مقال نشر بالعدد الأول من مجلة جيل الدراسات الأدبية والفكرية ، ص 153 للاستاذة إيمان صابر سيد صديق/ كلية الآداب جامعة بنها، للاطلاع على كل العدد اضغط على لوجو المجلة:
ملخص البحث:
يتحكم المنظور الروائي في شبكة العلاقات الحاصلة بين القصة والخطاب, والقصة والسرد, والخطاب والسرد, وهو يتكون من الراوي والمروي له والمؤلف االضمني , فالراوي هو الذي يسرد الحكاية , ويدعو المروي له إلي سماعها والمؤلف الضمني هو الأنا الثانية للمؤلف التي تنسج خيوط الحكاية وتتحكم فيها. وقد عمدت في هذا البحث إلي دارسة الراوي والمروي له تطبيقيا على روايات عادل كامل بعد استعراضهما نظريا ووجدت أن الراوي ينوع في أنماط التبئير في الروايات فأحياناً يستخدم التبئير الداخلي ويتوحد بالشخصيات , وأحياناً أخرى يستخدم التبئير الخارجي أو التبئير في درجة الصفر. واتخذ المروي له في روايات عادل كامل شكلين حسب الموقع الذي يحتله , فعندما كان المروي له خارج الحكاية، و هو المروي له الرئيسي كان مرويًا له غير ممسرح ،و عندما احتل موقعا داخليا، وأصبح شخصية من شخصيات الحكاية أصبح مروياً له ممسرحاً .
الكلمات المفتاحية :
:Narrator الراوي
1- توحد الراوي والشخصيات ( وجهة النظر الداخلية ) :
2- التبئير في درجة الصفر ( اللاتبئير ) :
3- وجهة النظر الخارجية :
4- تداخل السرد والعرض :
5 – تقنية التداعي الحر و المونتاج السينمائي :
: Narrataire المروي له ” المسرود له “
1ـــ المروي له غير الممسرح :
2 ــ المروي له الممسرح :
تقوم هذه الدراسة على درس الخطاب الروائى لأديب تناساه الدارسون، وأهمله النقاد والباحثون، فغدا مجهولا بالرغم من أهميته، أديب صدّر روايته الثانية ببيانٍ مؤسسٍ لثقافةٍ وفكرٍ جديدين، هو الأديب عادل كامل .
التعريف بالروائي :
ولد عادل كامل في القاهرة في السابع والعشرين من نوفمبر 1916، وتخرج في كلية الحقوق عام 1936، وقد حالت حداثة سنه بينه وبين التحاقه بنقابة المحامين، فسنحت له الفرصة للتفرغ لقراءة الآداب ، فهو محبٌ عاشقٌ للأدب منذ صغره، ولكن والده أجبره على الالتحاق بكلية الحقوق، وقد قرأ كثيرًا من الآداب العربية والعالمية؛ فنمت ملكته الأدبية .
وكان عادل كامل أحد أعضاء جماعة الحرافيش، وقد سبق أصدقاءه من أعضاء هذه الجماعة في نشر أعماله الأدبية، فنشر عدة مسرحيات على نفقته الذاتية منها ” شبان كهول ” عام 1938، و” فئران المركب “ثم مسرحية ” ويك عنتر ” عام 1941، كما نشر عددًا من القصص القصيرة في مجلة المقتطف في الأربعينيات من القرن الماضي (1940- 1945 )، ومن أهم هذه القصص ” ضباب ورماد ” التي نشرت في يناير 1943 .
وقد ارتبط اسم عادل كامل في الأوساط الأدبية بروايته الأولى ” ملك من شعاع ” التي استوحى موضوعها من التاريخ الفرعوني ، ونشرتها لجنة النشر للجامعيين عام 1941، وقد نالت استحسان الأدباء والنقاد، وفازت بالجائزة الأولى في مسابقة مجمع اللغة العربية عام 1943، في حين نال نجيب محفوظ الجائزة الثانية عن روايته ” كفاح طيبة ” . ثم نشر رواية ” مليم الأكبر ” عام 1942 .
وبعد هذا الإبداع الفياض انقطع عادل كامل عن الكتابة، واتجه إلى المحاماة ليحقق منها ثراءً بعد تشككه في جدوى الأدب ، وبعد أن رفض مجمع اللغة العربية منحه جائزة عن روايته ” مليم الأكبر ” .
وقد رجع عادل كامل إلى الإبداع مرة أخرى ؛ فكتب روايتي ” الحل والربط ” و ” مناوشة على الحدود “، وقد قام بنشر هاتين الروايتين في مجلدٍ واحدٍ الأديب الراحل ” نجيب محفوظ ” ضمن روايات الهلال عام 1993 ، وقد ذكر نجيب محفوظ محفوظ أن عودة عادل كامل إلى الكتابة كانت مفاجئة لهم، وأن المخرج السينمائي توفيق صالح هو الوحيد الذي يعرف تاريخ كتابة هاتين الروايتين، لأنه كان يزوره في الستينيات زيارات خاصة، وقد اتصلت ُبالمخرج توفيق صالح لمعرفة تواريخ كتابة هاتين الروايتين، وإذا كانت هناك روايات أخرى لم تنشر، ولكن ذاكرته لم تسعفه بإمدادى بأية معلومات، فهو قد جاوز التسعين من عمره، ولم يعد يتذكر شيئاً عن جماعة الحرافيش، كما اتصلتُ بزوجة نجيب محفوظ فأكدت أن المخرج توفيق صالح أكثر الناس إلماماً بحياة عادل كامل وأدبه لصداقتهما القوية ، أما هى فقد انقطعت صلتها بعائلة عادل كامل منذ سفره إلى أمريكا عام 1995 .
وأرجح الظن عندى أن السبب في عودة عادل كامل إلى الكتابة هو فوز نجيب محفوظ بجائزة نوبل، إذ ربما شجعه ذلك على العودة إلى الكتابة مرة أخرى، وقد جمع بين الأديبين علاقة صداقة قوية منذ أن انضم نجيب محفوظ إلى الحرافيش، وقد انعكست العلاقة على أدبهما ؛إذ جمعت بينهما أفكارٌ وميولٌ أدبية مشتركة كما نرى في إبداعهما؛ إذ سيطر الإبداع التاريخي على الأديبين، فكتب عادل كامل روايته ” ملك من شعاع ” عام 1941، وكتب نجيب محفوظ ثلاث روايات، وهى ” عبث الأقدار” عام 1939، و ” رادوبيس ” عام 1943، و “كفاح طيبة ” عام 1944 .ثم شرعا في الإبداع الواقعي، فكتب عادل كامل روايتي ” مليم الأكبر ” و “الحل والربط “، وكتب نجيب محفوظ عددًا من الروايات الواقعية المعروفة، ثم اتجها إلى الرواية التجريبية، فكتب عادل كامل ” مناوشة على الحدود “، وكتب نجيب محفوظ عدداً من الروايات مثل ” اللص والكلاب ” عام 1961 .
وقد ذكر لي الناقد صبرى حافظ في محادثة تليفونية أن الصداقة بين الأديبين أثرت تأثيراً كبيراً على فكر نجيب محفوظ في ذلك الوقت، فشخصية القبطي في ” الثلاثية ” هى شخصية عادل كامل، كما ذكر أن رواية ” الشحاذ ” 1965، تدور حول محاولة عادل كامل العودة إلى الكتابة مرة أخرى بعد أن اعتزلها .
الراوي Narrator:
الراوي أوالسارد هو الشخصية الرئيسية في الرواية ،لأنه” لا حكاية دون راوي ، ففي كل حكاية، مهما قصرت، متكلم يروي الحكاية، ويدعو المروي له إلي سماعها بالشكل الذي يرويها به.” (1). فجميع الحكايات تُقَدَّم وكأنها تمر خلال وعي المتكلم سواء كان هذا المتكلم ” أنا ” أو” هو”(2)، وبذلك يكون صوت الراوي هو محور الرواية ” إذ يمكن ألا نسمع صوت المؤلف إطلاقاً، ولا صوت الشخصيات، ولكن بدون سارد لاتوجد رواية “(3) لذلك يجب أن نميز الراوي أو السارد عن المؤلف ولا نخلط بينهما ” فالسارد ليس أبداً الكاتب … ولكنه دور مخلوق ومتبنى من طرف الكاتب.” (4)، ويتميز الراوي كذلك عن الشخصيات ” فالشخصيات تعمل وتتحدث وتفكر، والراوي يعي ويرصد ما تفعله الشخصيات وما تقوله وما تفكر فيه وماتتناجى به ثم يعرضه “(5).
فالراوي هو الشخص الذي يقوم بالسرد(6)، وهو كما يعتقد لوبوك ” الشخصية الحساسة في القصة والتي تتمحور حوله , ليس ذاتياً تماماً , فقد كُرس كلياً لمهمة النظر والشعور نيابة عن القارئ(7) وهنا يشير لوبوك إلي وظائف الراوي , فهو مكلف بالنظر والشعور نيابة عن القارئ , ونقل هذا الإحساس والشعور إليه بالوصف والسرد.
وقد اقترن بالراوي مصطلحات مثل الرؤية , ووجهة النظر , و التبئير , والمنظور, وقد تكون هذه المصطلحات دالة على مدلول واحد , هو طريقة عرض الراوي للقصة , واختلفت المسميات لاختلاف البلاد والثقافات التي نشأت فيها هذه المصطلحات , وقد يكون التغير في المسميات تطوراً تاريخياً لكل مصطلح عما قبله , وليست هنا بصدد الحديث عن هذه المصطلحات(8)
ويتمتع الراوي إذا كان من نوع الراوي العليم بكل شيء بقدرة عالية على السرد والوصف والوجود في كل مكان فهو يتمتع بقدرة لا يتمتع بها إلا الآلهة (9).
وتكمن وظيفة الراوي في التوسط (10). ( Mediacy ) بين المروي له والأحداث, فيقوم بنقل الغياب أو سرده, (11). ومن مهامه أيضا إنتاج الأقوال(12). والعرض والمراقبة(13) والفعل والتأويل (14). فضلا عن ذلك فللراوي وظيفة أيديولوجية كما يصرح باختين “المتكلم في الراوية هو دائما , وبدرجات مختلفة , منتج أيديولوجيا , وكلماته هي دائما عينة أيديولوجية” (15). وقد تعددت أساليب السرد بمقدار تعدد الرؤى أو زوايا النظر السردية أو المنظورات (16).
نخلص من ذلك إلي أن الراوي هو محور الرواية وصوتها , وهو شخصية متخيلة، يصنعها المؤلف لتتولي مهام السرد والقصص ,” فهو شخصية متخيلة أو كائن من ورق شأنه في ذلك باقي الشخصيات الروائية الأخرى , يتوسل بها المؤلف وهو يؤسس عالمه الحكائى لتنوب عنه في سرد الحكي , وتمرير خطابه الأيديولوجي , وأيضاً ممارسة لعبة الإيهام بواقعية ما يروي , إذا كان الخطاب يندرج في هذا الاتجاه”(17).
يكون الراوي إحدى شخصيات الرواية , يحكي قصته أو قصة غيره,
وقد يكون شخصية واضحة ظاهرة في السرد وتحمل اسماً, أو ” لا يشترط أن يكون للراوي اسم متعين, فقد يكتفي بأن يتقنع بصوت أو يستعين بضمير ما, يصوغ بوساطته المروي ” (18).
ويحتل الراوي مواقع مختلفة تتيح له التغير في وجهات النظر أو التبئير داخلياً وخارجياً, كما تبعد المسافة أو تقرب بينه وبين شخصيات الرواية الأخرى (19).وسأتناول هذا التغير في التبئير والمسافة بشيء من التفصيل في روايات عادل كامل .
الراوي في روايات عادل كامل :
الراوي في روايات عادل كامل خارج عالم شخصياته , ينقل الحكاية بضمير الغائب , فهو خارج الحكاية ولا ينتمي إليها , براني الحكي (20). أو بتعبير جينيت ” خارج القصة – غيري القصة” (21). وهو راوي غير ممسرح , نشعر بوجوده المستمر , فهو الذي يسرد الحكاية ويصور الأحداث ويصف الشخصيات , وهو راوي عليم بأفعال الشخصيات وأفكارها و أحاسيسها , ويمسك بزمام السرد ولا يتركه إلا ليسمح للشخصيات أن تعبر عن نفسها دون وساطة وهو ما يسمونه بأسلوب العرض .
وينوع الراوي في أنماط التبئير في الروايات فأحياناً يستخدم التبئير الداخلي ويتوحد بالشخصيات, وأحياناً آخرى يستخدم التبئير الخارجي أو التبئير في درجة الصفر .
1- توحد الراوي والشخصيات ( وجهة النظر الداخلية ) :
الراوي يتوحد مع الشخصيات لينقل ما تشعر به , وتفكر فيه وهذا , ما يطلق علىه الرؤية مع , أو وجهة النظر الداخلية (22). إذ نرى عالم الشخصيات التخيلية معكوساً على شاشة وعيه (23). فالراوي يستسلم للذوبان في الشخصية, ويكشف عما تشعر به دون أن تقول له بوضوح , وهذا ما يسميه دوريت كوهن : “المحكي السيكولوجي ” (24).
يعرض راوي” ملك من شعاع “على لسانه افتقاد بعض شخصيات الرواية لإخناتون, فـ “ليس للشخصية في السرد بضمير الغائب قناة خاصة بها تمكنها من تبليغ المعلومة السردية, فكل المعلومات تنتهي إلي القارئ عن طريق الراوي , سواء كان هو المئبرِّ ( focalis ateur ) أو كانت الشخصية (25).فيعرض افتقاد إخناتون من منظور زوجته الأسيوية التي وجدت نفسها حبيسة في قصر من ذهب لا ترى زوجها إلا لماماً, فيسرد الراوي خطاب الزوجة الداخلي مذاباً في خطابه , وهو وما يطلق علىه كوهن “المونولوج المسرود” (26)، قائلا :” ” أيكون هذا هو العز الضخم الذي مناها به أبوها , وهو يقنعها بالتخلي عن ميلها لابن عمها الذي لا يعدو أن يكون أميراً آسيوياً متوحشاً لتتزوج فرعون الإله الذي تخر له جباه الملوك ؟”(27) ، والزوجة هنا هي الشخصية العاكسة (28). التي نرى من خلال وعيها , أو من خلال وجهة نظرها, لكن على لسان الراوي, وهنا نجد التميز بين “من يرى؟” ( الزوجة ) و”من يتكلم؟ “( الراوي ) . فقد استخدم الراوي الأسلوب غير المباشر الحر لعرض وجهة النظر الداخلية الزوجة , مما يجعل الراوي يتطابق مع الشخصية وتُلغى المسافة الفاصلة بينهما .
وكما توحد الراوي بالزوجة الآسيوية , وسرد افتقادها لإخناتون يتوحد بنفرتيتي ،ويكشف افتقادها لإخناتون ، ثم يتساءل الراوي “ماذا دها فرعون “, فالراوي يقيم حواراً ضمنياً بينه وبين المروي له, يسأله ويساعده على التماس الإجابة بوجهة النظر الداخلية المتعددة على افتقاد إخناتون في سرد حواري معرفته فيه مجرد إسهام من إسهامات أخرى (29). فهو بعد ما عجز عن التماس الإجابة من نفرتيتى أسرع إلي سمنكرع ملتمسا منه الجواب .
“لعل السر في هذا مفتاحه في يد صديقه سمنكرع”(30). ويبدأ الراوي في نقل وجهة نظر سمنكرع في حالة إخناتون الجديدة , فيقول :” لحظ هذا الصديق تغيراً خفياً في طبيعة فرعون , فلم تعد ضحكته تفيض بالبشر بل جدت فيها ومضات من السخرية السوداء والتشاؤم …” (31). الراوي يخبرنا بأننا حيال وجهة نظر سمنكرع بقوله ” لحظ هذا الصديق ” بعد أن أخبرنا أنه يتلمس المعرفة من سمنكرع , ولكن الراوي لم يترك لسمنكرع الحرية الكاملة في التعبير عن وجهة نظره , بل كان يوضح خطأه إذا أخطأ في تأويل الأحداث , مثلما حدث عندما شعر سمنكرع أنه بات بعيداً عن ثقة إخناتون , فيوضح الراوي خطأه بقوله” هذا ما خطر له ” وكأن الحقيقة عكس ذلك , ويؤكد الراوي أننا حيال وجهة نظر سمنكرع, فيقول :”هكذا رأي سمنكرع أنه قد صار دخيلاً على هذا الجو الجديد بعد أن خان الملك مثلهما المشتركة”(32).
الراوي يمسك بزمام السرد , حتى وإن ترك الشخصية تعبر عن وجهة نظرها , فهو لابد مراقب لما تقول , معلق علىه كلما سنحت له الفرصة , فيتساءل بعد أن انصرف سمنكرع عن إخناتون ” فهل افتقده فرعون فأرسل في طلبه ؟ لا شيء من هذا وكأنه لم يكن يعرف في يوم ما شخصاً يدعى سمنكرع”(33).
وتعود وجهة النظر مرة أخرى إلي سمنكرع , فيحار في تأويل تطور فرعون , ويرفض أن يكون السلطان والملك هو السبب, ويعلل ذلك حتى يصدقه القارئ فالقارئ لا يصدق الشخصية إلا إذا أعلمته كيف انتهت إليها المعرفة المنقولة في وجهة نظرها (34). ” فالملك لم يكن من النفر الذي يفسده السلطان فيجعله يتنكر لأصدقائه الأوائل , ثم أنه لم يكن يباشر هذا السلطان حتى يقال إن سورته قد طغت علىه بالرغم منه بل أن حياة الملك وهو فرعون لم تكن تختلف في مظاهرها عن حياته وهو أمير”(35).
ويتساءل كل من الراوي وسمنكرع في صوت واحد ” فإذا لم يكن هذا هو مرد التبدل في طبيعة الملك ومسلكه فما يكون المرد ؟ لقد كان الملك يفني نفسه في سبيل أصدقائه , فأصبح اليوم ولا صديق له , فماذا دها فرعون (36). فالمسافات تُلغى ويتوحد الراوي بالشخصية متى شاء , فيعبر عن وجهة نظرها وأحساسها ويساعده في ذلك أنه راوي عليم يتكلم بنوع من السلطة والثقة (37). كما ساعده ضمير الغائب على تمثل أصوات الشخصيات وإعادة صياغتها بوعيه ونبرته الخاصتين (38).
2- التبئير في درجة الصفر ( اللاتبئير ) : –
يستخدم الراوي اللا تبئير عندما يكون عليماً بكل شيء قادراً على التغلغل في نفوس الشخصيات كما يعرف مظهرها الخارجي , وأمثلة هذا النوع من التبئير، التبئير على إخناتون والنملة في رواية “ملك من شعاع” ، “واسترعى نظره على سور السطح قافلة من النمل تدب دبيبها الأبدي, وهي محملة بشتى الأسلاب , ولكن ثمة نملة كانت متخلفة عن الركب , مطروحة إلي جانب الطريق وكأنما نبذتها زميلاتها , فما يقربنها إلا ليوسوسن إليها بذلك السر الخالد الذي لابد أن تودعه كل نملة صدر من تصادفه من بنات جنسها قبل أن تستأنف السير …” (39). الراوي هنا راوي عليم يتمتع بوجهة النظر المحيطة بكل شيء ،ونحس بوجوده من خلال تعليقاته ” تدب دبيبها الأبدي ” و ” فما يقربنها إلا ليوسوسن إليها بذلك السر الخالد ” فالراوي على علم بحركة النمل ولغته .
ولأن الراوي عليم تمكن من الإحاطة بإخناتون والنملة معا مازجاً أسلوبي العرض والسرد “ليكشف للقارئ الشخصية من الداخل ومن الخارج , بالرؤية المباشرة ومن خلال كلام الراوي عنها “(40). يقول الراوي :” حدب الفتى على النملة المنبوذة , وهو يحدثها قائلا:ما بالك متخلفة يا أختاه ؟ ورآها قد ألقت حملها بجانبها , تدفعه خطوات قليلة ثم تستريح إلي جواره , وسرعان ما أدرك أن صديقته النملة مصابة في ساقيها بما يمنعها من ملاحقة قافلتها, وكانت المحاولات التي تأتيها لمواصلة السير بحملها تدمي قلب الفتى النحيل … “(41). استخدم الراوي التبئير في درجة الصفر , فهو يعرف كل شيء عن إخناتون والنملة , أحساسهما ” تدمي قلب الفتى النحيل “،” نزلت النملة عن الورقة في تردد وخشية”، وأفكارهما ” أدرك أن صديقته النملة مصابة في ساقيها”،” “فهي لا تعرف طريقها إلا إذا كان متصلاً” وأفعالهما ” فراح يبحث حتى عثر بورقة يابسة من أوراق الشجر , وضع علىها النملة في حرص شديد”، “ولكنها ما لبست أن تبادلت كلمات السر …فدلفت إلي المدينة ” ويستمر الراوي في سرد سلوك إخناتون مستخدماً اللاتبئير(42). أو التبئير في درجة الصفر(43) بتعبير جينيت, حتى نهاية المقطع, فهو يحيط بكل شيء, يعلم سلوك إخناتون الخارجي ومظاهر تعامله مع أصدقائه من الطير والحيوان كما يغوص في داخله , فيحلل أفكاره ويرصد مشاعره وأحساسه .
3- وجهة النظر الخارجية : –
يستخدم الراوي وجهة النظر الخارجية عندما يصف الشخصية من الخارج ويسرد مظاهر سلوكها أو ينقل أقوالها , مثلما نرى في التبئير على خالد في رواية ” مليم الأكبر ” يقول الراوي ” اعتاد خالد أن يصرح بين آن وآن أنه يكره الأدب وآثار الخيال، فهو لا يفهم ما يدفع الناس إلي قراءة رواية مثلا .هذه الرواية على أحسن وجوهها لا تعدو أن تكون صورة صادقة من الحياة ، والحياة مبسوطة أمام كل ذي عينين…” (44). الراوي ينقل أفكار خالد ومعتقداته بعدم جدوى الأدب عن طريق تبئير خارجي يتمثل في نقل أقوال خالد , ويعرض وجهة نظر خالد في الأدب والرواية خاصة؛ فخالد يرى أن الرواية صورة صادقة من الحياة , وهو يستطيع أن يرى الحياة بدلا من أن يقرأها في كتاب ، وأن يعيش التجربة في الحقيقة بلا وساطة من كاتب الرواية , لذلك فهو يكره الأدب , والراوي على مسافة فكرية بعيدة عن خالد , والدليل على ذلك لفظة ” يغالي أكثر ” فالراوي لا يوافق خالد في نظرته إلي الأدب.
وأتاحت هذه المسافة بين الراوي وخالد الفرصة للراوي حتى ينقد فكر خالد , فينسب إلي خالد فكرة عدم جدوى الأدب , ويلتمس السبب في ذلك من علم النفس , فمن شدة حرص الراوي على معرفة كل شيء عن خالد , يتقصى الأسباب والنتائج التي تُصير إليها أحواله , ويسأل عالم نفس عن سبب كره خالد للأدب ، ورفضه أن يقرأ رواية يكون هو بطلها , ويرد العالم النفسي السبب إلي خجل خالد من حقبة من حياته , ويخشى أن توضع هذه الحقبة تحت مجهر الأديب , فتظهر ما فيها من أمور مخجلة .
4 – تداخل السرد والعرض : –
العرض هو تقديم مباشر للأحداث يترك فيه الراوي المروي له يرى ويسمع من الشخصيات كما في الدراما، أما السرد فهو حديث مقدم للمروي له بصوت الراوي الذي يلخص له الأحداث (45) فاستخدم الراوي تقنية السرد للتعبير عن أفكار الشخصيات وأقوالها كما استخدم تقنية العرض, فكان يترك للشخصيات الروائية الحرية في التعبير عن نفسها في خطاب منقول (46). إلا أنه يورد هذه الخطابات المباشرة لأقوال الشخصيات ملحقة بجمل وصفية تُعرفنا على سماتها وتحدد المتكلم (47). في روايتي” ملك من شعاع ” و ” مليم الأكبر ” . أما روايتا” الحل والربط ” و” مناوشة على الحدود ” فقد قُسمتا إلي مقاطع مرقمة ، وليس إلي فصول كما في الروايتين السابقتين , فقُسمتا إلي مقاطع سردية , وأخرى تجمع بين السرد والعرض, وقد برز استخدام تقنية العرض بشكل واسع في رواية “الحل والربط” فأحياناً يبدأ المقطع بفقرة سردية قصيرة ثم يبدأ العرض في شكل حوار بين الشخصيات إلي نهاية المقطع، ويكون حواراً خالياً من أي علامات تشير إلي الشخصية المتكلمة , ويكون التمييز عن طريق لهجة الشخصية ووجهة نظرها ، ” إنه لا يمتزج في التركيب الهجين الروائي الأشكال اللغوية للغتين وأسلوبين وسماتهما فقط , إنما يتم فيه قبل كل شيء تصادم بين وجهات النظر إلي العوالم الكامنة في هذه الأشكال”(48).
ونستشف من السرد المتداخل مع العرض موقف الراوي الأيديولوجي، ” فالقصة ستكون غير مفهومة إذا لم تحتو على المقدار الضروري من السرد الذي يجعلنا ليس فقط على بينة من نظام القيم الذي يعطي السرد معناه , ولكن يجعلنا راغبين في قبول نظام القيم وذلك بصورة مؤقتة على الأقل “(49).
ومن المقاطع التي تجمع بين السرد والعرض , المقطع الثاني عشر من رواية ” الحل والربط ” الذي يعبر عما آلت إليه الأسرة من علاقة عدائية , يقول الراوي: “ويدخل علىهم حسين فيبدى أسفه لحضوره في وقت غير لائق , ولكن عذره أنه يود للمرة الأخيرة تغليب الود على الخصام راجياً أن ترد له أرضه بالحسنى . وينفعل معتز. ليس لك عندي حفنة من تراب …وتثور الوالدة بدورها على ابنها حسين , وتتهمه بأنه يسعى عامداً للإجهاز على أخيه ثم تطرده من الحجرة “(50).
الراوي في هذا المقطع يتميز بقدرات فائقة , فهو بالإضافة إلي أنه راوي عليم غيري القصة, ويمسك بزمام السرد فإنه يجمع بين العرض و السرد و ينوع الأساليب الخطابية، فالراوي يبدأ المقطع بصوته و هو يسرد لحظة دخول حسين على أخيه و أمه بعد طلاق تماضر من أخيه مباشرة ؛ فيأسف لحضوره في وقت غير لائق، و لكنه يرغب في أن يأخذ أرضه بالحسنى ، و الراوي هو الذي ينقل كلام حسين بأسلوب غير مباشر حر ، ثم ينقل الحوار بين الدكتور معتز و حسين في صيغة الخطاب المباشر ليتمتع بأقصى درجة من الموضوعية و الحياد (51).
و في هذا الحوار يغيب منه فعل القول و علامات التنصيص و القوسان وأي علامات تدل على تولي شخصية الكلام و انقطاع كلام شخصية أخرى، فالراوي لا يقدم أي مساعدة للتعرف على أيهما يتحدث و أيهما يسمع، و يترك للمروي له التمييز عن طريق ألفاظ الشخصيات و لهجتها، و ترى يمنى العيد أن “القول السردي يكتسب فنيته بديمقراطيته، أي بانفتاح موقع الراوي على أصوات الشخصيات بما فيها صوت السامع الضمني، فيترك لهم حرية التعبير الخاص بهم، و يقدم لنا منطوقاتهم المختلفة والمتفاوتة و المتناقضة و بذلك يكشف الفني عن طابع سياسي عميق قوامه حرية النطق و التعبير”(52). وهذا ما فعله الراوي ؛إذ ترك الشخصيات تعبر عن نفسها ،ونقل كلامها دون تحريف، ثم ينتقل إلي خديجة هانم و يعبر عن وجهة نظرها في الحوار بين الأخوين بأسلوب غير مباشر حر ” و تتدخل الوالدة ليس هكذا خطاب الأخ الأكبر , هل غاب عنه أنه مريض ؟” ثم يستخدم الأسلوب غير المباشر ويكثف كلام حسين عن الوظيفة ” و لكن حسيناً يقهقه و يقول إن هذا بعينه يجعل هذه الوظيفة على كف عفريت .. لذلك فهو بسبيل بذل المساعي و توطيد الصلات لإبدالها …. ” فالراوي يتنقل من الأسلوب غير المباشر إلي الأسلوب المباشر بسهولة ” ها أنذا أعيد إليك وظيفتك , و عليك أن ترد عليّ مالي ” كما ينتقل بسهولة من السرد إلي الحوار , و من خطاب مباشر إلي غير مباشر , و غير مباشر حر، ” ومن الممتع دوما في عمل جميل الشكل اكتشاف كيفية ميل أحد الأساليب لأن يضاف إلي أسلوب آخر , بحيث نحصل على طبقات أو توليفة من طبقات , في التعامل مع قصة من القصص”(53).
وهو قادر على أن يلج داخل الشخصيات و يصف مشاعرها و أفكارها , فهو يصف شعور الدكتور معتز بالضيق و الانقباض و ثقل الصدر و مع ذلك لايتأثر حسين بحال أخيه بل يستخف به .
نستخلص من كل ذلك أن الراوي في هذا المقطع يستخدم التبئير في درجة الصفر أو اللا تبئير , وهو راوي عليم بأقوال الشخصيات و مشاعرها كما أنه يتمتع بقدرات فائقة في استخدام الأساليب المتنوعة .
5 – تقنية التداعي الحر و المونتاج السينمائي :
استغل عادل كامل تقنية التداعي الحر لتساعد الراوي على تفتيت مستوى الوعي في العقل الظاهر والولوج إلي اللاشعور في العقل الباطن فاستخدم المونولوج الداخلي المباشر الذي يعرض تأملات الشخصية مباشرة إلي القارئ دون تدخل منه(54) فيعرض راوي ” ملك من شعاع ” خواطر إخناتون وسرعة تفكيره عندما ذهبإلي الساقية قائلا: “فقد كانت الخواطر تتوارد في رأسه بسرعة مخيفة، فلا تبقى في الوعي سوى لمحة خاطفة، ثم تترك مكانها لغيرها من السوانح وهكذا . ولم تكن بين هذه الخواطر رابطة ما، بل كانت كحديث زمرة من الناس يتكلم كل منهم في موضوع مستقل، ولا يجيب أحد منهم على أحد . هذه الشجرة قد تقع في أي لحظة – مامعنى كلمة ” استكانة ” – إن لسمنكرع طريقة غريبة في الحديث – أيها الناس لعمري أنتم منافقون منافقون – ما أشهي الخبز الذي أكلته … وهكذا.. وخيل للملك أنه لو استمر تفكيره على هذا النحو مدة أخرى ليفقدن رشاده ولا يعودن إليه عقله . فحاول أن يتشبث بإحدى خواطره ، وأن يعمد إلي استبقائها في وعيه فترة وإن قصيرة فلم ينجح. إذ كانت الخاطرة تفلت منه تاركة وراءها غيرها لا هوادة ولا رفق .امتلأ الملك جزعاً ووقع في وهمه أنها نهاية العالم …” (55)يصف الراوي سرعة تفكير إخناتون ، ويشبه هذه الأفكار والخواطر بحديث جماعة من الناس يتكلم كل منهم في موضوع مستقل ، ثم يعرض هذه الأفكار المتلاحقة المتباينة عن بعضها ثم يبين أثر هذه الأفكار على نفسية إخناتون ، فهذه الأفكار جعلت إخناتون يشعر أنها نهاية العالم . وقد استخدم الراوي تقنية التداعي الحر في هذا المقطع ليكشف عن ذات إخناتون البائسة وعقله الذي أوشك على الجنون قبل نزول الوحي عليه ، وتكون هذه الخواطر المتباينة أول إلهام على إخناتون عند ما يدرك أن هذه الخواطر المتباينة هي ألوان الدنيا بأسرها .
وفي رواية ” مناوشة على الحدود ” يعرض الراوي تفكير البطل وتأملاته قائلا ” و لكنه ليس لديه خس ليأكل منه حين يصحو ،أتراهم ابتاعوا له خسا ،كم هو مرطب و منعش عقب صحوه، ولكنهم لا يطيعون له قولا . الشخصية . السن . الزوج …وجود المراسيم و العبادات في الأديان هو السر في بقائها. إذا كان الله موجوداً فلابد من عبادته و لكنه لما كانت هناك عبادة فلابد من وجود الله هكذا يفكرون. هكذا يقول برجسون أذكي رجل في العالم . ملك . ملك الصلصة لقد أخبروه بأنه يضعها في رغيف ويأكلها .إنه يلعب الباتيناج ليتعرف على الفتيات من الأفضل أن يكن إسرائيليات . الفتيات للفتيان أوسمة فخار للجندي. تشبيه بليغ أداة التشبيه محذوفة ” (56)
هذا المقطع يتميز بسرعة التقابي للفكر و عرض تفكير الشخصية دون تدخل واضح من الراوي ولكن الراوي العليم يتحين الفرصة ليتدخل بتعليقاته فيقول” ما هذا الذي يفكر فيه ؟ كيف أدى به إلي أداة التشبيه المحذوفة، يذكر أنه بدأ بالخس أكان يحلم به , إن الحلم لا ينتهي بتأملات شعورية .هذا ما حدث لقد سمع بائع الخس ينادي عليه بعد كل هذا النصب تظهر أنها تأملات و ليست حلماً، كأنما هذا أوان التأمل و هو في غمار المعمعة يناطح عدوه الجبار”(57).
فهو يكشف عن سبب تدفق أفكار الشخصية بأنه سمع بائع الخس ينادي عليه قبل أن يدخل بوعيه إلي منطقة الحدود بين العقل الظاهر و العقل الباطن . و هذه التأملات لم يجمع بينها خط واحد و إنما هي أفكار مختلفة ،كل فكرة تمحو سابقتها.
تقنية المونتاج السينمائي :-
استخدم الراوي تقنية المونتاج السينمائي , و المونتاج هو متتالية تلعب دوراً أساسيا في الرواية “(58) في رواية ” مناوشة على الحدود” فعمد الراوي إلي تركيب مغامرات البطل و صراعه في منطقة الحدود في مشاهد سردية تجمع بين الحلم و التأملات الذهنية مثلما نرى المشهدين اللذين تبدأ بهما الرواية ثم الجولات الأربع التي يقوم بها البطل في منطقة الحدود و كان كلما أفاق من جولة يحاول تدوين الحلم و لكنه لم يستطع .
6- التناوب:
وكان الراوي يستخدم التناوب أحيانا و التناوب هو” رواية عدة حكايات في وقت واحد بحيث يتوقف عن سرد الحكاية الأولى ليروي جزءاً من الحكاية الثانية”(59).
فالراوي الذي ينقل حوار إخناتون مع أبيه في الفصل الخامس من رواية “ملك من شعاع ” وهي الحكاية الأولى التي يحكي فيها فقد إخناتون إيمانه , ثم يصور مكائد الملكة تى ودسائس بتاح موس كاهن آمون و هي الحكاية الثانية في الفصل السادس، ثم يعود في الفصل السابع إلي الحكاية الأولى، وينتقل إلي الحكاية الثانية في الفصل الثامن، و لعل الراوي يهدف من هذه التقنية إلي إبراز قدرته وإحاطته بكل ما يجرى داخل عالم الرواية.
نخلص من كل ذلك إلي أن الراوي في روايات عادل كامل راوي دائم الحضور بشكل خفي، فهو راوي غير ممسرح نحس بوجوده في تعلىقاته دون أن نراه، و هو يستتر وراء ضمير الغائب في قص الحكاية، وهو راوي عليم بكل شيء، ينوع وجهات النظر ما بين الداخلية والخارجية ويتغلغل في النفوس والقلوب والعقول، ويعلم أفعال الشخصيات وأفكارها ومشاعرها، ويقف على مسافة قريبة أو بعيدة من الشخصيات تبعاً لاتفاقه أو اختلافه معها .
المروي له ” المسرود له ” Narrataire:
الخطاب يتكون من رسالة و مرسل و مرسل إليه , كما قال جاكبسون لذلك نجد أن الرواية ” قصة محكية تفترض وجود شخص يحكي و شخص يحكي له، أي وجود تواصل طرف أول يدعى رواياً أو سارداً، و طرف ثانٍ يدعى مروياً له أو قارئاً”(60).
والمروي له هو الشخص الذي يتوجه إليه الراوي بكلامه(61). وبدونه يفقد السرد معناه ويتحول إلي هذيان لا مبرر له 62)). ولا يجوز أن نخلط بين المروي له و القارئ، فالمروي له أحد عناصر الوضع السردي يقع في مستوى الراوي، و لا يلتبس قلبيا بالقارئ حتى و لو كان هو القارئ االضمني أكثر مما يلتبس السارد بالمؤلف(63)، فالمروي له جمهور الراوي، أما القارئ الضمني فهو جمهور المؤلف الضمني(64)، ويجب ألا يُخلط بالقارئ الحقيقي، لأن القارئ الحقيقي لا ينتمي إلي عالم المروي له الوهمي، بل إلي العالم الحقيقي , وهو يقرأ الكتاب بينما المروي له يسمع الحكاية(65).
كما أن القارئ الحقيقي يمكن أن يقرأ العديد من السرديات ( كل منهما يحتوى على مسرود له مختلف) أو السرد نفسه (الذي يحتوى دائماً على نفس المجموعة من المسرود لهم) والذي يمكن أن تقرأه مجموعة مختلفة من القراء الحقيقيين (66).
و مع ذلك , نجد أن بعض النقاد قد خلطوا بين المروي له و القارئ مثل رولان بارت الذي قال “لا يمكن أن يوجد سرد بدون سارد و بدون مستمع ( أو قارئ ) ….. فعلامات السارد تبدو لأول وهلة أكثر قابلية للرؤية، وأكثر عدد من علامات القارئ(…)، كما أن علامات القارئ في الواقع هي أكثر مخادعة من علامات السارد “(67). فالناقد رولان بارت وضع القارئ بدلا من المروي له في مستوى السارد.
ونجد الناقد واين بوث الذي اهتم اهتماماً كبيرًا بالراوي , فحدد أنماط الرواة , تجاهل المروي له وأعطى عناية خاصة للقارئ االضمني فحدد كيفية التعامل مع القراء، وكيفية التحكم في العاطفة والبعد، مع ذكره أن القارئ الضمني من صنع المؤلف الضمني “كل جرة قلم تتضمن شخصيته الثانية التي تساعد في تحويل القارئ إلي ذلك النوع من الأشخاص المناسبين لتقديم مثل هذه الشخصية والكتاب الذي يكتبه (68).
أنواع المروي له:
المروي له مثل الراوي له أنماط , و قد حدد الناقدان جيرار جينيت وجيرالد برنس هذه الأنماط ومن أبرز أنماط المروي له التي اتفق علىها الناقدان نمطان؛ المروي له الممسرح والمروي له غير الممسرح)69)
المروي له الممسرح :-
عندما تكون شخصية من الشخصيات قد تحولت إلي مستمع نتيجة إطالة شخصية أخرى للحوار معها، فاتخذت موقع المروي له المستمع لما تقصه الشخصية الأخرى ( الراوي). وقد تلعب هذه الشخصية دورًا أقل أو أكثر أهمية في الوقائع المروية(70). وقد تكون شخصية رئيسية أو ثانوية أو مجرد مستمع (71). فهو داخل الحكاية، وتتكون صورته تدريجيًا، ويكون مثله مثل الراوي والشخصيات، أي أنه يخضع لهيكل الشخصية التخييلية. (72).
المروي له غير الممسرح :
هو المروي له الرئيسي الغائب عن الرواية , فهو خفي غير متعين في نص الرواية، و لكن توجد إشارات نصية تدل على وجوده المستمر مراقب و مستمع للحكاية و يدمج لطيف زيتوني هذا النوع من المروي له بالقارئ المحتمل، “إذا لم يتعين المروي له الرئيسي في نص الرواية , أي لم يشر إليه بأي علامة، فالأفضل اعتباره مندمجا بالقارئ المحتمل .” (73). فالمروي له غير الممسرح يقع خارج الحكاية وترتسم صورته في الملفوظ وتتماهي مع صوره القارئ المجرد ( االضمني ) (74).
وسنرى في تحليل هذه الدراسة لروايات عادل كامل أن المروي له دائماً في مستوى الراوي , فإذا كان الراوي غائباً عن الحكي، فإن المروي له غائب عن الحكي غير متعين , أما إذا حضر الراوي بوصفه شخصية من شخصيات الرواية فإن المروي له يصبح متعيناً ظاهراً في إحدى الشخصيات .
المروي له في روايات عادل كامل :
اتخذ المروي له في روايات عادل كامل شكلين حسب الموقع الذي يحتله , فعندما كان المروي له خارج الحكاية، و هو المروي له الرئيسي كان مرويًا له غير ممسرح ،و عندما احتل موقعا داخليا، وأصبح شخصية من شخصيات الحكاية أصبح مروياً له ممسرحاً .
المروي له غير الممسرح :
استخدم الراوي ضمير الغائب , و هو يقع خارج الحكاية كما رأيناً، لذلك نرى المروي له الذي يقع في نفس مستوى الراوي خارجيًا وغائباًعن عالم السرد، فهو غير ظاهر، و ليس له وجود ملموس في النص إلا من خلال إشارات الراوي إليه . وتكمن وظيفته في تلقى السرد من الراوي فهو ” يتجه نحو القاص و يصغي إليه تارة ،و تارة أخرى يلتفت إلي القصة نفسها و يأخذ بمراقبتها ” (75).
ونجد الأمثلة على هذا النوع كثيرة في الروايات ، ففي رواية “ملك من شعاع” يسرد الراوي حياة الملكين ( الملكة تى و الملك أمنحتب الثالث ) قائلا “… من هذا المخدع كانت تحكم مصر، فيه تصرف أقدار الرجال والمستعمرات، و بكلمة من صاحبته تسير الجيوش لتفتح البلاد، و بإيماءة منها تبنى المعابد و تقام الشخوص الملكية، أو يقال الوزراء، و يبدل الحكام …. وفي المحافل والأعياد، كان فرعون هو الذي يظهر على الملأ، محاطاً بأفخم أنواع الأبهة الملكية، فتعنوا له الجباه، وتخشع الهام. فبينما يُخيل للملكة أن فرعون لم يعد له غير مظاهر الملك، يعلم هو يقيناً أن الملكة إنما تعبث بما يسمح أن يتركه لها من قشور السلطان هكذا كانت حياة الملكين عنوان السعادة في كل الأرض”(76). في هذا المقطع يتوجه الراوي إلي مروي له غير ممسرح يخبره بما عليه حياة الملوك والفراعين المصرين، وكيف تسير مظاهر الحكم والعمل في الإمبراطورية من خلال سرده لحياة الملكة تى وعبثها بالحكم في ظل زوجها فرعون ابن الإله الذي يحتفظ بجوهر السلطة
وقد نجد علامات نصية تشير إلي المروي له صراحةً، وتتمثل في أسلوب التعجب، أو السؤال الذي يتوجه به الراوي إلي المروي له مباشرة، و أمثلة ذلك كثيرة في رواية ” ملك من شعاع ” ففي حديث الراوي عن سلوك الملك أمنحتب الثالث و ما يتمتع به من قوة و صخب و تشييد حضارة صماء وما عليه ابنه إخناتون من هدوء، يتوجه الراوي بالسؤال مباشرة إلي المروي له قائلا ” أترى سيحذو ابنه حذو الآلهة فيطعم الدهر بما عجز هو عن تقديمه و يهبه طعاماً غير حجر الصلد و الصخور الصم، إن كان ذلك فلم تكن حياته من العبث بالقدر الذي تصوره ،فهو الذي أعقب ولى العهد، وهو الذي اختط بحياته الطريق الموصل لما قد يقيمه ابنه من عمائر أبقى من عمائره. لعله لو لم يكن كالبحر الملتطم لما نشأ ابنه كالنيل الوديع؛ فليهنأ بخلفه إن لم يتأت له أن يهنأ بنفسه . فمن يدرى ؟ لعله لم يكن في طوقه أن يستحدث غير ما فعل “(77). نحن هنا أمام احتمالين قد يكون المتوجه بالسؤال الراوي أو المروي له، قد يكون السائل هو الراوي ليثير اهتمام المروي له و يجذب انتباهه، و قد يكون السائل هو المروي له و هذا هو الأرجح ،لأن السؤال في المرتين يقطع سرد الحكاية، ففي المرة الأولى يقطع السؤال سرد حكاية فرح الملك لتذكره أن ابنه كالنيل الوديع يضفي الخير على أهلها، فيأتي السؤال للتعجب مما ستكون علىه حياة ابنه ” أترى سيحذو ابنه حذو الآلهة فيطعم الدهر …!” و يكمل الراوي سرد الحكاية فعلى الملك أن يفرح، لأنه هو الذي أعقب ولى العهد الذي سيقيم عمراناً أبقى من عمران والده. وهنا يخرج صوت المروي له مرة أخرى ويتشكك فيما يقوله الراوي ” من يدرى ؟” فيجيب الراوي متلمساً الأعذار لأمنحتب الثالث ” لعله لم يكن في طوقه أن يستحدث غير ما فعل “
ينقل الراوي الصورة المأساوية التي أصبح علىها الملك بعد فقد إيمانه بديانات مصر القديمة وبعد أن توفيت زوجته الأسيوية ونما الجفاء بينه وبين أصدقائه وأحبابه وأصيب بنوبات الصرع. والراوي يخبر المروي له بأن إخناتون أصيب بمرض الأوهام والأخيلة، لعل الراوي يرغب من ذلك أن يتأثر المروي له ويشفق على إخناتون ، و لكن للمروى له رأي آخر، فيسأل ” أتراه قد جن و هو لا يدرى؟ “(78). فيجيب الراوي على صوت المروي له و سؤاله بأن ” هذا حق واقع لا شك فيه”(79)و يسرد له الأخيلة و الأوهام التي استولت عليه، وهو فتى في السابعة من عمره , إذ كان يهيأ له بأنه هو البشري الوحيد على الأرض و ما سواه أرواح هبطت من عالم آخر.
وفي رواية ” مليم الأكبر ” نجد هذا النوع من المروي له غير الممسرح عندما يسرد الراوي حياة خالد بعد عودته من أوروبا قائلا: ” ما إن استقر المقام بخالد حتى تهالك على مقعد وثير وأطلق لفكره العنان … ما بال الفتية من أترابه يروحون ويغدون يعملون ويضجون ،أما هو فقابع في جحره لا يبرح ولا ينشط ؟… فإنه يحس بأن تيار الحياة قد لفظه إلي شط مهجور , فلم يعد فرداً في مجتمع ولكنه فرد في معزل “” (80)
الراوي يتحدث إلي مروي له خفي , فيقص عليه حكاية خالد وما فيه من انطواء وعزلة , فيظهر صوت المروي له مستفهماً “كيف تم هذا ؟ أنشأ ( هكذا ) هذا الحال المحزن نتيجة خطأ منه ، أم اضطر إليه اضطراراً”(81) فيجيب الراوي على سؤال المروي قائلاً : “كان كلما عاوده هذا السؤال، ألقى عبء الخطأ على المقادير , واعتقد أنها ظلمته أشد الظلم ، إلا أنه أدرك أخيرًا أن اتهامه للمقادير ليس سوى الغبار تثيره النفس لتستر بها ضعفه، ولتسوغ خطأها , إنه يعلم الآن أن الطبيعة لا تنتج آثارها إلا بالمفاعلة والتبادل في نطاق دائرة مشئومة , فإن كان المجتمع قد نبذه , فلأنه هو الآخر قد طلقه وخرج على نظمه وأوضاعه , أما من يرضى بهذه النظم والأوضاع , فإن المجتمع يفتح له صدره , ويفسح له سبل العيش , وبمقدار قبول هذه النظم والأوضاع , يكون نجاح المرء وتقدمه ،فأن أقرت أوضاع مجتمع ما الرشوة والكذب والتزوير , فلا يمكن أن ينجح امرؤ في هذا المجتمع عينه , إلا إذا استعان بهذه الوسائل(82).
الراوي يريد أن يُعلّم المروي له , ومن ثم يُعلّمنا نحن القراء إذ يمكننا أن نتماهي مع هذا المروي له الخارجي(83), كيفية التعامل مع أوضاع المجتمع ونظمه , فيتخذ من حالة خالد وما آل إليه من انطواء وعزلة وسيطاً لحث المروي له على قبول أوضاع المجتمع وعدم مخالفة نظمه , لأنه بمقدار قبول أوضاع المجتمع يكون نجاح الإنسان وتقدمه .
ويتساءل المروي له الذي يتابع قصة خالد بشغف “ولكن ترى من منهما البادئ بالعدوان : أكان هو أم المجتمع(84). فالسؤال أخذ صيغة المخاطب , وأتت إجابة الراوي متضمنة حياة خالد قبل سفره إلي أوربا وبعد عودته مباشرة ” لقد كان قبل سفره إلي أوربا يعيش سعيداً بين أسرته ويشارك أفرادها في حياتهم المنزلية والاجتماعية(85)
ويثير الراوي في المروي له مشاعر العطف على الأم والبر بها من خلال حديثه عن مشاعر خالد نحو أمه وهي طريحة الفراش بعدما أهملها زوجها وولداها , وتركوها فريسة للوحدة , فيقول الراوي: ” لشد ما أنبه ضميره في تلك اللحظات! إن والدته كانت دائما طيبة ساذجة , ولكنه لم يكلف نفسه مرة أن يخترق قشرتها الظاهرة لينفذ إلي أعماق نفسها الجميلة , فهو وإن كان يعاملها باحترام لم يظهر لها هذا العطف الذي كانت في أشد حاجة إليه لأنه غذاء حياتها(86). وكأن ثمة حواراً ضمنياً بين الراوي والمروي له , يسأل فيه المروي له “هل كان يتغير حال الأم إذا عطف عليها خالد ؟ ” فيجيب الراوي على هذا السؤال االضمني قائلا : “أجل . لقد كان حال أمه يكون غير هذا الحال لو صادفت عطف من أبنائها ومن زوجها , ولكن الأسرة جميعها كانت منصرفة عنها , لكم ود وهو ممسك بكفها لو استطاع أن يعوضها عن كل ما سلف من تقصير! أن يجلس إلي جوارها كل مساء يحدثها إلي أن ترتمي في أحضان النوم , أن يوقظها بقبلاته كل صباح كأنه زوج لها , أن يلجأ إليها ليطلعها على كل شئونه, ويشركها في أفراحه وأحزانه , أن يتخذها أماً وأختاً وصديقاً”(87). فالراوي يُعلّم المروي له ما يجب أن تكون عليه معاملة الأمهات من بر وحنان واهتمام من أولادها , ولعل المروي له يتعجب من سلوك خالد المفاجئ نحو أمه , فعبر الراوي عن هذا التعجب والاندهاش بعلامات التعجب الظاهرة بعد قوله :”لشد ما أنبه ضميره في تلك اللحظات!”, “ولكم ود وهو ممسك بكفها لو استطاع أن يعوضها عن كل ما سلف من تقصير ! .”
ونصادف في رواية ” مليم الأكبر ” المروية بضمير الغائب مقطعاً سردياً بضمير المتكلم الجمعي الذي يستدعى “إحساساً مماثلا بشخص المروي له الغائب عن جماعة الراوي والمنفصل عنها في آن”(88). يقول الراوي ” والحديث عن خالد في هذه الحقبة من حياته حديث عن تطورات النزاع القضائي بينه وبين أبيه .. إلا أنه حديث القضايا لا يلذ . فلنترك خالداً وحيداً في كفاحه القضائي، ثم لنعد إليه بعد عامين لنرى ما تم في أمره وأمر مليم(89)
الراوي كان دائما يستخدم ضمير الغائب , أما هنا فهو يستخدم ضمير المتكلم الجمعي ( نترك – نعد – نرى ) ليؤكد على وجوده وتلازمه مع المروي له ملازمة الظل لصاحبه (90). فهما معاً ينقلان إلينا النص , ولأنهما ملا من الحديث عن خالد ونزاعه القضائي مع أبيه، يخبر الراوي المروي له أنهما سينتقلان إلي حكاية أخرى ، وهي حكاية مليم ،ثم يعودان إلي خالد بعد عامين ليعرفا ما تم في أمره, فالمروي له ملازم للراوي أينما حل فإذا انتقل من حكاية إلي أخرى انتقل معه ليسمع وينصت إلي كل ما يقال . وهكذا نرى إشارات نصيةإلي المروي له غير الممسرح في هذه الرواية الواقعية , مثل السؤال , والتعجب , وضمير المتكلم الجمعي .
وفي رواية ” الحل والربط ” نجد المروي له غير الممسرح دون أي إشارة نصية تساعد على تعينه , يقول الراوي : ” مع ذلك فلا بأس من التنويه بأن الدكتور معتز لم يكن شريراً بطبعه إلا بقدر ما يكون غموض الرؤية والجهل مما يريده المرء شراً، لم يعرف لنفسه أهدافاً واضحة , فترك للمجتمع السائد- متمثلا في والدته- تحديد أهدافه نيابة عنه , وما لبث بمرور الزمن أن ظن كجحا والوليمة أنها أهدافه حقاً , فراح يعدو ورائها ويستميت في سبيل تحقيقها , ما دام ليس لديه غيرها”(91) الراوي يوضح للمروى له أن الدكتور معتز ليس شريراً بطبعه , وأن السلب والعربدة في الوظيفة كان بسبب أمه التي كانت تشجعه على ذلك حتى يحقق أهدافها ويحصل على الباشاوية , ونمت حلم الباشاوية داخله حتى أصبح هدفه الوحيد .
ويتساءل المروي له في حوار ضمني بينه وبين الراوي “هل الدكتور معتز إنسان بسيط ؟”وقد خمنتُ هذا السؤال االضمني من إجابة الراوي الظاهرة ” أجل. إن الدكتور معتز إنسان بسيط , أما مظهر العجرفة الذي يتستر وراءه فوسيلته لحماية نفسه ومكاسبه من مجتمع الغابة الذي عاش فيه ومن أطماع الكواسر المحدقين به , ولأنه في قراره نفسه يدرك سهولة التأثير عليه , فهو يعمد إلي المبادأة بالعدوان وإلي اصطناع ” الحداقة والفهلوة ” كي يوحى إلي الناس أنه ليس ممن يؤكل لحمهم” (92). فالراوي يريد أن يغير وجهة نظر المروي له في الدكتور معتز , ويحمله على الشفقة عليه , وأن يلتمس له الأعذار .
ونجد أن طبيعة اللغة في رواية ” الحل والربط ” مختلفة عن روايتي” ملك من شعاع ” و ” مليم الأكبر “، ففي روايتي” ملك من شعاع ” و ” مليم الأكبر ” لغة فصحى ،أما في رواية ” الحل والربط ” فهي لغة يتخللها العبارات العامية الدراجة مثل ” خبط لزق “(93) “الحداقة والفهلوة “(94).
ويرجع ذلك إلي أن رواية ” الحل والربط ” تصور المجتمع الريفي فجاءت لغة الرواية قريبة للهجة الريف المصرى، وهي اللهجة العامية المصرية .
وتنعدم الإشارات الصريحة إلي المروي له الخارجي في رواية ” مناوشة على الحدود ” باستثناء مقطع واحد يتوجه فيه الراوي بالتساؤلات إلي المروي له , يتساءل الراوي قائلا : “هل يصدق فرويد فتكون هذه الآبار المظلمة التي لم يكشف غير فوهاتها سجون كمعاقل العصور الوسطى يطرح فيها كل فكر شرير يريد أن يخرج على تقاليد المجتمع ،وكل عاطفة ثائرة تحاول تحطيم أوضاع المدينة … أهي سلة مهملات يُلقى إليها بالعفن والمضر من الأشياء ليظل العقل الظاهر ناصعاً بريئاً من الأقذار(؟) أتحوي كنوزاً أم مباءات ( ؟ ) لو أنه يصدق فرويد فلم جن صاحبه، كيف يرتقى مستودع المباءات إلي أسمى ما عرفته البشرية النبوءة ( ؟ ) أنه لا يصدق فرويد” (95). في هذا المقطع يتساءل الراوي عن حقيقة العقل الباطن ، ويساعد المروي له على تخمين الإجابة بأنه لا يصدق فرويد , مدللا على رأيه أنه لو كان العقل الباطن سلة مهملات لما ارتفع إلي النبوءة أسمى ما عرفته البشرية .
هكذا نرى أن المروي غير الممسرح في الراويات أخذ موقعاً خارجياً , مع وجود إشارات نصية مباشرة دالة على وجوده داخل الراوية مستمع ومراقب ومستفهم في بعض الأحيان , كما نرى في تساؤلاته وتعجبه واندهاشه مما يقصه الراوي عليه , وتكثر هذه الإشارات في روايتي” ملك من شعاع ” و ” مليم الأكبر “، وتندر في روايتي” الحل والربط ” و ” مناوشة على الحدود ” وتوجد إشارات نصية ضمنية تدل على وجود المروي له متمثلة في الاسترجاعات .
2 – المروي له الممسرح :
يحضر المروي له ممسرحاً في روايات عادل كامل , عندما تتحول شخصية من شخصيات الرواية إلي مروي له نتيجة طول حوار بين شخصيتين , أو نتيجة رسالة تقوم شخصية بإرسالها إلي شخصية أخرى , أو نتيجة خطبة لإحدى الشخصيات في جماعة من الناس .
وتتوافر هذه الأنواع الثلاثة للمروي له الممسرح في روايتي” ملك من شعاع ” و ” مليم الأكبر “، أما في رواية ” مناوشة على الحدود ” فنجد النوع الأول فقط , فالبطل يتحول إلي مروي له نتيجة طول حوار العلماء معه عن النظريات العلمية التي تفسر حقيقة الإنسان، ولا نجد مروياً له ممسرحا في رواية “الحل والربط ” ،على الرغم من كثرة الحوارات بها , لأن الشخصيات لا تطيل الحوار , وإنما يكون حوارها بكلمات موجزة معدودة , تتوافق مع ما قيل لها من الشخصية المحاورة.
وفي رواية ” ملك من شعاع ” أصبح إخناتون مروياً له ممسرحاً في الحوار الذي دار بينه وبين أبيه أمنحتب الثالث قبل وفاة الأخير الذي أراد أن يأخذ الحوار شكل الوصية الأخيرة لابنه , مما جعله يطيل في الكلام ويعطيه درساً في السياسية وإدارة الإمبراطورية , ثم تكلم عن مصر وفضلها على العالم بأسره(96) ولا شك أن هذا الحديث موجه إلينا نحن القراء الذين ” لا نستطيع أن نتماهي مع المروي له الداخلي أكثر مما يستطيع أولئك الساردون داخل القصة أن يخاطبونا أو يفترضوا وجودنا(97). فنحن القراء المقصودون الحقيقيون بهذا الحديث عن السياسة السلمية و فضل مصر، وما إخناتون إلا وسيط بيننا وبين المؤلف , فالمؤلف يريد أن يقوي حماستنا تجاه مصر أم الدنيا .
ويتحول إخناتون إلي مروي له أيضا في رسالة أهل تونب(98). التي تستنجد به من أزيرو حاكم مقاطعة ” أمورية ” ،وكذلك رسالة وإلي بيت المقدس(99)، فالرسالتان استغاثة بفرعون وتطلبان منه المدد والعون , وتصف الحال التي وصلت إليه هذه البلاد البعيدة عن إخناتون ، وما آلت إليه من سلب ونهب من أزيرو .
وفي الأمثلة السابقة كان إخناتون مروياً له ممسرحاً وحيداً , لكن المواقع تتغير ويصبح إخناتون رواياً إلي أصدقائه ووزرائه ( مروي لهم ) ، كما في حديثه إلي أصدقائه عن الديانة الجديدة ( عبادة آتون ) فيقول لهم :” أيها الأصدقاء .إن الحقيقة الأولى أصدق الحقائق , وأن رع الذي تجلي لي اليوم في هيئة ( أتون ) هو أقدم آلهة مصر … أيها الإخوان هذا الحال يجب أن يقف عند حد , فكهنة ” آمون ” ليسوا أقوى منا .. وإنى لهم ند شديد الضرب , عنيد الصراع , وإن صيحتي التي أشيعكم بها أن ثوروا على هؤلاء الكهان الأشرار وحطموا مفاسدهم” (100).
المروي لهم في هذا المقطع أشخاص محددون , وهم أصدقاء إخناتون ووزراؤه وقد عينهم في مطلع حديثه بندائه ” أيها الأصدقاء ” ثم ” ” أيها الإخوان ” فالراوي ” إخناتون ” يريد أن يلغى المسافة بينه وبين المروي لهم حتى يؤثر فيهم ويلهب صدورهم ويحمسهم للدعوة إلي الدين الجديد , والثورة على الظلم وعبادة آمون الفاسدة .
ويخطب إخناتون أيضا في شعبه معلناً رفضه الحرب وتخليه عن الحكم في خطبة طويلة(101)., وما يهمنا منها الآن , أن المروي لهم جمع غفير من الناس , والراوي واحد ” إخناتون ” .
فالمروي له الممسرح في هذه الرواية اتخذ عدة أشكال وهي :
مروى له واحد والرواة متعددون مثل رسالة أهل تونب إلي إخناتون .
مروى له واحد وراوي واحد مثل رسالة والي بيت المقدس إلي إخناتون , وإخناتون في حواره مع والده .
مروى له متعدد والراوي واحد : مثل خطبة إخناتون في شعبه وفي أصدقائه ووزرائه .
ويتخذ المروي له الممسرح في رواية ” مليم الأكبر ” هذه الأشكال الثلاثة أيضا ففي حديث خالد مع أبيه عن ضرورة عمله في وزارة الخارجية يتحول خالد إلي مروي له مستمع إلي الراوي ( أبيه ) حيث يقول أبوه: ” يا بنى إنك رجل فكر ورأي, ويهمك أن تقنع الناس بعقيدتك ولكن خالد المغمور الذي لم يسمع بذكره أحد ليس كخالد ذي المركز الخطير والصيت العريض ،فالناس لا ينصتون إلا لرأي رجل يحترمونه…” (102). والراوي يقرب المسافة العاطفية بينه وبين المروي له بندائه “يابنى” ويريد أن يقنعه بضرورة العمل حتى يحقق فكره وأهدافه , ونحن هنا أمام راوي واحد ومروى له واحد، وهما الشخصيتان الرئيسيتان الفعالتان في الرواية .
ونجد المروي له الممسرح متعددًا والراوي واحدًا في حوار رفاق القلعة عن مليم، إذ يتخذ نصيف موقع الراوي، وباقي الرفاق موقع المروي لهم فيقول نصيف عن مليم : ” إنه ليس بالشخص التافه ولا بالشخص الممتاز .ولكنه فتى عادي , وهذا هو سر سلطانه على كم فنحن أيها الرفاق فتيان مخفقون أما مليم ففتى ناجح في مهنته…” (103)
فالراوي (نصيف) يحاول أن يقنع المروي لهم (باقي الرفاق ) أن مليم فتى عادي، وأن سر تميزه عليهم هو أنه فتى ناجح في عمله , وأنهم مخفقون وغير واثقين من أنفسهم ,منبوذون من المجتمع .وإذا عاش مليم في بيت تاجر أو موظف فسيكون مجرد خادم , لأن الموظف والتاجر ناجحان في عملهما
ونجد نصيفاً قد تحول من موقع الراوي إلي موقع المروي له في رسالة حمدان إليه ,”عزيزي نصيف حامل هذا موضع ثقة . إنه مجاهد قديم قاسى كثيرًا في سبيل الحركة … حمدان ” (104). فالمروي له واحد (نصيف ) والراوي واحد (حمدان ) ولكن موقع نصيف تغير من راوي إلي مروي له.
وهكذا نرى أن المروي له في روايات عادل كامل نوعان : مروى له غير ممسرح , وهو المروي له الرئيسي الذي يحتل نفس مستوى موقع الراوي ، وهو موقع خارجي ,غائب عن الحكاية مع وجود إشارات نصية تدل على وجوده داخل الحكاية مستمع ومراقب , ومحاور في بعض الأحيان , مثلما رأينا تساؤلاته أحيانا , وتعجبه واندهاشه مما يرويه الراوي أحيانا أخرى، وقد رأينا هذه الإشارات النصية تكثر في روايتي(ملك من شعاع )و (مليم الأكبر ) وتندر في روايتي”الحل واربط ” و”مناوشة على الحدود”
أما النوع الثاني “المروي له الممسرح” فهو أحد شخصيات الحكاية تحول إلي مروي له مستمع، وقد اتخذ عدة أشكال
مروي له واحد وراوي واحد .
مروي لهم متعدد , وراوي واحد.
مروي له واحد , ورواة متعددون.
وقد وردت هذه الأشكال الثلاثة في روايتي” ملك من شعاع ” و “مليم الأكبر” أثناء حوار أو خطبة أو رسالة ,لكن لم نعثر على هذا النوع من المروي له الممسرح في رواية “الحل والربط” لعدم ورود نص خطبة أو رسالة وعدم إطالة الشخصيات الكلام إثناء الحوار , ووجدنا الشكل الأول فقط في “مناوشة على الحدود ” نتيجة إطالة العلماء الحوار مع البطل الذي تحول إلي مروى له .
الهوامش:
([1]) لطيف زيتونى : معجم مصطلحات نقد الرواية، ؛ ط 1 ؛ مكتبة لبنان ناشرون / دار النهار للنشر؛ 2002 ، ص 176.
(2) انظر : واين بوث : بلاغة الفن القصصي؛ ترجمة : أحمد خليل عردات / وعلى بن أحمد الغامدي؛ ط جامعة الملك سعود ؛ 1994 ، ص 176.
(3) عبد الحميد عقار : وضع السارد في الرواية بالمغرب، مجلة دراسات أدبية ولسانية، ع 1،1985، ص 24.
(4) عبد العال بوطيب : مفهوم الرؤية السردية في الخطاب الروائي بين الائتلاف والاختلاف، مجلة فصول، م11، ع4، شتاء 1993، ص 68.
(5) عبد الرحيم الكردي: الراوي والنص القصصي؛ ط1؛ مكتبة الآداب، القاهرة؛ 2006م، ص 17.
(6) انظر : جيرالد برنس : المصطلح السردي، ؛ ترجمة : عابد خزندار ؛ ط 1 ؛ المجلس الأعلى للثقافة – القاهرة ؛ 2003 ، ص 158.
(7)انظر : بيرسي لوبوك : صنعة الرواية، ؛ ترجمة : عبد الستار جواد ؛ دار الرشيد ؛ سلسلة الكتب المترجمة؛ 1981، ص 231.
(8) راجع حول هذه المصطلحات :
– سيزا قاسم : بناء الرواية، ط، مكتبة الأسرة، 2004م.
شحات محمد عبد المجيد : بلاغة الراوي ط، الهيئة العامة لقصور الثقافة، القاهرة، سلسلة كتابات نقدية، أكتوبر 2000.
– عبد العال بوطيب : مفهوم الرؤية السردية، م0س.
(9)انظر : ولغ غانج كانزير : من يحكي الرواية، ترجمة محمد أسويرتى ضمن طرائف تحليل السرد الأدبى، ط1، منشورات اتحاد كتاب المغرب، الرباط، 1992، ص 117.
(10) انظر :
F. K. Stanzel, A Theory of Narrative, Translated by Charlotte Goedsche, With apreface by Paul Herndadi Cambridge University Press, 1984. P.4(11) انظر : عبد الرحيم جيران : في النظرية السردية ط2، أفريقيا الشرق، المغرب، 2006، ص 119.
(2[1]) انظر : محمد عبد المطلب :بلاغة السرد، ط الهيئة العامة لقصور الثقافة، القاهرة، سلسلة كتاب نقدية، سبتمبر 2001، ص 94.
(3[1]) انظر : جان هيرمان : السرديات، ضمن نظريات السرد من وجهة النظرإلي التبئير، ؛ ترجمة: ناجي مصطفي ؛ ط 1 ؛ منشورات الحوار الأكاديمي والجامعي – المغرب ؛ 1989 ، ص 100.
(4[1]) السابق : ص101 .
(5[1]) ميخائيل باختين: الخطاب الروائي، ترجمة محمد برادة، ط2، دار الفكر، القاهرة، 1987، ص 102.
(6[1]) انظر : عبد لله إبراهيم : المتخيل السردي ، ط 1، المركز الثقافي العربي – بيروت ،1990 ،ص 116
(7[1]) عبد العال بو طيب :مفهوم الرؤية السردية ،م.س، ص 68
(8[1]) عبد الله إبراهيم : السردية العربية : (بحث في البنية السردية للموروث الحكائى العربى)، ط المركز الثقافي ا لعربي – بيروت، 1992، ص 11.
(9[1]) انظر تساؤلات نورمان فريدمانNorman Friedman : Form and Meaning in Ficition, The University of Georgia Press, Athens, 1975, P. 142
(20)انظر : لطيف زيتونى :معجم مصطلحات نقد الرواية، م0س، ص 96.
(21)انظر : جيرار جينيت : خطاب الحكاية، ترجمة : محمد معتصم ؛ ط 2 ؛ ط المجلس الأعلى للثقافة – القاهرة، 1997 ، ، ص 258.
(22)انظر : جيرالد برنس : المصطلح السردي م0س، ص 245.
3)2)انظر : سيزا قاسم : بناء الرواية، م0س، ص186.
(24)انظر : جان هيرمان : السرديات، م0س، ص 108.
(25)انظر : محمد نجيب العمامي : الذاتية في الخطاب السردي ، ط1، دار محمد على، صفاقس، وكلية الآداب والفنون والإنسانيات ، مئوية ، تونس، 0211، ص 20.
(26)انظر : جان هيرمان : السرديات، م0س، ص 110.
(27) عادل كامل :ملك من شعاع، مكتبة الأسرة ؛ 1998، ص 93.
(28)انظر : ك0ف ستانزل : العناصر الجوهرية للمواقع السردية، ترجمة عباس التونسى، مجلة فصول، ع4، م11، م0س، ص 60.
(29)انظر : جيرالد برنس : المصطلح السردي، م0س، ص 59.
(30) عادل كامل :ملك من شعاع، م0س، ص 94.
(31) السابق، ص 94-95.
(23) السابق، ص 95.
(33) السابق، ص 95.
(34)انظر : محمد نجيب العمامي : الذاتية في الخطاب السردى، م0س، ص 51.
(35) عادل كامل : ملك من شعاع، م0س، ص 95.
(36) السابق نفسه : ولمزيد من هذا النوع من وجهة النظر الداخلية انظر مليم الأكبر، مكتبة الأسرة ؛ 1994ص 185 – 186.
(37)انظر : واين بوث : بلاغة الفن القصصى : م0س، ص 88.
(38)انظر : شحات محمد عبد المجيد : بلاغة الراوي، م0س، ص 88.
(39) عادل كامل : ملك من شعاع، م0س، ص 36 انظر مليم الأكبر، ص 262-263.
(40)انظر : لطيف زيتونى : معجم مصطلحات نقد الرواية، م0س، ص 119.
(41) عادل كامل : ملك من شعاع، م0س، ص 36.
(42) انظر : لطيف زيتونى : معجم مصطلحات نقد الرواية، م0س، ص 139.
(43) جيرار جينيت : خطاب الحكاية، ؛ م.س؛ ص 202.
(44) عادل كامل : مليم الأكبر، م0س، ص 185، وانظر ملك من شعاع، ص 35، 36.
(45)Shlomith Rimmon – Kenan :Narrative ficition Contemporary Poetics, New Accents, General Editor : Terence Hawkes, Methuen, London and New York, 1993, P.107.(46)انظر : جيرار جينيت : خطاب الحكاية، م0س، ص 178.
(47)انظر : جيرالد برنس : المصطلح السردي، م0س، ص 61.
(48)انظر : ميخائيل باختين : الكلمة في الرواية، ترجمة : يوسف حلاق، ط، منشورات وزارة الثقافة، دمشق، 1988،م، ص 146.
(49) واين بوث : بلاغة الفن القصصي، م0س، ص 133.
(50) عادل كامل : الحل والربط، ط دار الهلال ؛ 1993 ، ص 18 : 20 وانظر مليم الأكبر، م0 س صـ 208 وملك من شعاع، ص 78.
(51)انظر : صلاح فضل : بلاغة الخطاب وعلم النص، ط عالم المعرفة، ع164 الصادرة عن المجلس الوطنى للثقافة، الكويت، أغسطس 1992م، ص 100.
(52) يمنى العيد : الراوي والموقع والشكل (بحث في السرد الروائي)، ط1 مؤسسة الأبحاث العربية، 1986، ص 11.
(53) بيرسى لوبوك : صنعة الرواية، م0س، ص 76.
(54) Yanxia Sang : An Analysis of Stream of Consciousness Technique in to the Lighthouse, Asian Social Science, Vol 6, No9, September, 2010. , P. 174.(55) عادل كامل : ملك من شعاع، م0س، ص114
(56) عادل كامل : مناوشة على الحدود ، م0س، ص 150-151.
(57) السابق، ص 151.
(58) Inna Drach :Montage Techniques in the Novel Berlin Alexanderplatz by A. Doblin and The film Berlin Alexanderplatz (The Director. R. W. Fassbinder) Russion Sat University for the Humanities Moscow, Bussia.p.2(59)انظر: لطيف زيتونى : معجم مصطلحات نقد الرواية، م0س، ص 5.
(60)انظر:حميد لحمداني : بنية النص السردي، ط 1 ؛ المركز الثقافي العربي ـ المغرب ؛ 1991 ، ص 45.
(61) انظر: لطيف زيتونى : معجم مصطلحات نقد الرواية، م0س، ص 151، جيرالد برنس : المصطلح السردي، م0س، ص 142.
(62)انظر :عبد العال بوطيب :مفهوم الرؤية، م0س، ص 69.
(63)انظر : جيرار جينيت : خطاب الحكاية، م0س، ص 268.
(64) انظر :جيرالد برنس : المصطلح السردي، م0س، ص 111، 143.
(65) انظر : لطيف زيتونى : معجم مصطلحات نقد الرواية، م0س، ص 151.
(66)انظر: جيرالد برنس : المصطلح السردي، م0س، ص 143.
(67) رولان بارت : التحليل البنيوى للسرد، ضمن طرائف تحليل السرد الأدبى؛ ط1 ؛ منشورات اتحاد كتاب المغرب – الرباط ؛ 1992 ، ص 26.
(68) واين بوث : بلاغة الفن القصصي، م0س، ص 105.(69) انظر: على عبيد : المروي له في الروايات العربية، ط، دار محمد على للنشر وكلية الآداب بمنوبة، تونس ، ط1، 2003م، ص 195-173.
(70) انظر: جيرالد برنس : المصطلح السردى، م0س، ص 143.
(71)انظر: لطيف زيتونى : معجم مصطلحات نقد الرواية، م0س، ص 151.
(27)انظر: على عبيد : المروي له في الروايات العربية، م0س، ص 172.
(73) لطيف زيتونى : معجم مصطلحات نقد الرواية، م0س، ص 151.
(74) انظر: على عبيد : المرى له في الروايات العربية، م0س، ص 172.
(75) بيرسى لوبوك : صنعة الرواية، م0س، ص 108.
(76) عادل كامل : ملك من شعاع، م0س، ص 41.
(77) السابق، ص 55.
(78)السابق، ص 100.
(79) السابق نفسه.
(80) عادل كامل : مليم الأكبر، م0س، ص 137.
(81) السابق نفسه .
(82) السابق نفسه.
(83) جيرار جينيت : خطاب الحكاية، م0س، ص 268.
(84) عادل كامل : مليم الأكبر، م0س، ص 138.
(85) السابق نفسه.
(86) السابق، ص 191 :192
(87) السابق ص 192.
(88) شحات محمد عبد المجيد : بلاغة الراوي، م0س، ص 159.
(89) عامل كامل : مليم الأكبر، م0س، ص:195 .
(90)عبد العال بوطيب : مفهوم الرؤية السردية ، م.س ،ص 69 .
(91) عادل كامل : الحل والربط، م0س، ص 17.
(92)السابق، ص17 :18 .
(93) السابق، ص 14.
(94) السابق : ص 18.
(95) عادل كامل : مناوشة على الحدود، م0س، ص 174-175.
(96) انظر :عادل كامل : ملك من شعاع، م0س، ص 74-76.
(97) جيرار جينيت : خطاب الحكاية، م0س، ص 268.
(98)انظر:عادل كامل : ملك من شعاع، م0س، ص 175.
(99) انطر: السابق، ص 192.
(100)السابق، م0س، ص 120.
(01[1]) السابق، ص 204: 211.
(02[1])عادل كامل : مليم الأكبر، م0س، ص 147.
(103 )السابق ص 205
(04[1]) السابق، ص 248.