2، ج2، د.ط، د.ت، ص253،252. والنّجوم الزّاهرة في ملوك مصر والقاهرة : جمال الدّين أبو المحاسن يوسف بن تَغْري بَرْدي الأتابكي (813-874)، قدّم له وعلّق عليه: محمد حسين شمس الدّين، دار الكتب العلمية-بيروت، ج6، ط1، 1992، ص245. ينظر أيضاً: الحوادث الجامعة والتّجارب النّافعة في المائة السّابعة: كمال الدّين أبو الفضل عبد الرزاق بن أحمد الشيباني البغدادي (ت723ه)، تح: سُهدي النجم، دار الكتب العلميّة، بيروت-لبنان،ط1، 2003م، ص37،38. مرآة الجنان وعبرة اليقظآن في معرفة ما يعتبر من حوادث الزّمان: أبو محمّد عبد الله بن علي اليافعي اليمني المكيّ(ت768ه)، وضع حواشيه: خليل منصور، ج 4، دار الكتب العلمية، بيروت-لبنان، ج4، ط1، 1997م، ص53. والسّلوك لمعرفة دول الملوك: تقي الدّين أبو العبّاس البغداديّ المقريزيّ (ت845ه)، تح: محمّد عبد القادر عطا، ج1، دار الكتب العلميّة-بيروت، ج1، ط1، 1997م، ص361. شذرات الذّهب في أخبار من ذهب لابن العماد: شهاب الدّين عبد الحي بن أحمد بن محمّد العكريّ الحنبليّ الدّمشقيّ (1032-1089)، تح: عبد القادر الأرناؤوط ومحمود الأرناؤوط، دار ابن كثير ، م7، ط1، 1991، ص222،223. وديوان الملك الأمجد الأيوبي: تح: ناظم رشيد، مطبعة وزارة الأوقاف والشؤون الدّينيّة- بغداد، د.ط،1983م، ص19وما بعدها.
[5] ينظر: ديوان الملك الأمجد الأيوبي: تح: ناظم رشيد، ص27.
[6] الدّارس في تاريخ المدارس: عبد القادر بن محمد النّعيميّ الدّمشقيّ، (ت978هـ)، أعدّ فهارسه: إبراهيم شمس الدين، دار الكتب العلميّة، بيروت-لبنان، ج1، ط1، 1990م، ص431.
[7] بَعْلَبك: مدينة قديمة فيها أبنية عجيبة وآثار عظيمة وقصور على أساطين الرّخام لا نظير لها في الدّنيا، بينها وبين دمشق ثلاثة أيّام وقيل اثنا عشر فرسخاً من جهة السّاحل، معجم البلدان: شهاب الدّين أبو عبد الله ياقوت بن عبد الله الحمويّ الروميّ البغداديّ، دار صادر-بيروت، د.ط، 1977م،1/453.
[8] النّجوم الزّاهرة في ملوك مصر والقاهرة : جمال الدّين أبو المحاسن يوسف بن تَغْري بَرْدي الأتابكي (813-874)، قدّم له وعلّق عليه: محمد حسين شمس الدّين، دار الكتب العلمية-بيروت، ج6، ط1، 1992، ص245.
[9] الفتح القسِّي في الفتح القدسي: أبو عبد الله محمّد بن محمّد عماد الدّين الكاتب الأصفهانيّ (ت597)، دار المنار، ط1، 2004م، ص225، 229.
[10] النّجوم الزّاهرة في ملوك مصر والقاهرة : جمال الدّين أبو المحاسن يوسف بن تَغْري بَرْدي الأتابكي (813-874)، قدّم له وعلّق عليه: محمد حسين شمس الدّين، دار الكتب العلمية-بيروت، ج6، ط1، 1992، ص245. وينظر أيضاً: وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزّمان: ابن خلكان ،م2، ج2، ص253،252. مفرج الكروب في أخبار بني أيوب : جمال الدّين محمد بن سالم بن واصل، ج1، ص3. الحوادث الجامعة والتّجارب النّافعة في المائة السّابعة: البغدادي، ص37،38.
[11] السّلوك لمعرفة دول الملوك:المقريزيّ : ص361.
[12] دلائل الإعجاز: عبد القاهر الجرجاني (ت474ه)، قرأه وعلّق عليه: أبو فهر، محمود محمّد شاكر، مكتبة الخانجي-القاهرة، ط5، 2004، ص81
[13] دلائل الإعجاز: عبد القاهر الجرجاني، ص82، 83.
[14] معجم المصطلحات العربيّة في اللّغة والأدب: مجدي وهبه، وكامل المهندس، مكتبة لبنان- بيروت، ط2، 1984م، ص97.
[15] بنية اللغة الشعرية: جان كوهن، تر: محمد الولي، ومحمد العمري، تصوير وإعداد مكتبة الأدب المغربي، د.ط، 2015، ص182.
[16] معجم المصطلحات العربية في اللغة والأدب: مجدي وهبه، وكامل المهندس، ص97.
[17] البلاغة والأسلوبيّة: محمّد عبد المطّلب، الشّركة المصريّة العالميّة للنّشر-لونجمان، ط1، 1994،ص331.
[18] دلائل الإعجاز: عبد القاهر الجرجاني، ص106.
[19] فضاءات الشّعريّة: د.سامح رواشدة، المركز القوميّ للنشر- الأردن، د.ط، 1997،ص53،54.
[20] ديوان الملك الأمجد: ص170.
[21] الخُنُف: جمع الخَنُوف، وهي النّاقة التي إذا سارت قلبت خُفَّ يدها، اللّسان، (خنف).
[22] الانزياح في التّراث النّقديّ والبلاغيّ: أحمد محمّد ويس، اتّحاد الكتّاب العرب-دمشق، د.ط، 2002، ص164، 165.
[23] ديوان الملك الأمجد: ص357.
[24] يَطُسنَ: الوطس: “الضرب الشديد بالخفّ وغيره”، اللسان: (وطس). الرّقمتين: قال الأصمعي: “الرقمتان روضتان إحداهما قريبة من البصرة والأخرى بنجد، وأما التي في شعر زهير، ودار لها بالرقمتين، فقال الكلابي: الرقمتان بين جُرثُم ومطلع الشمس بأرض بني سعد”، معجم البلدان:ياقوت الحمويّ، 3/58. اليرامع: “الحجارة الرخوة”، اللسان، (رمع).
[25] خصائص الأسلوب في الشّوقيّات: محمّد الهادي الطّرابلسيّ، منشورات الجامعة التّونسيّة، د.ط، 1981، ص214.
[26] الأسلوب دراسة بلاغيّة تحليليّة لأصول الأساليب الأدبيّة: أحمد الشّايب، مكتبة النّهضة المصريّة، ط8، 1991 ص69.
[27] ديوان الملك الأمجد: ص87.
[28] السّوام: الإبل الرّاعية، اللسان، (سوم). الأذواد: للقطيع من الإبل الثّلاث إلى التّسع، اللّسان، (ذود). جعجاع: المكان الضّيق الخشن الغليظ اللّسان، (جعع).
[29] مهمّلات: إبل بلا راعٍ، اللّسان، (همل).
[30] البلاغة والأسلوبيّة: نحو نموذج سيميائيّ لتحليل النّصّ: هنريش بليت، ترجمة وتقديم وتعليق: محمّد العمريّ، أفريقيا الشّرق-بيروت-لبنان، د.ط،1999، ص57، 58.
[31] الثّنائية الضّدّية: عرفها المعجم الفلسفيّ بأنّها ( الثّنائي من الأشياء ما كان ذا شقين، والثّنائية في القول بزوجيّة المبادئ المفسرة للكون، كثنائية الأضداد وتعاقبها، وثنائية الواحد والمادة –من جهة ماهية مبدأ عدم التعيين- أو ثنائية الواحد وغير المتناهي عند الفيثاغورثيين أو ثنائية عالم المثل وعالم المحسوسات عند أفلاطون) المعجم الفلسفيّ: جميل صليبا، دار الكتاب اللّبناني- بيروت، د.ط، 1994، 1/379.
[32] الخصائص: أبو الفتح عثمان بن جني، تح: محمّد علي النجار،د.ط، د.ت، 2/360.
[33] دلائل الإعجاز: الجرجاني، ص146.
[34] الخطيئة والتكفير من البنيويّة إلى التشريحيّة (قراءة نقدية لنموذج معاصر): د.محمّد عبد الله الغذاميّ، الهيئة العامة المصريّة للكتاب، ط4، 1998م، ص24.
[35] الأسلوبية: فتح الله سليمان، ص138.
[36] ديوان الملك الأمجد: ص261.
[37] النّجائب: “الإبل القويّة السّريعة”، اللّسان: (نجب). اليرامع: “الحجارة الرخوة”، اللسان: (رمع).
[38] الأسلوبية: فتح الله سليمان، ص137.
[39] ديوان الملك الأمجد: ص138.
[40] الجران: باطن العنق، اللسان، (جرن).
[41] الأسلوبية: فتح الله سليمان، ص137.
[42] الخصائص: ابن جني، 2/366.
[43] ديوان الملك الأمجد: ص165.
[44] حُزوى: موضع بنجد في ديار تميم، وقال الأزهري: جبل من جبال الدّهناء مررت به، معجم البلدان: ياقوت الحموي، 2/255. العَبُّ: شُرْبُ الماء من غير مَصٍّ، اللسان، (عبب). تلُسّا: لسَّ يلُسُّ لساً إذا أكل. ولست الدّابةُ الحشيشَ تلُسُّه لسّاً: تناولته. اللسان، (لسس).
[45] دلائل الإعجاز: الجرجاني، ص151.
[46] دلائل الإعجاز: الجرجانيّ، ص154.
[47] ظاهرة الحذف في الدّرس اللّغويّ: طاهر سليمان حمودة، الدّار الجامعيّة للطباعة والنّشر والتّوزيع- الإسكندريّة د.ط، 1998، ص265.
[48] الكتاب: سيبويه أبو بشر عمرو بن عثمان بن قَنبر، تحقيق وشرح: عبد السّلام هارون، مكتبة الخانجي بالقاهرة، مطبعة المدني، د.ط، 1992، 3/154.
[49] ديوان الملك الأمجد: ص224.
[50] الهوادج: من مراكب النساء مقبّبٌ وغير مقبّب، اللسان، (هدج).
[51] الكتاب: سيبويه، 3/155.
[52] النّقد المنهجيّ عند العرب ومنهج البحث في الأدب واللّغة مترجم عن الأستاذيين لانسون وماييه: د. محمد مندور، نهضة مصر، د.ط، 1996، ص24.
[53] ديوان الملك الأمجد: ص163.
[54] البزل: بَزلَ البعيرُ يَبْزُلُ بُزُولاً، فطر نانه، أي انشق، اللّسان، (بزل).
[55] جرجرة: صوت يردده البعير في حنجرته، اللّسان، (جرر)، هدرا: صوت البعير في غير شقشقة، اللّسان، (هدر).
[56] شقائق: مفردها شقيقة، وهي لَهاةُ البعير ولا تكون إلا للعربيّ منه، وقيل هو شيء كالرّئة يخرجها البعير من فيه إذا هاج، ومنه سمي الخطباء شقائق، اللّسان، (شقق).
[57] الصورة الفنية في شعر دعبل بن علي الخزاعي: د.علي إبراهيم أبو زيد، دار المعارف، ط1، ص1981، ص270.
[58] أسرار البلاغة:عبد القاهر الجرجاني (ت474ه)، قدّم له وعلّق عليه: محمود محمّد شاكر، دار المدني- بالقاهرة- بجدّة، د.ط، د.ت، ص 130.
[59] ديوان الملك الأمجد: ص252.
[60] دعبلة: الدِّعبل: النّاقة الشّديدة، اللّسان، (دعبل).
[61] الغَضا: أرض في ديار بني كلاب كانت بها وقعة لهم، والغَضا: واد بنجد. معجم البلدان: ياقوت الحمويّ 4/205.
[62] كورها: الرّحل بأداته، اللسان، (كور).
[63] ينظر: أسرار البلاغة: الجرجاني، ص67.
[64] ديوان الملك الأمجد: 138.
[65] الموماة: المفازة الواسعة الملساء، اللسان، (موم).
[66] الجران: باطن العنق، اللسان، (جرن).
[67] ينظر: الصّورة في الشّعر العربيّ: علي البطل، ص32.
[68] ديوان الملك الأمجد: ص251.
[69] الإرقال: سرعة سير الإبل، اللسان، (رقل).
[70] أسرار البلاغة: الجرجاني، ص43.
[71] ديوان الملك الأمجد: ص362، 363.
[72] القريض: الشّعر، اللّسان، (قرض). حَضَنا: جبل بأعالي نجد، وهو أول حدود نجد، معجم البلدان: ياقوت الحمويّ، 2: 271.
[73] لغبت: تعبت، اللسان، (لغب).
[74] عيّاً: العيُّ: الجاهل، اللّسان، (عيي). لَكنا: اللّكنة: عجمة في اللسان، اللسان، (لكن).
[75] الصّورة الفنّيّة في التّراث النقديّ والبلاغيّ عند العرب: د.جابر عصفور، المركز الثقافيّ العربيّ- بيروت، ط3، 1992، ص304.
[76] ديوان الملك الأمجد: ص176، 177.
[77] عرمس: النّاقة الصّلبة الشّديدة، اللّسان، (عرمس). ملاء: المَلاء: فلاة ذات حرّ، اللّسان (ملا)، اليباب: أرض يباب أي خراب، اللّسان (يبب).
[78] العُطب: القطن، اللّسان، (عطب).
[79] زفّت: أسرعت، اللّسان، (زفف). النّقا: الكثيب من الرمل، اللسان، (نقا).
[80] الصّورة في الشّعر العربيّ:علي البطل، ص30.
[81] أسرار البلاغة: الجرجاني، ص35.
[82] ديوان الملك الأمجد: ص150.
[83] العيس: الإبل تضرب إلى الصفرة، اللسان، (عيس).
[84] المجاني: الماء الكثير، اللّسان، (مجن). ، غبّ: غبّ الأمر: عاقبته وآخِره، اللّسان، (غبب). غلائلها: الغُلَّة: حرارة العطش، اللّسان، (غلل).
[85] ينظر: الخطيئة والتّكفير من البنيويّة إلى التّشريحيّة (قراءة نقدية لنموذج معاصر): عبد الله الغذامي، ص15.
[86] ديوان الملك الأمجد: ص144.
[87] حِثاثاً: مسرعة، اللّسان، (حثث). الظّلمان: الذّكر من النّعام، اللّسان، (ظلم).
[88] حندس: الظّلمة، اللّسان، (حندس).
[89] سورة اللّيل: الآية1.
[90] ديوان الملك الأمجد: ص266.
[91] والعلنداة: العظّيمة الطّويلة، اللّسان، (علند). هملّعة: الهملّع: الجمل السّريع وكذلك النّاقة، والهملّ: السّريع السّير، اللسان، (هملع)، موّارة: سهلة السّير سريعة، اللسان، (مور)، المور: الموج، اللّسان، (مور)، دفق: سريع يتدّفق في مشيه، اللّسان، (دفق)، عيرانة: العيرانة من الإبل، النّاجية في نشاطه، وقيل شبهت بالعير في سرعتها ونشاطها، اللّسان، (عير).
[92] هبوات: الهبوة: الغَبَرة، اللّسان، (هبو).
[93] الرّحلة في القصيدة الجاهلية: وهب روميّة، مؤسسة الرّسالة-بيروت، ط2، 1979م، ص63.
[94] ديوان عبيد بن الأبرص: شرح: أشرف أحمد عدرة، دار الكتاب العربيّ، لبنان، بيروت، ط1، 1994، ص99.
[95] النّحاض: اللحم، اللّسان، (نحض). البدن: السُّمن، اللّسان، (بدن).
[96] تحليل الخطاب الشّعريّ (استراتيجية التناص): د.محمد مفتاح، المركز الثقافيّ العربيّ، الدّار البيضاء- بيروت، ط3، 1992، ص121.
[97] ديوان الملك الأمجد: ص227.
[98] توامك: النّاقة العظيمة السّنام، اللّسان، (تمك). غوارب: أعلى مقدم السّنام، اللّسان، (غرب). مُتالع: جبل بناحية البحرين، بين السَّوْدة والأَحساء، وفي سفح هذا الجبل عين يسيح ماؤه يقال له عين مُتالع، اللّسان، (تلع). معجم البلدان: ياقوت الحموي، 5/52.
[99] ديوان المرقّشين، المرقّش الأكبر: عمرو بن سعد، والمرقّش الأصغر: عمرو بن حرملة: تح: كارين صادر، دار صادر، بيروت، ط1، 1998، ص74. المرقِّش الأصغر: ولد عمرو بن سعد بن مالك في اليمن ونشأ في العراق، وكانت مساكن قومه بنواحي هجر في شبه جزيرة العرب، ص10.
[100] عزبت: تباعدت، اللسان، (عزب). الشّول: الإبل الّتي أتى عليها من حَمْلها أو وَضْعها سبعةُ أَشهر، فخفَّ لبنُها، اللّسان، (شول). نوت: سَمِنَت اللّسان، (نوي)، الحُبُك: الطّرق، اللّسان(حبل). الإرام: اسم علم لجبل من جبال حِسْمَى من ديار جُذام، معجم البلدان: ياقوت الحمويّ، 1: 145.